14/09/2019 - 16:39

د. راوية أبو ربيعة... العنصريّة في إسرائيل مُمأسسةً

د. راوية أبو ربيعة: "قانون القومية" مأسس العنصرية والتفوق العرقي دستوريا وأسقط حقوقنا التاريخية | ملاحقة النواب العرب ابتدأت بقضية بشارة ثم سجن غطاس ولن تنته بتقديم لائحة اتهام ضد حنين زعبي

د. راوية أبو ربيعة... العنصريّة في إسرائيل مُمأسسةً

من التظاهرة المناهضة لـ"قانون القومية" في تل أبيب العام الماضي (رويترز)

د. راوية أبو ربيعة:

  • إسرائيل تضيّق هامش العمل السياسي البرلماني وغير البرلماني
  • "قانون القومية" مأسس العنصرية والتفوق العرقي دستوريا وأسقط حقوقنا التاريخية
  • ملاحقة النواب العرب ابتدأت بقضية بشارة ثم سجن غطاس ولن تنته بتقديم لائحة اتهام ضد حنين زعبي
  • جدوى الكنيست سؤال مشروع ولكن يجب أن يقترن بالانسحاب الجماعي وطرح البديل

عمدت السلطات الإسرائيليّة، خلال السنوات الأخيرة، على تضييق الهامش الديمقراطي بشكل يقلّص، إلى أبعد الحدود، حرية التنظيم والعمل السياسي لفلسطينيي الداخل بشقيه البرلماني وغير البرلماني، فمقابل تشديد الإجراءات القانونية المتعلقة بإلزام الأحزاب العربية ومرشحيها على الإقرار بيهودية الدولة والتعهد بعدم العمل ضدها وتسليط سيف الشطب ضد الأحزاب والمرشحين الذين لا يتجاوبون مع هذا الاشتراط، أقدمت إسرائيل في خطوة غير مسبوقة، بعد انتهاء الحكم العسكري، على إخراج الحركة الإسلامية الشمالية والجمعيات الأهلية التابعة لها عن القانون.

وفي وقت يقدم فيه مركز عدالة ومؤسسات حقوقية أخرى التماسات للعليا الإسرائيلية ضد "قانون القومية" العنصري، اعتبرت منظمة العفو الدولية (أمنستي) جملة القوانين والتدابير التي استهدفت تقييد نشاط أعضاء الكنيست العرب وأحزابهم تقويضًا للتمثيل الفلسطيني في الكنيست.

وجاء في تقرير أصدرته المنظمة، عشيّة انتخابات الكنيست، أن عمل أعضاء الكنيست الفلسطينيين المنتخبين للكنيست، تحبطه قرارات برلمانية وتعديلات تشريعية وتنظيمية تحد من حقهم في حرية التعبير. والنتيجة، في نهاية المطاف، تقلّص وتآكل حق أعضاء الكنيست الفلسطينيين في المشاركة السياسيّة على قدم المساواة في الكنيست.

راوية أبو ربيعة
راوية أبو ربيعة

وأشار التقرير إلى قيام رئاسة الكنيست بمنع أعضاء كنيست فلسطينيين بتقديم قانون بديل لـ"قانون القومية"، يعرف إسرائيل بأنها "دولة جميع مواطنيها" بادعاء أنّه "عنصري في جوهره"، وذلك في قرار سافر- جارف، خاصة على ضوء حقيقة أن "قانون القومية" بصيغته التي تمت المصادقة عليها في نهاية المطاف، كما تقول المنظمة، يرسّخ بشكل دستوري التمييز العنصري ضد مواطني إسرائيل غير اليهود.

كما توقف التقرير عند التعديل الصادر عام 2016 لـ"قانون أساس: الكنيست"، والذي يسمح بعزل أعضاء الكنيست بأغلبية الأصوات، إذا ما تقرّر أنهم "حرّضوا على العنصرية" أو "دعموا النضال المسلّح لدولة معادية أو منظمة إرهابية ضد دولة إسرائيل"، والمعروف بقانون حنين زعبي.

وتوقفت المنظّمة، أيضًا، عند التعديلات على نُظم أخلاقيات الكنيست لعام 2018، التي تحظر السفر بتمويل من هيئات "تدعو إلى مقاطعة إسرائيل"، واستخدامها لفرض قيود على سفر أعضاء الكنيست الفلسطينيين.

واعتبرت المنظمة هذه القيود المتزايدة التي يواجهها أعضاء الكنيست الفلسطينيون جزءًا من نمط تمييز صارخ لدى السلطات الإسرائيلية ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يشكلون 20% من مجموع سكان إسرائيل، وانتهاكا لحقهم في المشاركة السياسية والتمثيل السياسي والذي ينص عليه القانون الدولي والإسرائيلي.

وحول تضييق الهامش الديمقراطي وانتهاكات إسرائيل لحرية العمل والتنظيم السياسي للفلسطينيين داخلها، كان هذا الحوار مع الباحثة في معهد "فان لير"، الحقوقية د. راوية أبو ربيعة.

عرب 48: ربما لأول مرة تتحدث منظمة حقوقية دولية مثل "أمنستي"، صراحةً، عن انتهاك إسرائيل لحرية العمل السياسي للفلسطينيين داخلها، متهمة إياها بمحاولة تقويض تمثيلهم السياسي في الكنيست؟

أبو ربيعة: أعتقد أن الأمور تصاعدت في الآونة الأخيرة، وتوجت بإجراءين هما بمثابة حدثين كبيرين، الأول إخراج الحركة الإسلامية عن القانون، وهي خطوة متطرفة لا تقتصر على نزع شرعية ممثلينا بل فرض ما هو شرعي وما هو غير شرعي علينا بالقوة، وبالتالي نزع حرية الاختيار السياسي التي تعتبر حقا أساسيا من حقوق الإنسان، تبعت ذلك الملاحقات التي تعرض لها التجمع ونوابه.

أما الإجراء الخطير الآخر، على هذا الصعيد، فهو سن "قانون القومية" العنصري، والذي هو قانون أساس شكّل تشريعه تغييرا دستوريا، نقل التمييز ضدنا من تمييز ممأسس إلى تمييز دستوري، يسبغ الشرعية على كل التشريعات والإجراءات التي تميز ضدنا ويربطها بأصل قانوني دستوري، يقوم على منهج تفضيل عرقي لمجموعة سكانية معينة على أخرى، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الوضع القانوني على مكانة أعضاء الكنيست العرب، بصفتهم ينتمون، وفق هذا القانون، إلى المجموعة السكانية "الدنيا".

عرب 48: من الواضح أنّ تضييق هامش العمل السياسي شمل الشقّين البرلماني وغير البرلماني، علمًا بأنّ ملاحقة العمل البرلماني تشمل مجموعة إجراءات تهدف إلى تفصيل أحزابنا وممثلينا على مقاس المؤسسة؟

أبو ربيعة: بالنسبة للأحزاب العاملة في البرلمان وممثليها، هناك سعي حثيث لنزع الشرعية عنهم بواسطة عمليتين متوازيتين، الأولى بواسطة استعمال التشريع كأداة ترهيب وعقاب وتضييق مساحة عملهم ونشاطهم البرلماني، والثانية بواسطة التحريض السياسي عليهم وعلى جماهيرهم ووضعنا في خانة الأعداء تارة وخانة "الطابور الخامس" تارة أخرى.

نتنياهو وأعضاء في الليكود بعد سن "قانون القومية" (أ ب)
نتنياهو وأعضاء في الليكود بعد سن "قانون القومية" (أ ب)

لقد تصاعد هذا التوجه مع خطاب يهودية الدولة الذي تبناه نتنياهو وسعى إلى ترسيخه في مواجهة المفاوضات مع الفلسطينيين وفي مواجهة خطاب "دولة المواطنين"، ومع اتساع دائرة هيمنة اليمين على الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو ما استدعى نزع الشرعية عن العرب كمواطنين وعن ممثليهم السياسيين من حركات وأحزاب وأعضاء كنيست.

في مواجهة هذا الخطاب، من الخطأ التخلي عن مواطنتنا وعن تمثيلنا السياسي بصفتهما حقوقا أساسية، وعن استخدام جميع آليات النظام الديمقراطي أو شبه الديمقراطي القائمة، ولا نستطيع أن نسمح لأنفسنا التخلي عن أي من هذه الآليات دون طرح البديل.

عرب 48: تقصدين التخلي أو عدم التخلي عن العمل البرلماني، أو مقاطعة انتخابات الكنيست؟

أبو ربيعة: نعم، أعتقد أن السؤال حول الاستمرار أو عدم الاستمرار في اللعبة البرلمانية هو سؤال شرعي، لكنه يجب أن يُطرح على مستوى أوسع من الحزب الفلاني أو العلاني، لأن المقاطعة، إذا ما شكلت خيارًا، يفترض أن تكون جماعية وبعد طرح البديل للعمل البرلماني.

عرب 48: هناك من يقول إن "قانون القوميّة" قد غيّر قوانين اللعبة وأغلق هامش العمل البرلماني أمامنا، وطرح بقوة سؤال استمرار وجودنا هناك؟

أبو ربيعة: بدون شك، كان "قانون القوميّة" بمثابة تصعيد واضح وتغيير في الدستور وفي قوانين الأساس، وهذا أمر خطير جدًا، لأنّه يشرعن عدم المساواة ويمأسسها بشكل دستوري، وأنا لا أتفق مع من يقولون إذا أضفنا إليه الحق بالمساواة يصبح جيدًا، لأن الحل الوحيد هو إلغاء هذا القانون الذي ينكر حقنا كمواطنين، ويتنكّر لحقوقنا التاريخية القومية كجزء من الشعب الفلسطيني في هذه البلاد.

كذلك، فإنّ ما يجري اليوم لا يمس حرية العمل السياسي فقط، بل يسعى إلى تحديد السقف السياسي وتحديد المسموح والممنوع وهذا أمر خطير، لأنه إذا نظرنا إلى ما يحدث في العالم بشكل عام في موضوع المشاركة السياسية للأقليات في أنظمة قامعة، نرى أنّ الناس تذهب للبرلمان لأجل أن تتحدى سياسات من هذا النوع، بينما نحن بتنا نتساءل حول جدوى ذهابنا للكنيست، لأن الجمهور بات يشعر أن النخب غير الموجودة في البرلمان، قد تخطت البرلمانيين الذي باتوا يرزحون تحت وطأة الكثير من القيود التي تفرضها عليهم المؤسسة.

يضاف إلى ذلك محاصرة العمل البرلماني العربي وشل حركته، وبالتالي إفقاده القدرة على التصدي للقوانين العنصرية وقضايا هدم البيوت والغرامات وغيرها من القضايا الحارقة، يترافق ذلك مع تحريض سلطوي ضد أعضاء الكنيست واتهامهم بأنّهم لا يهتمون بالقضايا المدنية والاجتماعية وينشغلون بالقضية الفلسطينية وكأننا لسنا فلسطينيين، هذا ناهيك عن خلافات الأحزاب العربية على المقاعد، التي أعطت انطباعا غير حسن عنها.

عرب 48: ولكن ألا تعتقدين أنّ "قانون القومية" أحدث كسرا معينا، يتطلب ردَّ فعل موازيًا؟

أبو ربيعة: هناك تغيير أحدثه "قانون القومية" يتطلب منا تغييرا في أسلوبنا وأدائنا كجمهور وكممثلي جمهور، يجب أن نسأل أنفسنا هل نستعمل الآليات الدولية بشكل أنجع، وهل يجب أن نغير إستراتيجيات العمل، هل لدينا خيارات أخرى إذا ما خرجنا من الكنيست، لأنه لا يمكن أن نخرج من الكنيست ونقطة.

غطاس كان أول عضو كنيست يعتقل أثناء عمله (عرب ٤٨)
غطاس كان أول عضو كنيست يعتقل أثناء عمله (عرب ٤٨)

وحتى لو كنا نريد أن نخرج من الكنيست فقد فوتنا النقطة الزمنية المناسبة، وهي لحظة تمرير "قانون القومية"، بتقديم استقالة جماعية كخطوة احتجاجية بكل ما كان يعني ذلك من رد فعل إسرائيلي ودولي. والحقيقة أنّ رد الفعل على "قانون القومية" لم يكن بالمستوى المطلوب، فلم يجرِ إغلاق شوارع، كما كان متوقعا، ولم يتم انسحاب جماعي احتجاجي، وبالرغم من أننا مررنا بأيام أصعب مثل النكبة والحكم العسكري، إلا أنّ "قانون القومية" قام بمأسسة يهودية الدولة بشكل دستوري وهو أمر لا يستهان به.

عرب 48: هو تأسيس لنظام أبرتهايد؟

أبو ربيعة: شبيه، رغم أني لا أفضل استعمال تعبير الأبرتهايد، إلا أنه ("قانون القوميّة") خلق تفضيلا عرقيا وأعطى امتيازات لمجموعة سكانية دون أخرى، إلا أن ملاحقة أعضاء الكنيست العرب بدأت قبل ذلك بكثير، بملاحقة عزمي بشارة، وتواصلت بسجن باسل غطاس، ولم تنته بالإعلان عن تقديم لائحة اتهام ضد حنين زعبي، ناهيك عن تحويل أعضاء الكنيست العرب إلى " كيس رمل" لتلقي الضربات.

لكن هذا كله لا يعني ترك الكنيست دون طرح البديل الجماعي، الذي يجب إنضاجه في إطار إستراتيجية مقاومة التضييق على حيز العمل السياسي، وأن يتم ذلك إلى جانب التصدي للتضييق على حيز التعبير في مجتمعنا والتصدي لقضايا مثل قضية إلغاء عرض تامر نفار في أم الفحم ومحاولة قتل الشاب من طمرة، يجب أن نسأل أنفسنا أي مجتمعٍ نريد، هل نريد أن نكون ملاحقين من قبل السلطة ومن قبل أنفسنا، أيضًا، أم أننا نسعى إلى خلق مجتمع ديمقراطي في كل المستويات.


راوية أبو ربيعة: حاملة لقب دكتوراه في الحقوق وباحثة في معهد "فان لير".

التعليقات