نهضة ثقافية بلون الجرمق في بيت جن

بلدة أهملت من قبل السلطات الإسرائيلية ولا تزال تعاني كشقيقاتها البلدات العربية جراء سياسة الإجحاف والإهمال الرسمية

نهضة ثقافية بلون الجرمق في بيت جن

بيت جن قرية عربية تتربع على قمم جبال الجليل وتتكئ على جبل الجرمق، وللمكان حكاية كما هي حكاية عرب الداخل عامة والطائفة المعروفية على وجه الخصوص.

بلدة أهملت من قبل السلطات الإسرائيلية ولا تزال تعاني كشقيقاتها البلدات العربية جراء سياسة الإجحاف والإهمال الرسمية.

غياب المبادرات المحلية أبقى البلدة والقرى العربية الدرزية  تتربع في آخر السلم من حيث الفراغ وازمة المعيشة   والاقتصاد وغياب الحياة الثقافية مما ألقى بظلاله على حال الأجيال التي تعاني الفراغ والإحباط.

في ظل هذه الوضعية ينشط منذ سنوات بعض الأفراد والمجموعات لخوض تحديات النهوض بأبناء الشبيبة لملء الفراغ في قرية بيت جن، ولتسليط الضوء على ملامح المشهد زار 'عرب 48' مؤسسي جمعية الجرمق للفنون والموسيقى وأعد التقير التالي..

نفاع: للعسكرة انعكاسات وخيمة

نفاع نفاع من رافضي الخدمة العسكرية وأحد مؤسسي جمعية الجرمق لتعليم الموسيقى والتنمية الثقافية، ويتمتع بثقافة أهلته مع آخرين للبحث عن بداية مخرج للإحباط والفراغ والشعور بالاغتراب الذي خلفه غياب المؤسسات الحاضنة لدى الشباب هناك وكانت نقطة الإنطلاق تأسيس أول جمعية ثقافية تعنى بشؤون الفن والموسيقى لتتحول إلى اهتمامه الأول والأهم، وقال: 'معروف للقاصي والداني أن للتجنيد الإجباري أثر بالغ لإنتاج الفراغ التي تعانيه البلدات العربية الدرزية أكثر من غيرها من البلدات العربية الأخرى علما أن هذا الأمر الآن لا يشغلنا بقدر ما ننشغل بسد شيء من هذا الفراغ الذي قد يدفع الكثير من أبناء الشبيبة لمتاهات لا تحمد عقباها، لذلك نحن انطلقنا منذ العام 2006 بهذه المبادرة المتواضعة لنساهم في بدايات لسد هذا الفراغ وخلق أفق مفتوح أكثر أمام أبنائنا'.

وأضاف نفاع: 'لقد اخترنا الفنون والموسيقى لأنه المجال الأكثر إهمالا رغم أهميته الثقافية والتربوية، ويهدف عمل الجمعية لبناء جيل موسيقي كمشهد حضاري للمجتمعات الإنسانية، ونحن نعلم أن هذا ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى جهود وعمل جماعي وموارد، وهذا مشروع في غاية الأهمية ونحن نؤمن أيضا أن للموسيقى والفنون على أنواعها دور بالغ في تهذيب النفس ورؤية الأشياء والحياة والتعامل معها على نحو مختلف، ونؤمن أيضا أنها تلجم نزوع العنف وتعزز ثقافة الإصغاء والحوار واحترام الآخر'.

 وحول الموارد والتمويل، قال نفاع: 'لا يوجد لنا أي مصدر دعم ونحن نقوم بذلك بقوانا الذاتية ومساهمة الطلاب. نؤمن أيضا أن رغم الإمكانيات المتواضعة تستطيع أن تخلق إبداعا في حال توفرت النية والإرادة والرؤية السليمة'.

 وأشار نفاع إلى إهمال المؤسسات الحكومية المعتمد للحياة والمؤسسات الثقافية، وقا: 'أتهم السلطات بهذا التقصير والإهمال ولو كانت إحدى البلدات اليهودية خالية من هذا المجال لقلبت الدنيا لتوفير هذه المستلزمات'.

 ويرى نفاع أن 'الخدمة العسكرية الإجبارية أثرت لحد كبير في عملية التهميش الثقافي والاقتصادي والتعليمي وكل مناحي حياة أبناء الطائفة العربية المعروفية، وهذا ما أثبتته دراسات وأبحاث سابقة'.

 وخلص نفاع بالقول: 'سنواصل تحقيق الإنجازات لمشروعنا رغم الإمكانيات المعدومة لخوض غمار هذا التحدي ونعتبرها جبهة نخوض فيها تحديا قاسياغ، لكنه يستحق هذا العناء من أجل مستقبل أبنائنا ومواجهة حالة الإقصاء والتهميش'.

 خلد: النقش بالحجر رسالة لا بد منها

خالد خلد، مدير جمعية الجرمق وأستاذ اللغة الإنجليزية فيها، استعرض مسيرة الجرمق والعقبات التي تعترض طريق عملهم في وضعية خاصة، وقال: 'إن التحدي الأول هو التغلب على الفراغ القاتل في مجالات الفنون والموسيقى والثقافة عامة في بلدتنا، وثانيا مأسسة هذا المشروع الذي يتطلب موارد مالية وكوادر مهنية'.

وأضاف: 'إن التحدي الأول تم ويتم مواجهته من خلال استيعاب قرابة المائة طالب سنويا مما يدل على تعطش أبنائنا خوض غمار ميدان الفن والموسيقى، ونحن من جهتنا نبحث ونتعامل مع خيرة الأساتذة لتعليم طلابنا ومنهم على سبيل المثال أستاذ القانون مهران مرعب والأستاذ فؤاد عبد الفتاح وغيرهم، وهم يشاركونا الرسالة بمهنية ومسؤولية عالية وحققوا نتائج بتعاملهم ومهنيتهم العالية'.

 وحول تعليم اللغة الإنجليزية في الجمعية، قال: 'نقوم بذلك أولا لتقوية طلابنا بصفتها لغة مهمة، وثانيا كي نستطيع تمويل مجال الفن والموسيقى من مردود هذه الدورات المكلفة'.

 وأكد خلد أيضا أن 'الغاية الأولى من هذا المشروع هي التربية الموسيقية لنمهد إلى تطوير المجالات الثقافية الأخرى، ونحن نعلم حجم الإهمال والتهميش الواقع على هذه الشريحة من مجتمعنا العربي علما أن كل مواطن يجب أن يتمتع بحقوق المواطنة كاملة فكم بالحري لشريحة فرض عليها التجنيد الإجباري'.

 وأضاف خلد: 'نحن من جهتنا وجدنا أن السلطات غير معنية بسد هذا الفراغ ونحن أخذنا على عاتقنا الانطلاق لسد شيء من هذا الفراغ الهائل مع علمنا لحجم واستحقاقات المهمة، نحن ماضون بمشروعنا كرسالة تحتل اهتمامنا الأول'.

عبد الفتاح: الوضع مؤلم..

وقال فؤاد عبد الفتاح، أستاذ للموسيقى يعمل في جمعية الجرمق منذ سنوات ويشاركها التحديات ويواكب المشهد المتغير هناك: 'لا شك أن الفنون على اختلاف أنواعها وميادينها تشكل مرآة الشعوب والمجتمعات. نحن كمجتمع نعاني الكثير من النقص في هذا الميدان والتعامل معه وفي بيت جن وجدت ولمست الحاجة لدى الشباب والأطفال للتعامل مع عالم الفنون والموسيقى، وكان حجم الإقبال والإهتمام مثير ومؤلم لدي وأعتقد أن التغييب شبه الكامل للحياة الثقافية والفنون على وجه الخصوص في أوساط هذه الشريحة من مجتمعنا جعل الكثيرين هناك ممن يقبلون على التعليم يكتشف هذه المتعة والرغبة بالتعاطي مع عالم جميل قد يكون طغت عليه أجواء الخدمة العسكرية الإجبارية ونوع الثقافة التي تنتجها'.

وأضاف: 'أشعر أنه لدي هناك رسالة أهم من أي مكان آخر حيث ربطتني مع طلابي ومع البلدة علاقات خاصة وبوضعية خاصة اكتشفت من خلالها عمق التهميش والإهمال لهذه الشريحة. كما ولمست لدى القيمين على المشروع والطلاب وأهاليهم الرغبة القوية في خلق حياة أفضل وذات معنى آخر'.

التعليقات