14/01/2024 - 12:23

د. أطرش: الحرب عمقت أزمة الاقتصاد الإسرائيلي وإسقاطاتها ستتواصل لسنوات

في حوار مع "عرب 48"، الباحث الاقتصادي د. عاص أطرش، يشرح تأثيرات الحرب على غزة على الاقتصاد الإسرائيلي على المديين القريب والبعيد، بما يشمل الخسائر المباشرة للقطاعات المختلفة في الاقتصاد الإسرائيلي من جراء الحرب وتداعياتها على المدى الأبعد.

د. أطرش: الحرب عمقت أزمة الاقتصاد الإسرائيلي وإسقاطاتها ستتواصل لسنوات

توضيحية من سوق الكرمل في يافا (Getty Images)

في دراسة أعدها حول تأثيرات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي أشار الباحث الاقتصادي، د. عاص أطرش، إلى أن التقديرات الأولية وبالاستناد إلى ما طلبته وزارة المالية من زيادة في ميزانية الحكومة هي أن تكاليف الحرب المتوقعة خلال عام 2023، تقارب 50 مليار شيكل، أما تقديرات بنك إسرائيل لتكلفة الحرب الاقتصادية خلال السنوات 2023-2025 قد تصل إلى 198 مليار شيكل.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وأفاد بأن التكلفة الاقتصادية لكل "أسبوع حربي" هي 10 مليارات شيكل، وفق ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، التي اعتمدت على تقديرات وزارة المالية، أما تقديرات بنك إسرائيل في الشهر الأول للحرب فقد دلت، كما يقول، على أن التكلفة الاقتصادية الأسبوعية لغياب العمال عن العمل والذي يشمل جنود الاحتياط، هو 2.3 مليار شيكل لكل أسبوع، يضاف إلى ذلك تكاليف أخرى حربية ومدنية.

وعلى صعيد تأثير الحرب على مؤشرات الاقتصاد الكلي، يشير أطرش إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي تعرض لصدمة اقتصادية في الأيام الأولى للحرب، تجلت في انخفاض مؤشرات الأسهم بنسب أعلى من مؤشرات الأسهم العالمية، إضافة لانخفاض قيمة الشيكل لتصل قيمة الدولار إلى أكثر من 4 شيكل للدولار الواحد.

وبالمجمل، فإن الحرب جاءت لتزيد من أزمة الاقتصاد الإسرائيلي الذي شهد تباطؤا في معدلات النمو، متأثرا من خطة "الانقلاب القضائي" وأسباب أخرى، وانسحاب العديد من الاستثمارات الأجنبية خاصة في مجال قطاع الهايتك، كما يقول، إضافة لنسبة الفائدة العالية نسبيا ومعدلات التضخم التي كانت فوق الهدف الذي حدده بنك إسرائيل والتحذيرات التي وجهتها شركات التصنيف الائتماني بتخفيضه إذا ما استمر الوضع كما هو عليه.

ويخلص إلى وجود مؤشرات رئيسية تسير في اتجاه سلبي، إذ تصل نسبة العجز الحكومي وبناء على الميزانية المعتمدة إلى 3.7%، إذا لم تسجل معدلات أعلى، وذلك لسببين؛ يتمثل الأول بارتفاع النفقات الأمنية والمدنية، والثاني بانخفاض عائدات الضرائب المباشرة وغير المباشرة. وكذلك نسبة الدين العام للناتج المحلي الآخذة في الارتفاع.

كذلك فإنه رغم النقص في الأيدي العاملة، من المتوقع أن ترتفع معدلات البطالة نتيجة لتوقف جزء من الأنشطة الاقتصادية أو تقليصها، كما أن انخفاض معدل النمو في الناتج المحلي يحتل مساهمة كبيرة في تأثيرات الحرب في الربع الأخير للعام 2023، خاصة على إثر انخفاض الاستهلاك الشخصي والصادرات والاستثمارات مقارنة مع الربع الأخير للعام 2022.

ويتوقع أطرش أن تتواصل تأثيرات الحرب في العام 2024 بحجم أكبر، سواء في الجانب المالي أو في مؤشرات الاقتصاد الكلي، خاصة أن الاقتصاد الإسرائيلي لم يمر بتجربة مماثلة من حرب طويلة، إذ أن التجارب السابقة كانت محدودة من ناحية الفترة الزمنية، وفي هذه الحالة فإن التأثير سيمتد إلى سنوات قادمة.

وحول تأثير الحرب وتداعياتها المستقبلية على الاقتصاد الإسرائيلي، وآثار ذلك على الفلسطينيين في الداخل، حاور "عرب 48" د. عاص أطرش.

"عرب 48": بعد أكثر من ثلاثة أشهر على الحرب على غزة وما خلفته من شلل شبه تام في العديد من القطاعات، كيف نفهم تأثير هذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي؟

د. عاص أطرش

أطرش: بالعموم تترك الحرب آثارا سلبية على الاقتصاد، خاصة إذا كانت حرب طويلة كالتي نحن بصددها، والتي تدخل شهرها الرابع ويدور القتال فيها على أكثر من جبهة، علما بأن الجبهة الرئيسية هي جبهة قطاع غزة. وعندما نتحدث عن تأثير الحرب على الاقتصاد فإننا نقصد أمرين؛ الأول يتمثل بالتكلفة المباشرة للحرب، فيما يتمثل الثاني بإسقاطات الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي.

بالنسبة للتكلفة المالية للحرب كانت هناك اجتهادات مختلفة، حيث ذكرت وزارة المالية في تقديرات أولية صدرت عنها في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، تكلفة الحرب بـ50 مليار شيكل، بينما أشار بنك إسرائيل في تقرير صدر في نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، إلى أن التكلفة الإجمالية للحرب خلال الفترة بين عامي 2023-2025 تقدر بـ197 مليار شيكل.

وتحدث التقرير عن عدة أمور تبدأ بالتكلفة المالية للمعدات والتقنيات العسكرية، وتنتهي بالتأثيرات على الحياة المدنية خلال السنوات الثلاث التي تبدأ في الربع الأخير لعام 2023 وتنتهي مع نهاية عام 2025، والحديث عن ما يقارب 200 مليار شيكل، وهي تقديرات أولية صدرت مع نهاية الشهر الثاني للحرب، علما بأنها أخذت بالحسبان استمرار الحرب حتى نهاية عام 2023 مع تواصل معارك الاستنزاف خلال عام 2024، ومن الواضح أن ازدياد أيام الحرب كما حصل، سيزيد من تكلفنها.

"عرب 48": تبدو حالة الحرب على غزة وتأثيراتها على الأنشطة الاقتصادية، حالة غير مسبوقة إسرائيليا؟

أطرش: يمكننا تقسيم الأثر الذي تركته الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي إلى مرحلتين، الأولى هي مرحلة الصدمة التي وقعت بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي أوقفت معظم الأنشطة الاقتصادية تقريبا، واستدعاء نحو 350 ألف جندي احتياط يشكلون أكثر من 15% من القوى العاملة المدنية، إلى جانب أكثر من 150 ألف جندي في القوات النظامية للجيش.

نتج عن الصدمة توقف تام لمعظم الأنشطة الاقتصادية في الأسبوع الأول والثاني للحرب وخروج أفواج كبيرة من العمال لإجازات مع راتب أو بدون راتب، إضافة إلى تعطيل المؤسسات التعليمية والعامة وشلل كامل في مختلف المرافق.

في المرحلة الثانية التي بدأت مع بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، أخذت المرافق الاقتصادية تكيف نفسها لما يسمى اقتصاد الطوارئ وعودة الحياة الاقتصادية بوتيرة منخفضة، علما بأن هناك قطاعات بقيت متوقفة كليا أو بشكل كبير، مثل قطاع السياحة وقطاع الخدمات الشخصية والمطاعم والفندقة وغيرها.

كما أن هناك قطاعات اقتصادية تلقت ضربة قاصمة بسبب الحرب، مثل قطاع الزراعة الذي يعتمد أساسا، على منطقتين تقعان في جنوبي وشمالي البلاد، وهما منطقتا حرب، ولذلك نجد إسرائيل تبحث عن استيراد الخضار الأساسي من الخارج.

وأصاب الشلل كذلك قطاع البناء، بسبب التوقف عن تشغيل 140 ألف عامل من الضفة الغربية، إضافة إلى بضعة آلاف من قطاع غزة عن العمل، وعندما نتحدث عن شلل أو توقف العمل في قطاعات اقتصادية، فإن ذلك لا يعني فقط أضرار ناجمة عن توقف العمل، بل عن خسائر فادحة ناتجة عن ذلك، بشكل مباشر وعلى المدى البعيد.

"عرب 48": باقي القطاعات تضررت أيضا؟

أطرش: جميع الأنشطة الاقتصادية تقلصت وحتى قطاع الهايتك - قاطرة النمو الإسرائيلي - تأثر إلى حد بعيد أيضا، بسبب خسارته للكثير من الكوادر البشرية الناجمة عن تجنيد الاحتياط، وتراجع الأنشطة الاقتصادية ذاك لا شك أنه سيؤثر على نسبة النمو، فبينما كنا نتحدث عن نسبة نمو اقتصادي تقدر بـ6.5% عام 2022، تشير تقديرات وزارة المالية وبنك إسرائيل إلى تراجع هذه النسبة إلى 2% في الربع الأخير من عام 2023.

هذه تنبؤات على المدى القصير، وعلى المدى الأبعد ستبقى تأثيرات مباشرة للحرب على النمو الاقتصادي عامي 2024 و2025، وحتى خمس سنوات قادمة على نحو أقل.

"عرب 48": لا ننسى أن الحرب داهمت الاقتصاد الإسرائيلي وهو ليس في أفضل حالته، لأنه كان يعاني من تأثيرات ما يسمى بـ"الإصلاح القضائي" الحكومي، وآثار الازمة العالمية التي خلفتها حرب روسيا - أوكرانيا؟

أطرش: صحيح، قضية الاحتجاجات التي اجتاحت إسرائيل قبل الحرب أثرت على الاستثمارات وعلى التضخم المالي وعلى جميع الفعاليات الاقتصادية، إلى جانب تأثيرات خارجية أخرى مثل الحرب في أوكرانيا، كما ذكرت، التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة وإلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي.

لكن ما يميز هذه الحرب هو مدتها الزمنية الطويلة، وهي تجربة لم يمر بها الاقتصاد الإسرائيلي سابقا، وذلك رغم سنوات الانتفاضة الأولى والثانية المرهقة اقتصاديا، ولكنهما ليستا حربا بمعنى الكلمة، وإن كانتا قد تسببتا بأضرار اقتصادية جسيمة وتضخم مالي وغيره.

نحن هنا نتحدث عن حشد 350 ألف جندي احتياط لأكثر من ثلاثة أشهر وعن نزوح 250 ألف إسرائيلي من منطقتي الشمال والجنوب مع كل ما يسببه ذلك من خسائر ومن تكلفة، هذا إضافة إلى شلل متواصل لقطاعات اقتصادية بشكل كامل وقطاعات أخرى جزئيا.

هذا وضع يترتب عليه إسقاطات مستقبلية وهو أمر مختلف عن أزمة جائحة كورونا على سبيل المثل، إذ شهدنا بعدها نموا سريعا وصل عام 2022 إلى 6.5%؛ والآن يجري الحديث عن نمو متباطئ قد يرتفع في العام الجاري والمقبل عن حاجز 2% لكن بمقدار قليل.

وهو وضع يؤثر على الاستثمارات الاقتصادية المرتبطة بالاستقرار السياسي، كما أننا نعلم أن شركات التدريج الائتماني التي كانت قد أنذرت إسرائيل قبل الحرب وخلال الاحتجاجات على "الانقلاب القضائي"، ستقوم بتخفيض تدريجها وهو ما سيؤثر على الاستثمارات.

"عرب 48": النتيجة طبعا تنعكس على المواطن بالتقليصات والضرائب وغلاء الأسعار والبطالة وغيرها؟

أطرش: كانوا قد أقروا ميزانية الدولة لعام 2024 قبل الحرب واليوم يتحدثون عن تعديلات تشمل زيادة كبيرة في ميزانية وزارة الأمن، ورغم وجود 14 مليار دولار مساعدات أميركية ومساعدات أخرى، فإن زيادة ميزانية الأمن لسنوات قادمة ستفضي إلى عجز في الميزانية، ويجري الحديث عن زيادة بنسبة 66% في الدين العام للدولة، وطبعا هذا العجز سيجري تغطيته على حساب المواطن بواسطة زيادة التقليصات والضرائب.

وبطبيعة الحال، العجز في الميزانية كان قائما أصلا في عام 2023 بعكس الفائض الذي كان قائما في ميزانية 2022، وهو عجز سيتفاقم بعد الحرب وسيتطلب تغطيته إجراء تقليصات في ميزانيات مختلف الوزارات المدنية مثل التعليم والصحة والرفاه الاجتماعي، إضافة إلى فرض الضرائب، حيث بدأ وزير المالية بالحديث عن زيادة القيمة المضافة بنسبة 1%.

"عرب 48": من الطبيعي أن يؤثر انخفاض النمو على سوق العمل وزيادة البطالة أيضا...

أطرش: لا شك أن التباطؤ الاقتصادي من شأنه أن يخرج نسبة أعلى من العمال من سوق العمل ما يعني زيادة البطالة.

اليوم نرى وفقا لقياسات أولية، نسبة بطالة تصل إلى 15%، وهي نسبة تشمل العمال الذين خرجوا لإجازات إضافة إلى جنود الاحتياط، وهي نسبة عالية جدا.

"عرب 48": هل سيكون العرب الأكثر تضررا من البطالة والتقليصات وغيرها من الإجراءات الاقتصادية؟

أطرش: المصالح الاقتصادية العربية تضررت بسبب الحرب، علما بأن غالبية القطاعات الاقتصادية المتضررة، مثل البناء والزراعة والفندقة والمطاعم والشحن، غالبية العاملين فيها من العرب، وغني عن البيان أن الفئات الضعيفة تكون الضحية الأولى لأي أزمة اقتصادية، وفي هذه الحالة فإن العرب في مقدمة الفئة المتضررة.

التعليقات