25/01/2020 - 19:21

العزة: الاتحاد الأوروبي يدين المقاومة ويحاول تحويلنا لعملاء على أنفسنا

 مؤخّرًا أدرج الاتحاد الأوروبي في تعاقداته مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، "نبذ الإرهاب" المستند إلى مُلحق قائمة العقوبات الأوروبية، حول هذا الموضوع  وتداعياته المحلية والدولية حاورنا نضال العزة مدير "بديل"، المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين الفلسطينيين.

العزة: الاتحاد الأوروبي يدين المقاومة ويحاول تحويلنا لعملاء على أنفسنا

نضال العزة

* الاتحاد الأوروبي لا يشترط إدانة المقاومة فقط، بل تحويلنا إلى عملاء على أنفسنا

* أوسلو أغرقت البلد بالجمعيات، والآن يسعون لتكييفها وفق صيغة الاندماج مع التطبيع

* المقاطعة تحولت في دول أوروبية إلى إرهاب ولاسامية يحاكم عليها القانون

* نحن في حرب عالمية تستعمل إسرائيل فيها سلاح اللاسامية في مواجهة دمغها بالأبرتهايد.


في التاسع من تموز/ يوليو 2005 وقعت 171 منظمة فلسطينية غير حكومية نداء دعت فيه إلى مقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، حتى تنصاع للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعماره لكل الأراضي العربية، فضلا عن تفكيك الجدار العازل والاعتراف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للفلسطينيين المواطنين في إسرائيل وبالمساواة الكاملة، واحترام وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.

لقد شكل هذا الإعلان بمثابة البيان التأسيسي لما عرف لاحقا بمنظمة الـ "بي. دي. إس"، التي حققت نجاحات كبيرة على صعيد المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والثقافية ضد دولة إسرائيل، جعلت الأخيرة تشخص الحركة كتهديد إستراتيجي وتخوض حربًا عالمية ضدها، جندت لأجلها الموارد ووظفت في نطاقها جهودًا وعلاقات دوائرها ومؤسساتها واللوبي اليهودي والحليف الأميركي، في الضغط على الدول الأوروبية مجتمعة ومنفردة لاتخاذ تدابير وقوانين من شأنها تقليص مساحة عمل حركة المقاطعة، وصلت في بعض الدول إلى حد تجريم نشاطاتها.

وقد أثمرت الجهود الإسرائيلية التي حاولت تجفيف منابع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، باعتبارها قاعدة تلك الحركة، حيث تبنى معظم الممولين العديد من ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي ومطالبه، التي باتت مفروضة بشكل ضمني ومُبطن على المجتمع المدني الفلسطيني، وجزءًا من التعاقدات المبرمة معها.

مؤخّرًا، أدرج الاتحاد الأوروبي في تعاقداته مع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، بند "نبذ الإرهاب" المستند إلى مُلحق قائمة العقوبات الأوروبية التي تعتبر المقاومة والأحزاب السياسية الفلسطينية منظمات إرهابية، وتلزم تلك المؤسسات بالقيام بما يسمى "إجراءات الفحص والتدقيق"، ما يعني دفع المؤسسات للعب دور العميل الأمني المتواطئ ضد شعبه، والتمييز بناء على الانتماء السياسي.

ورغم توقيع 132 مؤسسة فلسطينية من المدن والمخيمات الفلسطينية على رسالة وجهت للاتحاد أعربت فيها تلك المؤسسات عن رفضها لتلك الشروط، وإعلانها عن حملة رفض التمويل المشروط، إلا أن الواقع لا يخفي حالة الارتباك التي تضرب مذ حينها أوساط المجتمع المدني الفلسطيني.

حول هذا الموضوع وتداعياته المحلية والدولية، حاورنا نضال العزة، مدير "بديل" - المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين الفلسطينيين.

عرب 48: نعرف أن العمل الأهلي الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني يتعرضان في السنوات الأخيرة لسلسة تضييقات على صعيد التمويل، نتيجة الضغط الإسرائيلي على الجهات المانحة، وهو الأمر الذي توج بقرار الاتحاد الأوروبي إدراج "بند الإرهاب" الذي يفرض على المؤسسات الفلسطينية تجريم المقاومة الفلسطينية، ويلزمها بفحص وتدقيق كل من ينتفع بأموال الاتحاد الأوروبي، فما هو الجديد في هذا البند وكيف تترجم تضييقاته؟

العزة: حقيقةً قد واجهنا في الماضي العديد من التضييقات في هذا المجال، ولكنها المرة الأولى التي يطرح فيها الموضوع بهذا الوضوح والفظاظة، وتتم مطالبتنا فيها بتجريم النضال الفلسطيني كشرط للحصول على التمويل تحت مسمى الالتزام بقائمة العقوبات الأوروبية، التي تضم سبع تنظيمات فلسطينية رئيسية.

هم يطلبون منا توقيع هذا الملحق كشرط من شروط التمويل، والملحق يستند إلى قائمة العقوبات الأوروبية وقائمة القيود المرتبطة بالعقوبات، وهي القائمة المنشورة منذ عام 2001 ويقوم الاتحاد الأوروبي بإجراء تعديل دائم عليها، وهي تشمل سبع تنظيمات فلسطينية هي كتائب الأقصى التابعة لحركة فتح، حماس، كتائب عز الدين القسام، الجهاد الإسلامي، سرايا القدس، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية - القيادة العامة.

وبمجرد التوقيع على الملحق تصبح تلك المؤسسات ملزمة بإجراء مسح لموظفيها وأعضاء إداراتها والمستفيدين من خدمتها، لضمان عدم وجود أسماء تنتمي للتنظيمات الفلسطينية المذكورة بين صفوفها.

وهم يدعون أن هذا الإجراء لا يقصد به الفلسطينيون بشكل خاص، بل يشمل دول العالم قاطبة. وبالرغم من علمنا أن قائمة العقوبات لا تقتصر على الفلسطينيين، ولكن من الواضح للجميع أن الإجراء جاء بعد الضغوط التي مارستها وزارة الشؤون الإستراتيجية ورئيس الحكومة الإسرائيلية على دول الاتحاد الأوروبي، والتي أسفرت بداية عن قيام بعض دول الاتحاد بوقف تمويلها لمؤسسات فلسطينية قبل أن يكلل الموضوع بالاشتراط المذكور.

عرب 48: ولكن يبدو أن الوصول إلى هذه النقطة جاء نتيجة سلسلة تراجعات فلسطينية التي شجعت تلك الدول، فكيف أثّرت هذه التراجعات على فرض المزيد من الشروط والإملاءات، المدفوعة بالضغط الإسرائيلي على المؤسسات الفلسطينية؟

العزة: ما تقوله صحيح، فقد وصلنا إلى هذا المستوى لأن المؤسسات والقوى السياسية والسلطة الفلسطينية بشكل خاص، تراجعت في هذا الموضوع وكانت الشروط تمر الواحد تلو الآخر بهدوء، حتى وصلوا إلى مستوى من البجاحة أنه مطلوب منا ليس فقط أن نسكت على الشتيمة ونغض الطرف، بل أن نوافق على الشتيمة ونتبع الإجراءات.

في الماضي واجهنا نحن كمركز يعمل على قضية اللاجئين وحق العودة، العديد من محاولات فرض شروط التمويل ورفضناها وخسرنا بسبب تمسكنا بموقفنا الكثير من الممولين وكثير من العقود، فقد حاول بعض الممولين ثنينا عن الترويج لحق العودة إلى داخل مناطق 48، باعتبار أن ذلك يمس بكيان وسيادة إسرائيل، وحاول آخرون دفعنا باتجاه العمل على قضايا إنسانية وإغاثية ومشاريع زراعية هنا وهناك، دون خطاب سياسي، وعندما كنا نقوم بمسايرتهم ونشترط أن يأتوا ليحموا تلك المشاريع التي يدمرها الاحتلال الإسرائيلي في منطقة "جـ"، كانوا يتراجعون ولا يوافقون على هذا الاشتراط، بل يطلبوا منا الحصول على موافقة مسبقة من الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي.

عرب 48: هل يريدون أن تعملوا ضمن قوانين الاحتلال؟

العزة: نعم، وفي الفترة الأخيرة يركزون على موضوع المقاطعة، حيث بدأت بعض الدول الأوروبية، وبسبب الضغط الإسرائيلي، ترى بالمقاطعة عملا إرهابيًّا أو حركة "لاسامية" غير مشروعة، فأصبحوا يشترطون على المؤسسات عدم العمل في أنشطة تشجع موضوع المقاطعة.

ومن المعلوم أننا كمجتمع مدني نرى في حركة المقاطعة شكلا من أشكال مقاومة الاحتلال، وبالتالي لا نساوم على هذا الموضوع، وهناك مؤسسات دفعت ثمنًا في تقليص تمويلها بشكل كبير، وهناك مؤسسات أغلقت أبوابها نهائيا. نحن كمركز "بديل" على سبيل المثال، قمنا بتقليص عدد موظفينا في السنوات الأخيرة إلى أقل من النصف بسبب هذه السياسات.

إنهم يحاولون في بعض الأحيان فرض التطبيع مع الاحتلال عن طريق تصميم وتمويل مشاريع مشتركة مع الإسرائيليين، تحت شعار الترويج لفكرة السلام والتآخي، بمعنى أن تغير أجنداتك كي تحصل على التمويل، والمؤسف أنه لا توجد بدائل فلسطينية وعربية لهذا التمويل، كما أن المؤسسات الفلسطينية التي عاشت فترة الانتعاش التي أعقبت أوسلو، والتي شكلت انتفاخًا في مؤسسات المجتمع المدني حتى وصلت إلى 3400 مؤسسة، لم تكن مثل هذه القوانين في حسبانها فلم تحضر البدائل.

عرب 48: تقصد أنهم فتحوا المزاريب بعد أوسلو؟

العزة: صحيح، قاموا بإحداث تضخم في المؤسسات، والآن يريدون تقليصها من خلال تشجيع مؤسسات مندمجة في التطبيع، ومتورطة في مشاريع عنوانها الكبير النيولبرالية التي يتم تحتها ضرب الأحزاب السياسية وفكرة المقاومة.

ومقابل المؤسسات التي كانت وستبقى تحافظ على هويتها الوطنية نشأت "مؤسسات سوبر ماركت"، تعمل وفق أجندة الممولين وفي كافة المجالات التي يتوفر فيها التمويل، وهذا الموضوع يندرج في عملية "اللّاتَسْييس" للمجتمع والإنسان الفلسطيني، التي نجحت في إضعاف الأحزاب ومنظمة التحرير، التي ساهمت السلطة نفسها بإضعافها أيضًا، وجرى في إطارها تضخيم المجتمع المدني، والآن يجري تكييفه بالتدريج ولذلك نرى اليوم مؤسسات لا علاقة لها بالأجندة الوطنية.

عرب 48: لأول وهلة يبدو أن هناك ردَّ فعل موحدًا ووطنيًّا ضد إجراء الاتحاد الأوروبي، ما صورة الوضع من الداخل؟

العزة: صحيح، هناك 132 مؤسسة فلسطينية وقعت على مذكرة أعلنت فيها رفضها لهذا الإجراء وطالبت الاتحاد الأوروبي بالتراجع عنه، وهو البيان الذي قامت على أساسه الحملة الوطنية ضد التمويل المشروط، كما جرت مطالبة السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية بالاحتجاج أمام الاتحاد الأوروبي ومطالبته بالعدول عن قراره، وقد قام أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، الدكتور صائب عريقات، بإرسال رسالة بهذا الخصوص إلى المفوضية الأوروبية في بروكسل.

أما في ما يتعلق بالصورة الداخلية، فهناك ثلاثة مواقف؛ الأول يرفض الخضوع بشكل قاطع لهذه الإملاءات ويدعو إلى مقاومتها وإبطالها؛ والثاني يسعى إلى إيجاد تخريجة معيّنة تبتلع الشرط الأوروبي وتحفظ ماء وجه المؤسسات الفلسطينية؛ والثالث يتمثل بالموقف المتهالك الذي سبق ورضي بهذا الشرط عندما طرحته مؤسسات أميركية، وهو حقيقة يمثل قلة قليلة في المجتمع المدني الفلسطيني.

عرب 48: وماذا مع موقف السلطة الفلسطينية، ولماذا لم تعلن عن موقف رسمي وتطالب الاتحاد الأوروبي بالتراجع عن إجراءاته تلك؟

العزة: في الاتصالات المباشرة مع السلطة الفلسطينية يقول مسؤولوها نحن معكم وندعم نضالكم ضد التمويل المشروط، ولكننا لا نستطيع أن نصدر موقفًا رسميًّا ونرسل رسالة احتجاج إلى الاتحاد الأوروبي، وهو موقف يرتبط كما يبدو بأوسلو، وعقلية أوسلو، ومنهجية أوسلو، واتفاق باريس، والتمويل المشروط الذي سبق وفرض على السلطة أيضا بحدود معينة.

عرب 48: وهل الإجراء الأوروبي يشمل مؤسسات المجتمع المدني داخل مناطق الـ48؟

العزة: الإجراء يشمل كل مؤسسة تسعى للحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي حول العالم، ولذلك فإن الاتحاد الأوروبي يدعي أنه غير موجه للفلسطينيين بشكل خاص، وهو بالطبع يشمل مؤسسات الـ48 أيضًا.

عرب 48: وأين تقف الأمور اليوم؟

العزة: لقد أحدث رد الفعل الفلسطيني بعض الإرباك، حيث قالوا في البداية إن آخر موعد لتوقيع الملحق المذكور هو في الخامس من كانون الثاني/ يناير الجاري، ثم مدّدوا عشرة أيام أخرى، وعادوا ومددوا خمسة أيام إضافية، والآن يقولون إن الموعد الأخير هو نهاية الشهر الجاري، وإلى حينه سنحيا ونرى، ولكن لن نسكت ولن نوقّع.


نضال العزة، مدير "بديل" – المركز الفلسطيني لحقوق المواطنة واللاجئين، حاصل على ماجستير في القانون الدولي المقارن.

التعليقات