نتذكّرهم طيلة أيّام السنة: فلسطين تتصدّر العالم في عدد الأسرى

كثيرون هم السجناء، وكثيرون هم الأسرى، السابقون ممّن قضوا فترة أسرهم وخرجوا إلى الحريّة، واللاحقون في الراهن الذين ما فتئوا يقبعون خلف قضبان الأسر وينتظرون..

نتذكّرهم طيلة أيّام السنة: فلسطين تتصدّر العالم في عدد الأسرى
ويتميّز الأسرى عن السجناء العاديين كون الأوائل، في الغالب، إنما زجّ بهم إلى ما وراء القضبان لأنهم ذادوا أو ناضلوا من أجل إيمان ومبدأ وضدّ من اعتبروه ديكتاتورا وطاغية أو ضد محتلّ غاشم اغتصبهم في الأرض والبيت وقمع هويتهم وطمس ثقافتهم أو أنه حاول..

ويشير الراهن إلى أن معظم أسرى العالم، في كل بقاع الأرض، قد خرجوا إلى حريّتهم إثر اتفاقات بين الدول المختلفة، تلك الآسرة والمأسور أبناؤها، حتى لكأننا لن نجد في كل الدنيا أسرى سوى في البقعة الممتدّة من شاطئ المتوسط الشرقي وحتى غور الأردن، وهما الخطّان المتوازيان اللذان يرسمان حدود دولة إسرائيل أو أرض إسرائيل التي تشمل، بحسب المفهوم الصهيوني، أرض الضفة الغربية وقطاع غزة..

فقد نسجّل أن في هذه البقعة الصغيرة من خارطة الدنيا يقبع جلّ الأسرى.. وقد نذكر أن آلافا أخرى من الأسرى قد انضمّـت في العراق المحتل مؤخرا، منذ أربعة أعوام، إلى إخوانهم في العذاب والمعاناة أسرى الحريّة في فلسطين.. وقد نضيف إلى كل هؤلاء أسرى في بؤر ما زالت مشتعلة في أفغانستان والشيشان وغيرهما، وقد نضيف إلى كل هؤلاء، بل نختتم بهم اللائحة، أسرى الآلة الأخطبوطية الأمريكية في غوانتانامو، هذه الآلة الجبارة التي طالت ذراعها المناضلين من جنسيات مختلفة جمعتهم وزجّت بهم في هذا السجن الرهيب الواقع في أحد أطراف العالم النائية في جزيرة كوبا.

يحل يوم الأسير في السابع عشر من نيسان في كل عام.. حيث «يحتفل» ذوو الأسير وصحبه ورهطه والمتضامنون معه بتنظيم تظاهرات، أو مهرجانات أو اعتصامات، حيث تغلب النزعة إلى إلقاء الخطابات والأغاني الملتزمة في مهرجانات باتت إحدى ظواهر مناخنا هنا على الأراضي الفلسطينية وبين صفوف من يسمّون «عرب 48».

يحتفي فلسطينيو الـ 48 هذا العام بأسراهم يوم غد السبت في قاعة ميس الريم في قرية عارة، حيث درجوا على إحياء هذه الذكرى في أقرب يوم جمعة أو سبت إلى السابع عشر من نيسان، وذلك لضمان حضور أكثر في يوم العطلة الاسبوعي، ولعدم التشويش على اشغال الناس فلا يضطر أحد إلى التغيّب عن عمله.


يقول من كان أسيرا، ومن كان بعد إطلاقه رئيسا لجمعية أنصار السجين التي أغلقت وشمّعت بالشمع الأحمر مؤخّرا بأمر من وزير الأمن، منير منصور الذي ما زال يحمل على أكتافه مسؤولية متابعة أمور الأسرى وتوفير احتياجاتهم والوقوف إلى جانب ذويهم، إن نحو تسعة آلاف وثلاثمائة أسير فلسطيني يقبعون في الراهن في السجون الإسرائيلية، منهم مائة وواحد وخمسون اسيرا فلسطينيا من فلسطينيي ألـ 48، منهم 23 اسيرا تم اعتقالهم قبل اتفاقية أوسلو، ومنهم 12 أسيرا تجاوزوا العشرين عاما وراء القضبان، ومنهم اثنان تجاوز عمراهما الـ 75 عاما، ومنهم 45 أسيرا يقضون محكومية المؤبّد.

وأفاد منصور أن هنالك ست أسيرات من بين الـ151، منهن الأسيرة لينا أحمد جربوني من عرابة البطوف التي حكم عليها بالسجن مدة 17 عاما. ويتوزع الأسرى في الراهن ما بين سجنين اثنين هما، سجن الغلبواع في مرج بن عامر، وسجن الشارون في مركز البلاد. أما التهم التي نسبت إلى معظم هؤلاء الأعزاء فهي التماثل مع ما يسمونه في قاموسهم «منظمة إرهابية» أو «تخريبية»، أو الإنخراط في العمل الوطني الفلسطيني والإنتماء إلى تنظيم «إرهابي» أو تنظيم مسلّحٍ.

ويؤكّد منصور على أن يوم الأسير هو يوم عالمي لتذكّر الأسرى واستحضار تضحياتهم وبطولاتهم ورواية أسرهم، "لكن لا توجد حالة أسرى اليوم في العالم عموما ما عدا الحالة الفلسطينية الأمر الذي أدى إلى تحويل هذه الذكرى إلى ذكرى أو يوم الأسير الفلسطيني".. ويضيف منصور، "إننا نقوم في العادة بفعاليات مختلفة في هذا اليوم، تبدأ من الندوات وشرح القضية التي من أجلها أسر أحباؤنا، وتنتهي بالإعتصام أو التظاهر قبالة سجن معين.. وهنالك زيارات نقوم بها إلى أهالي الأسرى، ومهرجانات خطابية وأمسيات وطنية، وغيرها".

على أثر إغلاق مبنى جمعية أنصار السجين ومنع نشاطها، أقيمت لجنة تحت إسم لجنة متابعة شؤون الأسرى تنشط وتعمل تحت سقف لجنة المتابعة العليا.. وهذه اللجنة، كما إسمها، تتوخّى ملء الفراغ الذي تركه إغلاق جمعية أنصار السجين، والإعتناء بأمور السجناء وذويهم ومتابعة طلباتهم واحتياجاتهم وتوفيرها لهم.. حيث أنه بعد إغلاق «أنصار السجين»، كما يقول منصور، لم ينوجد الجسم الذي يتبنى موضوع الأسرى، مما اضطر الحريصين على إيفاء الأسير بعض حقّ على أن يشكّلوا من خلال لجنة المتابعة لجنة "متابعة أسرى الحريّة" لكي تشكّل ليس بديلا وإنما استمرارا لجمعية أنصار السجين التي توقف نشاطها في شهر أغسطس/ آب من العام الفائت.. وتضم هذه اللجنة ممثلين عن جميع الأحزاب والقوى السياسية العربية في البلاد.

يعتقد منصور أنه "حتى نكون منصفين، فإنه لم يجر تبادل للأسرى بمعنى التبادل الذي نفهمه كاسرى سابقين وناشطين في الموضوع.. فالذي تمّ هو إفراجات سياسية على خلفية اتفاق أوسلو، هذه الإفراجات تمت بالإتفاق والتنسيق مع السلطة الفلسطينية علما أن إسرائيل هي من حدّدت معايير الإفراج وقوائم الأسماء.. للأسف الشديد، أنه في كل الإفراجات السياسية، لم يكن للسلطة الفلسطينية أي دور فاعل، فالذي قرر من وكيف ومتى هو الطرف الإسرائيلي.

وعليه، فبالتأكيد عندما يقدم الطرف الإسرائيلي على ما يسمّيه "حسن نيّة" فإنه يضع معايير معينة وفق مزاجه وأهوائه آخذا بالحسبان القضايا الأمنية ومدى خطورة التهمة من وجهة نظره، ويأخذ بالإعتبار، أيضا، قضايا انتماء الأسير والمدّة الباقية حتى إطلاقه.. وغيرها.. وهكذا، فقد تمّ استثناء وتحييد الأسرى الذين رفضوا اتفاقية أوسلو أو أن منظماتهم لم تكن شريكة فيها".

لقد كان متّبعا أن تضع إسرائيل شرطا على الأسير المحرّر أن يوقع تعهدا بسحب انتمائه وبعدم الرجوع إلى العمل المسلّح أو ما يسمّونه "الإرهاب"، حيث لم يفرج عن الذين لم يوافقوا على التوقيع حتى لو كانت أسماؤهم مدرجة في لائحة المفرج عنهم. هكذا تمت الأمور في الإفراجات السياسية، لكن في الإفراجات الأخرى فقد غاب هذا الشرط، يؤكّد منصور، منوّها إلى عدم الإهتمام الكافي، برأيه، في موضوع الأسرى، على مستوى الناس وحتى في لجنة المتابعة وعلى صعيد الأحزاب والحركات السياسية.. "صحيح أن هناك اهتماما معينا من التجمع وأبناء البلد، مثلا، وإنني لا أميز هنا بين الأحزاب بل أسجل حقائق فقط، والحقائق تؤكّد أن الموضوع لم يأخذ مداه وحصته من الإهتمام".

وينهي منصور بالقول "إن قضية الأسر والإعتقال واردة على كل عربي في هذه البلاد، أو الإقصاء والملاحقة، كما هو حاصل الآن مع الدكتور عزمي بشارة،وقبله مع زعيم الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح، ما يثبت أن الجميع معرّض لهذا، ما يلزمنا إعادة النظر في تعاملنا مع قضايا أسرى الحريّة الذين إنما قدّموا تضحياتهم الكبيرة لأجلنا، ولأجل كرامتنا وعزّة فلسطين.. إنني أرى خيرا في هذا الجزء من الأمة، وقد أعبر عن غبطتي إذ أرى إلى هذا الإلتفاف الواسع حول الدكتور بشارة في مواجهته مع المؤسسة الإسرائيلية".

التعليقات