جنان عبده - مخول: لسجن أمير هدف سياسي وملاحقة شخصية وجماعية...

في حوارٍ خاص معها، تحاول جنان زوجة الأسير أمير مخول تشخيص الحال الجديدة من الشخصي إلى العام، منذ ليلة الاعتقال إلى الإنتظار الطويل مع عائلات الأسرى على باب السجن في زمن فيه العناق العائلي “خطر أمني”. وبين سطور الرواية التي لم تكتمل بعد، تشدّد مخول أن القضية لا تخصها فقط إنَّها “قضية رأي عام”…

جنان عبده - مخول: لسجن أمير هدف سياسي وملاحقة شخصية وجماعية...
السادس من أيار بالنسبة لكثيرين لا يملك معنىً خاصًا، لكنه يعني الكثير بالنسبة لعائلة الأسير أمير مخول الذي اعتقل في ذلك التاريخ. زرنا جنان مخول، زوجة الأسير بعد شهور من اعتقال زوجها. اختارت مخول أن تبدأ الحوار منذ اللحظة التي اعتقل بها أمير، واستعادت تلك الليلة المذكورة، التي لم تنفك تفاصيلها حاضرة في البيت. إنها التفاصيل التي لم تختف، على العكس تمامًا، تكبر مع مرور السنين: “دخل أفراد الشرطة والشاباك إلى البيت في الساعة الثالثة فجرًا، قاموا باختطاف أمير، أمام أعين ابنتينا هند وهدى. فتّشوا بطريقة استفزازية ولم يتركوا زاوية إلا ونفضوها، من غرفة المطبخ إلى كل زاوية في البيت... مشهدٌ عنيف ظلّ يساورني على مدى اسبوعين، وهو مشهدٌ بالتأكيد لن يُمحى من ذاكرة ابنتي".

وتتابع مخول: “أعتبر أنّ هذه الليلة، أنها كانت ليلة حربٍ نفسية تركت في ذاكرتنا أثرًا كبيرًا، واعتقد أنّ اعتقال أمير بهذه الطريقة العنيفة لم يكن أمرًا عاديًا، الأمرُ أبعد من ذلك بكثير، إنها محاولة لإيقاع أمير في قلقِ ما بعد اعتقاله، كي يظل يتساءل ماذا فعلوا بعائلتي؟ ما هو مصير زوجتي وابنتّي؟ إنها رسالة ترهيب ومقصودة. فقد أخذوا أمير الى المعتقل، وظلّ نحو 12 شخصًا يعبثون بالبيت، ويستفزوننا بطريقة شاباكية مفضوحة”.

الأيام بين جدران السجن

الأسر الذي يعانيه مخول صار جزءًا من حياة العائلة. إنه الواقع المفروض عليها. تحاول مخول من خلال حوارنا معها تجسيد ذلك الواقع، والخوض في غمار التفاصيل الصغيرة. تقسّم حياة أمير داخل الجدران إلى مرحلتين الأولى تصفها كالتالي: “مرحلة التحقيق في بيتح تكفا، وهي مرحلة تعتيم وانقطاع كامل عن العالم الخارجي، وتعذيب مكثف، كما وصفه لنا، ومنعه من النوم وتقييده بالكرسي لساعاتٍ لا تقل عن 18 الى 20 ساعة يوميًا، دون نومٍ وأكلٍ وشرب وتحقيقٌ متواصل، مع تناوب المحققين على مراحل، في كل تحقيقٍ هناك خمسة أشخاص ينتزعون كلماته، التي تخرج قسرًا... وأخبروه أن الجميع نسوه، حتى أقرب المقربين منه”.وتتابع: “غرفةٌ ضيّقة، معتمة، مع آثار تعذيب واضحة للعيان في جلسة السابع والعشرين من أيار، التاسعة صباحًا، عندما قُدمت لائحة اتهام أمام القضاة في المحكمة المركزية في حيفا، يومها بدا أمير في حالةٍ جسدية صعبة، هبوطٌ في الوزن، وجهٌ شاحب، آثار أرقٍ وقلة نوم، لكنّ المعنويات عالية، وهذا ما جعلنا نتماسك أمامه".

ثم تأتي المرحلة الثانية، “مرحلة أمير والعائلة وهيئة الدفاع، وسجنه المستمر. أمير يعرف أن لسجنه هدفًا سياسيًا وملاحقة شخصية وجماعية... ويبرز ذلك جليًا في منع العائلة من اللقاء بِه حتى اليوم وجهًا لوجه او احتضانه، اللهم الا عناقي له عنوةً في قاعة المحكمة، في الجلسة الاولى له في المركزية بحيفا. يومها منعوا البنات من لقاء أبيهم، فصرخت هند وهدى بأعلى صوتٍ “بابا احنا منحبك”، رغم اجراءات منع التحدث الى أمير... ويومها ايضًا سألتهم هل كلمة “بابا”، ممنوعة أمنيًا؟! ولم يجبني أحد... أصلاً لم اتوقع أن اسمع إجابة”.

متابعةً: “لاحظت كيفَ سمحَ الحُراس في المحكمة بأن يتحدث أمير لوسائل الإعلام العبرية، دون تحديد مدةٍ زمنية، بينما جرّوه من قاعة المحكمة عندما وجه له أحد الصحافيين العرب سؤالاً عن وضعه وحالته الصحية والنفسية”.

عن الأيام الأولى!

في الأيام الأولى لسجنه، لم تعرف الزوجة، ما هي آثار التعذيب التي عانى منها أمير، بل إنّ أمير نفسه لم يطلّع على تقرير طبيب السجن، عندما زارهُ الطبيب وقدّم التقرير لإدارة السجن، وظلّ أمير عاجزًا عن تحديد وضعه الصحي، وأسباب آلامه. قبل حضور هذا الطبيب، أي بعد أربعة أيامِ من سجنه، طالب أمير بمعاينته من قبل طبيبٍ محايد، من أطباء لحقوق الانسان، الا ان طلبه استبدل برجل من اختيارهم! الآن تحسنت حالته الجسدية والمعنويات ايضًا افضل بكثير.

العاملة الأجتماعية جنان مخول، التي عملت في حقليّ السياسة والمجتمع، كتبت الكثير عن العنف ضد المرأة والعنف داخل الأسرة، عن عنف الدولة المنظم وكل ما إلى ذلك من موضوعات. خاضت ايضًا حقولاً سياسيًة كثيرة، كانت بدايتها بالتعرف إلى أمير حين كانا طالبين في الجامعة حيث انطلقت من ذلك المكان. تقول مخول اليوم، بعد عقود من الحياة المليئة بالتجارب: “ما قرأته في أبحاثي ومن مطالعاتي ومعرفتي الشخصية، أقل بكثير مما عشته خلال الشهرين والنصف الماضيين وسأعيشه على ما يبدو مستقبلاً”.وبناءً على طلب منّا، استعادت تجربتها القصيرة، عن زيارتها للسجن وعن الإنتظار الذي أصبح ركنًا من أركان الحياة: “ انني انتظرُ خارج السجن ليس أقل من ساعة أو ساعتين مع عائلات أخرى وألمس معاناتهم، العائلات تأتي بباصاتٍ، لا استطيع تحديد عددهم، وجميعهم من ذوي الأسرى المقربين درجة أولى”.

وعن أمير تتابع: “ منعنا من لقائه، لم يُسمح لي ولا لبناته ولا حتى لعائلته، وأشقائه التسعة، ولا حتى المحامون بأن يشاهدوه وجهًا لوجه، الا أمام القضاة... رغم الطلبات المستمرة، أما تواصلُنا معه فيتم عبر الزجاج والهاتف، لمدة نصف ساعة اسبوعية. وفي المحكمة لا يُسمح لأكثر من 20 شخصًا بالدخول الى قاعة المحكمة، يعني انّ الباقين سينتظرون خارج المحكمة”.

*كيف تلخصين إذًا ما يجري سياسيًا؟

نحنُ كفلسطينيين في الداخل، نعيش هذه التجارب القاسية، تفارقنا مشاعر الخوف والرهبة من الدولة، على العكس فالدولة هي التي تخافنا، تخاف ثباتنا، وتخاف ردة فعلنا. فأدلتها سرية، أما أمير، تحديدًا فجميع أقواله وأفعاله كانت علنية، في مؤتمراته، في سفراته، في لقاءاته...
ونحنُ لا نخاف لأننا نؤمن بالعدالة والقانون، لكننا نعرف انّ هنالك فرقاً بين القانون العالمي والدولي وبين الاجراءات التي تُصاغ من قبلهم!

* كيف ترين قضية مخول اليوم؟

قضية رأي عام. لا أنسى المظاهرات في بيتح تكفا، ولا حيفا ولا كفر كنا، ولن أنسى الكتابات والبيانات والأخبار اليومية التي غطّت اعتقال مخول بصورة مكثفة. وقد تجاوز الجميع مسألة الحزبية والانتماءات الضيّقة الى اعتبار قضية أمير قضية الجماهير العربية. وأرى في التحرك المؤسساتي والجماهيري والحزبي سبيلا للتأثير في المحافل الاسرائيلية والدولية ايضًا.
ومؤخرًا تمّ ابراق رسالة من قبل صحافيين ومحامين عرب وأجانب من الولايات المتحدة الى هيلاري كلينتون يطالبونها بالتدخل العاجل في قضية امير، وايضًا وصلت رسالة من مُحاضرة في جامعة كاليفورنيا، الى النيابة الاسرائيلية، تطالبهم بالتحقيق العادل في القضية.

وإلى ذلك هناك مجموعتان في الفيسبوك ، عربي – انجليزي وانجليزي عبري، وفيه نحو 4000 صوت يُطالب بالعدل وتحرير امير من أسره القسري.

* وهل هذا سيؤثر على المجرى القضائي؟

لا نستطيع معرفة التأثير القضائي لأنّ المعركة مع أمير شخصية وليست أمنية، وسياسية وليست قضائية فقط، لكن بالتأكيد فإنّ الرأي العام المحلي والعالمي قادر على وضع حقائق ساطعة امام الباب القضائي.

رغم غيابه الجسدي فإنّه موجودٌ بصورة مكثفة في البيت، كأب وزوج وانسان وشريك. هو المركِز والمحور في الحديث. ولهند وهدى نظرة ذات بعدٍ شخصي وجماعي بالنسبة للوالد، فهو اولاً الأب الروحي لهما، وداعمهما الأول، وهو ايضًا المناضل الذي دفع ثمن مواقفه.

أما المذكرات اليومية فهي لغة التخاطب بين امير وعائلته، وهذا ما جعل السجانون يشكون من طول الرسائل.

آخر التطورات

انتهت الجلسة الأخيرة للمحاكمة بإعطاء فرصة للدفاع للإطلاع على المواد وتفنيد ادعاءات النيابة امام القضاة، علمًا أن غالبية مواد الادعاء تعتمد على السرية، فهناك شهود ودلائل يَدعّون انها ملزمة تمامًا بالإحاطة بالسرية، وهذا ما ستحاول هيئة الدفاع معرفته، او البحث عن أدلة تثبت براءة مخول. من جهة اخرى، فقد عزَّزت هيئة الدفاع محاميها بإضافة المحامي المعروف افيغدور فيلدمان والذي من شأنه أن يعزز الدفاع المكون من المحامين حسين أبو حسين، حسن جبارين وأورنا كوهين من “عدالة”.

التعليقات