العطار النابلسي: حكاية الطبيعة العريقة التي هجرها أهل الناصرة

​ربّما لم تعد تفلح الأعشاب والنباتات في جلبِ الزبائن إلى هذا الركن الهادئ العريق، القابع في البلدة القديمة في النّاصرة، حيثُ يجلسُ العطّار نجم محروم النابلسيّ هناك، بين أكداسٍ متنوعة من الحبوب والأوراق المجففة والبهارات والأدوية الطبيعيّة

العطار النابلسي: حكاية الطبيعة العريقة التي هجرها أهل الناصرة

النابلسي

ربّما لم تعد تفلح الأعشاب والنباتات في جلبِ الزبائن إلى هذا الركن الهادئ العريق، القابع في البلدة القديمة في النّاصرة، حيثُ يجلسُ العطّار نجم محروم النابلسيّ هناك، بين أكداسٍ متنوعة من الحبوب والأوراق المجففة والبهارات والأدوية الطبيعيّة، ليروي لنا حكاية هذا المكان المتوارث منذ أكثر من 150 عامًا، وقصّة مهنة تندثر.

كان

بدأ النابلسيّ مهنته عطّارًا مذ كان يبلغ من العمر 15 عامًا، 'طب العرب' هي المهنة التي توارثها أباه عن جدّه، ومن ثم هو عن أبيه، وتركَ المدرسة لأجلها، اليوم، بلغ في عمر ممارسة مهنته 45 عامًا، وما زال شاهدًا على تغيّر حالها ليروي بحسرة 'الطبّ البديل لم يعد كسابق عهدهِ، تلجأ الناسُ اليوم للطبيب بشكل أساسيّ وللطب التقليديّ المتمثل بالأدوية الكيميائيّة، التصوير الإشعاعي، وغيرها، ربما ذلك لأنّهم لا يجيدون استعمال الدواء الطبيعيّ كما هو مفترض'.

وعن هذه المهنة العربيّة الأصيلة، التي استُخدمت دواءً لكلّ داء، أعرب النابلسيّ أنّها من أجمل المهن لأنّها تفيد جسد الإنسان بواسطة الطبيعة، التي لا مضار لها، مسترجعًا ذكرياته عن النظام الغذائيّ الماضي مذ كان صغيرًا: 'كنا نبيع البيض البلديّ، الذي كان ينكسر أحيانًا أثناء عملنا، فيأخذ جدّي البيضة كما هي ويرش عليها بعض التوابل، ومن ثمّ يشربها كما هي نيّئة، وكنا نفعل ذلك مثله طاعةً له، ما منحنا الصحة والقوّة البدنيّة، إضافةً لتناولنا الحبوب كالفول، الحمص، العدس، والبقوليّات المختلفة، التي كنا نأكلها بكثرة، ويجب أكلها بشكل يوميّ كي يبقى الجسدُ قويًا'.

ويردف النابلسيّ أنّ 'جسد الإنسان لم يعد اليوم كما كان سابقًا قويّ المناعة، فاليوم النظام الغذائي المتبع اختلف عن السابق، وجيل الشباب اليوم ضعيف جسديًا بسبب سوء التغذية، ولكن قديمًا، اعتمد الفلسطينيّون على زيت الزيتون والزعتر والبصل غذاءً أساسيَّا، وأنا كل يوم أقوم بشرب كأس صغير من زيت الزيتون، مع قليل من الزعتر على وجبة الإفطار، وهو خير طعام للجسد'.

'أنصح الجيل الشاب بالابتعاد عن الدهنيّات والحلويّات وأكلها بشكل معقول، فالمغالاة في أكل الملح والسكر يضرّ الجسم على حدٍ سواء، يجب عليهم أن يأكلوا بتوازن، خاصةً في شهر رمضان، وعيد الفطر، مع انتشار الحلويات، ما قد يرفع نسبة السكر بالجسم، ليضطر المرء على إثر ذلك تناول الدواء، فالوقاية خير من العلاج، ويجب على الإنسان أن يكون حكيم نفسه، ويتحكم برغباته وأسلوب حياته'، يتحدّث النابلسي ناصحًا أبناءَه من الجيل الجديد.

اليوم

من خلال عمله يرى أنّ أكثر الأمراض شيوعًا هي أمراض السرطان، التي لا علاج لها، وأكثر الأمور التي ما زالت تلاقي إقبالا هي البذور، قشر الرمان، اللافندر، وأدوية الإمساك، كالسيلاميك وأوراق العشرق والسدر، إضافةً لأدوية علاج العقم، والقحة، وهناك دواء من أفضل الأدوية لمرض السكريّ، هو الحلتيت، الذي من المفضل أن يتم تناوله يوميًا، وكذلك زيوت للشعر والجسم والأوجاع المختلفة، هذا ما عبّر عنه النابلسيّ، مردفًا: 'هناك معلومة مثيرة للاهتمام في هذا العالم عن مادة العمبر، تلك الرائحة الزكية، يتم استخراجها من كبد الحوت، ففي اليابان والهند يصطادون الحيتان، ويستأصلون الكبد الذي يحتوي على الزيت بدلًا من الدماء، ما يحفظه لآلاف السنين، والبعض يستعمله مع البخور'.

أما في شهرِ رمضان، فهناك إقبال على الحلاوة والتمر وقمر الدين والفواكه المجففة، إضافةً للرز وزيت الذرة، نسبةً لاستعمالها في الطعام، ويقيسُ النابلسيّ هذه البضائع بميزانٍ تقليديّ قديم، عُمرُه ما يقارب 40 عامًا، ما زال يعمل حتى يومنا هذا.

السوق، ما بين كان واليوم!

يسترجع النابلسيّ ذكرياته مع السّوق، حين كان في ريعان شبابهِ، يجلسُ في الحانوت ويصطف الرجال يشترون الحمص والعدس والفول لجميع أيّام السنة، 'لم يكونوا سابقًا يشترون كيلو أو نصف كيلو كما اليوم تفعل الأُسر، بل 10 و20 كيلو من كل صنف من الحبوب، كي يخزنوا الطعام كمؤن لباقي أيام السنة'.

ويستطرد النابلسيّ: 'كانت تؤم السوق أمم لا تُعدُّ ولا تحصى، أذكر هذا المشهد العامر بأهالي القرى المجاورة المترددين إلى السوق، كانت النّاصرة هي أمّ القرى الجليليّة. وفي بعض الأحيان كنا نضطر بتأجيل المعاملات إلى النهار التالي، بسبب حلول الليل وعدم قدرتنا على مواصلة العمل في ساعات متأخرة، ولكن، منذ أواخر التسعينيّات في القرن الماضي، شهدنا تراجعًا بسبب وجود الشركات الكبرى، ولكن مع حلول عام الألفين لغاية يومنا تغيّر الوضع كليًا إلى أن أصبح متدنيًا، فما عاد أبناء القرى يترددون إلى سوق الناصرة بسبب وجود حاجياتهم في بلدانهم'.

اقرأ/ي أيضًا | "الفلافل... أكلة إسرائيليّة شعبية"... هكذا يُباع للسائحين!

رغم ما تعانيه هذه المهنة من تراجع، فالبلدة القديمة تسوء حالتها، أيضًا، فلم تعد هناك قدم تتردد إلى البلدة القديمة في الناصرة، ومن يدخله لا يدخل إلا لشراء لأمور بسيطة محدّدة ويغادر، ويصف النابلسيّ الوضع الاقتصاديّ في البلدة القديمة، بالقاسيّ جدًا، وذلك بسبب وجود الشركات التجاريّة الكبرى في نتسيرت عيليت، فوجود تلك الشركات أثّر سلبًا على جميع أبناء الناصرة، وليس فقط أبناء السوق وحده، قائلًا: 'نحن نعاني من صعوبات جمّة في الحياة، وخاصةً في السنة الأخيرة، نحن نطالب البلديّة بتخفيض الضرائب، أو عمل فعاليات لتنشيط الحركة، فهناك الكثير من المحال التي لا يدخلها شاقلٌ واحد في اليوم.

التعليقات