23/01/2021 - 22:28

د. يسري خيزران: هذه أبرز الفروقات بين خطابي عودة وعباس

د. يسري خيزران: المشتركة إلى قائمتين وعودة متجددة للأحزاب الصهيونية إلى الشارع العربي | توجه منصور عباس هو موضعة للخطاب المدني والخطاب المحلي | خطاب عودة بحث عن قواسم مع المجتمع الإسرائيلي دون إغفال الخطاب السياسي

د. يسري خيزران: هذه أبرز الفروقات بين خطابي عودة وعباس

عباس وعودة (رويترز)

د. يسري خيزران:

  • المشتركة إلى قائمتين وعودة متجددة للأحزاب الصهيونية إلى الشارع العربي
  • توجه منصور عباس هو موضعة للخطاب المدني والخطاب المحلي
  • خطاب عودة بحث عن قواسم مع المجتمع الإسرائيلي دون إغفال الخطاب السياسي
  • التحول في نظرة الدولة تجاه العرب كعبء اقتصادي هو ما أفرز الخطط الاقتصادية
  • هناك توجه لدى المواطن العربي لإعادة فرز الأفضليات دون التخلي عن هويته

في ورقة تقدير موقف حول واقع ومستقبل القائمة المشتركة في ظل الخلاف مع الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس، والذي بات يهدّد وحدتها كقائمة انتخابية عربية واحدة، عزا المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية – "مدى الكرمل"، ما تمر به القائمة المشتركة إلى طغيان توجهات سياسية متفاوتة - وأحيانًا متباينة - بين مركّباتها، أبرزها تبني فكرة الاندماج التام في اللعبة السياسية الإسرائيلية.

ويأتي هذا الاندماج في سبيل التأثير في قضايا مدنية بعضها جماعي وبعضها يتمثل في تحصيل إنجازات مطلبية عينية، ما يعكس حالة من التكيف لدى بعض مركبات القائمة المشتركة لحالة الأسرلة التي تتغلغل في المجتمع الفلسطيني، بدلا من مواجهتها بالعودة إلى خطاب سياسي وطني تكون في مركزه الحقوق المدنية الجماعية، كما تفيد الورقة التي تدّعي أن تلك الفكرة اتكرس ويعاد إنتاجها عبر توجه اندماجي في اللعبة السياسية الاسرائيلية بصورة بدائية، وكأن الحقوق المدنية في حالة الفلسطينيين في إسرائيل تحقق عبر تغيير/تغييب مواقف سياسية.

وتظهر الأزمة الأخيرة التي تمر بها القائمة المشتركة (كما كانت لحظات التأزم السابقة، على نحو ما حصل من انقسام في القائمة عشية انتخابات الكنيست في نيسان/أبريل عام 2019) أنّ المشتركة لم تكن نتاج مشروع سياسي جماعي عُبّر عنه في تشكيل قائمة وحدوية، بل كانت نتاج ظروف طارئة أهمها رفع نسبة الحسم.

يسري خيزران
يسري خيزران

وتشير الورقة إلى أنّ القائمة المشتركة - بمختلف مركباتها - أغفلت حقيقتين معروفتين: الأولى أنّ البيئة التي نشأت حول إسقاط رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، نتجت عن موقف حزب "يسرائيل بيتينو"، برئاسة أفيـغادور ليبرمان، بعدم الدخول في ائتلاف حكومي برئاسة نتنياهو عشية انتخابات نيسان عام 2019. والثانية أن النظام السياسي الإسرائيلي - بوصفه نظاما استعماريًا وإقصائيًا ينطلق من تفوق وأفضلية المجموعة اليهودية في تقرير مصير نتائج الانتخابات - لن يسمح لجسم عربي أن يحدّد طبيعة الحكومة.

وحول أزمة القائمة المشتركة وتأثيرها على الصوت العربي عشية الانتخابات الإسرائيلية الرابعة خلال سنتين، والتي يقف في مركزها بنيامين نتنياهو، كان هذا الحوار مع الباحث والمحاضر في العلوم السياسية، د. يسري خيزران:

عرب 48: كيف تقرأ الخلاف داخل المشتركة وهبوطها في استطلاعات الرأي عشية الانتخابات الرابعة؟

خيزران: أعتقد أنّ هناك خطابين داخل المشتركة، خطاب للدكتور منصور عباس، الذي دعمته الحركة الإسلامية في مؤتمرها الأخير، والخطاب "الرسمي" الذي يقوده رئيسها النائب أيمن عودة. وأنا أنظر إلى خطاب الدكتور منصور عباس وجملة المواقف الصادرة عنه في الآونة الأخيرة بصفتها تتماهى وتتماشى مع توجّه جديد آخذ في الازدياد في المجتمع العربي.

وإذا أردنا أن نشير إلى نقطة البداية لهذا النهج نصل تاريخيًا إلى توقيع اتفاق أوسلو، الذي أفرز واقعًا جديدًا استثنى الفلسطينيين في إسرائيل من التسوية ودفعهم إلى البحث عن بدائل وقد جاء خطاب عزمي بشارة والتجمع، في حينه، حول "الأمّة المدنية" لقطع الطريق على اتجاهات أخرى للتموضع في أطر محلية وخطاب محلي، والتهافت على الأحزاب الصهيونية.

لقد خُلِقَ وضع مفاده بما أنّ الكل استثنى الجزئية فلتبحث الجزئية عن خياراتها. هذا التوجه تعزّز في أعقاب ما آلت إليه ثورات الربيع العربي وحالة الانهيار والاقتتال والفوضى التي سادت المحيط، فشعر المجتمع الفلسطيني في إسرائيل أنّ المحيط الذي كان يستمد منه طاقة روحية، معنوية وسياسية قد سقط، وبالتالي على المجتمع الفلسطيني فرز أولوياته من خلال مَوْضَعة ما هو ممكن فوق ما يبدو غير ممكن.

وهذا يتماهى مع الخطاب والمواقف السياسية الصادرة عن النائب منصور عباس، الذي يدعو إلى التعامل في ظل الممكن والتعامل مع الدولة من باب توظيف القوة السياسية للمجتمع العربي لحل المشاكل العالقة، مثل ملفات العنف والبناء وفرص العمل ومناطق التصنيع والبنى التحتية وغيرها.

عرب 48: ولكن هناك من يقول، وأنا منهم، إنّ هذا النهج بدأ مع تأسيس المشتركة ومن خلالها ولم يخترعه منصور عباس؟

خيزران: أنا اختلف معك إنْ كنتَ تقصد أيمن عودة تحديدًا. القائمة المشتركة حاولت البحث عن قاسم مشترك مع المجتمع الإسرائيلي، هي لم تغفل الخطاب السياسي الأيديولوجي بل حاولت إيجاد مشتركات مع المجتمع الإسرائيلي.

أنا أقرأ مواقف الدكتور منصور عباس على أنّها موضعة للخطاب المدني ومنح الخطاب المدني الذي يتوافق مع توجهات الدولة الأولوية، كما أنّ الدولة ذاتها واعية لوجود هذا الخطاب في ثنايا الشارع العربي.

ونحن نعرف أنّ هناك تحوّلًا في موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه المجتمع العربي، في العقد الأخير بشكل خاص، تقف وراءه اعتبارات اقتصادية، حيث بدأت دوائر الدولة تنظر إلى المجتمع العربي وإلى الحريديين كعبء اقتصادي، وبالتالي يجب إحداث تغيير في سياسة الدولة تجاه هذين القطاعين من باب دمجهم في المجتمع الإسرائيلي اقتصاديًا وتوظيفيًا.

هنا نقطة اللقاء بين الخطاب المدني وبين سياسة الدولة. ما أفرز نتيجة هذا التحول في العقد الأخير تحديدا هو سياسات اقتصادية وخطط اقتصادية وبرامج اقتصادية، رغم أنّها لا تفي بالمطلوب، ولكنّها تسعى إلى التخلص من كونهم "عبئا" اقتصاديًا على كاهلها ودمجهم في عجلة الاقتصاد الإسرائيلي.

عرب 48: ربما هنا تقع خطة 922 والمنجزات المدنية التي فاخر بها أيمن عودة وغيره من قادة المشتركة؟

خيزران: في خطاب المشتركة وأيمن عودة أنا لا أرى موضعة للخطاب المدني دون الخطاب الهويّاتي أو الأيديولوجي، صحيح أن هناك محاولة للبحث عن قواسم مشتركة مع المجتمع الإسرائيلي، ولكن دون التنازل عن الثوابت، في حين أنّ في خطاب منصور عباس هناك توجهًا جديدًا.

احتجاجًا على زيارة نتنياهو في الناصرة (أ ب)
احتجاجًا على زيارة نتنياهو في الناصرة (أ ب)

عرب 48: دعنا نبدأ من البداية، من أوسلو وتهافت الناس على الأحزاب الصهيونية وبالذات حزب العمل وطرح التجمع شعار دولة المواطنين ككاسر أمواج؟

خيزران: عزمي بشارة جاء بخطاب ثوري هو "الأمة المدنيّة"، خطاب ثوري يحفظ للمجتمع العربي هويته وثوابته من خلال مفهوم جديد للدولة، هذا وضع مختلف.

عرب 48: صحيح وقد هيمن هذا المفهوم في السياسة العربية إلى حين تشكل المشتركة وبروز نهج أيمن عودة الذي قادها إلى "دهاليز" التأثير و"الإنجازات"، إن صحّ التعبير؟

خيزران: ولكن أيمن عودة لم يغفل مسألة التسوية التاريخية مع الشعب الفلسطيني، هو حاول البحث عن قواسم مشتركة مع المجتمع الإسرائيلي من خلال خطاب يجمع المجتمع العربي مع بقايا ما كان يعرف بمعسكر السلام أو معسكر اليسار - الوسط.

ولكن التوجه الجديد هو الذي يقوده منصور عباس، والذي له قواعده في المجتمع العربي ممن يقولون دعنا ننظر إلى أنفسنا ونعالج قضايانا، وإذا راجعت آخر جولتين انتخابيتين تلاحظ في شعارات القائمة المشتركة توجهًا لخطاب سياسي جديد، لا ينطلق فقط من تصويت احتجاجي مجند، إنّما هو محاولة لفرز المشاكل التي يواجهها المواطن العربي ومحاولة الربط بين الخطاب المدني والخطاب القومي.

عرب 48: هذا يعني أن عناصر هذا الخطاب الجنينية ومقدماته كانت موجودة في خطاب المشتركة؟

خيزران: طبعًا، أعتقد أنّ القائمة المشتركة تدرك أنّ هناك توجهًا لدى المواطنين العرب لإعطاء الأولوية لقضاياهم، وذلك نابع من حالة الإحباط الناتجة عن انهيار مركز الثقل في العالم العربي: سورية مدمّرة، ومصر مُحيّدة والعراق مُهمّش ودول الخليج تتجه بوتيرة متسارعة نحو التطبيع مع إسرائيل.

ما آل إليه الربيع العربي أدّى إلى سقوط مراكز الثقل العربية الرئيسية، سورية ومصر والعراق واستفراد دول الخليج بالساحة العربية، حتى أنّ آخر محاولة للسلطة الفلسطينية لدفع الجامعة العربية للتنديد باستثناء القضية الفلسطينية من الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل جوبهت بمعارضة أمينها العام وأُسقطت.

من تظاهرات الثورة المصريّة (أ ب)
من تظاهرات الثورة المصريّة (أ ب)

عرب 48: الوضع الفلسطيني الذي يعاني الانقسام والتبعثر ليس بحال أفضل أيضا؟

خيزران: نعم، المواطن العربي في إسرائيل بات يشعر أنّه وحيدًا في مواجهة مصيره. والإمكانيات المتاحة، وفقًا لخطاب الدكتور منصور عباس، هي تحصيل حاصل لما يمكن تحصيله من خلال صفقات سياسية تعود بالفائدة المحلية الفورية على المواطن العربي. وبصراحة فإنّ توجه نتنياهو في هذا الظرف لتجنيد الصوت العربي ينبع من إدراك أن هناك أرضية يمكن استثمارها.

عرب 48: ولكن، في المقابل، نرى أنّ بحث أيمن عودة عن قواسم مشتركة مع المجتمع الإسرائيلي، كان جريا وراء سراب الماضي، فمعسكر السلام قد تبخر والجنرالات احتلّوا الساحة السياسية ورئيس "كاحول لافان"، بينيي غانتس، أخذ التوصية واستثمرها في حكومة مع نتنياهو، واليوم تجري الجولة الانتخابية بين ليكود غدعون ساعر وليكود بنيامين نتنياهو؟

خيزران: الصحيح أنّه لا فرق اليوم بين التيارات السياسية الإسرائيلية، في ظل الإجماع حول القضايا الرئيسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتحييدها عن الأجندة الانتخابية، الصراع هو بين نخب سياسية، وحول الديمقراطية وسيادة القانون أو بالأحرى بين من هم مع نتنياهو ومن هم ضد نتنياهو.

عرب 48: هناك من يقول إنّ هذا الصراع الذي يدور حول شخص نتنياهو وفساده أو صلاحه لا يعنينا كعرب؟

خيزران: صحيح، ولذلك يجد الخطاب المحلّي المدني مكانا له، على أساس أن هذا يمكن تحصيله. ولكن في المحصلة فإنّ منصور عباس يطرح خطابًا مجرّدًا من الأيديولوجيات، وهو يطرح توجّهًا له مردود في الشارع العربي، إذا ما استطاع توظيف القوة الانتخابية العربية لتحصيل ميزانيات وحل مشاكل العنف والاعتراف بالقرى غير المعترف بها ورفع المستوى الاقتصادي للمجتمع العربي.

وأنا أؤكد لك أنّه من خلال استطلاعات الرأي التي أجريت في المجتمع العربي في السنوات الأخيرة، بما فيها أبحاث المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، هناك توجّه لدى المجتمع العربي ليس للتخلي عن هويته ووجدانه، إنّما لإعادة فرز الأفضليات، وهو في نهاية المطاف توجّه براغماتي واقعي يأخذ بالواقع كما هو، لا يحاول مواجهة الواقع بل يسعى للتحرك ضمن معطياته.

عرب 48: السؤال هو إذا كان هناك ما يمكن فعله من خلال الكنيست أكثر من ذلك، بعد تلاشي المعسكر الذي كانت تجمعنا معه قواسم مشتركة ترتبط بالسلام والمساواة؟

خيزران: حسب رأيي، المواطن العربي يجد نفسه مُحاصَرًا وسط تعاظم قوة اليمين: انهيار المحيط العربي، هرولة الدول العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، الأفق المسدود للقضية الفلسطينية والمشاكل الآنيّة الملحة للمجتمع العربي.

وفي غياب طريق واضحة للخروج من هذا الحصار، نشهد ما نشهده من انقسامات وتصدّعات، ما ينبئ بانقسام القائمة المشتركة إلى قائمتين واختراق متجدد من قبل الأحزاب الصهيونية للشارع العربي.


د. يسري خيزران، يحمل لقب الدكتوراه من الجامعة العبرية في القدس، وهو مختص بالتاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الهلال الخصيب في العصر الحديث، نشر العديد من المقالات في هذا المجال وينجز حاليا دراسة عن موضوع إسرائيل ومشاريع التفتيت الأقلوي، وهو باحث مشارك في معهد ترومان.

التعليقات