الناصرة: انتخابات مجلس الطائفة الأرثوذكسية في ظل خلافات

تجري يومي السبت والأحد القادمين (الثاني والثالث من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل) انتخابات الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية، ومجلس الطائفة، في الناصرة، التي تتنافس فيها مجموعتي "البديل" التي تدير المجلس منذ 12 عاما، أي ثلاث فترات كانت آخرها بالتزكية لعدم ترشح...

الناصرة: انتخابات مجلس الطائفة الأرثوذكسية في ظل خلافات

(تصوير "عرب 48")

تجري يومي السبت والأحد القادمين (الثاني والثالث من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل) انتخابات الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية، ومجلس الطائفة، في الناصرة، التي تتنافس فيها مجموعتي "البديل" التي تدير المجلس منذ 12 عاما، أي ثلاث فترات كانت آخرها بالتزكية لعدم ترشح منافسين للمجموعة، ومجموعة "معا"، التي تتشكل من مجموعة من الشباب مع بعض القدامى الأرثوذكس من أصحاب الخبرة في إدارة شؤون المجلس سابقا.

من جهة أخرى، أعلنت مجموعة "الحاضر" الشبابية، سحب ترشيحها من المنافسة في انتخابات الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية، وبهذا الانسحاب فإن المنافسة تنحصر بين مجموعة "البديل"، ومجموعة  "معا".

وجاء في بيان أصدرته مجموعة "الحاضر" للإعلان عن انسحابها من المنافسة كمجموعة، أنه منذ فترة قصيرة، اجتمعت كوكبة من أبناء طائفتنا الأرثوذكسية وأسّست مجموعة "الحاضر"، هذه المجموعة حدّدت أهدافها بالمحافظة على الكنيسة، وخدمة أبنائها وإحداث نهضة روحية ثقافية في صفوفها وبين أبنائها.

وجاء في البيان أيضا أنه "للوصول إلى هذه الغاية، كان طبيعيّا أن ندرس إمكانيّة دخول مجلس الطّائفة، حيث تدار مؤسّسات وأملاك وكنيسة طائفتنا. ونظراً لأنّ المجموعة الّتي تدير المجلس، مرّ على تسلّمها زمام أمور إدارة المجلس ما يقارب الـ 12 عاما، ولأنّ الانتخابات الأخيرة (قبل 4 أعوام) كانت قد حسمت بالتزكية لقلة عدد المرشّحين، باتت مسألة ترشيح مجموعتنا أمرا ضروريّا، لأنّه من الضروريّ إجراء الانتخابات هذه الدورة، حتى تكون هناك مساءلة ومحاسبة وتجديد في مجلس الطّائفة.

وأضاف البيان: "بدأنا بالعمل الجديّ، وطرحنا جزء من القضايا الّتي حسب اعتقادنا يجب الاهتمام بها ومعالجتها، كما أنّنا عرضنا نهجنا وبرنامجنا بشفافيّة وموضوعيّة راغبين أن نغيّر واقع طائفتنا المؤلم وننهض بها إلى حاضرٍ مشرّف ومستقبل أفضل تكون فيه مؤسّسات الطّائفة مفتوحة أمام كلّ أبنائها. لكن مع انتهاء موعد تقديم الترشيحات لعضويّة الهيئة التمثيليّة تبيّن أنّ هناك ثلاث مجموعات قدّمت ترشيحها (بضمنها مجموعتنا)، إلا أن طريقة الانتخابات والنّهج المتّبع بالتّصويت للمرشحين مجموعات، لا يسمح لأكثر من مجموعتيّن بالوصول إلى عضويّة الهيئة التمثيليّة، ووجود أيّ مجموعةٍ ثالثة يفشل العمليّة الديمقراطيّة ويزيد من احتمالات فوز مجموعة بالأغلبية السّاحقة من مقاعد الهيئة التمثيليّة على حساب المجموعة الخاسرة ويترك مجموعتنا مع عدد ضئيل من المقاعد لا يمكّنها من العمل أو حتى التأثير".

وتابع: "حاولنا في 'الحاضر' تدارك هذا الأمر بالتّحالف مع مجموعة أخرى، لكنّ هذا الأمر تطّلب منّا تقديم تنازلات غير مقبولة على معظمنا، رافضين مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة. فقمنا بإجراء استطلاع بين المصوّتين، والنتيجة أكّدت لنا مخاوفنا بأنّ بقائنا من شأنه أن يؤثّر سلبا على القرار الديمقراطيّ للناخبين. من هنا ومن منطلق المسؤوليّة وصلنا في 'الحاضر' إلى القرار بسحب ترشيحنا كمجموعة، وإعطاء حرية القرار لكل واحدٍ من مرشّحي مجموعتنا بسحب ترشيحه أو بالاستمرار بالترشح  كمستقّل أو ضمن أيّ مجموعةٍ أخرى يختارها".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الترشح لانتخابات الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية يتم بشكل فردي، ويحق للناخب التصويت لـ 25 مرشحا من أصل 86 أعلنوا ترشيحهم لكن هؤلاء الأفراد يفضلون الترشح ضمن مجموعات بعضها يطغى عليها الطابع الحزبي وأخرى مستقلة.

عدي بجالي، سكرتير مجلس الطائفة سابقا

وقال الناشط ضمن مجموعة "معا"، وشعارها "معا نستطيع"، عدي بجالي، لـ"عرب 48" إن مجالس الطائفة في البلدات المختلفة هي "ثمرة نضال أرثوذكسي قديم للحفاظ على أملاك وأوقاف الطائفة في مسعى منها للحفاظ على الهوية العربية والدينية المشرقية للأرثوذكس بعيدا عن الهيمنة اليونانية وفساد البطريركية".

وأضاف بجالي "هذه الطفرة النضالية جاءت بعد عقد مؤتمرات أرثوذكسية قبل عام 1948 وعلى أثرها قام المثقفون الأرثوذكس في عدة قرى ومدن بإنشاء هذه المجالس رغم معارضة ما كان يسمى بوكلاء البطريرك المحليين".

وتجدر الإشارة أيضا، إلى أن قوة مجلس الطائفة الأرثوذكسية في الناصرة تنبع أساسا من ملكيته لكنيسة البشارة للروم الأرثوذكس، وهي مزار ديني يعد الأول في المسيحية من حيث بداية تجسد السيد المسيح عليه السلام. ونتيجة لهذه الوضعية المقدسة للكنيسة أوقف العرب أراض واسعة في محيط الكنيسة لكي تكون هذه الأوقاف مصدر دخل للصرف بالأساس على الكنيسة وعلى ضمان وجود المؤمنين الأرثوذكس في الناصرة.

وقد ساهم في هذا الموضوع أيضا الحجاج الروس الذين كانت كنيستهم الروسية في زمن القيصرية الروسية في نزاع مع البطريركية المقدسية التي هيمن عليها اليونان، فأقاموا في الناصرة مستوصفا ومدرسة ابتدائية و"السمينار الروسية" (المسكوبية اليوم) واستثمروا في المجالين التعليمي والإنمائي.

وعلى صعيد الأوقاف فقد اشترى الروس ما يعرف اليوم بأرض "قصر المطران" التي باعتها البطريركية الرومانية برمتها بثمن بخس.

وقال بجالي الذي تولى في الماضي منصب سكرتير مجلس الطائفة الأرثوذكسية، لـ"عرب 48" إن مجلس الطائفة تاريخيا كان لديه مدرسة ابتدائية، ثم بادر على فترات متباعدة إلى إقامة مشاريع استثمارية على بعض قطع الأراضي لتكون مصدر دخل للكنيسة بعد أن عانت الكنيسة الأرثوذكسية من قلة الإيرادات بعد الثورة البلشفية ونكبة عام 1948.

ومن حيث نسبة الروم الأرثوذكس في الناصرة في السابق فقد كانت هي الطائفة الكبرى بين الطوائف المسيحية والإسلامية، أما اليوم، فقد تراجع عدد الأرثوذكس بحيث لا يتعدى عدد أبناء الطائفة في الناصرة ونوف هجليل (نتسيرت عيليت سابقا) الـ13 ألف نسمة، ولكنها ما زالت أكبر تجمع للأرثوذكس في فلسطين التاريخية.

ويذكر أن أهمية المجلس اليوم تكمن في أن لديه العديد من الأملاك والعقارات والمراكز التجارية سواء في محيط الكنيسة أو داخل البلدة القديمة، وحتى في كفركنا هنالك أراض موقوفة لصالح مجلس الطائفة في الناصرة، رغم أن الدخل من هذه الأوقاف بات اليوم متواضعا إذا ما قيس مع مشاريع استثمارية أخرى موجودة في المدينة، وبعد أن انتقل مبنى البلدية من عقار تعود ملكيته للطائفة الأرثوذكسية إلى مبنى جديد.

وانتقد عدي بجالي طريقة الانتخابات للهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية قائلا إن "طريقة الانتخابات لا تعكس التمثيل الصحيح للطائفة، بمعنى أنه يحق لكل صاحب حق اقتراع (وعددهم 8300) أن يصوت لـ25 مرشحا، من أصل 35 مجمل عدد أعضاء الهيئة، وهذه الطريقة تفرض وجود تكتلات (مجموعات) من 25 مرشحا. وفي كل انتخابات منذ أواخر السبعينيات يكون هنالك تكتلا يقوده الحزب الشيوعي (البديل اليوم) وضمن هذا النظام يضيع التمثيل الصحيح للأفراد والعائلات، ويجعل المثقفون وأصحاب الكفاءات يجلسون في بيوتهم لعدم قدرتهم على منافسة الحزب".

وأضاف أن "هذا الأمر أدى إلى حسم الانتخابات في 2011 وحتى 2015 بالتزكية، نظرا لعدم مشاركة أي فئة في الانتخابات وكانت تفوز المجموعة المدعومة من الحزب الشيوعي بكافة أعضاء الهيئة. وبموجب طريقة الانتخابات هذه فإن التكتل الذي يفوز بـ50 بالمئة من الأصوات + 1 يحظى بـ73 بالمئة من عضوية الهيئة".

مجلس الطائفة أكبر مؤسسة بعد البلدية

يتعرض مجلس الطائفة الأرثوذكسي اليوم إلى العديد من الانتقادات بسبب تراجع مكانته في المدينة بعد أن كان ثاني أكبر مؤسسة في المدينة بعد البلدية، بحيث يدير مجلس الطائفة اليوم عدد محدود من المؤسسات أهمها سرية "كشافة يسوع الناصري"، وإطار نسوي يسمى "حاملات الطيب"، وحضانة أطفال وناد رياضي "مركز الأحداث الأرثوذكسي" وناد للمسنين، فضلا عن الاهتمام بشؤون الكنيسة.

يوسف حسن، مرشح ضمن مجموعة "معا"

وقال المرشح ضمن مجموعة "معا" لانتخابات الهيئة التمثيلية للطائفة الأرثوذكسية، يوسف حِسِن، إنه في السنوات الـ12 الأخيرة التي تدار شؤون مجلس الطائفة على يد مجموعة "البديل" تراجعت و"تقزّمت" مكانة مجلس الطائفة إلى ما يشبه المركز الجماهيري، ويكاد يقتصر عمله على إدارة ناد رياضي وحضانة للأطفال بعد أن كان أعرق مؤسسات المدينة.

وأضاف حِسِن أن "العديد من العقارات والمباني التي تعود ملكيتها للطائفة الأرثوذكسية باتت مهجورة، وأهمها مبنى البلدية سابقا وبناية دارة الثقافة والفنون في البلدة القديمة. كذلك لم يهتم المجلس الحالي بصيانة الرموز والأيقونات داخل الكنيسة والتي تتآكل بفعل الرطوبة والأملاح، بينما يدعي المجلس الحالي بأنه قام بعملية ترميم شاملة للكنيسة".

واتهم حِسِن إدارة المجلس الحالية بإغراق المجلس في ديون بمئات آلاف الشواكل، رغم أن ميزانية المجلس اليوم تعتبر أكبر من أي وقت مضى وتعادل نحو ثمانية ملايين شيكل. كما وأعرب عن أسفه من موقف المجلس الحالي من قضية تسريب أملاك الطائفة إلى جهات مشبوهة، وقال إن  المجلس الحالي بإدارة "البديل" لم يحسم "علاقته مع البطريرك الذي يقوم ببيع وتسريب أملاك الطائفة إلى جهات استيطانية في العديد من المدن والبلدات في فلسطين التاريخية".    

تعقيب رئيسة مجلس الطائفة

عقبت رئيسة مجلس الطائفة الأرثوذكسية، عفاف توما، على هذه الادعاءات بالقول إن "المجلس لا يغرق في ديون مالية على الإطلاق، رغم تراجع دخله بسبب ترك البلدية للمبنى المستأجر، فالوضع المالي للمجلس جيد وفي حساب المجلس شيكات ومبالغ تصل إلى نحو مليون شيكل، مشيرة إلى أنه بإمكان الجميع أن يطلع على ميزانية المجلس من خلال موقع 'مسجل الجمعيات' فهي منشورة بكل شفافية ووضوح وقد حصل المجلس على شهادة الإدارة السليمة".

عفاف توما، رئيسة مجلس الطائفة

أما بالنسبة للمباني "المهجورة" وخاصة مبنى البلدية، فقد وصل المجلس إلى مفاوضات متقدمة مع مستثمرين عرضوا تحويل المبنى إلى فندق سياحي، بسبب قربه من الكنيسة، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يتم إعداد خرائط وتخطيط جديد للمبنى، كما أنه يحتاج إلى ميزانية كبيرة تقدر ببضع ملايين من الشواكل.

وأضافت أنه "في شأن الادعاء بأن المجلس تحول إلى ما يشبه المركز الجماهيري، فهذا أمر عار عن الصحة ومؤسسات المجلس كبيرة وتخدم قطاعات واسعة من أبناء الطائفة أولا ومن أبناء المدينة عامة، وتهتم بالأعياد وبالحفاظ على النسيج الاجتماعي لكل شرائح المجتمع حسب الإمكانيات المتوفرة، فنحن لسنا بلدية، بل مجلس طائفة يفتح مؤسساته أمام الجميع. ونأسف لهذا التشبيه (مركز جماهيري) بل ندير حضانة تخدم 140 أما، ونربي ونثقف الأجيال القادمة، ونطوّر الاحتفالات بالأعياد".

وعن موضوع الترميم وصيانة الأيقونات قالت توما: "لقد قمنا فعلا بترميم شامل، للأيقونات الموجودة على الخشب، وبالنسبة للأيقونات التي تأكلها الرطوبة والأملاح فإنها موجودة على الجدران، ونحن في صدد ترميم الجدران من الخارج لمنع تسرب الرطوبة ومن ثم صيانتها من الداخل. وأخيرا بشأن العلاقة مع البطريرك فهي محسومة وموقفنا واضح ورافض لتسريب أملاك الكنيسة وبيعها، كنا قد تظاهرنا ورفضنا استقبال البطريرك في عيد البشارة وقاطعناه، لكننا في الوقت نفسه نرفض إغلاق الكنيسة في وجه أي مصل".

التعليقات