مؤتمر "مدى الكرمل" السنوي: نقاش تحولات المشاركة السياسية

اختتم مركز "مدى الكرمل"، عصر اليوم السبت، في فندق "رمادا أوليفييه" بمدينة الناصرة، مؤتمره السنوي للعام 2019 بسلسلة جلسات حوارية ومحاضرات، شارك فيها عدد من السياسيين والمثقفين والمهنيين المتخصصين في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

مؤتمر

من المؤتمر (تصوير: "عرب 48")

اختتم مركز "مدى الكرمل"، عصر اليوم السبت، في فندق "رمادا أوليفييه" بمدينة الناصرة، مؤتمره السنوي للعام 2019 بسلسلة جلسات حوارية ومحاضرات، شارك فيها عدد من السياسيين والمثقفين والمهنيين المتخصصين في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وجاء المؤتمر تحت عنوان "الفلسطينيون في إسرائيل... تحولات المشاركة السياسية في العقدين الأخيرين ورؤية نحو المستقبل".

جانب من المؤتمر (تصوير: "عرب 48")

وتولت المديرة المشاركة في "مدى الكرمل"، إيناس عودة الحاج، عرافة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، بالترحيب بالضيوف واستعراض عناوين المؤتمر والجدل الذي أُثير عقب الانتخابات الأخيرة للكنيست، والأسئلة العديدة التي تُطرح اليوم والتي تستدعي قراءة معمقة حول مستقبل المشاركة السياسية في ظل قصور القائمة المشتركة في تحقيق تطلعات الجماهير وبالتالي تفككها.

وقال رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة، والذي كان أول المتحدثين في المؤتمر: "نحن أمام فرصة لإصلاح الخلل الذي أدى إلى تفكك المشتركة والخيبة التي تركها هذا الانقسام لدى الجماهير"، مؤكدا على ضرورة الاستفادة من الأبحاث والاستطلاعات والأخذ بها.

 (تصوير: "عرب 48")

وذكر بركة أن لجنة المتابعة لا تعكس توجهات ولا فكرا سياسيا لفئة أو حزب، وإنما هي مساحة العمل المشترك والمظلة التي تجمع من حولها الجميع، مُشيرا إلى تراجُع العمل السياسي العام في السنوات الأخيرة لصالح جمعيات المجتمع المدني و"برايمريز" العائلات، وإلى أن مكانة الأحزاب تقل لصالح هذين العنصرين.

وقال بركة إن أسوأ ما حصل للحالة السياسية هو التسفيه المتواصل لفكرة الحزبية.

وذكر رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، مضر يونس، أن قوة الأحزاب  تضاءلت مقابل العائلية، في البلدات العربية، مشيرا إلى أن 70% من رؤساء السلطات المحلية تم تغييرهم مؤخرا، إذ أن العائلة أصبحت تختار الشاب المثقف والبارز لتعتمده مرشحا لها في الانتخابات، وقد أصبح التفكير داخل العائلة يشبه إلى حد ما التفكير الحزبي والصوت الراجح فيها للشباب الذي يهمه رفاهية العيش لأهل بلده دون البنى التحتية فقط.

رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، محمد بركة (تصوير: "عرب 48")

وقال يونس إن الأحزاب لم تنجح في تحديد السياسة المحلية، وأصبح الحزب يلتئم مع عائلة كبيرة ليعزز مكانته والوصول إلى الرئاسة؛ فالحديث العائلي مقبول وإن تبنَّى المرشح فكرا حزبيا، إلا أن مرجعيته تكون العائلة، لأن الحديث العائلي أكثر قبولا وتقبلا، ومن هنا تنبع أهمية هذا المؤتمر، على حد تعبيره.

ومن ثم تحدث عضو إدارة "مدى الكرمل"، د. جوني منصور، مستعرضا الأسباب والدوافع لإجراء استطلاع تم عرض نتائجه في كتاب تم توزيعه على المشاركين في المؤتمر.

وقال منصور: "إن البحث لم يأت من فراغ بل من واقع حاصل في قرانا، وازداد حدة في الانتخابات الأخيرة التي أظهرت الشرخ الكبير داخل المجتمع الذي سمح لمقاولي الأصوات من الأحزاب الصهيونية التغلغل داخل مجتمعنا".

وشارك في الجلسة الأولى تحت عنوان "الفلسطينيون في إسرائيل والمشاركة السياسية – عرض نتائج استطلاع رأي"، كل من المحاضر في جامعة حيفا، وعضو لجنة الأبحاث في "مدى الكرمل"، د. عميد صعابنة، وقام بتحليل أنماط المشاركة السياسية المختلفة ومواقف الفلسطينيين في إسرائيل.

النائب د. منصور عباس (تصوير: "عرب 48")

 وعقَّب كل من المحاضر في كلية "بيت بيرل"، بروفيسور محمد أمارة، والنائب د. إمطانس شحادة، على تحليل أنماط المشاركة السياسية المختلفة، في حين تولت إدارة الجلسة منسقة برنامج دعم طلاب الدكتوراه في "مدى الكرمل"، عرين هواري.

وتحدث د. صعابنة عن محاولة تحري أنماط المشاركة السياسية لدى المجتمع الفلسطيني في الداخل في ظل السياق الاقتصادي – الاجتماعي الذي تطور مؤخرا بفعل السياسات النيوليبرالية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة والتي أدت بالتالي إلى ظهور الطبقية وتعميق الفجوات بين سكان المدينة أو البلدة الواحدة.

واستعرض د. صعابنة نتائج الاستطلاع وتأثير التحصيل العلمي وأنماط المواقف السياسية العامة، الجماعي – الوطني، والاندماجي، إذ ظهر أن نسبة 47% من المشاركين ترى في النمط الذي يعتمد التنظيم الجماعي – الوطني الوسيلة الأفضل للنهوض بالمجتمع العربي، في مقابل ذلك 45% من المشاركين ترى الاندماج الكامل في مؤسسات الدولة والمجتمع الاسرائيلي الوسيلة الأفضل للنهوض بالمجتمع العربي، كذلك أشارت نسبة 8% من المشاركين إلى أن التركيز على المصلحة الشخصية هو الوسيلة الأفضل. ويظهر أنّه كلما ارتفع التحصيل العلمي يزداد مؤشر الذين اختاروا نمط التنظيم الجماعي الوطني حيث بلغت النسبة 60% بين الطلاب الأكاديميين.

الأمين العام السابق للتجمع، عوض عبد الفتاح (تصوير: "عرب 48")

من جانبه، انتقد بروفيسور محمد أمارة الأخذ فقط بمؤشر مستوى التعليم فقط كمقياس لأنماط المشاركة السياسية، وتحدث عن التغيير الجوهري الحاصل في المجتمع الإسرائيلي والذي يمس في الصميم سلوك العرب. وتحدث عن مصطلح "الاستقطاب" كمفتاح للتنظيم السياسي لدى العرب والاستقطاب للاندماج في مؤسسات الدولة، وقال إن الذين يندمجون هم جزء لا يتجزأ من التيار الوطني لأن السياسة العربية لا تأتي بثمار، وهنالك خيبة من الأحزاب العربية.

وتحدث شحادة، عن صعوبة التحليل وتناول الاستطلاعات في غياب نظريات وأبحاث مشابهة عن المجتمع العربي، وتحديد نقطة البداية لأي استطلاع، وتحدث عن إشكاليات إجراء استطلاعات، مشيرا إلى أن أخذ مستوى التعليم كنموذج في الاستطلاع قد لا يعبر عن الحالة الطبقية، ولا يعطي صورة واضحة بالنسبة لنمط التنظيم الجماعي الوطني والاندماجي في حين أنه لا يعطي أجوبة تتعلق بالتحالفات أو الميول إلى تحالفات سياسية.

مدير عام "مدى الكرمل"، د. مهند مصطفى (تصوير: "عرب 48")

وأشار شحادة إلى الظاهرة الجديدة التي بدأت تنشأ بعد الانتخابات الأخيرة كظاهرة "المستقلين"، وتحدث عن تراجع أهمية القضية الفلسطينية لدى الجمهور العربي مقابل همومه واحتياجاته اليومية وقضاياه المدنية.

وشارك في الجلسة الثانية للمؤتمر مدير عام "مدى الكرمل"، د. مهند مصطفى، بمحاضرة حول التنظيم السياسي بين سياسات الاستخفاف والأمل، والتي استعرض فيها بمنظور تحليلي؛ أسباب عزوف المواطنين العرب عن العمل السياسي، الذي يتضح من خلال العديد من الأبحاث التجريبية والكمية، وتقليص الحيز السياسي للسياسيين فقط.

وشرح مصطفى بإسهاب عن مصطلحَي "الاستخفاف" و"الأمل"، والعلاقة بينهما في ظل واقع الجماهير العربية في البلاد، وحاول من خلالهما تفسير أسباب عزوف الناس عن العمل السياسي.

وقال إنه ليس لسياسة الاستخفاف تفسير واحد وإنما هو تراجع الثقة بالعمل السياسي وبالعاملين في حقل السياسة، والقناعة بأن السياسيين غير صالحين وكاذبون وتحركهم المصالح الشخصية. وقال إن ثلاثة معايير تلخص منظومة الاستخفاف هي الاغتراب، ونمو الشك وعدم الثقة، وغياب مرجعية سياسية واضحة، في حين أن منظومة الأمل يعززها بناء مشروع سياسي جماعي، تنظيم المجتمع، وقيادة ترى في العمل السياسي هدفا، ثم تحدث عما يسمى بفكرة "الخلاص الفردي بمعزل عن الجماعة" وهي الفكرة المضادة للمشروع السياسي الجماعي.

وعقَّب الباحث وطالب الدكتوراة في جامعة حيفا، محمد خلايلة، على ورقة مصطفى حول التنظيم السياسي للفلسطينيين في إسرائيل بين سياسة الأمل والاستخفاف، وذكر بعض التفاصيل المتعلقة باستطلاع جرى مؤخرا يشير إلى أن 58% من المواطنين العرب يريدون للنواب العرب أن يكونوا جزءا من حكومة يسارية أو حكومة "مركز"، و40% يريدون للنواب العرب أن يكونوا جزءا من حكومة اليمين و23% يريدونهم أن يكونوا في إطار جسم مانع لتشكيل حكومة يمين متطرف.

وقال خلايلة إن الجمهور العربي يرى في الأحزاب أنها مضرّة إذا لم تكن غير مؤثرة ولا تلبي آمال وطموحات المجتمع العربي وقضاياه الداخلية بينما تنشغل في قضايا أخرى.

وعقبت النائب عايدة توما - سليمان، مشيرة إلى أن تغيرات طرأت على السياسة الداخلية في العقدين الأخيرين جعلت الجمهور يفقد الأمل بالسياسة والسياسيين، مقارنة بسنوات السبعينيات والثمانينيات التي كانت باعثة للأمل على حد تعبيرها.

النائب عايدة توما - سليمان (تصوير: "عرب 48")

وقالت: "لا يمكن فهم التطورات السياسية الحاصلة دون ربطها بالتطورات الإقليمية وتصاعد قوى اليمين في كل العالم. وقالت إنه لا يمكن أن يكون العمل السياسي بمعزل عن قضية الشعب الذي يوشك على تلقي الضربة الأخيرة والقاضية على حلمه في بناء دولته على أرضه، وتولت إدارة هذه الجلسة المحاضرة في أكاديمية القاسمي، د. حنين سمير مجادلة.

وفي الجلسة الثالثة والأخيرة التي أدارها المحامي علي حيدر، تحدثت مديرة مركز "مدار" الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، د. هنيدة غانم، وقدمت قراءة في تحولات الخطاب السياسي منذ نشر وثائق التصور المستقبلي ورؤية نحو المستقبل"، من خلال مشروع دولة المواطنة أو دولة لكل مواطنيها، ورد الفعل الإسرائيلي على هذه التصورات التي كان الهدف منها المصالحة مع الدولة، إلا أن رد إسرائيل جاء لينسف كل إمكانية لهذا التصور لا بل التأكيد على يهودية الدولة ومحاربة المواطنين العرب عبر أجهزة "الشاباك" وتقليص مساحة العمل الفلسطيني، وصولا إلى قانون القومية.

وعقّب على ورقة د. هنيدة غانم، والتي خصص لها كتاب "مدى الكرمل" مساحة فيه، الأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، ومنسق حملة "الدولة الواحدة"، عوض عبد الفتاح،الذي قال إن النضال يجب أن يستمر بالكلمة والأمل والتفاؤل، داعيا إلى الاجتهاد من أجل إيجاد مخرج لهذه الأزمة التي "تخنقنا جميعا" على حد قوله.

مديرة "مدار" الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، د. هنيدة غانم (تصوير: "عرب 48")

وأضاف عبد الفتاح أن الجماعة الواقعة تحت الاستعمار لا تتأثر بسلوكها وحده، وإنما تتأثر بسلوك الاستعمار بمعنى استعمار العقل لهذه الفئة وتجريدها من بنيتها الاقتصادية والاجتماعية وتحويلها إلى تابع.

وتساءل عبد الفتاح عن إمكانية تأسيس حركة وطنية مستقلة، تستمد شرعيتها من المواطنين وتطرح رؤية واضحة لا تعمل وفق القوانين والأدوات الإسرائيلية، وإنما التفكير خارج اللعبة الإسرائيلية.

وأخيرا عقب النائب د. منصور عباس، بضرورة طرح أسئلة تؤول بالمجتمع العربي إلى خارج الصندوق، والقدرة على نقد الذات ومراجعة العمل السياسي، للخروج من العبثية إلى القدرة على التغيير، وقال إن المواطن العربي يريد لقيادته أن تنتقل من الهامش إلى موقع صنع القرار في السياسة الإسرائيلية.

النائب د. إمطانس شحاة (تصوير: "عرب 48")

وتحدث عباس عن مشروع "مجتمع آمن وقادر" الذي تمت صياغته مع حزب التجمع الوطني وطرح قبيل الانتخابات، وتساءل عما إذا كان العمل السياسي العربي استنفد طاقاته مقابل المشروع الإسرائيلي الذي نجح بنسبة 90% في إقامة الدولة المستقلة الباقية منذ 70 عاما، مقابل مدى نجاح المشروع السياسي للعرب في الداخل الذي لا تتعدى نسب نجاحاته 30% على حد تعبيره.

وفي نهاية المؤتمر جرى نقاش وتوجيه اسئلة من الحضور للمشاركين في المؤتمر.

التعليقات