14/08/2021 - 22:06

ضائقة المصالح الاقتصادية العربية: التمييز في الاعتمادات البنكية وتعزيز السوق السوداء

ورور: إلى حد ما وهناك أيضًا أفكار مسبقة نابعة من الاعتقاد بعدم قدرة العرب على إدارة مصالحهم التجارية بشكل يوصلهم إلى نجاح وفي الواقع أيضًا هناك أبحاث تشير إلى أن أعداد الزبائن العرب الذين يتوجهون للحصول على استشارة اقتصادية قليلة، ففي

ضائقة المصالح الاقتصادية العربية: التمييز في الاعتمادات البنكية وتعزيز السوق السوداء

ساحة العين (عرب 48)

في وقت تحقق البنوك العاملة في المجتمع العربي نسبة (مركنتيل والبنك العربي الإسرائيلي قبل اندماجه في بنك لئومي) فإن الزبائن العرب ما زالوا يشكون من سياسة تمييز على أساس عنصري في كل ما يتعلق بالحصول على قروض واعتمادات بنكية لمصالحهم التجارية، التي دخلت خلال السنة الأخيرة في ضائقة جدية بسبب جائحة كورونا الأمر الذي يعزز السوق السوداء.

وكان مركز "مساواة" قد بعث برسائل بهذا الخصوص إلى بنك إسرائيل وإلى رئيس مجلس إدارة بنك لئومي حذر فيها من لجوء البنوك إلى اعتبارات تمييزية في منح قروض مالية للمصالح التجارية العربية، مشيرا إلى تقارير تفيد بأن البنوك تصعّب مؤخرا عملية الحصول على قروض بضمان الدولة على هذه المصالح، وأن بنك لئومي قام بإغلاق فروع له في الطيبة والطيرة ونقلهم إلى مستوطنة كوخاف يائير، وكذلك جرى إغلاق ونقل فروع في أم الفحم وكفر قرع.

وتفيد معطيات المجلس الاقتصادي لتطوير المجتمع العربي الكائن في باقة الغربية، بأن المصالح العربية عموما تحصل على 20 مليار شيكل، أي ما نسبته 2% فقط من الاعتماد البنكي في الدولة، في حين يشكل العرب 20% من السكان.

ويقول المجلس إن تعامل الجهاز البنكي مع الوسط العربي هو مميز وظالم وغير مهني ويتغذى في الغالب من أفكار مسبقة مغلوطة، إذ أن تدريج المصالح العربية في ما يسمى بدرجة خطورة عالية يؤدي إلى استغلال فظ وفرض فائدة "خطورة" غير عادلة على الزبائن العرب، هذا في وقت يظهر نشاط البنوك العاملة في المجتمع العربي نسبة أرباح مبالغ فيها، إذ تصل نسبة الأرباح على رأس المال المالي للبنك العربي الإسرائيلي سابقا 22% - 30% في حين بلغت فيه أرباح البنك الأم - لئومي 8.3% فقط.

هذا ويعتبر الحصول على الاعتماد البنكي عاملا أساسيا في ضائقة المصالح التجارية الصغيرة في المجتمع العربي، وبالتالي في تقلص مساحة هذه المصالح إلى ما نسبته 6,5% من مجموع المصالح الصغيرة التي تشكل أكثر من 95% من مجموع المصالح التجارية في إسرائيل.

وتشير المحامية لنا ورور في مقال كان قد نشره مركز "فان لير" إلى أن 72.5% من المصالح التجارية العربية الصغيرة تجد صعوبة في تجنيد رأس مال مقابل 35% من المصالح التجارية اليهودية، وأن 50% من المصالح العربية اعتمدت على رأس مال ذاتي في تأسيسها مقابل 30% فقط حصلت على قروض بنكية.

بينما تعرض صورة قاتمة أكثر بما يتعلق بمساهمة البنوك والمؤسسات المالية بتمويل استمرار تطوير هذه المصالح، حيث استثمرت البنوك في 6% فقط من المصالح العربية، في حين بلغت مساهمتها في 81% من المصالح التي استثمرت فيها أقل من 50% من حجم الاستثمار.

لنا ورور

حول عائق الاعتماد المالي ودور البنوك في إغلاق دائرة الضائقة على المصالح التجارية العربية كان هذا الحوار مع المحامية لنا ورور.

"عرب 48": المال هو العامل الأساسي في إنشاء وتطوير المصلحة التجارية وحرمان العرب من الموارد والاعتمادات المالية بأساليب وذرائع مختلفة كان السبب في أضعاف اقتصادهم وإلحاقهم كتابع بالاقتصاد الإسرائيلي، فلا نجد بنك أو مؤسسة مالية عربية مثلا أو مساهمين عرب في بنوك إسرائيلية، وبالمقابل نجد هذه البنوك تتحكم بالمصالح التجارية العربية، من حيث العدد والنسبة والحجم بحكم تحكمها بالموارد والاعتمادات المالية، ونجدها تميز بوضوح في منح القروض والاعتمادات للمصالح التجارية العربية رغم انها تحصد ارباحا خيالية من نسبة الفوائد والعمولات التي تفرضها على العرب بادعاء "مستوى الخطورة المرتفع"؟

ورور: لا شك أن المصالح التجارية العربية تعاني من ضائقة تمويل أساسية تشكل حجر عثرة حاسم أمام المبادرين الذين يسعون لإقامة مصالح تجارية أو توسيع مصالح قائمة، وهذا ناتج عن سياسة مميزة وظالمة تجاه السكان العرب في إسرائيل.

فأصحاب المصالح العربية يدعون أن البنوك تطلب منهم ضمانات مبالغ بها مقابل تساهلها مع الشركات بملكية يهودية وهي تميز ضدهم كزبائن لأنهم عرب، وحتى أنها لا تمنح صلاحيات لمديري فروعها العرب العاملين في القرى والمدن العربية بعكس مديري الفروع اليهود العاملين في التجمعات اليهودية.

تلك السياسة تؤدي إلى عدم ازدهار تلك المصالح وتوسعها، بل وتدهورها عند أول أزمة اقتصادية مثل أزمة كورونا، خاصة وأن البنوك والمؤسسات المالية بدلا من أن تمد يدها لإنقاذ تلك المصالح تشدد من إجراءاتها آنفة الذكر، كونها تعتمد فقط على مقياس مستوى الخطورة الذي يرتفع في هكذا ظروف.

لقد آن الأوان أن يتم النظر إلى اقتصاد السكان العرب كجزء من اقتصاد الدولة، ازدهار المصالح الصغيرة يؤدي إلى تقليص البطالة ودمج السكان في السوق الاقتصادي وتشجيع الاستهلاك وفي النهاية يشكل مساهمة جدية في تطوير السوق الاقتصادي عموما، ناهيك عن أن المصالح العربية الصغيرة، تعيد الاستثمار للدولة بطرق مختلفة - من دفع الضرائب المتنوعة وحتى إنشاء جيل مسؤول ومستقل اقتصاديا أقل اعتمادا على مخصصات الضمان الاجتماعي.

"عرب 48": عموما جميع المصالح الصغيرة في إسرائيل تأثرت من جائحة كورونا والكثير منها افلست واغلقت ابوابها ولكن اثر الجائحة في المجتمع الفلسطيني اكثر عمقا، خاصة في ظل عدم وجود أي معين؟

ورور: بشكل عام تعتبر 99% من المصالح في الدولة مصالح صغيرة، لأن التعريف القانوني للمصالح الصغيرة يتحدث عن مصلحة مع دورة مالية تصل إلى 10 ملايين شيكل، فهي ليست بالضبط مصالح صغيرة ولذلك هي تشكل الغالبية الساحقة للمصالح في السوق الاقتصادي.

المصالح العربية تواجه مشاكل إضافية تزيد على المشاكل النابعة من كونها مصالح صغيرة وأهمها قضية التمويل، وهو نابع أساسًا من نقص المال في الأيدي العربية وامتناع البنوك والمؤسسات المالية الإسرائيلية عن منحها الاعتمادات المالية المطلوبة، بشروط مريحة ومتفهمة لإشكاليات واحتياجات المجتمع الفلسطيني.

فالعرب يدرجون بالعادة في درجة خطورة عالية في مسألة تسديد القروض.

وينبع هذا التدريج من عدة عوامل لا تخلو من أفكار مسابقة وتمييز عنصري، إلا أنها تشتمل أيضا على عوامل أخرى منها أبحاث أجريت في فترات سابقة عاني فيها السوق العربي مشاكل اقتصادية وغياب خبرة وربما سوء إدارة أدت بمجموعها إلى إفلاس الكثير من المصالح العربية وظلت هذه الأفكار هي المحدد في التعامل معه.

وجود إشكاليات في مسألة الضمانات لدى العرب فعادة يأتي الزبون ويقول أنا عندي أرض أو عندي بيت يجري رهنهما من قبل البنك مقابل القرض المالي، إلا أن غياب تسجيل الأراضي لدى العرب يجعل هذه الإمكانية صعبة ولذلك لا يستطيع البنك اعتمادها.

هذا إضافة إلى أن غالبية المصالح التجارية العربية هي مصالح عائلية تفتقر إلى ترتيب قانوني للشراكة ولا تعتمد اتفاقية واضحة، ووتفتقر إلى تسلسل هرمي للمسؤوليات والصلاحيات، والبنوك لا تحب هذا النوع من الشراكات بل هي تفضل المصالح التي تعتمد خطة تشغيلية وشراكة واضحة.

"عرب 48": ولكن هذا ليس هو لب الموضوع بل ربما هي ذرائع، لأن البنوك عند الأخذ تكون مستعدة لتفهم خصائص المجتمع العربي وإشكالياته ولكن عند العطاء لا تبالي بهذه الخصائص وتستعملها ذرائع لحجب الاعتمادات المالية التي يستحقها عنه؟

ورور: إلى حد ما وهناك أيضًا أفكار مسبقة نابعة من الاعتقاد بعدم قدرة العرب على إدارة مصالحهم التجارية بشكل يوصلهم إلى نجاح وفي الواقع أيضًا هناك أبحاث تشير إلى أن أعداد الزبائن العرب الذين يتوجهون للحصول على استشارة اقتصادية قليلة، ففي الناصرة مثلا جرى إغلاق فرع "ماطي" الذي عمل لفترة معينة بسبب قلة التوجهات.

كما أن غالبية المستثمرين العرب لا يقدمون على إقامة مصلحة تجارية إذا لم يتوفر لهم المال الذاتي الأساسي لذلك، فهم لا يسعون إلى الاستثمار بواسطة الاعتماد البنكي، كما أن الكثير من المصالح العربية ما زالت تعمل وفق الدفع النقدي، علما أن القانون حدد مبلغ الدفع النقدي بخمسة آلاف وعشرة آلاف شيكل، إلا أن غالبية المصالح العربية صغيرة وتقع تحت هذا السقف.

"عرب 48": ولكن معطيات البنوك نفسها تشير إلى أن حصة العرب في الديون التي جرى شطبها، والتي تصل إلى مئات ملايين الشواقل يقارب الصفر؟

ورور: المجتمع العربي عموما يتمتع بأخلاق تعامل اقتصادي عالية في الدفع والسداد ولذلك نادرا ما تضيع أموال القروض لديه، إضافة إلى ان البنوك لا تدخر أي وسائل إلا وتستعملها ضده دون تسامح كما قد يحدث مع أوساط اقتصادية أخرى، واقصد حيتان المال الذين تهدر عليهم البنوك سنويًا مئات ملايين الشواقل.

لذلك يجب علينا وضع الأمور في نصابها وإظهار الصورة الحقيقية للواقع والعمل على أكثر من مستوى لرفع الغبن الواقع علينا في هذا المجال، من خلال عدة مسارات منها أعداد أبحاث جديدة ومحتلنة تعكس الواقع الراهن وتلغي الصورة النمطية القائمة عن مجتمعنا، ومنها استغلال لجان الكنيست ولوبياتها البرلمانية لبحث مسألة الاعتماد البنكي وتمييز البنوك ضد العرب، إلى جانب التوجهات لبنك إسرائيل ومراقب البنوك للضغط على البنوك لرفع الظلم الواقع على العرب.

"عرب 48": أعتقد أنه لا يوجد تناسب بين استثمارات البنوك وأرباحها في الوسط العربي، هذا ناهيك عن مسألة انتشارها الجغرافي في القرى والمدن العربية التي تغيب غالبية البنوك عنها؟

ورور: خلال عملي في مركز مكافحة العنصرية قمنا بإعداد التماس حول مسألة انتشار البنوك في القرى والمدن العربية، التي باستثناء بنك أو اثنين تغيب بشكل كامل عن هذه القرى والمدن، الأمر الذي لا يترك خيارات كثيرة للمواطن العربي ويحول المنافسة إلى احتكار من قبل بنك أو اثنين.

ولكن يستطيع عضو كنيست عربي طلب بحث مسألة البنوك في لجنة الاقتصاد وبحضور رؤساء البنوك وكذلك طلب معطيات تفصيلية عن أرباحها مقابل استثماراتها في المجتمع العربي وكل مسألة التمييز ضد المصالح الصغيرة العربية وبحث كيفية التغلب على العوائق التي تحول دون حصولها على قروض بنكية أسوة بمثيلاتها في الوسط اليهودي.


لنا ورور: محامية وحاصلة على اللقب الثاني في التسويق وادارة القوى العاملة من الجامعة العبرية، عملت لفترة طويلة كموجهة ومحاضرة في عيادة الاقتصاد الجماهيري والاجتماعي التابعة لكلية الحقوق في الجامعة العبرية في القدس وشغلت منصب مدير مشارك في مركز ضحايا العنصرية.

التعليقات