28/11/2020 - 21:40

د. عاصي: قرار التقسيم حلقة من مشروع استعماري يهدف إلى الاستيلاء على البلد

*الوضع عشية التقسيم كان شبيها بالضفة الغربية؛ من يقبل باقتسام الضفة مع المستوطنين؟ *قرار التقسيم منح الشرعية لمشروع استعماري وأعطى للمستوطنين إقليما لا يشكلون غالبيته. *إسرائيل خلقت قوية ولم تبنِ قوتها في الخمسينيات والستينيات والعالم العربي لم يستطع مجاراتها.

د. عاصي: قرار التقسيم حلقة من مشروع استعماري يهدف إلى الاستيلاء على البلد

(أرشيفية - أ ف ب)

د. جوني عاصي:

  • الوضع عشية التقسيم كان شبيها بالضفة الغربية؛ من يقبل باقتسام الضفة مع المستوطنين؟
  • قرار التقسيم منح الشرعية لمشروع استعماري وأعطى للمستوطنين إقليمًا لا يشكلون غالبيته.
  • إسرائيل خلقت قوية ولم تبنِ قوتها في الخمسينيّات والستينيّات والعالم العربي لم يستطع مجاراتها.
  • المنظمات الصهيونية امتلكت عشية قيام إسرائيل 196 ألف جندي مسلّحين ومدرّبين.

"من الأمور الشائعة والمبتذلة في التاريخ المدوّن، أن المنتصرين في الحرب يمضون عادةً بالغنيمة وبروايتهم هم للأحداث - رواية لا يورثونها لذريتهم فقط، بل أيضا لأصدقائهم وأعدائهم على السواء. ولهذه الحقيقة المبتذلة رنين مدوّ في الذكرى السنوية الخمسين لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947، والذي أوصى بتقسيم فلسطين. وكان معنى هذا القرار، عمليًا، إنشاء دولة صهيونية على التراب الفلسطيني بغض النظر عن رغبات الأغلبية الساحقة من سكان فلسطين، وفهمته القيادة الصهيونية ضوءًا أخضر للشروع في الغزو الذي كانت فكرت فيه طويلًا، وأجّلته بانتظار الوقت الملائم، من أجل إنشاء مثل هذه الدولة".

هكذا كتب وليد الخالدي في الذكرى الـ50 لقرار التقسيم وغداة انطلاق مسيرة مدريد - أوسلو، واستطرد قائلا "إنه مما يثير الدهشة والسخرية أن جيلًا جديدًا من العرب الذين تلقوا علومهم في الغرب، بما في ذلك عدد غير قليل من المؤرخين الفلسطينيين (من أبناء أو أحفاد ضحايا 1947 – 1948)، قد استسلم تحت وطأة القصف المتواصل المتمثل في الرواية الصهيونية للأحداث، لإغراء النظر إلى الماضي ‘من دون عقد نفسية‘".

وتابع "ومن خلال هذا المنظور، صار يرى في قرار التقسيم الصادر سنة 1947 ملامح لا يمكن تخيّل أن يتعرف إليها أحد من الفلسطينيين الذين عاصروا القرار وقت صدوره. واكتسب هذا التوجه دفعة قوية بعد مدريد، عندما درجت، مع علو شأن ‘الاستقامة السياسية‘ (correctness political)، موضة التوجع من سلبية الآباء والأجداد سنة 1947".

من جهتنا، نورد ما كتبه الخالدي في الذكرى الـ73 لقرار التقسيم ليس لتأكيد الظلم التاريخي الذي حمله مضمون القرار للشعب الفلسطيني، بل الظلم الذي تعرض له الموقف الفلسطيني والعربي الرافض لهذا القرار في ظل تصاعد موجات الهزائم والاستسلام العربي والفلسطيني.

لإلقاء المزيد من الضوء على هذا الموضوع كان هذا الحوار مع الخبير في القانون الدولي والعلوم السياسية، د. جوني عاصي.

"عرب 48": لطالما جرى اتهام الفلسطينيين والعرب بالرفض لعدم موافقتهم على قرار التقسيم، محمّلينهم مسؤولية عدم إقامة دولة فلسطينية، إلى أن أثبتت أوسلو أن 27 عاما من "الانبطاح" لم تحقق لنا دولة على شبر واحد من الأرض؟

د. جوني عاصي

عاصي: القرار رُفض في حينه من قبل القيادة الفلسطينية والدول العربية لأنه كان ظالما بشكل غير معقول للشعب الفلسطيني، أولا باقتسام بلده مع آخرين، بصرف النظر عن طبيعة الحركة الصهيونية الاستعمارية في هذه الحالة؛ وثانيا، لأنه قسمها بشكل غير عادل، حيث أعطى للمستوطنين اليهود الذين شكلوا أقل من ثلث السكان والذين كانوا يمتلكون 7% من الأرض، 55% من مساحة فلسطين. إنها حالة شبيهة بالضفة الغربية اليوم، فمن يقبل أن يتم اقتسام الضفة الغربية مع المستوطنين.

ومن المفارقة، أن الدولة اليهودية المفترضة كان فيها عدد متساوٍ من السكان اليهود والعرب، بمعنى أنه تم إعطاء المستوطنين اليهود إقليما لا يشكلون أغلبية سكانية فيه، ومن الغريب أن من اتخذ القرار رأى من العدالة بمكان أن يقع 49% من السكان العرب في الدولة اليهودية المفترضة تحت حكم 51% من اليهود، ومن الظلم أن يقع 30% من اليهود تحت حكم 70% من العرب في كل فلسطين.

الدخول في الحيثيات يقودنا إلى مشروع ابتدأ عام 1920 بإدخال "وعد بلفور"، الذي تحدث عن إقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين، بصك الانتداب، وتوج بقرار "لجنة بيل" التي أوصت بتقسيم فلسطين وخرجت بقرار التقسيم، الذي خلق عدم تطابق بين هوية البلد الواقع تحت الانتداب، وبين هوية السكان، وهي حالة فريدة خُلق معها تمايز بين الوطنية والجنسية.

"عرب 48": بغض النظر عن عدم عدالة القرار، هناك من يلوم القيادة الفلسطينية ويتهمها بإضاعة فلسطين والتسبب بنكبة شعبها برفضها لقرار التقسيم؟

عاصي: نستطيع الإشارة إلى الكثير من الأخطاء التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية واعتبارها من العوامل التي ساهمت بالنكبة، لكن الرفض الفلسطيني والعربي لقرار التقسيم كان هو القرار المنطقي والمعقول الوحيد في تلك الظروف.

ونحن نعرف اجتهادات أو قراءات أخرى، منها قراءة الحزب الشيوعي أو تيار داخله، وافق على قرار التقسيم، أخذ الأديب المرحوم إميل حبيبي مسؤولية شخصية عليه في مقابلة أجراها معه - قبل موته بسنوات - الصديق د.محمد شريح، في مجلة الدراسات الفلسطينية، يقول فيها حبيبي إن قرار التقسيم كان هو الممكن والموافقة عليه كانت ستمنع النكبة.

أنا أحترم هذا الاجتهاد وصاحبه، لكن هذا الكلام يبقى نظريا طالما لم يوضع في الامتحان العملي، كما أن تتالي الأحداث المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وتطورات المشروع الاستعماري الاستيطاني في فلسطين، أكدت أن المشروع استهدف وما زال كل فلسطين.

"عرب 48": ولكننا نعرف أن موقف الشيوعيين الفلسطينيين والعرب تأثر بموقف الاتحاد السوفييتي الذي أيد قرار التقسيم، وقد كشف إميل حبيبي نفسه - الذي "تمرد" في أواخر حياته على المنطوق "الستاليني" وخرج من الحزب الشيوعي - كم كانت "ديمقراطية" هي العلاقة بين الاتحاد السوفييتي والأحزاب الشيوعية الأخرى؟

عاصي: واضح أن الاتحاد السوفييتي كان له موقفه النابع من مصالحه في المنطقة، حيث راهن خطأ، على ما يبدو، على ما كان يعرف بالتيار الاشتراكي في الحركة الصهيونية، لكن حبيبي يقول إنه كان مقتنعا بحل الدولتين لأنه كان الحل الممكن.

ومعلوم أن هامش العمل المستقل لدى الأحزاب الشيوعية كان ضعيفا في ظل تبلور موقف سوفييتي باتجاه دعم إقامة كيان مثل إسرائيل في المنطقة لاعتبارات جيوسياسية، وأعتقد أن الحزب المحلي والأحزاب العربية الأخرى لم يكن لديها هامش عمل كبير في مثل هذا القرار.

"عرب 48": نحن نعرف أن هناك تيارًا داخل عصبة التحرر، رافضًا لقرار التقسيم ومُنسجمًا مع الموقف الفلسطيني والعربي العام، قاده المرحوم إميل توما، وكان في موقع الأقلية...

عاصي: عربيا وفلسطينيا، قرار التقسيم مرفوض لأنه يقسم البلد ويعطي شرعية لكل النهج الاستعماري - الاستيطاني الذي ابتدأ منذ عام 1920. عندما ارتبط صك الانتداب بالوكالة اليهودية، أصبح غير قانوني وغير شرعي، وقرار التقسيم ارتبط قانونيا بذلك، هذا إضافة إلى الجانب الديمغرافي والجغرافي.

اليوم، أنا لا أستطيع أن أقول أن فلانا كان حكيما أكثر من غيره مثلما لا أستطيع الجزم بأن الموافقة على قرار التقسيم كانت ستؤدي إلى نتيجة أفضل على القضية الفلسطينية، خاصة وأن تنازلنا على 78% من فلسطين في أوسلو لم يؤدِ إلى إقامة دولة فلسطينية. لكنني أستطيع أن أتفهم أن إميل حبيبي وغيره من الشيوعيين كانت لديهم قراءة مغايرة، وأن موقفهم المؤيد لقرار التقسيم لم ينبع فقط من تبعية مطلقة للموقف السوفييتي.

على كل حال، هناك من يستطيع أن يتحدث عن هذا الموضوع أفضل مني، أما أنا فأنظر إلى قرار التقسيم في جانبه القانوني السياسي، ومن ناحية قانونية لا أستطيع أن أفصله عن عام 1920 بصفته حلقة من مشروع استعماري يهدف إلى الاستيلاء على البلد.

"عرب 48": ما يحدث اليوم من قضم لما تبقى من أرض بهدف منع إقامة دولة فلسطينية، رغم موافقة الفلسطينيين على إقامتها على 22% فقط من مساحة فلسطين، هو تأكيد واضح على ما تقول...

عاصي: لقد حاول الفلسطينيون مع بداية المفاوضات الاستناد إلى قرار التقسيم كأساس قانوني للدولة الفلسطينية العتيدة، فوجدوا أن قرار 242 هو الذي يحدد مساحة هذه الدولة، أو ما تبقى من مساحة لهذه الدولة، وهي 22% من أرض فلسطين، واليوم عندما تسعى إسرائيل إلى ضم 30% من مساحة الضفة الغربية ماذا يتبقى للفلسطينيين؟

خلال جلسة للجنة "يونسكوب" أكتوبر 1947 (أرشيفية)

هذا كله يحدث بعد أن وافق الفلسطينيون على مبدأ التقسيم بمساحة أقل عدلا من مساحة قرار التقسيم، ليعيدونا إلى الاستنتاج أننا أمام مشروع استعماري استيطاني يستهدف البلد كلها، ولا أدري كم كانت تكتيكاتنا ناجعة لو استعملناها في الماضي وهي لا تنفع اليوم.

نحن أمام دولة استعمارية ولدت قوية، وليس أنها صارت قوية في الخمسينيّات والستينيّات بفضل دعم فرنسي وغيره كما يقول البعض، فوفق دراسة أميركية أجراها متخصصان في العلاقات الدولية، فإن المنظمات الصهيونية عشية قيام إسرائيل كانت تمتلك 96 ألف جندي مسلّحين ومدرّبين.

"عرب 48": تقصد أن إسرائيل كانت متفوقة منذ نقطة البداية على العالم العربي؟

عاصي: صحيح، الدراسة المذكورة تشير إلى أن إسرائيل خلقت قوية ولم تقو فقط في الخمسينات والستينات نتيجة دعم فرنسي أو غيره، في حين أن العالم العربي الذي لا يمتلك اليوم قوة تستطيع مواجهة إسرائيل، لم يمتلك قوة تستطيع مواجهتها حتى قبل قيامها.

ففي عام 1948 لم تكن قوة عربية تستطيع إزعاج القوات الصهيونية، سوى الأردن، ربما، التي امتلكت 45 ألف جندي إلا أنها لم تمتلك الإرادة السياسية لتوظيف هذه القوات في المعركة، حيث كانت لا تزال تخضع لقيادة عسكرية بريطانية مباشرة.

القضية ليست قضية مصالح قوى استعمارية فقط، بل كيان قوي عسكريا واقتصاديا وسياسيا، لم يستطع العالم العربي مجاراته من بداياته وهو غير قادر على ذلك حتى اليوم.

التعليقات