24/06/2023 - 22:56

الشبكات الاجتماعية والتدين الرقمي لدى النساء المسلمات في الـ48

إغبارية: "عندنا في الـ48 هناك أزمة هوية مستمرة من النكبة وحتى اليوم، ولا يوجد لدينا تعريف واضح لهويتنا، فلدينا تعريفات كثيرة، وتعريف الهوية يتغير حسب المتغيرات وهذه اشكالية كبيرة لها علاقة بالدين أيضا".

الشبكات الاجتماعية والتدين الرقمي لدى النساء المسلمات في الـ48

(توضيحية - Gettyimages)

في عرضها الأولي للبحث الذي أجرته تحت عنوان "إدارة العلاقات الاجتماعية الإنترنتية خلال فترات التدين لدى النساء المسلمات في مناطق الـ48" ونالت عليه درجة الدكتوراة من الجامعة العبرية، أشارت د. عائشة إغبارية، إلى أن كون النساء المسلمات في إسرائيل مجموعة مستضعفة في أكثر من جانب (بوصفهن نساء، ومسلمات وفلسطينيات) يجعل قرار صنع تغيير في هويتهن قرارا ذا تأثير اجتماعي وأمرا جديرا بالدراسة، وأنه ثمة حاجة أكاديمية إلى إجراء بحوث معمقة تطلِع على آراء وتجارب الفئات المستضعفة، علاوة على أهمية إلقاء نظرة على إدارة العلاقات الاجتماعية خلف الكواليس في وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت في مقال سبق أن نشرته في مجلة "جدل" التي تصدر عن مركز "مدى الكرمل"، أن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي قد أضاف طرقا جديدة لبناء الهوية وصقلها، بوصف هذه العلاقات الاجتماعية تشكل لبنة أساسية في بناء هوية الفرد، حيث لم تعد نوعية العلاقات الاجتماعية التي لدى الفرد جزءا من هويته فقط، بل أصبحت هذه العلاقات جزءا من عرض الذات، وفي الوقت نفسه فإن لمواقع التواصل الاجتماعي ذاكرة تهتم بحفظ ماضي المستخدم وإظهاره وأحيانا تهتم بإبرازه (كما هو الحال في موقع "فيسبوك" الذي يعرض بشكل فاعل ماضي المستخدم عبر "ذكريات فيسبوك").

ويشير المقال إلى اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي ببناء أرشيف شخصي لكل مستخدم قد يكون من الصعب جدا حذفه، بالمقابل فإن الإمكانيات التقنية التي تتيحها هذه المواقع تجعل إمكانية التلاعب بعرض الذات يبدو أمرا ممكنا، بل سهلا كذلك في بعض الحالات، ومن بين الإمكانيات التي تتيحها، على سبيل المثال، إمكانية قطع علاقات مع مستخدمين لا يلائمون هوية الشخص بمجرد ضغطة زر أو حذف منشورات بسهولة نسبيا.

ويستنتج أن عملية بلورة الهوية وعرضها في العهد الرقمي بات أكثر تعقيدا كما أنها تتعلق مباشرة بالعلاقات الإنترنتية للفرد، بنائها والحفاظ عليها وقطعها، أما في ما يخص تشكيل وبلورة الهوية الدينية فإنها تغيرت تغيرا ملحوظا مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، فبينما كانت المؤسسات والسلطات الدينية تقوم بالدور الرئيسي في تشكيل الهوية الدينية، باتت مواقع التواصل الاجتماعي تقوم هي كذلك بدور مركزي في تشكيل الهوية الدينية.

وكانت د. اغبارية قد عرضت أهم القضايا التي تناولتها في بحثها خلال ندوة نظمها مركز "مدى الكرمل" و"مركز الزهراوي" في كفر قرع تحت عنوان "المرأة والإسلام بين المؤسسة الفقهية والممارسات الاجتماعية".

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" د. عائشة إغبارية حول موضوع البحث وأهم نتائجه.

"عرب 48": العنوان إشكالي وغريب نوعا ما وكأنه يجمع نقيضين أو أكثر الدين من جهة ومواقع التواصل الاجتماعي من جهة أخرى، لا بل توظيف هذه المواقع في خدمة عملية التدين، هذا إضافة إلى الحديث عن فتيات من بيئة غير متدينة يتدينن بشكل مخالف لبيئتهن وأحيانا بالتصادم معها؟

د. عائشة إغبارية

إغبارية: صحيح، البحث يدور حول فتيات ونساء من مناطق الـ48 ينحدرن من بيئة غير متدينة، وهو يفحص كيفية تفكيرهن واستخدامهن للشبكات الاجتماعية، بمعنى طريقة اختيار الأصدقاء والمضامين لغرض وفي إطار عملية التدين ذاتها، مثل حذف مضامين سابقة لا تناسب الهوية الجديدة واستخدام حساب "فيسبوك" أو "وتس آب" للتعويض عن البيئة المباشرة التي لا تدعم المرأة المعنية في عملية التحول تلك.

فهن إضافة إلى تأثرهن بمواقع التواصل الاجتماعي، إن كان بواسطة المضامين أو الأصدقاء الافتراضيين في عملية التدين والتي كانت أحيانا سببا مباشرا لهذا التدين، فإنهن بعد إتمام عملية التدين قمن بحذف مضامين لا تناسب هويتهن الجديدة من باب النظر إلى أنفسهن كممثلات لجموع المتدينات وحرصهن على الحفاظ على صورة لائقة لهذا الجمهور.

لقد قمن باستيعاب الشبكات الاجتماعية بكونها فضاء لبناء بيئة بديلة مشجعة لهويتهن الجديدة، من جهة، وبصفتها فضاء معاديا يزخر أيضا بالناس الذين لا يحبون هويتهن الجديدة وفيه الكثير من التحديات التي يجب تجاوزها.

"عرب 48": عملية حذف الماضي الممكنة في العالم الافتراضي تهندس هوية المتدينة بأثر رجعي وتعطيها الصورة التي تريد وتليق بهذه الصفة، لكن المستغرب هو استمرار تلك النسوة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي بعد التدين؟

إغبارية: من الواضح أن النساء الفلسطينيات المسلمات هي مجموعة مستضعفة، لأنهن نساء ولأنهن فلسطينيات ولأنهن مسلمات ولذلك ينظر إليهن بـ"كبارة" ويحاسبن أكثر من غيرهن على كل فاصلة وحرف، وعندما تكون تلك النسوة ممثلات لمجموعة فإن مسؤوليتهن تكون مضاعفة تجاه أنفسهن وتجاه جمهور المتدينات المسلمات.

وإذا كنا نعتقد أن شبكات التواصل الاجتماعي تفتح لنا آفاقا جديدة كأقلية فلسطينية مضطهدة في البلاد، فإن الواقع يفيد بخضوع هذه الشبكات لرقابة سياسية واجتماعية من جهة، كما أننا نكرر وننسخ، من جهة ثانية، حياتنا القائمة في الفضاء الملموس على الفضاء الديجيتالي.

"عرب 48": إلى أي حد ساعد الفضاء الديجيتالي في عملية التدين تلك؟

إغبارية: لدى قسم من النساء بدأت فكرة التغيير من الفضاء الديجيتالي، فتيات جئن من بيئة غير متدينة، إحداهن قالت إن لا أحد يصلي في قريتها، وأول انكشاف لغالبيتهن على الدين كان من خلال الفضاء الديجيتالي، كما أنهن عندما شعرن بحاجتهن لدعم هويتهن الجديدة قمن بإضافة أصدقاء افتراضيين متدينين وهؤلاء هم من دعموهن وخلقوا البيئة المناسبة لهن للتدين.

ونحن نخطئ عندما نعتقد بأن المتدينات المسلمات يتحفظن من استخدام الشبكات الاجتماعية، فواحدة فقط من المجموعة التي قابلتها لغرض البحث قالت إنها أغلقت حسابها على الشبكات الاجتماعية لكن لتفتح حسابا جديدا، لأن الصبايا المسلمات بخلاف مجموعات أخرى مثل اليهوديات المتدينات، لا يوجد لديهن تحفظ ديني من التكنولوجيا أو عائق شرعي من استخدامها، على العكس فإن إحدى الفتيات تقول، صحيح أن هذه التكنولوجيا سخيفة وليست في غاية من الأهمية، لكنها ساعدتني في إحداث تغيير جذري في حياتي.

"عرب 48": ربما اختلف الأمر لدى المتدينات اللواتي ينحدرن من عائلات متدينة، في حين أنت تتحدثين هنا عن مجموعة كانت منفتحة على العالم الافتراضي وبعد أن تدينّ واصلن ذلك بما يتلاءم مع هويتهن الجديدة؟

إغبارية: اللواتي يأتين من بيئة متدينة يعتبر تدينهن طبيعيا وهو جزء من حياتهن وهن لا يعشن هذا التخبط، أما المجموعة التي أتحدث عنها فما تغير عندهن بعد التدين هو طريقة استخدام هذه التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية، حيث أصبح الاستخدام لأهداف أخرى وبطرق أخرى وفي حدود جديدة.

طريقة استخدام الشبكات الاجتماعية جزء من أزمة الهوية وهناك نماذج متطرفة، فمثلا واحدة من الصبايا قالت لي إنها عندما قررت قطع جميع علاقاتها بالأصدقاء الذكور طلبت من زوجها ان يمسك يدها لأن الأمر في غاية الصعوبة، لأن بينهم أصدقاء طفولة لم يسيئوا إلي، ولكن من ناحية ثانية هناك دين يفرض ذلك، وهناك صبية ثانية قالت إن حاجتها للشبكات الاجتماعية ازدادت بعد أن طردها أهلها من البيت لأنها تدينت.

"عرب 48": في مجتمعنا، بحكم كونه محافظ ومتدين بالفطرة، عادة ما يحصل الشيء العكسي، حيث يختلف الأهل مع الشاب أو الصبية الذي أو التي تخرج إلى الجامعة بسبب تأثره أو تأثرها بأفكار "تحررية" زائدة عن الحد بنظرهم؟

إغبارية: ما يحصل أن هذه الفتاة التي تخرج من البيت بجيل 18 عاما تبدأ ببناء هويتها، التي كان يفترض أن تبدأ ببنائها وهي في جيل 15 عاما، وهناك صبايا يتبنين نمط حياة أقل تدينا (لا نريد أن نسميه علمانيا) أو أكثر انفتاحا وهناك العكس، أما لماذا نشعر بأن من يتبنين النمط "الغربي العلماني" هن الأكثرية فلأنهن يبرزن أكثر وليس بالضرورة لأنهن الأكثر عدديا، بل إنها نوع من المغالطة.

نحن لم نفحص ظاهرة التدين في المجتمع بالآونة الأخيرة، ومؤخرا هناك ظاهرة ليس ما يسمى بالحجاب الفرنسي الأكثر "تشددا" من الحجاب العادي، ومن جهة ثانية هناك أنماط من اللباس لم نكن نتصورها في التسعينيات، وعودة إلى الشبكات الاجتماعية فالخوارزميات ترضي ذوقك وتعطيك ما تهتم به ولذلك قد تجد نفسك تعيش في فقاعة خاصة بك وتشعر وكأن العالم كله يعيش هكذا.

هي فقاعة ليست فقط أنها تناسب هويتك بل تأخذك أبعد منها بعض الشيء، لذلك نجد المتدينين يصدموا عندما يجدون أن هناك أناسا لا يؤمنون بأمور معينة، وهناك غير متدينين يصدمون عندما يصادفون فتاة تعطي وجهها لأن الواقع الافتراضي الذي يعيشون فيه يختلف عن الواقع الحقيقي.

"عرب 48": يبدو أن الحجاب يبقى مثار جدل في قضية تدين المرأة؟

إغبارية: الحجاب هو رمز تستطيع أن تراه، من خلاله أنا أقول إنني متدينة، في الجزائر مثلا الحجاب كان له علاقة بمقاومة الاستعمار والهوية الوطنية، وكانت النساء تجبر أن تتصور من قبل مصورين فرنسيين بدون الحجاب، فكانوا يعرفون أن هذه المرأة أجبرت على خلع الحجاب إذا ما كانت تحدق بالمصور، وفي تركيا هناك ظاهرة خلع الحجاب كاحتجاج على النظام السياسي.

وعندنا في الـ48 هناك أزمة هوية مستمرة من النكبة وحتى اليوم، ولا يوجد لدينا تعريف واضح لهويتنا، فلدينا تعريفات كثيرة، وتعريف الهوية يتغير حسب المتغيرات وهذه اشكالية كبيرة لها علاقة بالدين أيضا.


عائشة إغبارية: حاصلة على شهادة الدكتوراة في الإعلام من الجامعة العبرية، وتعمل كمحاضرة في الجامعة المفتوحة وباحثة في مجال الإعلام الحديث والهوية، ولها عدة أبحاث حول الهوية والإعلام لدى فلسطينيي الـ48 باللغتين العربية والإنجليزية.

التعليقات