من ينقذ متحف التراث الفلسطيني في سخنين؟

يدور الحديث اليوم بين أهالي مدينة سخنين حول الخطر الذي يتهدد إغلاق متحف التراث الفلسطيني في سخنين الذي يعمل منذ عشرين عاما..

من ينقذ متحف التراث الفلسطيني في سخنين؟
قضية المتحف في مدينة سخنين لا تهم أهالي سخنين وحدهم، وذلك بما يحمله المتحف من مشروع وطني في الحفاظ على تراثنا الفلسطيني، و كجزء من مبادرات تهدف إلى الحفاظ على تاريخنا وروايتنا التاريخية كشعب فلسطيني بقي في وطنه بعد النكبة في ظل تهديدات السياسة الإسرائيلية المتوالية على هويتنا الحضارية والثقافية والقومية.

المتحف الذي يخدم أهالي سخنين والمنطقة والذي يزوره السياح الأجانب قائم منذ عام 1990، قام بإنشائه والإشراف عليه مركز إحياء التراث في الطيبة ومؤسسة كنعان للثقافة والفنون بهدف الحفاظ على الهوية الفلسطينية بمبادرة من الناشط السياسي الراحل صالح برانسي أحد مؤسسي حركة الأرض، حيث يشمل المتحف العديد من الزوايا المتنوعة، فهناك زاوية لأدوات العمل، وأخرى للبيت الشعبي وبيت المونة والمضافة والحرف الشعبية والأزياء وغيرها من الزوايا التي تعيدك بحنين الماضي إلى الجذور خصوصا أنه قائم في مبنى معماري فلسطيني قديم.

تعود قضية المتحف سنوات إلى الوراء عندما قررت إدارة المتحف بالاتفاقق مع إدارة بلدية سخنين السابقة عام 2002 على أن يكون المتحف تابع لبلدية سخنين كجزء من خطة عمل من اجل النهوض بالمتحف بعد أزمته المالية في حينها التي كان احد أهم أسبابها الرئيسية هبة القدس والأقصى عام 2000 وذلك تداركا لإغلاق المتحف أو نقله من سخنين إلى مكان آخر.

وبحسب الاتفاقية فان مدير المتحف السيد أمين ابو ريا يصبح موظفا في بلدية سخنين كباقي موظفي البلدية، كما تتعهد البلدية بتسويق المتحف وتحسين ظروفه وتجنيد الأموال والنهوض به -حسب الاتفاقية الموقعة بين الطرفين- كمؤسسة ثقافية ووطنية خصوصا في بلد يوم الأرض سخنين.

وفي تاريخ 28/3/2009 قررت إدارة بلدية سخنين الجديدة وبقرار من رئيسها مازن غنايم فصل موظفها ومدير المتحف أمين أبو ريا كجزء من خطة الإشفاء التي اتبعتها والتي تطال أحد عشر موظفا آخر، إلا أنه في النهاية لم يتم فصل أحد سوى أمين أبو ريا بعد التوصل إلى حلول وسط مع الموظفين الآخرين.

وتدعي البلدية على لسان اللجنة التي تم تشكيلها من اجل فحص عمل المتحف في تقريرها بتاريخ 24/2/2009 أن المتحف لا يعمل كما يجب، ولا يزوره عدد كاف من الزوار، وهنالك توصية بإغلاقه، إلا أن مدير المتحف أمين أبو ريا يرد بالقول "السيارة التي لا تزود بالوقود لا تسير"، على حد قوله، معتبرا أن البلدية لم تلتزم بالاتفاقية من ناحية تجنيد أموال أو تسويق المتحف، في حين يقوم أبو ريا بدور مدير المتحف ومسوقه ومجند الأموال وعامل النظافة..!!!
ويقول أبو ريا عن محاولاته من أجل منع إغلاق المتحف "كنت على استعداد للتبرع براتبي عام 2009 من أجل خطة الإشفاء والعمل كمتطوع لكن لا حياة لمن تنادي".

ويضيف أبو ريا "قالوا لي إنني لم افصل إنما الحديث عن توقيف عن عملي لفترة قصيرة.. وأعطوني الكثير من الوعودات لكن لم يحصل أي جديد.. وكل الأشخاص الذين توجهت لهم من أعضاء البلدية ورئيس البلدية قالوا لي إنهم ضد الفصل ومع إعادتي إلى عملي لكن لم يحصل أي شيء".

أما عن الخطوات التي اتخذها أبو ريا من اجل إعادته إلى مزاولة عمله فيؤكد "لم اخرج ضد البلدية ولم أهاجم أي شخص كان سببا بفصلي.. مع أنني أستطيع التوجه إلى المحكمة على عدة قضايا ضد بلدية سخنين التي لم تلتزم بها في الاتفاقية الموقعة.. لكن ليس هذا أسلوبي، فأنا انتظر الفرصة الأخيرة من الوعودات المتكررة في كل ما يتعلق بقضية الإشفاء التي كانت على حساب المتحف ومشروعه الوطني. لكن إذا تم حشري في الزاوية فسوف أتوجه إلى المحكمة.. فأنا اليوم ومنذ فصلي منذ عام ونصف أعمل في المتحف تطوعا من دون راتب واستقبل أي زائر وذلك إيمانا مني بأهمية المتحف ودوره التوعوي".

ويضيف "تراثنا الفلسطيني يضيع ويُسرق ويعرض في المتاحف الإسرائيلية.. لكن الرسالة هناك تختلف عن الرسالة التي نقوم بها.. فلو أجرينا استطلاعا لطلاب المدارس عن تراثنا الفلسطيني من أدوات وملابس لكانت النتائج مخيبة للآمال جدا، خصوصا وان المؤسسة الإسرائيلية لا تهتم بحضارتنا بالعكس تحاربها".

ويختتم أبو ريا بالقول "على رئيس البلدية مازن غنايم البحث عن المسار الصحيح لإصلاح القضية وعدم إغلاق المتحف.. كما وادعوا مديري المدارس والمعلمين مع اقتراب السنة الدراسية الجديدة لجلب الطلاب إلى المتحف من اجل المساهمة في بقائه على قيد الحياة، ومن أجل توعية طلابنا على تاريخهم وحضارتهم، كما وادعو الجمعيات الأهلية للتكاتف سويا من أجل إنجاح رسالة المتحف".
وفي حديث مع المحامي إياد خلايلة وسكرتير فرع التجمع الوطني الديمقراطي في سخنين عن الموضوع: "بعد أن علمنا أن خطة الإشفاء التي صادقت عليها البلدية السابقة تشمل إغلاق المتحف، وأن هنالك احتمالا جديا أن يتحقق هذا الخطر، عقدت عدة جلسات مع مدير المتحف أمين أبو ريا للوقوف على حقيقة الأمر، كما وقمت بعدة اتصالات مع البلدية وشخصيات محلية وجمعيات أهلية من أجل تدارك الوضع. وكان هنالك تجاوب جدي من قبل جمعية الثقافة العربية. وعرضت مديرة الجمعية د.روضة عطا الله مشروعا أوليا لإنقاذ المتحف من خلال ترميمه وعرض المقتنيات بصورة لائقة، تنظيفه وتسويقه لكي ينتقل خلال سنة أو سنتين إلى مشروع مستقل لا يحتاج دعما خارجيا".

ويضيف خلايلة "جمعية الثقافة العربية أبدت استعدادها للتوجه لعدة صناديق لإنقاذ هذا المشروع الوطني، وبما أن تحصيل الجمعية يحتاج إلى وقت، طلبنا من البلدية بأن تلتزم بدفع أجرة المتحف للسنة الحالية حتى نتمكن والجمعية من التوجه لهذه الصناديق التي حسب اجراءاتها لن تضخ أي مبلغ حتى بداية السنة القادمة، وخلال هذه السنة تقوم الجمعية بمساعدة متطوعين من قبل الجمعية وسخنين بالقيام بالإعمال الملحة اللازمة من ترميم أولي، ترتيب وتنظيف المبنى ..الخ، وخلال عام أو عامين وبمساعدة التبرعات المفترضة من الصناديق الخارجية ووضع خطة مهنية ومدروسة لتسويق وإدارة المتحف، يتمكن المتحف من خلالها من تحقيق استقلال اقتصادي وبدل إن يكون عبئا عليها يكون داعما لها".

ويقول خلايلة " لكن للأسف لم تتمكن البلدية من اتخاذ قرار أو تبدي أي التزام من هذا النوع بسبب المعارضة الشديدة التي لاقتها من المحاسب المرافق، وأنا اعرف أن معارضة المحاسب المرافق الممثل لوزارة الداخلية الإسرائيلية هي معارضة سياسية لهذا المشروع الوطني".

ويختتم خلايلة بالقول "أتوجه لكل إنسان وطني يهمه إنقاذ هذا المشروع الوطني الذي بنته الحركة الوطنية خلال عشرات السنوات بأن يمد يد المساعدة وينضم إلينا لإنقاذ هذا المشروع، لأن المتحف ليس ملكا لفرد أو لبلد بل هو ذخر لكل فلسطيني يهمه الحفاظ على تراثنا العربي الفلسطيني من الزوال".
وعقب رئيس بلدية سخنين السيد مازن غنايم بالقول إن المتحف سوف يعود إلى العمل ويفتح أبوابه عام 2011 كما سيعود مديره السيد أمين أبو ريا إلى عمله كالسابق وذلك مع الانتهاء من خطة الإشفاء ونجاحها خصوصا مع رحيل المحاسب المرافق عن سخنين.

كما وأكد غنايم أن المتحف سوف يبقى في سخنين يستقبل أبناء شعبنا لما يحمل من رسالة وطنية هامة، وأن إدارة بلدية سخنين لن تسمح بإغلاقه حيث سوف يعود المتحف إلى سابق عهده ويعود مديره إلى عمله.
...

التعليقات