“البجروت”": مستقبل أولادنا في خطر!

-

“البجروت”
وصلت نسبة النجاح في امتحانات “البجروت” في الوسط العربي في إسرائيل في العام الدراسي 2004 إلى 46.8%، حيث حظي 5,776 طالبًا من بين 12,356 طالبًا عربيًا بهذه الشهادة المهمة في تحديد مستقبله الأكاديمي، مقابل نسبة 60.6% في الوسط اليهودي. ويستطيع 76% من هؤلاء الطلاب (4,384 طالبًا) الانتساب للجامعات والكليات بهذه الشهادات، وهي نسبة تقل بعشرة بالمائة عن الوسط اليهودي.

وقد اخترنا أن نركز اهتمامنا في مدينة رهط، التي هزّت النتائج أركان بلديتها ومدارسها الثانوية الثلاث، بعد تراجع كبير جدًا في نسبة النجاح، لم يسبق له مثيل، مع العلم أنّ نسبة النجاح في الوسط العربي في النقب لم تتعدَّ 43.4% وهو تراجع بنسبة 10% خلال العامين الأخيرين!

وقد دلّت المعطيات التي نشرتها وزارة التربية والتعليم حول نسبة الحاصلين على شهادات “البجروت” بين الطلاب الثانويين في مدارس رهط، على أن هناك تراجعًا بنسبة 17% في عدد الحاصلين على شهادة “البجروت”، حيث وصلت العام الدراسي الماضي إلى 30% مقابل 47% في العام الذي سبقه.

ورغم أنّ المسؤولين في البلدية يعزون هذا التراجع إلى تغيير في طريقة تقديم الطلاب للامتحانات، إلا أن الأوامر التي أصدرها رئيس البلدية، طلال القريناوي، بإقالة 36 معلمًا أكاديميًا لا يحملون شهادة التدريس، وممن يعملون في المدارس فوق الابتدائية، جاءت لزعزعة أطراف جهاز التعليم في المدينة، الذي يتم رصد 50% من ميزانية بلدية رهط له.

وإذا كانت ردود الفعل تتفاوت بين «الكيف أهم من الكم»، وبين «كلنا مسؤولون عن هذا التراجع»، فإنّ أحدًا في البلدية لا يريد أن يشير إلى هذا التراجع على أنه فشل ذريع. وما يجعل النتائج أكثر مرارة أنّ أحدًا من الأهالي لم يحرك ساكنًا. وأكبر دليل على أن الأهالي بغالبيتهم، لا يهتمون بتحصيل أولادهم، هو عدم انتخاب لجنة أولياء أمور بلدية في رهط، تقوم بتمثيل أولياء الأمور أمام البلدية ووزارة المعارف، وذلك بعد أن انهى د. عواد أبو فريح مهام منصبه العام الماضي.

طلال القريناوي، رئيس بلدية رهط، عقّب على النتائج قائلاً: «أنا قلق جدًا من هذه النتيجة. الاحتمال ان تكون هذه النتائج حقيقية، لأنه في الماضي كانت بعض الامتحانات شفهية. ومع ذلك فالوضع غير مريح وبالتالي طالبنا وزارة المعارف بإقامة لجنة تحقيق خارجية وموضوعية لدراسة الأسباب التي أدت إلى هبوط نسبة الحاصلين على شهادات “البجروت” إلى 30 في المائة، وكذلك النسبة المتدنية لعدد الطلاب الجامعيين في رهط. لا أريد أن أتهم أحدًا، ولكن في نظري الكل مسؤول عن هذه النتيجة، من بينهم وزارة التربية والتعليم والبلدية والمدارس الثانوية، والأهالي الذين لهم دور هام في مسيرة التعليم. في حالة عدم تشكيل لجنة تحقيق حسب طلبي، فسأقوم بتعيين لجنة فحص داخلية ممثلة من رجال تربية وتعليم من خارج مدينة رهط، لفحص الأسباب التي أدت إلى تراجع نسبة الحاصلين على شهادات “البجروت” وعدم ارتفاع نسبة الطلاب الجامعيين في رهط».

وقد أكدت المعطيات التي أعدّتها وزارة المعارف على أنّ نسبة الناجحين في امتحانات “البجروت” التي أُجريت في العام الماضي 2004 في مدارس النقب الثانوية، عامة، هي أقل من نسبة الناجحين في امتحانات العام 2003. وأشارت النتائج إلى أن 618 طالبًا من المدارس الثانوية العربية في النقب حصلوا على شهادة "البجروت"، وأنهم يشكّلون نسبة 34% تقريبًا من عدد طلاب الثاني عشر وهم 1,795 طالبًا، والذين تقدّم منهم لامتحانات “البجروت” 1,429 طالبًا.

ورغم أنّ الوسط اليهودي في البلاد حقق ارتفاعًا بنسبة 1،4% في عدد الحاصلين على شهادة “البجروت” مقارنة مع عام 2003، وحقق الوسط العربي في البلاد (عدا بدو النقب والدروز) ارتفاعًا بنسبة 2،5% إلا أن الوسط العربي-البدوي في النقب سجّل هبوطًا بنسبة 1،8% وسجّل الطلاب العرب-الدروز هبوطًا بنسبة 2،2%.

في العام 2003 كانت شريحة الجيل لدى الشباب العرب في النقب 2,600 شخصًا، تعلّم منهم في المدارس الثانوية 1,675 طالبًا، تقدّم منهم لامتحانات “البجروت” 1,357 طالبًا (81%) وحصل 665 طالبًا (بعد الموعد ب) من بينهم على شهادة “البجروت”، وهو ما نسبته 39.7% من شريحة الجيل.

في العام 2004 كانت شريحة الجيل لدى الشباب العرب في النقب 2,600 شخص، تعلّم منهم في المدارس الثانوية 1,795 طالبًا، تقدّم منهم لامتحانات “البجروت” 1,429 طالبًا وحصل من بينهم 618 طالبًا، بعد اعادة بعض الامتحانات، شهادة “البجروت”، وهو ما نسبته 34.4% من شريحة الجيل.
د. عواد أبو فريح، مستشار أكاديمي للطلاب العرب في كلية «سابير» في النقب وناشط في شؤون التعليم بشكل عام: «للأسف هذه النتائج لم تفاجئني، لأن الخطط التي وضعتها وزارة المعارف في السنوات الأخيرة كانت خطط غير واقعية، شبه اصطناعية ولم تلائم للأمد البعيد، بل كانت بمثابة إطفاء حرائق محلية والقصد منها رفع عدد الحاصلين على شهادة “البجروت” بكل ثمن، بدون التعمق في مناهج التعليم وخطط التعليم، وبدون برمجة اكاديمية».

وأضاف أبو فريح، «أنّ الأموال التي صرفت لم تستثمر في الاتجاه الصحيح، وإنما هي في نهاية الأمر هدفها تحصيل نتيجة سريعة بدون حل مشكلة. يجب استثمار هذه الأموال في مجال خطط التعليم والمناهج التعليمية، وليس فقط للحصول على شهادات "البجروت". هذا ما لم يعملوا به في الوزارة، يبدو انه كان من خلال تنفيذ سياسة الوزيرة الداعي الى رفع نسبة الحاصلين على شهادة “البجروت” بأي ثمن».

وأكد د. أبو فريح على أنه لا بد من إقامة لجنة تحقيق لفحص الماضي والحاضر، ووضع خطط لمستقبل أفضل لطلابنا، لكي لا ندفع ثمن سذاجتنا وفشلنا. «هذا المجتمع يبنى على الفشل حاليًا، وعلى كل القائمين على التربية والتعليم أن يضعوا نصب أعينهم مستقبل هذا المجتمع، لكي لا ندفع ثمنًا آخر في المستقبل، أكثر مما دفعنا حتى يومنا هذا. قد يكون ذلك في رهط، وقد يكون في المجتمع العربي في النقب أو على مستوى المجتمع العربي في البلاد عامة».

وتدل المعطيات أيضًا على أنّ من بين الحاصلين على شهادة “البجروت” في امتحانات العام الماضي (2003/2004) وعددهم 618 طالبًا، يمكن لـ 357 طالبًا منهم القبول في الجامعات، أي 57.8% من الحاصلين على شهادة “البجروت”، مقارنةً مع 396 طالبًا في العام الأسبق (59.6%)، و-291 طالبًا (2001/2002) أي 46.8%، و-259 (2000/2001) أي 40.7%. بكلمات أخرى، نحو نصف الطلاب الذين يحملون شهادات “البجروت” لا يمكن قبولهم للجامعات، لأنّ الوحدات التي تعلموها لا تخولهم للدراسة هناك!

وفي رسالته إلى وزيرة المعارف والثقافة، ليمور لفنات، طالبها رئيس بلدية رهط، طلال القريناوي، العمل على اقامة لجنة تحقيق لفحص هذا التراجع، ليس في امتحانات “البجروت” فحسب، بل في نسبة الاكاديميين في المدينة التي تصل إلى 3% فقط، مؤكدًا على أنّ نسبة التسرب في المدارس فوق الابتدائية وصلت إلى 33.4%، ونسبة الطلاب في الجامعات والكليات تصل إلى نحو 5%.

وقال كمال عطيله، الناطق بلسان وزارة المعارف، في حديث لـ «عرب 48»، إن «المديرة العامة للوزارة طالبت مديرة لواء الجنوب، عميرا حاييم، بالعمل على فحص نتائج الامتحانات في الوسط البدوي في النقب، وقد ألقيت عملية الفحص على عاتق د. ايتسيك تومر، نائب المديرة العامة».

د. علي الهزيل، مدير قسم المعارف في بلدية رهط، يرى أنّ "الكيف أهم من الكم". وقد عقب على هذه النتائج بالقول: «أولاً نحن نرى في هذه النتيجة قريبة إلى الواقع، حيث الامتحانات لدينا من دون نسخ أو شفهي، حيث تم إلغاؤه. لقد أجبرنا جميع الطلاب على أن يتقدموا لأربع وحدات بالإنجليزية. نسبة الثلاثين في المائة لا تمنعنا من أن نأخذ بالاعتبار أنّ هناك عددًا كبيرًا من الطلاب تنقصهم وحدة واحدة. اذا فحصنا النتائح لدينا بصورة أخرى، مع الاخذ بالاعتبار وجود بعض الطلاب الذين تنقصهم وحدة واحدة، خاصة في الانجليزية، فنستطيع القول اننا لم نتراجع كما يبدو للوهلة الأولى، بل نجحنا هذا العام في رفع كيفية شهادة “البجروت”. نأمل أن يصل الثلاثين في المائة إلى الجامعات، وفي نهاية المطاف الكيفية أهم من الكمية».

من جانبه انتقد د. أبو فريح بشدة قضية نزاهة الامتحانات التي تقرع هي الأخرى ناقوس الخطر في مدارسنا، فتجد أنّ بعض الطلاب الذين يحملون شهادات “البجروت”، لا يستطيعون أن ينخرطوا في الجامعات أو الكليات على السواء، ويفشلون في تخطى الامتحانات."

وكي نلقي نظرة على عدم نزاهة الامتحانات في وسطنا العربي، نقول إنه في الوسط اليهودي وصل عدد الممتحنين في صيف 2004 إلى 185 ألف طالب، وصل عدد الطلاب الذين تم إلغاء امتحاناتهم إلى 1,532 (0.8%)، في حين وصل عدد الممتحنين في الوسط العربي إلى 39,084 ممتحنًا، وصل عدد الممتحنين الذين تم إلغاء امتحاناتهم إلى 2,979، أي (7.6%)، وفي الوسط العربي الدرزي كانت النسبة 5.9%.

ويقول د. أبو فريح: «الحديث عن قضية خطيرة، ونحن نرى أنّ هذا التراجع يجيء رغم عدم نزاهة الامتحانات. والسؤال الذي يطرح نفسه، أية نتائج كنا سنحصل عليها في حالة كون الامتحانات تدار بنزاهة تامة. هذه الأرقام هي مزيفة، والحقيقة أننا بصدد أرقام وهمية بعيدة عن الواقع، والواقع أكثر مرارة. دور لجنة التحقيق ان تجري تحقيقًا أيضًا حول قضية نزاهة الامتحانات في الوسط العربي في النقب. هدفنا الآن هو إعطاء صورة حقيقية لوضع طلابنا في النقب، حتى لو كانت هذه الصورة قاتمة للغاية. الرأي العام الأكاديمي في الجامعات والكليات، هو أننا نبحث عن الطالب العربي في النقب الذي تلائم تحصيلاته في شهادة “البجروت”، عطاءه الأكاديمي في الجامعة. حتى لو كان ذلك 5% فهو يكفينا كرقم حقيقي وناجح لاعطاء صورة عن الوضع الراهن».

من جانبه رفض رئيس بلدية رهط الردّ على سؤال حول دور البلدية في هذا الفشل، معللا ذلك بِأنه من السابق لأوانه الخوض في هذه القضية، علمًا بأنه يطالب باقامة لجنة تحقيق، ومؤكدًا في الوقت نفسه، أن بلدية رهط ترصد 50% من ميزانيتها لقضية التربية والتعليم.

وتوجّه رئيس البلدية إلى الاهالي وطالبهم بالمشاركة والطلاع على المسيرة التعليمية، على مدار السنة الدراسية، وليس من خلال زيارة بالصدفة للمدرسة، حيث قال: «حتى لو رصدنا كل ميزانيات العالم، فبدون مشاركة الأهالي، لن يكون باستطاعتنا أن نرتقي بالتعليم في مدينتنا».

وفي النهاية، ربما تكون هذه خطوة أولى في محاولة لوقف حالة التدهور في جهاز التعليم في مدينة رهط، التي ركزنا اهتمامنا عليها لكونها أكثر المدن العربية في البلاد فشلاً في التحصيل، ليس في “البجروت” فحسب بل وفي عدد الطلاب الأكاديميين. فقد أمر رئيس بلدية رهط بإقالة 36 معلمًا غير مؤهلين يدرّسون في مدارس رهط فوق الإبتدائية. واكد رئيس البلدية أن هؤلاء يحملون شهادات أكاديمية، ولكنهم لا يحملون شهادات تدريس.

وعقب د. أبو فريح على الأمر بالقول: «ما زلنا نطالب بخفض عدد المعلمين غير المؤهلين بقدر المستطاع، لأنّ الطريق إلى النجاح يجب أن تمرّ عبر معلمين مؤهلين يستطيعون نقل المادة الى الطلاب، وهذا لا يهم إذا كان في رهط أو غيرها من البلدان العربية. هذا مطلب أساسي. المهم ألا يقتصر التغيير على إقصاء معلمين غير مؤهلين، لاننا على علم بأن جهاز التربية والتعليم كله بحاجة إلى هزة أرضية، وإلا فإننا نشارك في تجهيل الأجيال القادمة من أولادنا».

ومع ذلك فلنا في أم النور (أم الفحم)، وفي حقيقة تربع طلابها على العرش في موضوع الرياضيات بنسبة نجاح باهرة وصلت 85%، أملٌ في أن تحذو بقية المدن العربية حذو هذه المدينة، وتعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.. مع العلم أن النسبة العامة تراجعت إلى 40.5% (مقابل 42%)، وكذلك الطيرة التي لا تزال في مكانها تسير مع 35%، ودالية الكرمل التي تراجعت النسبة فيها إلى 38% بدل النجاح الباهر الذي وصل إلى 73% الذي حققه الطلاب قبل عامين. وهذه المدن بعيدة عن النسبة العالية التي تصل إلى أكثر من 80% (شوهام ومسغاف ومكابيم-رعوت) والى المتوسط في تل أبيب (66%) وحيفا (66%)، والقدس (57%) وبئر السبع (55%).

التعليقات