ندوة في خيمة الاعتصام بمقبرة القسام: رفض لنقل القبور وتصعيد للنضال الشعبي

جاءت الندوة ضمن الحراك الشعبي لهيئة متولي الأوقاف الرافض لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية في الجلسة الأخيرة بشأن قضية مقبرة القسام، بعدم التدخل في القضية بسبب قانون التقادم.

ندوة في خيمة الاعتصام بمقبرة القسام: رفض لنقل القبور وتصعيد للنضال الشعبي

من الندوة في خيمة الاعتصام بمقبرة القسام، مساء أمس (عرب 48)

نظمت هيئة متولي وقف الاستقلال في حيفا بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، مساء أمس الأربعاء، ندوة حقوقية في خيمة الاعتصام بمقبرة القسام في بلد الشيخ المهجرة التي أقيمت على أنقاضها مدينة "نيشر" بالقرب من حيفا، شارك فيها رئيس المنتدى القانوني للجنة المتابعة العليا، د. يوسف جبارين، ومدير مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان وممثل متولي وقف الاستقلال، المحامي عمر خمايسي، وممثل لجنة الأهالي للدفاع عن مقبرة القسام، المحامي حسان طباجة.

وجاءت الندوة ضمن الحراك الشعبي لهيئة متولي الأوقاف الرافض لقرار المحكمة العليا الإسرائيلية في الجلسة الأخيرة بشأن قضية مقبرة القسام، بعدم التدخل في القضية بسبب قانون التقادم. واقترحت المحكمة سحب الاستئناف المقدم من قبل ممثلي الأهالي وأقارب المتوفين المدفونين في المقبرة لإلغاء مصادرة وبيع جزء من مقبرة القسام، والتفاوض والتوصل لاتفاق بينهم وبين السلطات الرسمية في إسرائيل.

افتتح عضو لجنة متولي وقف الاستقلال في حيفا، المحامي خالد دغش، الندوة بالقول إن "السلطات الإسرائيلية قامت بمحاولة تصفية مقبرة القسام، وتسريب أرضها لجهات استيطانية وتجارية، وتواجدنا في خيمة الاعتصام هو الضامن الوحيد للحفاظ على المقبرة واستمراريتها في البقاء، وحمايتها من الطامعين، فاجتماعنا اليوم في خيمة الاعتصام كان بغرض إقامة ندوة قانونية حقوقية بمشاركة الجهات القانونية والحقوقية، تحت رعاية لجنة المتابعة، والمنتدى القانوني التابع لها، برئاسة الدكتور يوسف جبارين الذي تواجد معنا فيها مشكورا، وأيضا نشكر جهود ومشاركة مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان التي رافقتنا، خلال السنوات الفائتة، في السجال القانوني الدائر حول مقبرة القسام، ونخص بالذكر المحامي الأستاذ عمر خمايسي، وأيضا نشكر المهندس الأستاذ معتز كيلاني، ممثل رابطة المخططين العرب، على تواجده معنا في هذه الندوة الهامة".

وأضاف أنه "قمنا في هذه الندوة باستعراض الجوانب القانونية لقضية مقبرة القسام، والجوانب التاريخية، وتطرقنا إلى عائدية المقبرة لوقف الاستقلال في حيفا، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتقدم بالشكر الجزيل لمتولي الأوقاف الصامدين، ونخص بالذكر الأخ الحاج فؤاد أبو قمير، وأيضا نشكر لجنة أهالي المدفونين في المقبرة يمثلهم الاخ طلب أبو عيشة، وممثل لجنة مسجد الاستقلال الأخ كايل فطر، شاكرين جهود الجميع الساعية لحماية المقبرة".

وعن المسار القضائي لملف مقبرة القسام، قال مدير مؤسسة ميزان لحقوق الإنسان والمكلف بالدفاع عن المقبرة، المحامي عمر خمايسي، إن "قضية مقبرة القسام لم تبدأ وتنتهِ كأرض وقفية، وتثار أمام المحكمة العليا في الأيام الأخيرة فقط، وإنما نتحدث هنا عن بدء الإجراءات المتخذة من قبل الجهات الرسمية للدولة منذ العام 1954، عندما قامت إسرائيل بمصادرة جزء كبير من أرض مقبرة القسام، ثم جاء التواطؤ من قبل متولي وقف الاستقلال، إذ تم عقد صفقة لاستبدالها بمقبرة الجديدة في الطيرة، وقامت الدولة في حينه ببيع قسم كبير من الأرض، والبالغ مساحته 15 دونما، لشركة خاصة في العام 1955، وفي العام 1961 تم عقد اتفاق آخر حتى وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، ودخلنا في الدعوى المرفوعة ضد متولي وقف الاستقلال كمؤسسة ميزان لحقوق الإنسان في العام 2015 إلى جانب متولي الوقف، لأن الشركة آنفة الذكر كانت قد أرغمت متولي الأوقاف على نقل القبور إلى مكان آخر، وفقا للاتفاق المبرم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي".

وأضاف أنه "نتيجة للدفاع الذي قمنا به حصلنا على قرار ردت المحكمة بموجبه ادعاء الشركة الخاصة، وهذا بحد ذاته انتصار عظيم لنا، إذ أكد القرار أنه لا يمكن إرغام متولي الأوقاف على نقل القبور لمكان آخر، ولكن مع الأسف الشديد تم التلاعب من قبل الدولة بالأوقاف الإسلامية عبر تهريب الأراضي العائدة للوقف لرجال أعمال وشركات خاصة، بهدف وضع اليد عليها، ليس فقط في وقف مقبرة القسام، وإنما في كل أوقاف فلسطين التاريخية، ومن المعلوم أن من يسير في هذه الإجراءات القضائية أمام المحكمة العليا كمن يسير في عكس التيار، وهو مكبل اليدين، ومع ذلك مضينا في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بهدف كسب المزيد من الوقت، لكي توفر الدولة الحلول لهذه المشكلة، التي كانت هي السبب في وجودها، تحت الضغط الشعبي".

وأكد خمايسي على أهمية الحراك الشعبي في مثل هذه القضايا، وقال: "إن المسار الشعبي الجماهيري الداعم، أقوى من المسار القضائي، فقضاء الدولة يتلاعب بالأوقاف، ويتواطأ مع الشركات التي قامت الدولة بتهريب الأوقاف إليها، وهدفنا كما ذكرنا هو إتاحة الوقت أمام الضغط الشعبي الجماهيري الذي سيجبر السلطات على إيجاد حل للقضية. نحن نتكلم هنا عن إجراءات قضائية بين عامي 1969 و1999، وكان من الصعب إبطال هذه القرارات، إذ وافق متولي الوقف الذي عينته الدولة على إبرام الصفقة القاضية باستبدال أرض المقبرة بأرض أخرى، ولذلك يجب أن يكون الدور الضاغط القادم هو الدور الجماهيري الصامد في مقبرة القسام، للتأكيد على أننا لن نتنازل عن أوقافنا لأنها تاريخنا، وأشير بأصبع الاتهام إلى المحكمة العليا التي استسهلت نبش القبور الإسلامية ولم تتجرأ على نبش التاريخ الأسود الذي قامت به ذات السلطات عبر التآمر وسرقة الأوقاف من خلال تعيين متولي أوقاف يتبعون لها، أو من خلال التواطؤ مع محامين وقضاة ساهموا في تهريب وسرقة هذه الأوقاف".

واستعرض المهندس معتز كيلاني من رابطة المخططين العرب، السرد التاريخي والتخطيطي لمقبرة القسام، وقال: "أنا هنا لإحاطة الجمهور المتواجد معنا بسرد تاريخي وتخطيطي يغطي الصورة الحقيقية الواقعية لقضية مقبرة القسام، وأبدأ بالحديث عن أول خارطة وضعت للمقبرة، إذ كانت في العام 1938، والتي رسمت الحدود الواضحة للمقبرة، وذلك في زمن ما أطلق عليه 'زمن التسوية' التي قامت بها سلطات الانتداب البريطاني، علما أن المقبرة موجودة قبل هذا التاريخ بكثير، لكن هذه الخارطة هي المرجعية التي تحدد حدود المقبرة بدءا من الشارع الغربي 'بلد الشيخ' وحتى شارع 75 في الجهة الشرقية، حيث تقوم سكة القطار الموجودة اليوم على جزء من أرض المقبرة، والشارع الذي يمر فوق المقبرة هو أساسا جزء منها، وأنتم تذكرون أنه في بداية الألفية الثانية، تم الاعتراض على الطريق الغربي، والذي تم التخطيط فيه لجسر مقابل للشارع منعا لتجريف المقبرة".

وأوضح أن "مساحة المقبرة الإجمالية 43 دونما و733 مترا مربعا، وهي الآن جزء من بلد الشيخ، وقامت شركة 'كيرور في أحزوكوت م. ض' بإبرام صفقة اشترت بموجبها أراض واقعة في الجزء الشمالي المحاذي لأرض المقبرة، وقاموا برسم خارطة جديدة استولوا من خلالها على الحدود الشمالية للمقبرة. في العام 1967 وفي الشهر الرابع تحديدا، تم تقسيم المقبرة من خلال 'دائرة أراضي إسرائيل' إلى ثلاثة أقسام: القسم الشرقي ومساحته 12 دونما تقريبا، والقسم الغربي ومساحته 29 دونما و800 متر مربع تقريبا، وهذا القسم هو القسم الذي يقوم عليه التنازع القانوني، والقسم الثالث عبارة عن اقتطاع طريق بعرض 8 أمتار من الجانب الشرقي للمقبرة حتى القسيمة الغربية، إذ أنه في العام 1962 ادعت الشركة حيازتها لاتفاقية احتكار من 'دائرة أراضي إسرائيل' على هذه القطعة التي تشكل حوالي 30 دونما، وأرفقت الشركة اتفاقية وبموجبها بني عليها التقسيم الذي ذكرناه في العام 1967، وهذا التقسيم أنتج خارطة هيكلية للمنطقة حيث غيّر تعريف الأرض والغرض منها، من مقبرة إلى أرض مخصصة للصناعة في القسم الغربي منها، ويبقي على القسم الشرقي كمقبرة. وتمت المصادقة على هذا التقسيم من قبل لجنة التنظيم والبناء، ثم من قبل 'دائرة أراضي إسرائيل' ليتم تسجيل هذا التقسيم في المصالح العقارية 'الطابو' عام 1970، وبذلك ظهر تقسيم جديد في حوض 11229 إلى ثلاث قسائم هي القسيمة 47 والتي هي عبارة عن 30 دونما، والقسيمة 48 والتي تحوي المقبرة ومساحتها حوالي 12 دونما تقريبا، وقسيمة 49 التي هي عبارة عن الطريق ومساحتها دونم واحد و147 مترا مربعا، والجسر الذي يشيد حاليا هو جزء لا يتجزأ من المقبرة المتبقية، بالإضافة إلى جزء شرقي الجسر وهو ما يدعى بالأرض الخضراء".

وفي كلمته، أشار ممثل لجنة الأهالي للدفاع عن مقبرة القسام، المحامي حسان طباجة، إلى أن "قضية مقبرة القسام هي جزء لا يتجزأ من الجرح الغائر، جرح القضية الفلسطينية (أرض فلسطين، واحتلال فلسطين)، ومن الملاحظ من الناحية القانونية أن الدولة وخلال سنوات طويلة كانت تحاول الاستيلاء على الأراضي بطريقة حذرة، وغير مرئية، عبر توظيف رجال معينين، هي من تقوم بتعيينهم، أو عبر استخدام طرق الخداع، أو عبر استخدام قوانين مفروضة على الداخل الفلسطيني".

وأضاف أن "الخداع واضح، كما ذكر ذلك الأستاذ عمر خمايسي، فوقف مقبرة القسام لم يكن أرض ملك، وإنما كانت المقبرة تابعة لمسجد الاستقلال، ولم يكن المسجد والقائمون عليه في عداد الغائبين، حتى تستخدم الدولة قانون أملاك الغائبين لوضع اليد على المقبرة، ولكن بعد قيام دولة إسرائيل وتحديدا في العام 1952، قامت الدولة بمصادرة 15 دونما على حدود المقبرة، من خلال قانون اختصاره 'ح. ر. ا. م' بحجة الاستيلاء عليها لأغراض مصلحة الجمهور الملحة، وبعد حوالي العام، قامت الدولة ببيع الأرض لشركة خاصة، مما أوقعها في تناقض، فكيف صادرت الأرض لمصلحة الجمهور، ثم باعتها لشركة خاصة! ألم يتم هذا بغرض الحصول على المال؟ لكن ما تم فعله هو طريقة شكلية لوضع اليد، وبعد عشرين عام تقريبا من ذلك لم يتعرضوا بأي شكل من الأشكال للأرض، ولم تمض مدة الـ49 عاما والدولة لم تضع يدها على الأرض، لكن الدولة ومن خلال الموظف المعين من قبلهم في الأوقاف قام بتسهيل وضع يد الدولة على ما تبقى من المقبرة، من خلال اتفاقية شكلية تنم عن الخداع، فادعت الدولة أنها تريد تعويض الأوقاف عن الـ15 دونما المستولى عليها، بأرض أخرى في مقابل التنازل عن 15 دونما أخرى، وتم التوقيع من قبل الموظف المعين من قبلهم على هذه الاتفاقية".

وختم المحامي طباجة بالقول إنه "رغم ذلك، كانت الدولة بحاجة لقرار من المحكمة الشرعية لتبرير موقفها، وكان قرار المحكمة الشرعية الذي صادق على الاتفاقية غير شرعي وغير قانوني، لأن المحكمة لا تملك أساسا حق التصرف بأراضي الوقف التي أوقفت كمقبرة، ولكي يحفظ القاضي ماء وجهه ويبرر قراره الخاطئ كتب 'أنا أوافق على أن تأخذ الدولة الثلاثين دونما بشرط عدم وجود مبانٍ وقبور'. وبناء على هذا القرار أخذت الدولة الأرض وطلبت من موظفها التوقيع على الاتفاقية وأعطته بدلا عن الأرض أرضا في بلدة كفر سمير بدلا عنها".

التعليقات