07/03/2020 - 21:55

د. خيزران: الفلسطينيون في إسرائيل ذوتوا الواقع ولم يذوتوا الصهيونية

*مآلات الربيع العربي دفعت المجتمع الفلسطيني لترتيب أولوياته ضمن واقعه السياسي *الدولة المدنية التي طرحها بشارة وضعت الأصبع على جذر التمييز الكامن في يهودية الدولة *غانتس كان يخجل بتوصية المشتركة وكأنها وصمة

د. خيزران: الفلسطينيون في إسرائيل ذوتوا الواقع ولم يذوتوا الصهيونية

(أ ب)

*د. يسري خيزران:

> مآلات الربيع العربي دفعت المجتمع الفلسطيني لترتيب أولوياته ضمن واقعه السياسي
> الفلسطينيون في إسرائيل ذوتوا الواقع ولم يذوتوا الصهيونية
> الدولة المدنية التي طرحها بشارة وضعت الأصبع على جذر التمييز الكامن في يهودية الدولة
> غانتس كان يخجل بتوصية المشتركة وكأنها وصمة عار في تاريخه


"تركوا لمصيرهم" هو عنوان كتاب د. يسري خيزران ومحمد خلايلة، الذي صدر مؤخرا باللغة العبرية عن جامعة تل أبيب، ويتناول وضع الفلسطينيين داخل الخط الأخضر في ضوء حالة "الخذلان والإحباط الذي أصابهم من جراء التطورات التي طرأت على أحداث الربيع العربي".

الكتاب الذي يناقش أهمية المحيط العربي في صياغة المواقف السياسية للمجتمع العربي تجاه الدولة، يشير إلى "عمق الشعور بالخيبة والخذلان الذي أصاب هذا المجتمع مما آلت إليه أحداث الربيع العربي من تهاوي المحيط العربي وتفكك الدول القومية، وتأثير ذلك على توجهات ومواقف أكثر برغماتية تجاه الدولة وقبول بكونهم أقلية في إسرائيل".

حول الكتاب وترجمات مواجهة الفلسطينيين داخل الخط الأخضر لمصيرهم في الواقع الإسرائيلي، كان هذا الحوار مع المحاضر والباحث في العلوم السياسية، د. يسري خيزران.

"عرب 48": العنوان يبدو دراماتيكيا ولكن في الواقع يظهر أننا أو بعضنا يتدبر أموره\نا جيدا مع الدولة؟

د. يسري خيزران

خيزران: ما أردت تأكيده أن المواطن العربي الفلسطيني في إسرائيل الذي يبدو أنه جزء من هذا الإطار السياسي الاقتصادي، هو لا يستفيق الصبح ليسمع شلومو أرتسي (مغني إسرائيل مشهوري) بل ليسمع فيروز، بمعنى أن انتمائه الوجداني الثقافي- القومي هو ليس للدولة ولكن لمحيطه العربي، وما حدث في هذا المحيط أصاب هذا الانتماء في الصميم؛

وما يزيد الطين بلة، هو ما يحدث مؤخرا من اختراق إسرائيلي للمحيط الإسلامي والعربي، ترتب على التفكك الذي نتج عما آل إليه الربيع العربي والثورات العربية، التي علق عليها المواطن العربي في إسرائيل أسوة بالمواطن العربي عموما، آمالا كبيرة في تحقيق الشعارات الكبيرة التي تداعب أحلامه ومنها الحرية والتحرير؛

علما بأن ثورات ما سمي بـ"الربيع العربي" بخلاف ربيع الشعوب في أوروبا وثوراته القومية، كانت ثورات شعبية مدنية باسم الحرية والحقوق المدنية ولقمة العيش، انفجرت بعد أن حولت الأنظمة الجمهورية العربية الثورية مواطنيها إلى رعايا يجب عليهم التسبيح باسم الحاكم لأنه حاكما؛

وكانت ثورات حقيقية أخرجت الشعوب بملايينها في مصر وتونس بشكل خاص، وحتى في سورية لم يشفع للنظام هناك التزامه بخط سياسي معين لأن الناس سئمت الخطاب الخشبي وتريد حياة كريمة؛

المجتمع الفلسطيني في إسرائيل الذي استمد نوعا من القوة المعنوية من هذه الثورات، واعتقد أنه أخيرا استفاق العرب من غفوتهم واندلعت ثورات شعبية تحدت الأنظمة البوليسية وأسقطت أنظمة عاتية، ورأى أن الربيع العربي يبشر بدمقرطة وإعادة هيكلة الأنظمة السياسية، أصابه الإحباط والخذلان وكانت الخيبة على قدر التوقعات والآمال الكبيرة التي بنيت على هذه الثورات، في ضوء ما آلت إليه من فوضى وتفكك وحروب أهلية لا تنتهي؛

هذا إضافة إلى الانقسام الذي وقع في مجتمعنا، على خلفية الموقف من الثورة السورية والذي أحدث شرخا أفقيا على مستوى المجتمع وعلى مستوى القيادات السياسية، بين من تضامن مع النظام بحكم خطابه وخطه السياسي وتحالفاته وبين من تضامن مع الثورة الشعبية بحكم التزامها ورفعها لشعارات الحرية والكرامة والديمقراطية، وبالتالي فإن ما آلت إليه الأوضاع في سورية من حالة فوضى وحرب أهلية وقتل ودمار، انعكس سلبا وعمق من الإحباط وخيبة الأمل؛

هذا ناهيك عن استغلال الحالة العربية تلك من قبل الدعاية الإسرائيلية الصهيونية لتثبيت مقولاتها النمطية ضد العرب والمسلمين، وتذكير الفلسطينيين داخل الخط الأخضر بأن عليهم الحمد والشكر لأنهم يعيشون في إسرائيل.

"عرب 48": الأمور لم تصل إلى حد الشكر، ولكن هناك تحول أو ما يمكن تسميته، إن صح التعبير، الاستدارة نحو إسرائيل؟

خيزران: يمكن القول إن خيبة الأمل تلك أدت إلى أن يُظهر المواطن العربي، استعدادا لتذويت الواقع، ليس نتيجة للرغبة في الاندماج إسرائيليا، إنما لإعادة ترتيب أولوياته، وهو ما أسميناه باللغة العبرية "تذويت الواقع وليس تذويت الصهيونية"؛

وإذا ما نظرنا إلى جميع استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرا نلاحظ أن المواطن العربي يموضع القضايا اليومية والخطاب المدني على رأس أولوياته، كما أن القائمة المشتركة أظهرت في حملتها الانتخابية تجاوبا واضحا مع هذا الخطاب، وصولا إلى إبداء الاستعداد للدخول في ائتلاف حكومي من الخارج؛

هذا لا يعني بالضرورة أن المواطن العربي أصبح فاقدا لهويته الوطنية، وأنا استهجن من هؤلاء الذين يخافون على هويتنا، ما حدث منذ عام 2011 هو أن المواطن العربي في إسرائيل يجيد لملمة نفسه، في ظل واقع التفكك والفوضى الذي آل إليه الربيع العربي والذي ولّد نكسة معنوية، دفعته إلى الاستعداد لإعادة ترتيب أولوياته، وهو يدرك أن ترتيب الأولويات مع الدولة في الشق القومي غير ممكن، وأن الوارد هو ترتيب هذه الأولويات في الحقل المدني.

"عرب 48": وربما ذلك ما يفسر ارتفاع نسبة التصويت للكنيست بين العرب؟

خيزران: هي أيضا ردة فعل على سياسة اليمين بإقصاء المواطنين العربي، فالمجتمع العربي بين نارين، من ناحية اِستعار الخطاب القومي اليميني في إسرائيل، ومن ناحية ثانية هذه النكسة المعنوية الناتجة عن مالات الربيع العربي، واجتماعهما أدى إلى نسبة التصويت تلك ورجوح كفة الخطاب المدني.

"عرب 48": هو اندفاع نحو الأسرلة إن صح التشخيص؟

خيزران: الأسرلة نظرية ابتدعها عالم الاجتماع الإسرائيلي سامي سموحة، تفترض تأثر هوية الفلسطينيين في الداخل بالواقع السياسي الإسرائيلي، أو مراوحتها بين هذا الواقع والبعد الفلسطيني انطلاقا من عدم وجود هوية عربية فلسطينية متماسكة، وهذا تنظير خاطئ وفيه مغالطة.

وفي الواقع، فإن ما يحدث يدخل في مسألة التعامل مع الواقع السياسي الإسرائيلي، فالمواطن العربي يعيش في الدولة ولا يشعر بالانتماء إليها في المستوى الأيديولوجي والوجداني، ولكن هو بحاجة لترتيب أموره في ظل هذا الواقع، بمعنى الواقعية السياسية.

"عرب 48": ولكن يصح القول إن الفلسطيني في الداخل لديه هذه الازدواجية بين الانتماء للمحيط العربي والفلسطيني، الذي يعني الانجذاب إليه والابتعاد عنه. ابتعاد أو انجذاب مقابل للواقع السياسي الإسرائيلي الذي يعيش في نطاقه، وهذا ما حدث غداة اتفاق أوسلو على سبيل المثال؟

خيزران: أوسلو مثال جيد، حيث أدرك الفلسطينيون داخل الخط الأخضر أنه بعد أن أُسقطت ورقتهم من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، صار عليهم تدبر أمورهم داخل إسرائيل، وتطوير خطابهم السياسي في ظل دولة قومية أو دولة القومية، لذلك جاء خطاب عزمي بشارة حول الدولة المدنية ليتجاوب مع هذا التحدي؛

فالمواطن العربي لا يعيش في حالة انقطاع عن محيطه وهو يدرك أن علاقته مع الدولة تتأثر بعمق هذه المسألة الوجدانية، ففي الخمسينيات تجاوبنا مع تصاعد المد القومي وفي الستينيات تجاوبنا مع تصاعد المد الوطني الفلسطيني وفي الثمانينات تجاوبنا مع تصاعد المد الإسلامي؛

ونلاحظ بشكل واضح، تجاوب المجتمع العربي في إسرائيل مع محيطه، لأنه يستمد منه قوة معنوية في مواجهة قوة الدولة اليهودية، وهي معادلة أصابها نوعا من الخلل في أعقاب مآلات الربيع العربي، وكانت النتيجة العودة إلى هيمنة الخطاب المدني، كما حدث غداة أوسلو.

"عرب 48": ولكن خطاب الدولة المدنية الذي طرحه عزمي بشارة غداة أوسلو ربط المدني بالقومي، من خلال اشتراط الاندماج بالدولة بالتخلي عن يهوديتها، هذا ناهيك عن وجود بديل إسرائيلي "جنح" ولو قليلا نحو السلام والمساواة - حكومة رابين - ما هو غير موجود اليوم؟

خيزران: هذا مأخذ أساسي على الخطاب السياسي الراهن للعرب في إسرائيل، حيث لم ننجح إلى الآن بإظهار مدى عمق ارتباط مسألة التمييز الممارس ضدنا، بكون الدولة تعرف نفسها دولة يهودية؛

فما يعانيه المواطن العربي بشكل يومي ابتداء من مخالفات السير وحتى مخالفات البناء وانعدام الخرائط الهيكلية، ينبع من كون الدولة تمنح أفضلية للمجموعة اليهودية على الآخرين.

"عرب 48": هذا الخطاب الذي ساد فعلا على مدى عقد ونيف من الزمن، جرى تحييده مؤخرا والسائد اليوم هو الخطاب المدني المفتقر للضوابط القومية، إن صح التعبير، والذي قاد إلى التوصية على غانتس، وربما يقود إلى دعم حكومة من الخارج برئاسته، دون أن يقدم أي تنازل في قضيتي السلام والمساواة؟

خيزران: هناك انقطاع بين المدني والقومي يجب إيجاد معادلة لإعادة ربطه، وأنا لا أرى فروقات كبيرة بين خطاب نتنياهو وخطاب غانتس، ناهيك عن أن الأخير يخجل من أن القائمة المشتركة قد أوصت به لتشكيل الحكومة ويعتبر ذلك وصمة عار؛

ما يجري هو مجرد صراع قوى داخل النخب الإسرائيلية، لا توجد فروقات جذرية في القضايا الأساسية بين معسكراتها، يؤكد ذلك أن الانتخابات الثلاث دارت حول شخص نتنياهو وليس حول قضايا أخرى ذات أهمية يبدو أن هناك اتفاقا حولها.

التعليقات