03/09/2021 - 11:22

وراء الإعلان عن محاربة الجريمة... تقف نوايا لارتكاب جريمة

جماهير شعبنا ليست بحاجة إلى إشراكها في "تخبطات" الشرطة، ولا في طبيعة الوحدات الخاصة ونوعيتها، وليست مطالَبة بأن تكون شريكة للشرطة وأجهزة الأمن في كيفية مكافحة الجريمة. فالدولة تعرف المطلوب منها وكيفية القيام به، إن أرادت. وكي تريد ذلك فالطريق

وراء الإعلان عن محاربة الجريمة... تقف نوايا لارتكاب جريمة

(تصوير: الشرطة الإسرائيلية)

إعلان الشرطة الإسرائيلية والجهات الحاكمة عن تشكيل قوة "مستعربين" تعمل في البلدات والتجمعات العربية لمحاربة الجريمة، هو أمر لافت، لا في مضمونه، وإنما بمجرد الإعلان عنه. الوحدات الخاصة في إسرائيل هي وحدات سرية لا يتم الإعلان عنها، وهناك وحدات خاصة عسكرية لا يُعرف عنها شيء ولا ماهيّة دورها، ولا المهام المنوطة بها، وتمنع الرقابة أيّ نشرٍ عنها.

ثم إن الاعلان عن إستحداث وحدة "سيناء" بالتعاون ما بين الشرطة والشاباك وقوات "حرس الحدود"، فيه مؤشرات إلى أنه جاء من أجل الاستهلاك وبيع الوهم للمجتمع الفلسطيني في الداخل، وامتصاص الاحتقان والغضب، والدفع نحو تعاون الناس مع الجهاز الأمني الإسرائيلي وتطبيع حضوره العلني في قرانا ومدننا. وهي للمدى الطويل مسألة تطويع هوية جماهير شعبنا بما يتناسب مع مهام الأمن القومي الإسرائيلي. وفي المقابل وعلى الأرض، تؤكد أهدافها أنها جزء من بنية متكاملة لقمع جماهير شعبنا وحركتها الشعبية واحتجاجاتها. بل هي جزء من منظومة عدوانية مستحدثة لمحاربة الشعب الفلسطيني بالتزامن وفي أكثر من جبهة، وباتت العقيدة العسكرية تُجاهر بأن الجماهير العربية الفلسطينية في الداخل، هي جبهة عند العدوان على جماهير شعبنا في الضفة والقطاع والقدس.

ثم إنه لا حاجة إلى دهاء خاص لمعرفة أن عصابات الجريمة المنظمة قادرة على التعرف على "المستعربين" من سلوكهم، وهي العصابات التي تشكك في كل شيء، وفي كلّ أحد، كما أن الناس عموما وبخاصة في القرى العربية وبالذات الصغيرة عدديا، قادرة على الالتفات إلى هؤلاء "المستعربين" بناء على سلوكهم، فللشعب "مجساته" بناء على الحدس وحكمة أصحاب المكان.

لو أرادوا فعلا محاربة الجريمة من خلال هذه الوحدة، لما أعلنوا عنها، فالإعلان عنها يفقدها جزءا من القدرة العملياتية في هكذا سياق. ولو أرادوا فعلا الحد من الجريمة لقاموا بحملة لإلقاء القبض على السلاح الذي بات مكشوفا من شدة التغاضي عنه إذا ما كان مصوّبًا نحو العرب، ويكتشفونه على الفور في حال كان موجها للمجتمع الإسرائيلي وللمرافق الإسرائيلية.

ما دفع نحو إقامة هذه الوحدة الخاصة هو مخطط دولة جرى الإعلان عنه، وهو نتاج ما أطلقوا عليه إخفاق الشرطة أمام هبة الكرامة، وعدم توقعها لسعة المواجهات في أيار/ مايو الماضي. وهو نتاج قناعة بأن الشرطة وحدها غير مؤهلة للسيطرة (للقمع) على "أعمال الشغب" أي المظاهرات العربية. وهو مسعى لتشتيت بنية الشعب الفلسطيني وقوته، بعد أن توحّد وتكامَل دوره في هبة الكرامة.

أشار بيان الشرطة في هذا الصدد وكذلك تصريحات قائدها العام إلى أن الهدف من وراء هذه الوحدة، والتي أثبتت مثيلاتها "قدرات عالية في محاربة الإرهاب" في الضفة الغربية والقدس؛ هو القيام بأنشطة سرية "ضد العصابات الإجرامية في جميع أنحاء البلاد، والتعامل مع أعمال الشغب بقدرات متقدمة ومكافحة الإرهاب"، كما أن الغاية الرئيسية من وراء دور هذه الوحدة هو "مكافحة الجرائم الخطيرة وأعمال الشغب التي تندلع على خلفية قومية والإرهاب".

هناك فجوة جوهرية بين نظرتنا كجماهير شعب إلى الأمور، وبين نظرة الدولة. وقد تجلى عمق هذه الفجوة في العامين الأخيرين وحدهما في ثلاث مسائل جدية، وهي طوارئ كورونا وانفلات الجريمة المنظمة وسلاحها، والثالثة هي هبّة الكرامة. فخلال جائحة كورونا تسللت العسكرية الإسرائيلية الى ساحاتنا وأحيائنا، من خلال قوات الجبهة الداخلية وذلك تحت مسمّى الحدّ من الجائحة وضبط حركة الناس.

وازداد تدخل الشرطة والشاباك، وازداد استخدام منظومات المراقبة والتعقب، وعمليا السيطرة على حركة الناس، فحين تقوم هذا المنظومة بدورها في المجتمع اليهودي يكون ذلك من منطلق تسخير الجيش في القضايا المدنية والمساعدات الطبية والإنسانية، بينما بين الجماهير العربية الفلسطينية فإن المنطلق يكون عدائيا، ويكون المنظار أمنيّا تجاه هذه الجماهير، في حين أهدافه السياسية تكون شرعنةَ العلاقة مع هذه المنظومة التي تسعى إلى ضبط سلوكنا والهيمنة علينا خارج حدود مكافحة كورونا. على سبيل المثال تشجيع الشبيبة العربية للتطوع في هذه القوات، كمقدمة للتجنيد.

في قضية الجريمة، سعت الدولة بكل مؤسساتها ومنظوماتها الحاكمة والسياسية والإعلامية إلى بثّ الخطاب، وكأن الجريمة هي نتاج عضوي لمجتمعنا وثقافتنا وحضارتنا. كما كشفت قيادة الشرطة بأن الشاباك عمليا يمنح الحصانة لرؤساء عالم الإجرام المتعاونين معه، ويحول دون تعاطي الشرطة معهم. وتدرك الدولة أن الجريمة المسلحة والمنظمة التي دفعوها بسياسات الحكومة من البلدات اليهودية نحو تجمعاتنا وبلداتنا العربية، لا بد أن تعود لتضرب بالمجتمع اليهودي، وهذا خط أحمر بالنسبة للدولة، وليس مجرد الجريمة المنظمة. فإن كانت منظومة الجريمة ملتزمة بعدم الاقتراب من المجتمع اليهودي والمرافق العامة الإسرائيلية، فإن هذا الالتزام الذي يحظى برضى المؤسسة الحاكمة هو حالة من الصعب ضبطها على المدى الطويل، ولذلك بدأنا نسمع أصواتا في الشرطة والشاباك، لا تحذر من استمرار واتساع نطاق الجريمة بين العرب بحدّ ذاته، بل باحتمالية ارتدادها إلى الشارع اليهودي الإسرائيلي. كل هذا مقابل تعامل جماهير شعبنا مع الجريمة كمسألة مدنيّة حياتية مصيرية، تهدد مجمل بنية المجتمع وحياته ومقوماته.

في مسألة المظاهرات الاحتجاجية والتي هي في جوهرها سياسية شعبية، وحق أساسي في التعبير عن الرأي والموقف من العدوان الإسرائيلي على شعبنا، فقد تعاملت معها الدولة كمسألة أمن قومي حيوية، وبدلا من الانشغال بعد خُفوت الهبّة في إطلاق سراح معتقلي الهبّة، فقد وضعت الدولة الخطة المستقبلية في تشديد القمع وإحباط رد الفعل الشعبي من مظاهرات واحتجاجات على العدوان الذي لم يتوقف يوما منذ عام 1948، وقد يتغيّر منسوبه لكن ليس جوهره. كما أن إقامة ما يطلقون عليه وحدة النخبة "المستعربين"، بينما هي في الواقع كتيبة قمع عسكرية شرطوية شاباكية، لن يكون من المستبعد أن ترتكب جرائم دموية ضد حركة جماهير شعبنا ونضالاتها الشعبية.

رغم كل ما ذُكر آنفا، فإن المعركة ليست محسومة بعد لصالح مخططات السلطة، بل هناك مؤشر آخر وهو أن الشرطة والأجهزة الحاكمة باتت محرجة أمام التمادي الفاضح لمنظومة الجريمة، وأمام الضغط السياسي والشعبي حتى ولو لم يكن بالمستوى المتوخّى، وهي تفتش عن مخارج لها وليس لمجتمعنا العربي الفلسطيني.

يؤكد هذا أنّ الضغط الشعبي سيكون له مردود إذا تواصل وتعزز، وذلك ليس اعتمادا على نوايا الشرطة أو الدولة وإنما لفرض واقع لا تستطيع فيه التهرب من الانصياع لإرادة الجمهور الضحية، ولا من حالة الغليان القائمة والمهددة بالانفجار.

جماهير شعبنا ليست بحاجة إلى إشراكها في "تخبطات" الشرطة، ولا في طبيعة الوحدات الخاصة ونوعيتها، وليست مطالَبة بأن تكون شريكة للشرطة وأجهزة الأمن في كيفية مكافحة الجريمة. فالدولة تعرف المطلوب منها وكيفية القيام به، إن أرادت. وكي تريد ذلك فالطريق الوحيد هو تصعيد الضغط الشعبي الجماهيري السياسي المنظم لإلزامها بالقيام بدورها.

أما وحدة "المستعربين" التي يريدون إلهاءنا بها، لن تكون سوى وحدة قمع لجماهير شعبنا ولن تنال من الجريمة. لن يدخلوا بلداتنا وتجمعاتنا كي يطفئوا نار الجريمة، بل سعيا منهم لإطفاء جذوة الشعب. لكن القرار بيد هذا الجمهور الذي لن يتيح لهم ذلك.

التعليقات