الشبيبة العاملة والمتعلمة ورزمة اخرى للأسرلة وخدمة المؤسسة الصهيونية./ محمد صبح

-

الشبيبة العاملة والمتعلمة ورزمة اخرى للأسرلة وخدمة المؤسسة الصهيونية./ محمد صبح
عبر التاريخ عرفت المؤسسة الإسرائيلية بالعمل بجد على تحقيق ما تصبو إليه مهما كلّف الأمر، وخاصة إذا تعلق الموضوع بتدجين الأقلية العربية في الداخل الفلسطيني وHسرلتها. فلطالما خططت لمشاريع كثيرة واستثمرت بها جهوداً كبيرة وأموالا طائلة وذلك من اجل تشويه هويتنا القومية وسلخنا عن شعبنا الفلسطيني وقضاياه، وكان آخرها -وليس الأخير بالتأكيد- ما سمته " الخدمة الوطنية الإسرائيلية ". لكن يبدو أن الإجماع الوطني الذي فرض جوا رافضاً لهذا المشروع جعلها تعيد التفكير مرة أخرى في أسلوب وطريقة فرضه وتسويقه، فقررت القيام بتمريره ونشره بطريقة غير مباشرة. ويبدو لي أنها الرزمة الجديدة التي تحمل عنوان ما يسمى بـ " الشبيبة العاملة والمتعلمة " أو ("هنوعار هعوفيد فيهلوميد"- بالعبرية) كما يحبون تسمية أنفسهم، التي تتبع رسمياً لـ"الهستدروت"، وبالتالي لحزب العمل وكلنا يعرف سجل قادته الحافل بالقتل والإجرام.

إن المراقب العادي يستطيع أن يميز أن انتشار هذه الظاهرة السريع في كافة القرى والمدن العربية تقريباً في السنة الأخيرة، لا يأتي من فراغ وإنما هو حصيلة التخطيط المحكم والميزانيات الهائلة المخصصة لهذه الرزمة

فماذا تحمل لنا؟؟

منذ لاحظت بداية انتشار الظاهرة آنفة الذكر، قررت متابعتها والاطلاع على أسلوب المؤسسة الإسرائيلية، وإن كانت قد أجرت تعديلاً أو تغييراً في كيفية تطبيقها لمشاريعها ومخططاتها المتربصة بنا، فوجدت أسلوبا مشابها بل ربما مطابقاً لسابقيه من حيث المضمون لكنه بتكتيك مختلف، فيبدأ كالعادة بإظهار الوجه الأجمل للمشروع حاملا المغريات لشبابنا كالرحلات والمخيمات منخفضة التكاليف وأجهزة الهواتف النقالة المجانية التي تمنح للأعضاء المركزيين من نوع "Sony Ericsson" ومبلغ شهري قيمته 500 شاقل، وغيرها من "الامتيازات" كالزي الرسمي الأزرق، وهنا يحق لنا أن نطرح تساؤلاً حول مصدر هذه الأموال، ونقول لهم :"من أين لكم هذا كله؟".

ويستمر تلميع وجه هذه الرزمة ، فسرعان ما يظهرون في شوارع القرية أو المدينة بمظهر المهتمين بنظافتها، وتبرز بهم المواهب فيرسمون على الجدران القديمة في البلدة، ويتطوعون في بعض المدارس، وهكذا يحصلون بسرعة قصوى على الرضا العام التام، فلا يتردد أولياء الأمور بإرسال أولادهم للانخراط في هذا الإطار البلدي الذي "يحتضنهم وينمي"فيهم روح التطوع" النافع من اجل بلدتهم!!! .

ومن ثم تأتي المرحلة ما قبل الأخيرة، وهي التأكد من مسح ذاكرة هؤلاء الأعضاء من أي حس وطني فلسطيني، من خلال اللقاءات بين فروع الشبيبة العربية واليهودية من أجل تعايش "الراكب والمركوب"، والتي تتخللها نقاشات غير مجدية لا يتم التطرق فيها إلى قضايا التمييز وغيرها، فهذه المصطلحات غير واردة بها أصلاً، بل تحل مكانها المقارنات بين وضع العرب في الداخل مقابل وضعهم في الدول العربية، وقد تصل الوقاحة بهم للمقارنة أيضا مع الأوضاع المعيشية لأبناء شعبنا في مخيمات اللاجئين، وكل هذا لوصف "النعيم" الذي يعيشه العرب في الداخل الفلسطيني.

أما المتفحص لفعالياتهم، فيجدها تخلو بالفعل من الاحتفال بيوم "استقلال إسرائيل" الذي هو يوم نكبتنا، وغيره من المناسبات الإسرائيلية في نوادي فروعهم في القرى والمدن العربية، كنوع من التكتيك لكي لا ينفضح أمرهم، لكنها بالتأكيد لا تمت بصلة لإحياء أية مناسبة وطنية فلسطينية، إن كان هذا بالحديث عنها أو حتى ذكرها، إلا إذا اقتضى التكتيك غير هذا، فيدعون احد الشعراء أو الكتاب أو رئيس بلدية يدعي الوطنية في إحدى البلدات، للحديث عن موضوع معين، للتغطية على مشاركتهم بين الحين والآخر بالاحتفالات بالمناسبات الوطنية والقومية الإسرائيلية، التي تنظم بشكل قطري (لكافة فروع الشبيبة العربية واليهودية ) أو في نوادي ما يسمى "الشبيبة العاملة والمتعلمة" في الوسط اليهودي. وبهذه الطريقة تنشأ شخصية العضو المشوهة المبتعدة كل البعد عن قضايا شعبنا الفلسطيني وحتى عن قضايانا الحياتية اليومية، فكل اهتماماته تنصب في الرحلات والترفيه ونوع الهاتف النقال ورصيده من "الايميلات" ( جمع E-mail ) للدردشة وغير ذلك.

وبموجب النظام الداخلي لهذه المجموعة الشبابية، فانه يتم توزيع الأعضاء إلى مجموعات بحسب الأجيال وباللغة العبرية طبعاً، ويطلق على مجموعة الجيل الأكبر اسم "ي ج" وهي مجموعة الشباب والشابات الذين تخطوا جيل الثامنة عشر، وعند دخول الشاب أو الشابة هذه المجموعة يكون قد أصبح جاهزاً لتلقيه "الخبر السعيد" ، ألا وهو إرساله إلى مخيم قطري لمدة سبعة أيام، ينظم على الأغلب في مستوطنة في منطقة طبريا، وقبل ذهابه يوقع على استمارة الانتساب للمخيم ويبلغونه انه قد حان الوقت للتطوع المنظم لسنة يطلقون عليها اسم "ش ش" (سنة خدمة) دون أن يوضحوا له ماهية هذه الخدمة ويبلغوه بأنه منذ توقيعه على الاستمارة سيعتبر مسجلا يالخدمة وانه سيستلم أول مبلغ من المال قيمته 750 شاقلاً، في معظم الأحوال قبل ذهابه للمخيم، وإذا أراد التراجع عن هذا بعد المخيم فالإمكانية "طبعاً" موجودة ( هذا لطمأنة الشاب أو الشابة).

وبالطبع يتخلل المخيم ورشات عمل تشرح وتوضح للشاب "عدم وجود أية علاقة ما بين الخدمة الوطنية الإسرائيلية والجيش" ويسلمونه أيضا مستنداً "يثبت" ذلك ويفند ادعاءات كل من ينتقده أو يناقشه في الموضوع، ويجرون له عملية "غسيل دماغ" ليتأكدوا من تدجينه وأسرلته كما يجب، عبر مروره بورشات المخيم لمدة أسبوع والتي تضمن بالطبع عدم تراجعه عن القرار الذي ضلل من اجل اتخاذه قبل المخيم.

وهكذا يجد الشاب العربي نفسه قد وقع في براثن مشروع ما يسمى بـ " الخدمة الوطنية الإسرائيلية " تدريجياً وقد وقع الفأس بالرأس وحينها وفقط حينها يتضح له ولأهله أين تعمل وماذا تتعلم، ما يسمى بالشبيبة العاملة والمتعلمة.

دراسة قصيرة وسريعة لأعضاء هذه الشبيبة ينتج عنها بالتأكيد أن أكثر من 75% (أنا مسؤول عن النسبة) قد انخرطوا ضمن مشروع الأسرلة المعروف بالخدمة الوطنية الإسرائيلية، والجزء المتبقي منهم يتعاطفون ويؤيدون كل من ينخرط فيه.

من الجدير الإشارة أيضا إلى أن جزءا من المنخرطين في الخدمة الوطنية الإسرائيلية من هذه المجموعة، يتطوع في مدارس مدينته أو قريته ضمن تأديته الخدمة ،وبالمناسبة فإنّ باستطاعة ما يسمى بالشبيبة العاملة والمتعلمة دخول المدارس بشكل مطلق متى شاؤوا ذلك، لأن بحوزتهم تأشيرة لدخول المدارس من قبل وزارة المعارف، يعجز مديرو المدارس عن منعهم من الدخول بسببها، ويقومون بتنظيم ورشات عمل تتلاءم مع أهدافهم المؤسرَلة والمؤسرٍلة ، والتي كانت احد أسباب حصول أحد مسؤوليها المركزيين على وسام "الخادم الأفضل لأهداف الدولة بين الشباب العرب واليهود" ، وهو شاب يعمل على تجنيد الشباب العرب للخدمة الوطنية الإسرائيلية، وقد انخرط هو أيضا في السابق في ماكنة الأسرلة هذه.

إذا ما العمل؟؟

على الصعيد السياسي، فإن خروج هذه المجموعة الشابة عن الإجماع الوطني الرافض لهذا المشروع وتماهيهم مع الفكر الذي يحمله، يحتم علينا الوقوف بحزم ومحاربة هذه الظاهرة بسرعة، لننقذ من يمكن إنقاذه منهم ونمنع تورط آخرين معهم، وذلك عن طريق الخروج بحملة توعية واسعة وشاملة لتبيان الحقائق المعروضة–والمخفي أعظم – بالتماشي مع حملة مناهضة ما يسمى بـ"الخدمة الوطنية الإسرائيلية".

بالإضافة إلى ذلك ، فان هنالك مسؤولية كبيرة ملقاة على لجان أولياء أمور الطلاب، التي باستطاعتها منع دخول هذه المجموعة إلى مدارسنا والتي تعمل على تشويه هوية طلابنا القومية والوطنية الفلسطينية وجرهم إلى مشاريع الأسرلة.

أما على الصعيد الاجتماعي، فلا بد وان يأخذ أولياء أمور الأعضاء في هذه الشبيبة دورهم، في منعهم من المشاركة في أية فعالية ينظمها هذا الإطار الخارج عن الإجماع الوطني ومقاطعته، لكي لا نجد أنفسنا بعد أعوام قليلة عالقون في مستنقع الجيش الإسرائيلي نوجه الضربات والبنادق في وجه أبناء جلدتنا.

ما البديل؟

انخراط الشباب العرب في مجموعات الشباب الوطني الفلسطيني وعلى رأسها اتحاد الشباب الوطني الديمقراطي الذي يعمل على رفع الوعي القومي والوطني الفلسطيني لدى جيل الشباب ويصقل شخصياتهم وينمي بهم القدرات القيادية المختلفة، كما وأطلق "مشروع التطوع الوطني الفلسطيني" متحدياً سياسات المؤسسة الصهيونية التي لا تكف عن تخطيط وتنفيذ مشاريع تهدف إلى تدجيننا وأسرلتنا.

ويشمل المشروع الذي أطلقه اتحاد الشباب تنظيم أيام التطوع، محاضرات، زيارات الجذور إلى القرى المهجرة وورشات عمل كثيرة تعزز انتمائنا للشعب الفلسطيني وتذكر بكوننا أصحاب البلاد الأصلانيين.
.

التعليقات