التهويد يحاصر عكا / إياد برغوثي

-

التهويد يحاصر عكا / إياد برغوثي

يتميّز الوجود العربي في مدينة عكا، عن باقي المدن الفلسطينية التاريخية في الداخل، بكونه لا يزال يسكن كلّ بيوت البلدة القديمة والمتكاملة بمعالمها الأثرية والدينية والتراثية المحافظ عليها بشدّة، ولا تشاركها بهذا التميّز سوى مدينة الناصرة. لا يريح هذا الوضع القائم المؤسسة الإسرائيلية والحركة الصهيونية العالمية، والأسباب لذلك كثيرة، وتسعى في السنوات الأخيرة إلى تحديث مخطط التهويد وتوسيعه وتصعيد خطواته بكلّ الآليات الممكنة.    


يمكننا أن نعتبر بقاء العرب في عكا وتشبّثهم فيها حتى الآن إنجازًا وطنيًا وتاريخيًا كما هو فشل جزئي للمخططات القديمة والجديدة بإخلائهم منها وتحويلها إلى مدينة سياحية خالية من سكانها الأصليين، ما أنجز يمكن أن يستمر وينهض كما أن ما فشل في السابق يمكنه أن ينجح اليوم وغدًا.


ما هو التهويد؟ وكيف يترجم في المدن التاريخية الفلسطينية وفي عكا تحديدًا؟ ما هي المشاريع التي يشملها هذا المخطط؟ وهل ستنجح المؤسسة الإسرائيلية فعلاً في تفريغ هذه المدينة من سكانها وهويتها؟


 


عن التهويد..


التهويد هو عمليًا إسكان أو إحلال اليهود في مدن وأحياء عربية وبناء مستوطنات في مناطق ذات أغلبية عربية، وهو أيضًا إضفاء طابع يهودي إسرائيلي على هذه الأماكن، أي تغيير أو طمس هويتها. الإحلال يأتي بعد التهجير المباشر أو غير المباشر في نفس البيوت، وأما الإسكان الاستيطاني فيأتي في أحياء ومدن ومستوطنات جديدة، بقصد التفوّق الديمغرافي واستيعاب الهجرة.


تسعى مشاريع التهويد إلى كسب المباراة ديمغرافيًا كأحد أسّس التفوّق والحفاظ على الأغلبية العددية لضمان "مشروعية" احتكار القرار السياسي والتحكم بمصير المكان وقاطنيه. موضوع التهويد أو الاستيطان اليهودي (العبري) هو أولوية قومية إسرائيلية وأساس لكل المشروع الصهيوني تاريخيًا.


لا توجد أية محاولات لتهويد أية قرية أو بلدة عربية قائمة، لا وجود لمخططات لإسكان اليهود في سخنين أو أم الفحم مثلاً. ففي حالة البلدات والقرى تصادر الأراضي وتبنى عليها مستوطنات جديدة وتتوسع أخرى قائمة، يزداد سكان البلدات العربية وتتقلص مساحتها وتختنق بنفسها. لا تهوّد البلدات العربية بل يتمّ العمل على طمس الهوية العربية الفلسطينية لسكانها، وعلى إعاقة تنمية هذه البلدات التي تتضّخم دون تخطيط أو استثمار فيها، وهذا يكفي ريثما تتحول قمم الجبال القريبة منها إلى مدن مرتبة جدًا تكبر أو إلى "مطلّ" يزداد هدوءًا.


المدن التاريخية والقديمة لها سيناريو آخر تمامًا، لها ديناميكية أخرى ومستويات صراع أكثر تعقيدًا وذات بعد تاريخي واقتصادي بالغ الأهمية. للتهويد في المدن التاريخية بشكل عام (يافا، حيفا، عكا، اللد، الرملة) أربعُ أسس: 1.تضييق الخناق على السكان العرب وحرمانهم من الخدمات وتهميشهم وتجاهل الإجرام فيها لدفعهم لترك الأحياء القديمة طوعًا.2. نزع الهوية العربية الفلسطينية عن المدينة وتزييف تاريخها وطمسه والهدم المنهجي للعمارة الفلسطينية وعبرنة أسماء الشوارع.3.امتلاك البيوت والعقارات من خلال المؤسسات والشركات الحكومية، ضمن سنّ قوانين على مقاس المخططات تصعّب التوريث وتسهّل السيطرة على الأوقاف الإسلامية خصوصًا و"تأجيرها"، وتيسير شراء الأملاك من قبل مؤسسات ورؤوس أموال صهيونية عالمية أو محلية.4. تحويل بعض الأحياء القديمة إلى قرى فنانين يهود يسكنون ويعرضون فيها إبداعاتهم، وتحويل المعالم والبنايات الكبيرة إلى مشاريع اقتصادية سياحية بملكية يهودية.


غالبًا ما تلبس مشاريع التهويد قناع "التطوير"، وليس صدفة أن تقيم الحكومة وزارة تسميها "وزارة تطوير النقب والجليل" وهدفها الواضح هو تهويدهما، وأن تؤسّس منذ عشرات السنين شركات التطوير في المدن التاريخية، كما أنها تلبس مشاريع تهويد قناعًا مقنعًا للمستثمرين والسكان يخفي الحقيقة العنصرية لهذه المخططات.


 


التهويد في عكا- نماذج حيّة


لم يبدأ مشروع تهويد عكا، بمركباته التهجيرية والاستيطانية والثقافية، في السنوات الأخيرة، فقد بدأ التهجير طبعًا مع التطهير العرقي للفلسطينيين في العام 1948، حيث هجرّت الأغلبية العظمى من سكان عكا الفلسطينيين واللاجئين إليها من حيفا وقرى الجليل الغربي، رغم كونها ضمن حدود الدولة العربية بحسب قرار التقسيم 1947.


بدأ الاستيطان في عكا منذ أوائل الخمسينيات مع استقدام مئات المهاجرين اليهود الشرقيين الذين سكنوا أحد أحيائها القديمة حتى أوائل السبعينيات (الحكومة هي التي أخرجتهم منها كما يبدو خوفًا من اندماجهم بالعرب)، وبإسكان الآلاف في عكا الانتدابية الحديثة (سمي في حينه حي الرشادية وكان عبارة عن حي حديث ذي معمار رائع بنته الطبقة الوسطى والارستقراطية الفلسطينية خارج الأسوار)، وقامت الحكومة بتوسيع هذه الأحياء وبناء مشاريع إسكانية استيطانية ضخمة في الأراضي الزراعية شمالي وشرقي المدينة.


بالنسبة للمؤسسات الحكومية فإن عكا هي المدينة الجديدة خارج الأسوار أما داخل الأسوار فهي عكا "العتيقة"، أما بالنسبة للسكان العرب فإن عكا تعني المدينة داخل الأسوار أما خارج الأسوار فإنها "عكا الجديدة" أو "العمارات". يعتبر الإسرائيليون "عكا" خاصتهم مدينة يهودية ويزعجهم ازدياد عدد السكان العرب فيها بشكل مطرد، وتعمل البلدية بدعم الوكالة اليهودية كل ما في وسعها للحفاظ على اليهود فيها وبناء مشاريع إسكانية وثقافية ورياضية ودينية لجذب المزيد منهم إليها.


حفّز اعتراف اليونسكو بعكا (القديمة) كمدينة تراث عالمي، في العام 2001،  المؤسسة الإسرائيلية على تطوير مخططات التهويد وتوسيعها وتنفيذها الفعلي لجني الثمار المادية التي ستوّفرها السياحة المتدّفقة، بالإضافة إلى الدوافع السياسية الناتجة عن الخوف من الانكشاف العالمي والاهتمام بالمخزون الثقافي والتاريخي الغني لمدينة عكا، والذي يشكّل تهديدًا مباشرًا للرواية الصهيونية المعتمدة على إنكار الوجود الفعلي الجماعي للفلسطينيين والعرب في هذه البلاد كشعب.


والتقى هذا التحفيز مع السعي لوقف الهجرة اليهودية من المدينة نحو "نهاريا" و"الكريوت" أو مدن المركز، ومنع رفع نسبة وعدد السكان العرب (30 بالمائة من السكان- 15 ألف من 45 ألف تقريبُا بحسب إحصائيات 2006). تربّع هذا الموضوع على أجندة كل رؤساء البلدية والقيادة الروحية في العقدين الأخيرين، وبشكل معلن. فرئيس البلدية الحالي يضع على رأس إنجازاته قدرته على تحقيق "هجرة سلبية" خلال فترة رئاسته، أي أن القادمين للمدينة كانوا أكثر من المهاجرين منها، كما دعا الرابي الرئيسي لعكا، العام الماضي، اليهود للقدوم للسكن في عكا وصرّح أنه يريد مدينة عكا "يهودية مطلقة"، لم نستغرب التصريحات لكنها أوضحت لنا تصعيد المعركة.


تنّفذ المؤسسة الإسرائيلية عدة مشاريع تهويدية متوازية ومتكاملة، سأقدّم بعض النماذج الهامة من هذه المشاريع حتى يتسنى للقارئ والقارئة الإطلاع على خطورتها وحيثياتها.


 


1. شراء البيوت والعقارات:


سيطرت "دائرة أراضي إسرائيل" على كل أملاك اللاجئين الفلسطينيين بعد العام 1948، ووضعتها ضمن مسؤولية "الوصي على أملاك الغائبين"، وأسّست شركة"عميدار" الحكومية لإدارة هذه الأملاك، وصاغت قوانين "سلطة التطوير" التي تشبه لحدٍ معين منظومة قوانين "المساكن الشعبية". 


استخدمت "دائرة أراضي إسرائيل" قوانين المسكن لتهجير الناس من بيوتهم خلال عشرات السنين في عكا وباقي المدن التاريخية، من خلال منعهم من ترميم بيوتهم لسنوات طويلة ودفعهم لشراء شقق سكنية في قرية المكر المجاورة بنيت خصيصًا لاستيعابهم. إحدى آليات التهجير في قوانين "سلطة التطوير" هي منع السكان من نقل حقوقهم على البيت لأكثر من جيلين متتالين (أي منع الجيل الثالث من الاستمرار بالسكن في البيت نفسه)، وفرض تكاليف باهظة للترميمات الخاصة التي تفرضها على السكان، وإصدار أوامر إخلاء.


لدينا في عكا أكثر من 240 بيت مغلق، وهنالك 160 أمر إخلاء مجمّد، كما أنّه قد تمّ شراء عشرات البيوت في السنتين الأخيرتين من قبل رؤوس أموال يهودية بمبالغ طائلة، ويستمر عمل العديد من السماسرة لإقناع الناس ببيع بيوتها، خصوصًا في حي "الفاخورة" المحاذي للشاطئ الغربي.


بالمقابل، فقد بدأت "دائرة أراضي إسرائيل" ببيع الأوقاف الإسلامية (40 % من عكا القديمة أملاك وقفية)، التي وضعت يدها عليها من خلال "تأجير" لجنة "أمناء" الوقف الإسلامي التي عيّنتها الحكومة الإسرائيلية، والتي أجرتها أملاك الوقف ل99 سنة، وكانت آخر صفقة هي بيع (تسمى قانونيًا تأجير لأجيال) خان العمدان، أكبر وأهمّ خانات المدينة وأقربها للميناء، لرجل أعمال يهودي بريطاني، خلال صيف 2008، بمبلغ يزيد عن 12 مليون شيكل.


 


2. المدينة الجديدة في الجليل "لتفريغ عكا":


جاء في تقرير خاص أعده الزميل الصحفي فراس خطيب لصحيفة "الأخبار" اللبنانية حول المخطط الذي تعده وزارة الداخلية الإسرائيلية لإقامة مدينة جديدة عربية في الجليل، والذي يسوّق كمشروع تطويري وعصري مخصّص للأزواج العربية الشابة:"حتى الآن موقع «المدينة الجديدة» ليس نهائياً، لكن يجري الحديث عن منطقة سكنية تقع على القرب من قرية الجديّدة العربية، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من مدينة عكا الساحلية. وخلافاً لما تنشره وسائل الإعلام العبرية، فالتخطيط لا يجري عن بناء مدينة من الأساس، بل عن توسيع لمنطقة تقع في قرية الجديّدة. . ويوضح  مخطط المدن يوسف جبارين أن هناك «أبعاداً سياسية» مثلاً: «المدينة ستكون قريبة من مدينة عكا، وهناك مخططات دائمة لتفريغ عكا من سكانها العرب الأصليين، ومن الممكن أن تكون هذه المدينة القريبة من عكا ملجأً ومكاناً للعرب الذين سيتم تفريغهم».


 


 


3.مشروع جمعية "أياليم" الاستيطانية:


قدّمت "دائرة أراضي إسرائيل"، العام الماضي، ثلاث بيوت مرمّمة كبيرة، في حي المعاليق غربي المدينة القديمة، لجمعية "أياليم" الاستيطانية دون مناقصة قانونية، وقد أسكنت الجمعية فيها حوالي عشرين طالبًا جامعيًا وقدمت لهم منح دراسية بقيمة 10,000 شيكل، وقد أدخلت بينهم 4 طلاب عرب كي تغطي على دوافعها الحقيقية. وتشير المعلومات الأخيرة أن الوكالة اليهودية قد اشترت عددًا آخر من البيوت المغلقة في الحي نفسه وتقوم بترميمها كي تدخل مجموعة جديدة من الطلاب ضمن مشروع "أياليم".


وجمعية "أياليم" بحسب موقعها الالكتروني تأسست في العام 2002 على يد مجموعات شبابية ومسرحين من الجيش، بهدف تقوية العمل الاستيطاني في الجليل والنقب، من خلال خلق مناخ قيمي وتجديد الفكرة الصهيونية لتتناسب مع القرن الواحد والعشرين، وبناء تجمعات طلابية استيطانية ثابتة متدخّلة اجتماعيًا، وقد أسّست حتى الآن ثمانية تجمعات طلابية في النقب والجليل. وقد أخذت الجمعية كل التسهيلات اللازمة من قبل المؤسسات الحكومية والبلدية والدعم الخاص لإقامة "القرية الطلابية الاستيطانية" في عكا القديمة.


 


4.المدرسة الدينية اليهودية "رواح تسفونيت":


"كان يبدو لنا قبل أربع سنوات أن دولة إسرائيل على شفا خسارة مدينة عكا لأول مرة منذ تأسيسها، ففي خلال الخمس عشرة سنة الأخيرة ترك المدينة أكثر من عشرين ألف يهودي، وسكنت عائلات عربية من الجليل مكانهم...تحوّل حي "فولفسون" من حي يهودي واضح إلى حي عربي مهمل، وبقي كنيس "أوهل تسيدق" مكانه، في عام 2003 أقيمت المدرسة الدينية بشكل طبيعي في مبنى الكنيس الذي حاول العرب تحويله إلى مسجد".


هذا النص مترجم عن الموقع الالكتروني للمدرسة الدينية، التي تضمّ  اليوم 150 طالبًا متدينًا يسكنون في حي "فولفسون" المحاذي لمحطة القطار والذي تحوّل حقًا إلى حي عربي. وكما هو ظاهر لنا من النص فإن هذه الحركات الدينية لا تحاول إخفاء مشروعها التهويدي –الديني والقومي- بل تظهر أيضًا بوضوح مساعي المؤسسات الرسمية لذلك، فقد كتب في الموقع ذاته "بلدية عكا، والتي ترانا رافعة لاستقدام اليهود والعائلات إلى المدينة، خصّصت لنا


قطعة أرضٍ لبناء الحرم الخاص بالمدرسة".


ويضيف تعريف المدرسة الدينية عن ذاتها جملة توضح لنا مساعيها المستقبلية "وصل إلى عكا في سنة 1741 الرابي حاييم بن عطار مع العشرات من تلاميذه، استوطن بن عطار في المدينة وأقام مدرسة "كنيست يسرائيل" والتي كان موقعها كما يبدو هو موقع مسجد الظاهر عمر".


  


5. مشروع "الماركة":


المقصود من مشروع الماركة الذي تديره البلدية، والذي أعلن عنه بداية هذه السنة، هو تغيير طابع المدينة وصورتها وتسويقها كمدينة "متوسطية"، مغيّرة الرواية (الانتقائية) التي صاغتها خلال السنوات الماضية وسوقتها للسائحين حتى هذا اليوم كمدينة صليبية، متجاهلة هوية المدينة وتاريخها العربي والفلسطيني والعثماني.


تعمل البلدية ووزارة السياحة ومؤسساتهما كل ما في وسعهم لإنكار الحقيقة التاريخية بأن عكا القائمة في عصرنا، بمعالمها الأثرية وبيوتها والفن المعماري الخاص فيها، هي المدينة التي أعاد الشيخ ظاهر العمر الزيداني بناءها، على خرائب المدينة الصليبية المدّمرة، ومن بعده أحمد باشا الجزار ومن تلاه من الحكام حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية وقدوم الانتداب البريطاني. عكا مدينة عربية ذات تاريخ عريق وغني جدًا ممتدّ على مرّ أربعة آلاف عام ويشمل عدّة حضارات مركزية في تاريخ البشرية (الكنعانية،الفينيقية، الهيلينية، الفرعونية، الرومانية، الإسلامية)، وهي من أكثر مدن العالم حفاظًا على موروثها الأثري.


لقد حصلت عكا القديمة على الاعتراف بها كمدينة تراث عالمي من قبل اليونسكو، بحسب الطلب الإسرائيلي، لكونها نموذجًا لمدينة ميناء عثمانية لا زالت ثقافة أهلها حيّة فيها، بالإضافة للآثار الصليبية الهامة فيها (عكا كانت عاصمة المملكة الصليبية الثانية)، لكن المؤسسة الإسرائيلية لم تذكر كلمة عربي ولو مرة واحدة في طلبها بالاعتراف، رغم كون سكانها عربًا على مر تاريخها ورغم عروبة ظاهر العمر الزيداني صاحب أول مشروع استقلال سياسي عربي في فلسطيني في الفترات الحديثة والذي اختار عكا عاصمة له.


 


 


 


أمام واقع التهويد-ما العمل؟


نعرف عن التهويد والتهجير، لكن هل حقًا نعرف عن التعريب والتجذير؟
لا يمكننا أن نكتفي بالجلوس على السّور والتحسّر على عكا، وعدّ الأمواج والبيوت والمعالم والأوقاف المعروضة للبيع، والغضب من وقاحة تغيير هوية المدينة الجلية لكلّ عين، ولا أن نكتفي بتحليل المخططات السياسية التي أدّت إلى تضييق الخناق وإفقار السكان وسلبتهم حقوقهم وتدفعهم اليوم، أيضًا، للرحيل.


الوجه الآخر والأهم من مواجهة السياسات السلطوية ومعارضتها هو خلق البديل الوطني، الذي يتخطى مجرّد الشعار والاستنكار ويوّظف الطاقات الكامنة في المجتمع كله، ليحوّلها إلى محرّك دافع لمشروع صمود تنموي ذي رؤية حولها إجماع عام شعبي ومؤسساتي، ويترجم إلى مبادرات عينية مشتقة منه، تغنيه وتثبّته وتقصّر الطريق إلى إنجازه.
إن تنظيم ووحدة المجتمع العربي في المدينة، بمختلف قواه السياسية والأهلية، وبناء المؤسسات الجماهيرية وتأكيد الهوية القومية للسكان والسعي الجاد من أجل زيادة تأثيرهم السياسي لتحصيل الحقوق ورفع سقف المطالب لتتلاءم ونسبتهم بين السكان (30 %) ومكانتهم وحقوقهم الجماعية كسكان أصليين وعلاقتهم التاريخية مع المدينة، وإعطاءهم حق الأولوية في السّكن والعمل والتعليم، هي شروط أساسية للعمل من أجل التصدّي والتقدّم.
يرتكز المشروع التنموي إلى رؤية إعادة المدينة مركزًا ثقافيًا واقتصاديًا حيًا ونابضًا للمجتمع العربي. فقضية عكا ليست قضية محلية بل قضية وطنية من الطراز الأول، وكما أن الحلّ لا يمكن تحقيقه من دون العامل المحلي والداخلي فهو صعب المنال في حال عدم تحوّل قضية عكا إلى أولوية وطنية.
لا يقتصر دعم المدينة على شراء البيوت المعروضة للبيع والاستثمار بالمباني والمبادرات الاقتصادية وإقامة المؤسّسات التربوية والثقافية  والمجتمعية فيها أو نقلها إليها، بل يشمل أيضًا السكن فيها، بالإضافة إلى زيارتها ومعرفة تاريخها (تاريخنا) الهام والتسوّق والمبيت فيها والتنزه على شاطئها وكاسر أمواجها.
نحتاج لخطوات إيجابية في الاتجاه الصحيح، لا تواجه المخططات وحسب بل تحبط حصارًا جديدًا وتقدّم مشروعًا يحوّل ما كان يمكن أن يكون مشهدًا جديدًا للنكبة إلى فصل آخر في روايتنا مكتوب بأحرف عربية وكلمات البقاء والنهضة والإنجاز.


 


 

التعليقات