08/07/2023 - 23:09

فلسطينيات الضفة وغزة المتزوجات في الـ48 بين الاغتراب السياسي والغربة الاجتماعية

ظاهر - ناشف: "ما تحدثت عنه من تقسيمات جرى استغلالها سياسيا لتعميق سياسة فرق تسد الاستعمارية التي مارستها إسرائيل علينا، علما أن هذه التقسيمات أنتجت طبقات مختلفة من الهشاشة".

فلسطينيات الضفة وغزة المتزوجات في الـ48 بين الاغتراب السياسي والغربة الاجتماعية

(توضيحية - Gettyimages)

في دراسة نشرت مؤخرا في مجلة عمران الصادرة عن "المركز العربي" للأبحاث ودراسة السياسات، التي تناولت التجربة المعيشية للنساء من الضفة الغربية وغزة المتزوجات والمقيمات في مناطق الـ48، تسلط الباحثتان د. سهاد ظاهر ناشف ود. عرين هواري الضوء على تجربة هذه النساء في العيش منزوعات من أي حق مدني في ظل نظام استعماري يفرض مواطنة مشروطة ومحدودة أصلا على الفلسطينيين والفلسطينيات ممن يحملون الهوية والجنسية الإسرائيلية وفي ظل منظومة مجتمعية من بين سماتها الذكورية.

وترى الدراسة أنه رغم الدعم المعنوي والمادي الذي تلقاه النساء من الأزواج وعائلاتهم، خصوصا عندما تكون الزوجة غالبا هي زوجة أولى ووحيدة، إلا أنهن يواجهن في الوقت ذاته صعوبات سياسية تحرمهن حقوقا أساسية في الصحة والتعليم وأخرى مجتمعية تكرس شعورهن بالغربة، فيطورنّ مقابل ذلك إستراتيجيات مواجهة متعددة.

ويحرم "أمر الساعة" الذي أقره الكنيست عام 2003، ويجري تمديده سنويا بناء على البند الخامس من قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل والذي سمي بقانون منع لم الشمل، الأزواج الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ولاحقا من الدول المعرفة كدول عدو وهي سورية ولبنان والعراق وإيران، من الحصول على مواطنة أو إقامة إسرائيلية ما يعني أيضا حرمان نحو 30 ألف عائلة، والتي لا يستطيع أحد الزوجين أو الأطفال الحصول على جنسية ولا حتى أن يطلب التجنيس، وفي العديد من الحالات يُمنعون حتى من المكوث في حدود الخط الأخضر.

ويمنع القانون من أفراد عائلة أصحاب حق الإقامة الممنوعين من الحصول على جنسية كاملة الصلاحيات، الكثير من الحقوق التي يستحقونها بموجب القانون مثل الحصول على خدمات صحية وتأمين صحي، والسفر إلى خارج البلاد عبر مطار "بن غوريون" باللد، والقبول للعمل بدون تصريح عمل خاص وإنشاء مصالح تجارية صغيرة وحتى استصدار رخصة سياقة، وغيرها من الأمور التي تصعب إنشاء حياة عائلية كريمة وطبيعية.

وتنطلق الباحثتان من حقيقة أن النساء المحرومات من الجنسية عموما هن أكثر معاناة مقارنة بالرجال المحرومين من الجنسية، بسبب ما وصفته الدراسة بتقاطع الواقع القانوني مع المبنى الجندري، والعلاقة الطردية بين العنف الجندري والحالة السياسية والمدنية، خصوصا في المجموعات التي لا تحمل جنسية.

وتقدم الدراسة العديد من الأمثلة العالمية لمعاناة منزوعي الجنسية ومنها حالة الفلسطينيين بشكل عام، وصولا إلى المواطنة المنقوصة أو المشروطة التي يتمتع بها الفلسطينيون في مناطق الـ48 والتي اشتق منها قانون المواطنة، الذي حرم المتزوجين من نساء من الضفة الغربية وقطاع غزة من لم شمل أزواجهم وزوجاتهن والحصول على هذه المواطنة أسوة بسائر المواطنين، بكل ما يجر ذلك على النساء المتزوجات داخل مناطق الـ48 من ظلم ومعاناة تمحورت فيه الدراسة.

وبهذا الصدد، حاور "عرب 48" الباحثة والمحاضرة في علم اجتماع الصحة في جامعة "كييلي" البريطانية، د. سهاد ظاهر - ناشف، حول موضوع الدراسة.

"عرب 48": لا شك أن قانون المواطنة الذي سمي قانون منع لم الشمل، قد أضاف المزيد من المعاناة إلى الصعوبات التي تواجهها النساء الفلسطينيات من الضفة الغربية وغزة المتزوجات في مناطق الـ48 قبل صدور القانون، والتي جزء منها صعوبات اجتماعية ونفسية أيضا كما بينت الدراسة؟

د. سهاد ظاهر - ناشف

ظاهر - ناشف: الدراسة هدفت إلى إلقاء الضوء على الحياة اليومية بكل تفاصيلها للمتزوجات من الضفة الغربية وغزة في مناطق الـ48 وفهم ماذا يعني أن تكون هذه النساء متزوجة ومقيمة هنا.

حاولنا أن نفهم ليس فقط التبعات السياسية بل الاجتماعية والنفسية والاقتصادية أيضا، حاولنا الوصول إلى أكبر عدد من النساء ولكن لحساسية الموضوع وكون العديد من النساء أصلا غير مسجلات أو أنهن يقمن هنا بدون تصريح إقامة، كما أشارت الدراسة إلى أن غالبية النساء لا يملكن حق إقامة لسنة أو هوية تعطيهن حق إقامة لسنتين اكتفينا بعينة تمثيلية.

وقد تركزنا في منطقة المثلث حتى نستطيع أن نقارن مع النساء من الضفة وغزة المقيمات في النقب والتي كنت قد وثقتهن في دراسة منفصلة نشرت سابقا، ورأينا العديد من الفروقات أشرنا إليها في الدراسة، لأنه رغم وجود الكثير من التشابه بين النقب والمثلث والشمال في السياق السياسي فإن السياق الاجتماعي بتركيبته ومميزاته ينتج العديد من الفروقات في الحياة المعيشية للنساء وتبعات وجودهن غير القانوني وأحيانا القانوني داخل مناطق الـ48.

وسنسعى لاحقا استكمال الدراسة والوصول إلى النساء في الشمال والجليل لكي يكون لدينا رؤية شاملة ومعلومات تغطي كل المناطق، وقد تمكنا من رؤية الفروقات بين النساء في حياتهن اليومية وتأثرها بالسياق الاجتماعي وليس فقط بالسياق السياسي، وهذا أحد الأطر المفاهيمية للدواسة.

وعودة إلى بداية تقديمك بأن النساء منزوعات الجنسية يعانين أكثر من الرجال، فهذا ليس تهميشا أو تخفيفا لمعاناة الرجال بل تأكيدا لمقولة إنه عندما تتقاطع الحالة السياسية مع السياق الاجتماعي فإن النوع الاجتماعي والجندر يصبح له دور كبير في هذا التقاطع، وهنا نستخدم التقاطعية كإطار مفاهيمي للدراسة وهي تفسر مقولة إن النساء أكثر عرضة للأذى والمساس من قبل المؤسسات السياسية والاجتماعية.

"عرب 48": الدراسة تناولت وميزت بين مجموعتين من النساء المتزوجات في الـ48، الأولى قبل قانون منع لم الشمل والثانية بعد صدور القانون؟

ظاهر - ناشف: صحيح، النساء اللاتي تزوجن قبل قانون منع لم الشمل غالبيتهن يحملن هوية تعطيهن حق الإقامة لسنتين (لا توجد جنسية بل إقامة لسنتين) أو إقامة لسنة واحدة، في حين أن غالبية النساء اللواتي تزوجن بعد قانون منع لم الشمل معهن تصريح زيارة لبضعة أيام فقط (4- 5 أيام)، وهو تصريح زيارة زوج وأولاد يجب كل مرة تجديده.

الفرق بين المجموعتين أن من يمتلكن إقامة لسنة أو لسنتين، عادة يجب أن يقدمن في نهاية الفترة أوراق تثبت أنهن كن مقيمات، مثل إيصالات عن الضرائب المختلفة التي سددت خلال السنة المنصرمة، وذلك للحصول على الحق في الحصول على تأمين صحي وتعليم وفتح حساب بنك والوصول إلى مناحي الحياة المختلفة.

أما النساء اللاتي بحوزتهن تصريح لعدد من الأيام، وغالبيتهن بعد قانون منع لم الشمل، فهن لا يتمتعن بهذه الحقوق ولذلك يجب أن يقتنين "تأمين صحي" خاص، والذي يمكن أن يكلف مبالغ طائلة مقارنة بدخلهن أو دخل أزواجهن، كما أنهن لا يتمتعن بالقدرة على التنقل، إضافة إلى أنهن يعشن في حالة قلق دائم من خطر انتزاعهن من حضن أسرهن وترحيلهن ومنعهن من العودة، ولذلك فإنهن يعشن وأسرهن في حالة عدم استقرار عائلي واجتماعي.

"عرب 48": القانون بعنصريته وبشاعته فاقم معاناة كانت قائمة أصلا قبل صدوره وتعاظمت بأضعاف بعد صدوره؟

ظاهر - ناشف: هذا أكيد وقد أشرنا لذلك في الدراسة، كما أشارت العديد من الدراسات القانونية والاجتماعية والسياسية التي تناولت القانون إلى أنه أدى لزيادة الإجحاف القائم بحق النساء الفلسطينيات، ولكن مهم أيضا أن نشير إلى أن معاناة النساء غير منفصلة عن المعاناة والإجحاف بحق الأزواج والأولاد، لأنه عندما تكون الزوجة والأم في حالة عدم استقرار اجتماعي وسياسي واقتصادي فإن هذا له تبعاته وانعكاسه على كل العائلة، فالمرأة ليست موجودة بمعزل عن العائلة ومعاناتها لها امتداد على الحياة اليومية لكل أفرادها.

ومن المهم التأكيد على ما رأيناه في الدراسة من دعم الأزواج لنسائهم وهو يختلف عما رأيته في النقب في دراستي السابقة، فقد تحدثت النساء عن دعم الزوج والعائلة الممتدة والأثر الكبير لهذا الدعم في صمودهن بالتجربة التي يمرين بها، ومن المهم إبراز ذلك لأن الحديث عن معاناة النساء عامة يأخذ عادة معادلة الضحية والجاني، حيث يكون الزوج هو الطرف الثاني من المعادلة.

المعادلة الحالية تختلف قليلا لأن الزوج هو جزء من الضحية وهو الآخر يدفع ثمن إضافة إلى أنه داعم أساسي للمرأة وليس الشخص الذي يلام على ما تمر به، لأنه حتى القمع الاجتماعي الذي تتعرض له النساء في هذه الحالة هو ليس من الزوج بل من المجتمع الأوسع، بمعنى أن معاناة الأولاد في المدرسة والمرأة القادمة من الضفة والأفكار النمطية ليس من الزوج أو عائلة الزوج.

"عرب 48": ربما الاختلاف في النتائج بين النقب والمثلث والجليل يعود أساسا إلى أن الحديث في النقب يدور غالبا عن زوجة ثانية؟

ظاهر - ناشف: صحيح، في النقب يجري الحديث غالبا عن زوجة ثانية أو أكثر، ورغم أن تعدد الزوجات ممنوع حسب القانون الإسرائيلي، إلا أن المؤسسة تغض النظر بذريعة "الثقافة المحلية" أو غير ذلك، وبالنهاية فإن التعامل مع الفلسطيني في النقب كآخر أو التعامل مع معاناة النساء كمنظومة ثقافية تنبع أصلا بجزء كبير منها من سياسة معينة وتؤدي بالتالي إلى زيادة معاناة النساء في النقب.

وما ذكرت عن التعامل والدعم المختلف عندما تكون زوجة ثانية أو ثالثة صحيح، ولكن أعتقد أيضا أن المنظومة الاجتماعية في النقب كما تبين الدراسات وتقارير المؤسسات النسوية والاجتماعية، تطغى عليها البطريركية التي تتعرض فيها النساء لقمع أشد منه في المثلث والجليل، وذلك لأسباب كثيرة متعددة تشمل مفاهيم ثقافية اجتماعية، وهذه المنظومة الاجتماعية يتم استغلالها وتوظيفها من قبل المؤسسة السياسية الإسرائيلية وهو ما يزيد من هشاشة النساء من الضفة وغزة المتزوجات هناك وصعوبة معيشتهن.

"عرب 48": من الواضح أن تقطيع أوصال الوطن الفلسطيني الواحد والتقسيمات السياسية التي خلقتها إسرائيل، أنتجت قوالب اجتماعية ترسخت بيننا أيضا على غرار الضفة، وغزة، والجليل، والمثلث والنقب والتي أصبحت تشكل حواجز اجتماعية أيضا بين أبناء الشعب الواحد؟

ظاهر - ناشف: الحقيقة أننا لم نحاول في دراستنا خلق واقع غير واقعي وتحدثنا عن معاناة اجتماعية في الشارع والحارة والمدرسة، وما تحدثت عنه من تقسيمات جرى استغلالها سياسيا لتعميق سياسة فرق تسد الاستعمارية التي مارستها إسرائيل علينا، علما أن هذه التقسيمات أنتجت طبقات مختلفة من الهشاشة، وأصبح لها تأثير في كيفية فهمنا وتعاملنا مع بعضنا البعض ولها تبعات على حياة النساء.

وقد أشرنا في الدراسة إلى الغربة الاجتماعية التي تعاني منها النساء المتزوجات داخل مناطق الـ48 إلى جانب البطالة الاقتصادية والتمييز السياسي ولكن هذه العوامل تنتج إستراتيجيات مقاومة تستخدمها النساء لمواجهة ومواصلة الحياة اليومية على الرغم من الصعوبات والتحديات الكبيرة التي تواجهها.


د. سهاد ظاهر - ناشف، باحثة ومحاضرة في علم اجتماع الطب والصحّة. تكرّس عملها البحثي في تفكيك بنى التقاطعات بين العلوم الطبيّة، الثقافة والمجتمع، السياسة والأنظمة البيروقراطيّة خلال ممارسات الرعاية الصحية خاصّة في المجتمعات العربيّة. حقولها البحثية تشمل التعليم الطبي والطب الشرعي والصحة النفسيّة. عملت في العديد من المؤسسات الأكاديمية والبحثية في المنطقة العربيّة، أبرزها كلية الطب بجامعة قطر، وتعمل حاليًا محاضرة في علم اجتماع الصحة في كلية الطب في جامعة Keele بالمملكة المتحدة.

أسست ظاهر - ناشف وطورت العديد من الدورات والمناهج في العلوم السلوكية والاجتماعية في برامج تعليم المهن الصحية بما في ذلك الطب، وطب الأسنان، والصحة العامة. وهي مؤلفة ومراجِعة نشطة في العديد من المجلات الأكاديمية العالميّة المحكّمة، وعضو في العديد من اللجان العلمية للمؤتمرات الدولية والمحلية حول الصحة المجتمع والتعليم الصحي.

التعليقات