11/09/2021 - 23:26

د. جريس: المجتمع العربي كان الأكثر تضررا والأكثر بطئا في التعافي من أزمة كورونا الاقتصادية

المجتمع العربي مستثنى من السياسات الاقتصادية ولا يوجد أي تطرق لكيفية إخراجه من الأزمة، وان كانت هناك تصريحات عن تخصيص ميزانيات وما يتحدث عنه أعضاء كنيست عرب عن خطط 922 و922 ولكن على أرض الواقع الأمور تجري بشكل مغاير تماما،

د. جريس: المجتمع العربي كان الأكثر تضررا والأكثر بطئا في التعافي من أزمة كورونا الاقتصادية

صورة توضيحية (عرب 48)

تؤكد المعطيات الإسرائيلية أن المجتمع العربي هو الأكثر تضررا في المجال الاقتصادي من جائحة كورونا، وأفاد تقرير مصلحة التشغيل إن نسبة العاملين العرب انخفضت في نيسان/ أبريل من العام الجاري بـ11.7%، عنها في كانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير من العام الماضي، أي قبل انتشار فيروس كورونا، هذا في حين انخفضت هذه النسبة بين اليهود العلمانيين بـ 7.2% فقط وبين اليهود الحريديين بـ8.4%.

وكشف التقرير أن الرجال اليهود غير الحريديين كانوا أول الذين عادوا إلى العمل بعد فترة انتشار كورونا والإغلاقات، بينما استغرقت عودة العرب والحريديين إلى العمل فترة أطول بكثير، هذا علما أن نسبة التشغيل في المجتمع العربي كانت قبل بدء الجائحة في مطلع عام 2020 أقل بـ25% عنها في المجتمع الإسرائيلي، حيث بلغت بين العرب 41.4 بينما بلغت في المجتمع الإسرائيلي 66.55% وبين الحريديين 52.9%، وأفاد التقرير أنه في شهر نيسان/ أبريل الماضي، أي بعد شهرين من الإغلاق الثالث، كانت نسبة التشغيل في المجتمع العربي 36.6% فقط.

وفي السياق اعتبر مدير عام مصلحة التشغيل إن "الفجوات التي كانت قائمة قبل الأزمة، إنما تعمقت خلالها، حيث أشار التقرير وجود ‘بطالة مزمنة‘ في المجتمع العربي، ففي نهاية نيسان/ أبريل الماضي، كان قرابة 30% من طالبي العمل في النقب عاطلين عن العمل لأكثر من سنتين".

وأضاف التقرير أنه بصورة نسبية، فإن الرجال قد تضرروا أكثر من النساء في المجتمع العربي وكانت نسبة التشغيل بين الرجال العرب في نهاية نيسان/ أبريل الماضي، أقل بـ14% من الشهرين اللذين سبقا انتشار كورونا، بينما نسبة تشغيل النساء العربيات كانت أقل بـ7.4% في الفترة نفسها، كذلك نجحت النساء العربيات باستثناء النساء في النقب والقدس المحتلة بالعودة إلى العمل بشكل أسرع من الرجال العرب.

وفي قطاع المصالح الصغيرة أفادت الإحصاءات التي أوردها مركز المصالح الصغيرة والمتوسطة "معوف"، أنه من بين 62 ألف مصلحة تقع في البلدات العربية، و12 ألف مصلحة عربية بالبلدات المختلطة، أغلقت 9 آلاف مصلحة تجارية عربية أبوابها بسبب الأزمة الاقتصادية التي واجهتها وانعدام السيولة المالية وعدم استيفائها للشروط لحصول على الدعم والقروض البنكية في ظل جائحة كورونا.

ووفقا لمعطيات بنك إسرائيل فان 54% من العرب في إسرائيل أبلغوا أنهم تضرروا في الأزمة، و40% من الأسر موجودة في ديون.

د. حسام جريس

لإلقاء المزيد من الضوء حول الموضوع كان هذا الحوار مع د. حسام جريس الباحث المحاضر في الاقتصاد في كلية أونو وجامعة بئر السبع.

"عرب 48": المعطيات تشير إلى أن المجتمع العربي ليس أنه تأثر بالأزمة أكثر من المجتمع الإسرائيلي فقط، بل أن سرعة تعافيه من الأزمة أكثر بطئا وإمكانية أن تترك لديه تداعيات مستقبلية أكبر؟

جريس: من الواضح أن المجتمع العربي دخل الأزمة أضعف ولذلك فإن تأثيراتها عليه كانت أكبر، وعلى سبيل المثال فإن نسبة العمال العرب الذين خرجوا إلى إجازات غير مدفوعة الأجر هي أكثر بـ20 - 25% من المعدل العام في الدولة، ونسبة البطالة في المجمع العربي كانت تزيد على 50% عن المعدل العام.

ولذلك فإن تأثيرات الأزمة على الاقتصاد العربي كانت واضحة في كل المرافق والأنشطة الاقتصادية، وهذا الأمر تبدى في نسب البطالة المرتفعة خلال الأزمة وبعدها وفي المصاعب الاقتصادية التي واجهت المصالح الاقتصادية العربية بسبب عدم توفر المصادر المالية الحكومية، لأنه من الصعوبة بمكان أن تحصل هذه المصالح على قروض من الدولة، وعلى اعتمادات مالية من البنوك، وتفيد المعطيات أن 30% من المصالح التي أغلقت بسبب الأزمة هي مصالح عربية.

وفي مجال البطالة فإن العمال العرب تضرروا أكثر من غيرهم لأنهم يعملون في الفروع الاقتصادية الأكثر تضررا من الأزمة وهي مجالات الفندقة والمطاعم، كما أنهم يشكلون النسبة الأكبر من الأيدي العاملة غير المؤهلة والتي كانت الأكثر تضررا من الأزمة، وبلغ هذا الضرر حد أن 50% من العمال العرب وجدوا أنفسهم في سوق البطالة خلال الأزمة في حين بلغ المعدل العام للبطالة 30%.

"عرب 48": وبالنسبة للتفاوت الكبير في تعافي المجتمع العربي وتعثره في العودة السريعة، كما حدث في المجتمع الإسرائيلي؟

جريس: التفاوت قائم في نقطة البداية، فالاقتصاد الإسرائيلي هو اقتصاد قوي قادر على التعامل مع الأزمات، إلى جانب وجود مؤسسات تعمل بشكل دائم على إيجاد سياسات معينة تساعده على الخروج من هذه الأزمات، بالمقابل فإن المجتمع العربي هو مجتمع ضعيف منذ البداية فإن تأثره بالأزمة أكبر وخروجه منها سيستغرق وقتا أكثر.

هذا إلى جانب أن السياسات التي تنتهجها الحكومة ووزارة المالية وبنك إسرائيل تستثني المجتمع العربي بشكل شبه كامل، الأمر الذي لا يساعده على الخروج من الأزمة، فمثلا عندما نتحدث عن توقعات بنك إسرائيل التي أشارت إلى تعافي الاقتصاد الإسرائيلي خلال 2021 والحديث عن نمو بنسبة 6% في نهاية 2021، فإن المجتمع العربي خارج هذه التوقعات والحديث بالكاد عن نمو 1% وعند الحديث عن الناتج الإجمالي ونسبة البطالة فإن الأمور صعبة جدا.

المجتمع العربي مستثنى من السياسات الاقتصادية ولا يوجد أي تطرق لكيفية إخراجه من الأزمة، وان كانت هناك تصريحات عن تخصيص ميزانيات وما يتحدث عنه أعضاء كنيست عرب عن خطط 922 و922 ولكن على أرض الواقع الأمور تجري بشكل مغاير تماما، هناك فرق شاسع بين التصريحات وما يجري على أرض الواقع.

"عرب 48": الغريب أيضا هي سياسة البنوك تجاه المصالح العربية والتي تتعامل معها بشكل مغاير عن سياستها تجاه المصالح الاقتصادية الإسرائيلية؟

جريس: هناك تصعيد واضح جدا في حصول المصالح التجارية العربية على اعتمادات أو هبات وقروض بضمان الدولة، الموضوع صعب جدا ومقارنة مع نسبة السكان العرب في الدولة فإن أقل من 1% حصلوا أو كان بإمكانهم الحصول على قروض من البنوك تساعدهم في تمويل فعالياتهم أو على قروض بضمان الدولة أو هبات معينة.

لقد كان تقديم الهبات والقروض والمساعدات المالية التي التزمت الدولة بأن تقدمها للأوساط والشركات، أصعب بكثير في المجتمع العربي الذي حصل بالتالي على جزء بسيط فقط من الأموال التي صرحت عنها الحكومة، بسبب التعقيدات البيروقراطية والعراقيل التي وضعتها البنوك.

"عرب 48": الحديث يجري عن مجتمع تقع 50% من عائلاته تحت خط الفقر، قبل أزمة كورونا، ماذا يعني مراوحة الأزمة مكانها وعدم القدرة على التعافي منها؟

جريس: الاقتصاد الإسرائيلي على سبيل المثال لم يتأثر تقريبا بالموجة الرابعة لأنها داهمته وهو في طور التعافي من الموجة الأولى والثانية، ولكن المجتمع العربي لم يتعافى من الموجة الأولى والثانية لذلك وضعه صعب جدا، وهذا يعني أن دائرة الفقر وصلت إلى أرقام خيالية 60-65% وهناك العديد من العائلات التي لا تستطيع تمويل استهلاكها اليومي.

نحن نتحدث عن معدل عام للبطالة بلغ في إسرائيل 5 - 6% قبل الجائحة بينما بلغت 11 - 12% في المجتمع العربي قبل كورونا، وارتفع المعدل العام في أوج أزمة كورونا إلى 36% في حين انخفض اليوم إلى 13% في وقت تبلغ نسبة عدم المشتغلين في الوسط العربي اليوم 40- 45%.

"عرب 48": ولكن هناك فجوة كانت قائمة قبل أزمة كورونا منها مشاركة أوساط معينة في المجتمع العربي في قوة العمل، مثل النساء والشباب إلى حد ما؟

جريس: صحيح مشاركة النساء العربيات في سوق العمل كانت تبلغ 27 - 28% فانخفضت إلى 15- 17%، كما ان المجتمع العربي يعاني من نسبة كبيرة من غياب التأهيل بالذات بين الشباب ما يجعل نسبة البطالة بينهم عالية.

وباختصار فإن المجتمع العربي كان يحتاج إلى مساعدة أكبر من قبل الدولة للخروج من الأزمة، وبدلا من القيام بذلك فإن سياسات الدولة تجاهلته وتركته يتخبط في أزمته ولذلك نرى ما نراه يعاني من انتعاش للسوق السوداء وما يترتب عليها من جريمة منظمة.

كان من المفروض أن يتم وضع خطط لتنمية القوى البشرية وتأهيل القوى العاملة في المجتمع العربي أو تنمية الجوانب التكنولوجية لدى الشباب غير المؤهلين لمساعدتهم على الانخراط في سوق العمل، هذا إلى جانب دعم المصالح الصغيرة وتسهيل القروض والاعتمادات البنكية أمامها لمساعدتها على الخروج من الأزمة، ولكن ذلك لم يحث وتجاهلت السياسات الحكومية المجتمع العربي بشكل كامل.

"عرب 48": هناك أبحاث تشير إلى وجود 30% من الشبان العرب في جيل 18 - 24 لا يتعلمون ولا يعملون وهم يشكلون مادة خام لعصابات الاجرام؟

جريس: مرة أخرى الحديث يجري عن سياسات تهتم أو لا تهتم بهذه الفئات العمرية في مجالات التعليم والعمل بكل ما يتطلب ذلك من حوافز وتأهيل، وهذا يتطلب توفير إمكانيات وميزانيات، ومن الواضح أنه كما تشير كل الأبحاث الاجتماعية فإن عدم انشغال الشباب من شأنه أن يؤدي بهم إلى دخول دائرة العنف.

كما أن إيجاد حلول للشباب يتطلب استثمار في البنى التحتية واستثمار في التكنولوجيا، لأن هذه هي المجالات المتطورة التي يمكن أن يبني عليها الاقتصاد، وبناء الاقتصاد ضروري لزيادة انخراط النساء والشباب العرب في سوق العمل.


د. حسام جريس: عضو طاقم تدريسي، باحث ومحاضر في الكلية الأكاديمية أونو في مواضيع الاقتصاد والإحصاء. أنهى اللقب الثالث بامتياز مرتفع وحصل على الدكتوراة من جامعة بن غوريون في بئر السبع عام 2003 بالتعاون مع جامعة شتوتغارت في ألمانيا واختص بالاقتصاد الإسرائيلي والعلاقات الاقتصادية المتبادلة بين بعض دول الشرق الأوسط (مصر، الأردن والسلطة الفلسطينية).

عمل في السابق كمستشار اقتصادي في الكنيست الإسرائيلي ويعمل حاليا كمحاضر وباحث في جامعة بن غوريون في النقب وفي بعض المؤسسات الأكاديمية الأخرى ويعمل أيضا كباحث في مركز الدراسات الإسرائيلية في رام الله. أصدر ثلاثة كتب تتناول اقتصاد عرب الداخل.

التعليقات