ذوو الأسيرين حسام خليل وأنيس صفوري؛ أم حسام: فخورة بإبني وبشخصيته وبكبريائه!.. أبو أنيس: سيخرج من سجنه أكثر وعيًا وثقافة..

خالد خليل: جميع حركات التحرر في العالم، دفعَ فيها الأبناء ثمن نضال الأهل وتضحياتهم * جميل صفوري: أنيس سيخرج ويواصل تعليمه، ليزيد من رصيده الفكري والأخلاقي والوطني..

ذوو الأسيرين حسام خليل وأنيس صفوري؛ أم حسام: فخورة  بإبني وبشخصيته وبكبريائه!.. أبو أنيس: سيخرج من سجنه أكثر وعيًا وثقافة..
ثمانية أشهر تفصل بين إجراءات اعتقال المتهميْن الشابين أنيس صفوري (21 عامًا) وابن خالته حسام خليل (20 عامًا) من مدينة شفاعمرو، وبين صدور قرار المحكمة المركزية في حيفا التي حكمت على صفوري بالسجن 14 عامًا وعلى حسام بالسجن سنتين ونصف...

ثمانية أشهر هي "عمر الوجع" الذي استقر في أعماق أهل المعتقليْن الذين عاشوا أيامًا لا يمكن توصيف شدّتها... عرفوا فيها معنى الحيرة والقلق والعذاب، وكانوا مع الآخرين في الهمّ المشترك ووحدهم في عذابِ الفراق وأمل الانتظار.

جاءَ الحكم قاسٍيا، ولم تشفع للأهل أحلام اليقظة بصدورٍ حكمٍ مخفِّف، ولم يعرف الآخرون أنّ هناك عائلات تحلم باليوم الذي تحتضن فيه أبناءها طويلاً...
تصف أمينة خليل (أم حسام) نفسية ابنها، وابن شقيقتها (أنيس) فتقول: "الحمد لله، معنوياتهما عالية جدًا، تفاجأت عندما رأيتهما يبتسمان لرؤيتنا، كنتُ أنا وخالد وجميل والد أنيس، ويبدو أنهما تقبلا القرار، ولا أمل لهما سوى بالصمود وزوال عتمة السجن".

وتتابع: "كيف أصِف حسام؟ جميل الحضور، طيّب، شجاع، لا يخاف، يبوح بِما يشعر به دون تردد.. مرّت الكثير من الساعات الطوال وأنا أسأل نفسي خلال فترة التحقيق، كم سيحكم عليه وعلى ابن خالته، كنتُ أشعر بالتعاسة فقط للحظات، لكنّ الأمل يعود ليطمأنني، فلستُ أول أمٍ لأسير، ولن أكون الأخيرة"...

وأضافت: "عندما اقتادوه الى التحقيق، قلتُ، يومين وسيخرج، وعندما لم يخرج فهمنا أن هناك قضية، وأن هناك علاقة بين قضيتي أنيس وحسام، ولم يضايقني شيء بعد ذلك سوى أنني لم أخبر حسام باعتقال أنيس".

سألتُ ام حسام: متى بكيتِ؟! وكأنني أحثها على البكاء، فبكت بدموعٍ سخية وقالت: "كل يوم... كل... يوم... لا أبكي فقط على ابني، كلما سمعتُ عن أسير أبكي... ولا أبكي على السنين، فالعمر لا يقاس بالأرقام، لكنني أبكي لأنه مقيّد، محرومٌ من الحرية... وما يخفف من حزني أنّ في السجن أصدقاء اعتقلوا منذ سنواتٍ طويلة، ويعاملون حسام وأنيس كآباءٍ لهما".

استرسلت والدة حسام: "لم أستغرب أمر اعتقاله، فلحسام فكره وآراؤه وخطه الوطني، ولطالما توقعت أن تنتقم السلطة من والده، لأنه رجل سياسة، بزج حسام في السجن... مع ذلك أنا فخورة بإبني وبشخصيته وبكبريائه وفي كل مرةٍ ألمحه، أجده أجمل من أيِ مرةٍ سابقة".

أما (والد حسام) خالد خليل، فما زالت أعصابه مشدودة، مصدومًا بالقرارات التعسفية التي أصدرتها المحكمة، ويرى أنها "أحكام عالية لا تتلاءم مع طبيعة التهم الموجهة لحسام أو أنيس"...

يقول خليل: "تهمة إبني هي إخفاء معلومات، وكل ما في الأمر أنه سمع سيناريو من ابنِ خالته، وحين سأله الأخير المساعدة قال نعم وبعدها قال لا... وانقطع الاتصال بينهما... ليس هناك من تخطيط، ولا اجتماعات ولا تنفيذ، وفي حكمٍ كهذا، كانَ يمكن لحسام أن يخرج منذ الأشهر الأولى، كما رأى محاميه رياض الأنيس وطالب، لكن جاءَ القرارُ مجحفًا قاسيًا وانتقاميًا سياسيًا، وليس له أي علاقة بالعدل القضائي، الذي تتغنى به الدولة".

وأردف خليل: "لقد حاول الجهاز القضائي استعمال أحداث معينة من أجل تسويغ الحكم، فاستخدم قضية السيارة المفخخة في ليف همفراتس، ليضفي أجواءً مشحونة الى الجو القلِق الذي نعيشه نحنُ العرب هنا في البلاد... وأغلب الظن أنّ الدراما التي حبكت حول قضية ليف همفراتس ما هي الا أحداثٌ مفتعلة مفبركة مرتبطة بالمخابرات وبالسلطة، فلا يعقل أن تنفذ عملية تفجير في مكانٍ تسعون بالمئة من رواده هم من العرب...".

ويصف والد حسام مرحلة الانتظار التي سبقت اصدار الحكم "بأصعب المراحل" في حياته، لكنه يحتفظ بمعنوياته العالية وزادت عزيمته بعد لقاء الأسيرين في الزيارة الأولى في سجن جلبواع/شطة قبل أيام...

ويعتقد خليل أنّ الدولة هي التي اختارت هذا الحكم، كما اختارت أن تتعامل مع العرب كأعداء لها لا كمواطنين، وهي تتحين الفرص للإيقاع بأبنائنا، عبر توريط شبابنا أو بدفع شبابنا لزيادة شحنة الانتماء الوطني والصمود في الوطن.

سألتُ أبا حسام إن كان نادمًا على اختيار ابنه للفكر الوطني الذي أوصله الى الاعتقال فهزّ رأسه بالنفي مستنكرًا السؤال، وقال: إنّ "المحك الرئيسي للوطنيين الذين اختاروا طريق السياسة، هو عندما يتعلق الأمر بمصالحهم الشخصية المباشرة وبأبنائهم وعائلاتهم، فإنهم لن يتراجعوا عن وطنيتهم قيد شعرة، بل على العكس فإن جميع حركات التحرر في العالم، دفعَ فيها الأبناء ثمن نضال الأهل وتضحياتهم، وأنا عن هذا الدرب لن أحيد".

ويعتقد خليل أنّ هناك فرقاً جوهريًا بين جيل اليوم والشباب أيام زمان، فالمجموعة التي حملت وزر العمل الوطني كانت محدودة جدًا وكانت أوامر الاعتقال ترهِب الشباب وتمنع الالاف من الانضمام الى النشاطات والمظاهرات، بينما على أيام حسام لم يعد للخوف مكان، وصارَ السجن شعلة وطريقًا لانضمام ألف شابٍ الى طريق الوطنية... هذا ما لمسته من شباب اليوم، رأيتهم في المظاهرات وفي الأعمال الحزبية، وهم مَن سينير درب الحرية...

أما والد أنيس جميل الصفوري فاعتبر الحكم الصادر بحق أنيس حكمًا جائرًا، واعتبره انتقامًا شخصيًا منه، كونه عُرف بمسيرته الوطنية وبفكره النيّر منذ شبابه، وكان من أوائل المنضمين الى حركة أبناء البلد.

ويرى جميل أنّ هناك تضامنًا واسعًا من أفراد مجتمعنا العربي، فلا زالت الوفود المساندة تزور أهالي المعتقليْن أنيس وحسام، وخلال الزيارات يؤكد المتضامنون أنّ الحكم الجائر الذي نفذته السلطات الإسرائيلية، هو انتقام بائس وهزيل من العرب عامةً ودليلٌ آخر على أنّ "الديمقراطية والعدل والمساواة" ليس لها أيُ وجود في سياسة هذه الدولة، وحين يكون المتهم يهوديًا تتعاطف الدولة معه وتمنحه إذناً بالزواج والإنجاب كما حصل مع قاتل رابين، بينما تستكثر على شابٍ لم يتعدَ العشرين من عمره، ولم يفعل شيئًا سوى أنه "صرّح بأنه سيفعل"، لتسجنه أربعة عشر عامًا، على فعلٍ لم يقم به.

ويعتقد الصفوري الوالد بأنّ ابنه أنيس سيخرج من سجنه أكثر وعيًا وثقافة، وسيواصل تعليمه وفق ما يخطط، ليزيد من رصيده الفكري والأخلاقي والوطني... فالسجناء الأمنيون هم أكثر الناس وعيًا لظروفهم وتحديًا لواقعهم المرير، وهم قادرون على صنع ذاتهم، وتأصيل فكرهم وفق ما يكسبون من تجارب ودراية وأخلاقيات.
أكدّ المحامي سليم واكيم (موكل أنيس صفوري)، باسمه وباسم زميليه داود نفاع ورياض الأنيس (موكل حسام خليل)، أنّ الثلاثة توقعوا صدور أحكام مخففة بحق المتهميْن.

ووفق الصفقة التي تمّت بينهم وبين النيابة، اعتقد الجميع أنّ هناك افراجًا قريبًا عن حسام، وحكمًا لن يزيد عن تسع سنوات بحق الصفوري... لكنّ جاءَ الحكم كما يقول واكيم: "ليكشف عن نوايا اسرائيلية سياسية وقضائية مبيتة ضد المجتمع العربي بأسره، وليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ العنصرية الإسرائيلية تفشت حتى في أروقة المحاكم".

وحول حيثيات القضية حدثنا المحامي سليم واكيم الذي قال: "لائحة الاتهام التي وجهت ضد أنيس الصفوري تضمنت بنودًا صعبة جدًا، وبالأساس تهمة «مساعدة عدو في حالة حرب» وعدة مخالفات أخرى، إلا أنّ الوقائع تشير أنّ كل قضية أنيس ما هي إلا أفكار وأحاديث لم تتحول الى تنفيذ".

وتابع واكيم: "قال أنيس وصديقه الفلسطيني من الضفة: سنغتال علماء ذرة لأنهم سبب المصائب، قالا سنفجر سيارة لكننا لن نصيب مدنيين، لكنهما لم ينفذا شيئًا مما قالاه... كل ما قالاه مجرد اقوال، تقال في ساعة غضب، واحتجاجًا على ما يلقاه الفلسطينيون من تنكيلٍ يوميٍ، الأمر الوحيد الذي نفذه أنيس وصديقه انهما عاينا المكان عند حاجز عطارة، ليقوما بتخويف الجنود عند الحاجز، ولم ينفذا شيئًا على أرض الواقع، أما تهمة حسام فهو سماعه للسيناريو المحكي من قبل أنيس، وموافقته على نقل أموال لصالح خلية الجهاد الاسلامي"...

وأردف واكيم: "تبدو الأحكام الصادرة عن المحكمة المركزية في حيفا أحكامًا عالية جدًا، مقارنة بمحاكم أخرى «كمحاكم الناصرة مثلا»، ويؤكد ذلك القرارات التي صدرت بحق الأسير زاهر خطيب الذي حكم عليه بالسجن 17 سنة لمجرد أنه فكّر وتكلّم، وبحق الأسيرتين من عرابة وسخنين اللتين صدرت احكام بحقهما بين 16 و17 عامًا.
توقع المحامون نجاحًا أكبر من خلال هذه الصفقة التي قضت بمحاكمة أنيس بين تسع الى خمس عشرة سنة، بينما تركت مسألة السنوات في قضية حسام دون تحديد.

وفيما طالب رياض الأنيس بالإفراج الفوري عن موكله (6-7 أشهر) طلبت النيابة الاستماع الى تقرير مراقب سلوك وهو يرافق المتهمين دون سن 21 عامًا، ويتوخى منهم التعبير والاعتذار. لكن جاءَ قرار مراقب السلوك قاسٍيا، كون المتهميْن لم يبديا أي ندم ولم يعتذرا عما سلف.

وتحدث واكيم عن مسألة الاستنئاف فقال: "نستطيع أن نقدّم استئنافًا في حالتي حسام وأنيس، ويبدو الأمر سهلاً في مسألة حسام، وامكانية خفض مدة محكوميته واردة بالحسبان، أما في مسألة أنيس فإننا نستطيع أن نقدم استئنافًا، لكن ما نخشاه أن تسبقنا النيابة في تقديم استئناف ضد قرار المحكمة الحالي، آملة برفع سقف المحكومية أكثر من 15 عامًا، وهو أمر مستبعد، ونحنُ أيضًا كمحامين نأمل بأن ننجح في تخفيض مدة محكوميته التي لن تزيد عن تسع سنوات فيما لو وافقت المحكمة".

وفي تعليقه على أجواء المحكمة والقرار القضائي يقول واكيم: "تصدر المحاكم الإسرائيلية أحكامًا قاسية بحق المواطنين العرب لتردعهم، وهي تنظر اليهم بعين الغضب كونهم يحملون المواطنة الإسرائيلية، وليس لديهم ولاء واخلاص لدولتهم. وهذا الأمر يؤكده التعامل القاسي الموجه ضد السجناء الفلسطينيين، وخاصة سجناء ال 48، الذين لا يحظون بدعمٍ من الجمعيات خاصة بعد اخراج بعض الجمعيات المساندة للأسرى خارج القانون. وأكثر من ذلك أنّ الدولة تُسقط من حساباتها مسألة تبادل الأسرى مع فلسطينيي ال 48، ولا أعتقد أن الصفقة الأخيرة (صفقة شاليط) التي لم تنجح، قد شملت أسرى من الداخل. والأمر الآخر البارز أنّ السلطات الإسرائيلية تدعي أنها لن توافق في أي حالٍ من الأحوال على تخفيف العقوبة أو مبادلة أسرى ثبت «تلطخ أياديهم بالدماء»، فإذا صحّ التعبير، لماذا يحكم على شخص مثل حسام كناعنة بـ 10 سنوات سجن لمجرد أنّه نقل أدوات أو نقل معلومات وغيره من الأسرار علما أنه ليس من «الملطخين بالدماء» بحسب توصيف اسرائيل".

ويلخّص واكيم القرار بقوله: "إنّ المسألة هي سياسة محض، ولا يمكن أن نفصل الجهاز القضائي عن السياسة العامة في الدولة طالما تنظر هذه بعين السخط والتمييز تجاه العرب كافة".

التعليقات