من ذاكرة الأسر: الأسير كريم يونس../ راسم عبيدات*

-

من ذاكرة الأسر: الأسير كريم يونس../ راسم عبيدات*

أسرى الـ48 قضية شائكة ومعقدة.. قضية مناضلين من أجل الوطن والحرية، وهم جزء أساسي من الحركة الأسيرة الفلسطينية. هم مشاعل ورايات حرية، هم نضال وتضحيات ومعانيات، هم من تجاوزهم وتخلى عنهم المفاوض الفلسطيني في أوسلو، ويخشون أن تتكرر نفس القضية في صفقة التبادل، وأن لا تشملهم صفقة التبادل، ورغم كل هذا الأسى والمرارة والسخط على السلطة والفصائل فهم ما زالوا قابضين على مبادئهم كالقابض على الجمر في زمن الردة والتراجع وتخلي الكثير عن قيمهم ومبادئهم، وأيضاً ما زالوا متسلحين بالأمل والإرادة..

رغم أنهم يحملون المواطنة الإسرائيلية، إلا أنهم فلسطينيون حتى النخاع انتماء وهوية.. أكثر من 15 أسيرا منهم هم من عمداء الحركة الأسيرة الفلسطينية، أي الأسرى الذين قضوا عشرين عاماً فما فوق في سجون الاحتلال. منهم الأسرى كريم وسامي وماهر يونس من قرية عارة في المثلث الشمالي، والذين دخلوا عامهم الإعتقالي الثامن والعشرين، والمحكومون بالسجن المؤبد المفتوح، حيث أن الاحتلال في البداية قد حكم عليهم بالإعدام، ومن ثم تم تخفيضه للمؤبد المفتوح.

وعن ذلك تقول الحاجة المناضلة صبيحة يونس، والدة الأسير كريم يونس، إنهم أرادوا بذلك الحكم إخافتنا والتأثير على معنوياتنا ونفسياتنا، وكذلك نقل رسالة لكل فلسطينيي الداخل الذين يفكرون بانتهاج المقاومة ضد الاحتلال.

وكريم الذي التقيته في سجن شطه عام 2002، كممثل للمعتقل واحد من أبرز القيادات الاعتقالية، وهو إنسان بطبعه هادئ، لا يميل إلى الثرثرة ولا إلى الاستعراضية أو إضفاء حالة من "السوبرية" على ما قدمه للوطن والقضية، ولا يطعم نفسه كحال العديد من الأسرى "جوزا فارغا" في تضخيم أعمالهم ونضالاتهم وأدوارهم. يحرص دائماً على وحدة الحركة الأسيرة الفلسطينية، ولا يهادن إدارة المعتقل فيما يخص حقوق ومطالب الأسرى، أو في سبيل مصالح ومنافع شخصية، كنت أزعجه دائماً بالطلب وألح عليه أن يقدم لي طلب انتقال من المعتقل إلى سجن آخر، وبالذات سجن عسقلان، حيث كنت مرحلاً إلى هذا السجن من سجن نفحة الصحراوي.

وكريم هذا ابن عارة في المثلث الشمالي، يعرف على مستوى المعتقلات والأسرى وإدارات السجون بأنه رمز من رموز الحركة الاعتقالية الفلسطينية، لديه مخزون عال من المعرفة والثقافة، اكتسب الكثير من التجارب والخبرات في العديد من المجالات التنظيمية والاعتقالية والوطنية والثقافية، شارك وقاد الكثير من المعارك الاعتقالية التي خاضها أسرى شعبنا الفلسطيني، ضد إدارات السجون الإسرائيلية دفاعا عن حقوقهم ومنجزاتهم ومكتسباتهم، تنقل بين الكثير من سجون الاحتلال من نفحة جنوباً وحتى جلبوع وشطة شمالاً، إما مرحلاً أو مقموعاً أو معزولاً عقاباً له على دوره وحضوره وقيادته في القضايا والمعارك والشؤون الإعتقالية والتنظيمية والوطنية.

وكريم يونس من المناضلين، الذين تصدوا بشكل حاد لإدارات وضباط استخبارات السجون، حينما حاولت ومن خلال بعض مرضى النفوس من الأسرى، إقناع أبناء الحركة الأسيرة من أراضي 48 بفك ارتباطاتهم وعلاقاتهم بتنظيماتهم، مقابل منحهم بعض الامتيازات الشكلية والشخصية.

وعن علاقة الحاجة صبحية يونس والدة الأسير المناضل كريم يونس، وهي واحدة من الأمهات المناضلات التي تمتلك الكثير من الصبر والإرادة والمعنويات، والتي كان لي شرف اللقاء بها في مؤتمر نظم في صيف العام الماضي في قاعة فندق "أمباسادر" بالقدس حول أسرى الداخل والقدس والجولان، بأن علاقتها بكريم أضحت "علاقة شوق وحنين لا ينتهي للقاء تحلم أن يكون قاب قوسين أو أدنى".

والحاجة صبحية "أم كريم" تشعر بغصة في القلب عندما تتحدث عن تجربة السجن، وتعتبر نفسها أيضاً سجينة، مثلها مثل ابنها كريم، فهي أمضت إلى جانب ابنها 28 عاما خلال زياراتها الدورية مرة كل أسبوعين.

وتقول: "لم أستثن أية زيارة طوال السنوات الماضية.. كنت دائماً أجد من يرافقني من العائلة، إما والده أو أحد أشقائه أو عمه أو خاله، وفقط في الشهر الأخير لم أزره، بسبب العملية التي أجريتها لاستئصال إحدى الكليتين التي فسدت بسبب الحصوة".

ومما لا شك فيه أن "أم كريم" حالها كحال الكثير من أمهات أسرانا عانت وما زالت تعاني الكثير في الزيارات بسبب سياسات وإجراءات الاحتلال في التفتيش والانتظار والقمع والاستفزاز، وهي أيضاً أصبحت خبيرة تحفظ كل طرق ودروب سجون الاحتلال، طرق سجون نفحة وبئر السبع وعسقلان وشطة وجلبوع والتلموند وهدريم وغيرها، من خلال السفر إلى السجون التي يعتقل فيها كريم أو يرحل إليها هو وغيره من أسرى شعبنا. والاحتلال لا يتعمد فقط قمع الأسير وإذلاله ومحاولة تفريغه من محتواه الوطني والنضالي، بل يتعمد كيّ وعي أهالي الأسرى وضرب معنوياتهم والتأثير على نفسياتهم، لكي يشكلوا عائقاً ومكبلاً لهم ولأبنائهم أمام مجرد التفكير بمقاومة الاحتلال، أو دفع فاتورة النضال خدمة لشعبهم وقضيتهم.

وكريم وأم كريم وكل أسرى شعبنا في الداخل وأهاليهم ستكون الأمور عليهم بوقع الكارث ،فيما لو نفذت صفقة التبادل دون أن تكون مشتملة على أسرى الـ48، وتحديداً القدماء منهم وأصحاب الأحكام العالية، فهم يدركون أن هذا الطريق هو الخيار وربما الفرصة الأخيرة أمامهم للتحرر من براثن سجون الاحتلال والتخلص من قيوده وأغلاله واستنشاق طعم الحرية، فهم وفق تقسيمات وتصنيفات الاحتلال، غير مشمولين هم وأسرى القدس لا في صفقة إفراج أحادية الجانب ولا حتى فيما يسمى بحسن النوايا. وإذا كان أوسلو والقائمون عليه قد ارتكبوا خطيئة بحقهم خاصة وبحق الحركة الأسيرة عامة، فإن استثنائهم والتخلي عنهم في صفقة التبادل قد يكون جريمة وطعنة غادرة توجهه إلى هؤلاء الأسرى ونضالاتهم وتضحياتهم .

ومن هنا يجب أن يكون هناك إصرار عال على شمل أسرى الـ48 في صفقة التبادل، وستبدو أية حجج أو ذرائع لتجاوزهم والتخلي عنهم واهية وغير مقنعة، فكل عمليات التبادل السابقة وبالذات عملية النورس التي قادتها الجبهة الشعبية- القيادة العامة في أيار/ مايو 1985، اشتملت على العشرات من أسرى الداخل والقدس وبدون أية اشتراطات.

التعليقات