ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 21)د.مصطفى كبها

-

ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 21)د.مصطفى كبها
كنا قد بدأنا الحديث في الحلقة السابقة عن أهم المعارك التي خاضها الثوار الفلسطينيون ضد البريطانيين في المنطقة الوسطى التي أعتبرت في تلك المرحلة العصب الأساسي للثورة. وفي هذه الحلقة سنكمل الحديث عن باقي المعارك ساردين وقائعها ومتعرضين لسيرة بعض قادتها.تقع قرية إرتاح في الظاهر الجنوبي لمدينة طولكرم، وفيها استشهد القائد إبراهيم أحمد العموري، قائد فصيل الزلازل الذي تكون من أبناء قرية إرتاح وبعض أبناء قرية وادي الحوارث ووادي القباني ومن أبناء مدينة طولكرم.

أما قصة انضمام إبراهيم العموري للثورة فقد حدثني عنها شقيقه رشيد في مقابلة أجريتها معه في تموز 1999، حيث قال:" شقيقي إبراهيم من مواليد مدينة طولكرم عام 1912، كان أبي يساعد الثوار بالسلاح والمؤن، وقد وصلت للإنجليز إخبارية على أن الأب (الذي عمل حداداً) كان يصلح المسدسات للثوار، وعليه داهمت محل الوالد قوة بريطانية بقيادة الضابط Fallbrook حيث قام الأخير بضرب الوالد على فمه وكسر أسنانه.

عندها جاء إبراهيم وتعارك مع الإنجليز الذين اعتقلوه، مع الوالد، أسبوعاً كاملاً ثم أطلقوا سراحه. بعد عودته إلى البيت جمع إبراهيم أشياءه الخاصة وانضم للثوار في منطقة كفر اللبد، حيث كلفه القائد عبد الرحيم الحاج محمد بقتل الضابط الإنجليزي المذكور أعلاه.

جرت محاولة الإغتيال في مقهى "الكرمول" في طولكرم، ولكن الرصاصات التي أطلقها العموري جرحت الضابط البريطاني ولم تقتله ففر العموري من المكان وأعلنت السلطات البريطانية عن جائزة تبلغ 500 جنيه فلسطيني لكل من يدلي بمعلومات تقود لاعتقاله ".

اشترك إبراهيم العموري في معارك المنطار، وبعدها بعثته القيادة لدورة تدريبية في دمشق لمدة شهرين، وبعدها عاد وقد اصطحب معه بعض المدربين العسكريين من سوريا والعراق، ضمهم لفريق الزلازل وضم إليه أيضاً بعض الثوار الفلسطينيين أصحاب الخبرة العسكرية، أمثال أحمد ناصيف (من طولكرم)، نايف الحطّاب(من كفر صور) وعبدالرحيم فارس عودة (من إرتاح) الذي كان مختصاً بزرع الألغام.

بعد عودته بفترة وجيزة أصيب إبراهيم في اشتباك مع البريطانيين قرب ليّة بلعا، وقد عولج، في البداية، بيد الدكتور فؤاد دعدس ومن هناك نقل إلى سلمة وعولج في عيادة الدكتور حمدي التاجي الفاروقي، وأثناء ذلك قامت العائلة، بقصد التمويه، بإطلاق إشاعة مفادها أنه متواجد في دمشق.

بعد شفائه نصب كميناً لقوة بريطانية قرب بلعا، وقد قتل في هذا الكمين خمسة جنود بريطانيين، الشيء الذي جعل البريطانيين يعمدون إلى نسف بيت العموري، الذي آوى زوجته وإبنيه الصغيرين جاسر ومحمد جهاد.

بعد أسبوع من الهدم بعث الحاج أمين الأموال اللازمة لبناء البيت من جديد.

أما عن تفاصيل معركة إرتاح فيحدثنا رشيد العموري حيث يقول:" كان ذلك في تشرين الثاني 1938 وقد صادف الرابع عشر من شهر رمضان حيث تناول إبراهيم طعام الإفطار في ديوان آل حنون في طولكرم، ومن هناك جاء إلى البيت راكباً حصاناً أحمر، وقد رافقه مساعده أحمد ناصيف. سلّم على أهل البيت وبعدها ذهب إلى قرية إرتاح حيث كان من المقرر أن يجري هناك اجتماع يشارك فيه كبار القادة في الثورة، أمثال عبد الرحيم الحاج محمد وعارف عبد الرازق.

عند وصوله إلى إرتاح في الساعة التاسعة مساءاً بلّغ أن مقر الاجتماع نقل إل كفر صور، وفي طريقه إلى هناك قابلهم في وادي التين أشخاص ملثمون من طولكرم ( ز.ك، أ. م.ش ) الذين أعلموهم ( ولم يكن ذلك صحيحاً) أن الانجليز يطوقون مكان الاجتماع وأن عليهم العودة إلى إرتاح.

عند العودة وجدوا أنهم ضللوا، وأن الانجليز يطوقون إرتاح. بدأ الاشتباك من خلال إطلاق نيران مكثف من قبل الانجليز على المجموعة بقيادة العموري. كان نايف الحطاب يبعد مسافة ثلاثين متراً عن أبي جاسر حين صاح بأنه قتل، ولما خفّ إبراهيم العموري لنجدته قتله الانجليز مع أحمد ناصيف وتقهقر باقي أعضاء الفصيل إلى طولكرم.

بداية أخذ الانجليز جثة إبراهيم العموري إلى مركز البوليس في طولكرم ورفضوا تسليم الجثة لأهله. بعد ذلك أخذوا الجثة إلى معسكر بيت ليد ودفنوها هناك. وبعد أسبوع تسلل بعض أقاربه إلى هناك ونقلوا الجثة إلى طولكرم حيث دفنت في صحن بيت أبيه. في مطلع الثمانينيات قامت الأسرة (بتمويل من إبنه محمد جهاد الذي كان ضابطاً كبيراً برتبة عقيد في منظمة فتح ) ببناء مسجد يحمل اسم والده قبر فيه جثمان القائد إبراهيم العموري.
بريكة قرية تقع في الحافة الغربية لبلاد الروحة، على بعد ثلاثة كيلومترات شرقي بنيامينا، وثلاثة كيلومترات غربي قرية السنديانة.

كانت الاراضي الفاصلة بين بريكة والمستوطنات اليهودية بنيامينا وزخرون يعقوب مسرحاً لخلافات واشتباكات بين الرعاة والمزارعين من الطرفين، وكان سكان المستوطنتين يشتكون للبريطانيين دائماً حول تصرفات سكان بريكة والسنديانة سيما وأن هاتين القريتين كانتا تستضيفان، من وقت لآخر، قائد الثورة في المنطفة، يوسف سعيد أبو درة، وبعض فصائله.

في أيار 1938 قرر البريطانيون مباغتة أبا درة وهو في بريكة، وذلك عندما علموا أنه كان مدعواً للعشاء في بيت حسن أبو جحش.

طوّق الانجليز القرية ولكن أبا درة نجح في الإفلات من الطوق في اللحظة الأخيرة، عندها قام الانجليز بصب جام غضبهم على القرية فعاثوا فيها فساداً وهدموا جزءاً كبيراً منها الشيء الذي سبب نزوح سكان القرية الخمسمائة إلى السنديانة بعد أن جرح العشرات منهم نتيجة للقصف العشوائي.

وقد حدثني غنّام الكانوح من السنديانة (في مقابلة أجريتها معه في شباط 1999) تفاصيل قصة استشهاد شقيقه حسن ورفيقين آخرين حيث قال:" عند نزوح أهل بريكة إلى السنديانة، جاءت إمرأة إلى أخي حسن وقالت له أنها نسيت إبنها في المهد في بريكة، قام حسن برفقة محمود الحاج حسن والعبد الصفية بالذهاب إلى بريكة لإحضار الطفل، لكن الإنجليز كانوا بانتظارهم في قناة ماء شرقي بريكة وقتلوهم هناك، كما واستشهد قائد فصيل الثوار الذي حاول مساعدتهم وهو أبو حمزة من أم الزينات".

عندما عاد أهل بريكة إلى بلدهم وجدوها شبه مدمرة فأعادوا بناءها ثانية ولكن ليس لفترة طويلة، حيث جرى تدميرها ثانية بعد احتلالها من قبل قوات الايتسيل عام 1948 وهذه المرة لم تتسن لهم العودة وإعادة البناء.


التعليقات