العرب في مستوطنة "حريش" في المثلث شوكة في حلق من خطط لتهويد وادي عارة..

-

العرب في مستوطنة
يعيش قرابة مئتي عربي في بلدة حريش في وادي عارة من اصل 1500 مواطن ويشكلون 75 عائلة، بعضها مختلطة، الزوج عربي والزوجة يهودية.

وجاءت اقامة هذه البلدة النائية التي تقع على احدى اعلى تلال منطقة وادي عارة العربية، ضمن مخططات اريئيل شارون عندما كان وزيرا للاسكان في العقد الماضي لتهويد منطقة المثلث، وتحديدا وادي عارة من خلال اقامة بلدات استيطانية يهودية في الوادي ضمن خطة عرفت باسم "النجوم السبع".

وضعت خطة النجوم السبع في وزارة البناء والاسكان لاستيعاب موجة الهجرة اليهودية من الاتحاد السوفيتي سابقا مطلع تسعينيات القرن الماضي. ويعتمد هذا المخطط بالاساس على قطاع ضيق يصل طوله إلى 80 كلم بمحاذاة ما يعرف ب"الخط الاخضر"، ويمتد من منطقة موديعين جنوبا حتى مشارف ام الفحم شمالاً والتي يسكنها 150,000 عربي و40,000 يهودي.

وحسب المخطط كان من المفترض ان يسكن في منطقة المثلث الصغير 350 الف مستوطن يهودي خلال عقد ونصف.
الدراسات العربية المهنية التي بحثت هذا المخطط تؤكد بصورة جازمة ان المخطط وضع لغرض فرض واقع استيطاني صهيوني في المثلث العربي وانه يهدف لتغيير الطابع العربي لمنطقة المثلث وتحويلها الى يهودية من خلال احضار مئات الالاف من المستوطنين الجدد اليها. فالمخطط يبغي أيضا منع التواصل الجغرافي بين بلدات المثلث العربية من خلال اقامة مستوطنات جديدة وتوسيع مستوطنات قائمة لتشكل حاجزا بين البلدات العربية. كما تخلق هذه المستوطنات وجودًا يهوديًا مكثفًا على طول الخط الاخضر ما سيؤدي بالتالي الى محو هذا الخط وافساح الطريق لقضم المزيد من أراضي الضفة الغربية الى اسرائيل.

كان من المفترض ان يكون التاريخ النهائي لخطة النجوم السبع هو عام 2005، ليصبح عدد السكان في اسرائيل ثمانية ملايين نسمة والمنطقة المخططة من المفروض ان تحوي في نفس السنة 555,500 مواطن منهم 393.400 يهودي و162,100 عربي. هذا بالمقارنة مع الوضع الحالي حيث يعيش في المنطقة 40,255 يهوديا و101,202 عربي وفق الاحصائيات الرسمية .

كان ايضا من المفترض ان يسكن بلدة حريش ضباط من الجيش الاسرائيلي، إلا ان المستوى الاقتصادي والتركيبة الاجتماعية للبلدة حدا بهم الى بيع منازلهم لمن يرغب ومغادرة المنطقة.
رغم العلاقات الطيبة التي تربط السكان العرب في حريش مع السكان اليهود، وغالبيتهم من المهاجرين الروس والقفقاز، إلا ان المجلس المحلي كتسير - حريش يرفض تسجيل الاولاد العرب في الحضانات!

ويصف السكان العرب في حريش العلاقات مع السكان اليهود بأنها "اكثر من ممتازة!

توفيق محسن، وهو من أوائل سكان حريش العرب واليهود الذي انتقل من بلدته الام كفر قرع الى حريش قبل 10 سنوات، ويملك حاليا 3 شقق في البلدة، قال: "هنا التعايش حقيقي بين العرب واليهود، نعيش معا وسوية مثل ابناء اسرة واحدة... لكن المشكلة هي المجلس المحلي".

ويضيف: "نحن نشعر بأننا دولة داخل دولة، دولة مستقلة، لأننا معزولون عنها لكننا نتدبر امورنا وفي الاعياد نتبادل الزيارات...".

هذا "التعايش الحقيقي" لم يسعف الأطفال العرب، 13 تحديداً، من دخول الحضانات في البلدة ويضطرون مع انطلاقة كل عام دراسي جديد الى البحث عن حضانة تستقبل اطفالهم..

أما توفيق محسن الذي يصف نفسه "مختار حريش" لعلاقته الطيبة مع كافة سكان البلدة كونه عضو مجلس محلي سابقا، فقال معقبا على قرار المجلس المحلي رفض تسجيل ابنه في الحضانة: "اذا كان المجلس المحلي لا يرغب بأن يكون الاطفال العرب واليهود في حضانة واحدة فليفتح حضانة خاصة للعرب وانا شخصيا افضل ان يتعلم ابني في حضانة عربية حفاظا على هويته وإنتمائه العربيين".

إضافة الى أبناء توفيق محسن، يرفض المجلس المحلي تسجيل اطفال السيدة نهى بقاعي، حيفاوية الاصل، فابنتها صوفي تضطر يوميا للسفر عشرات الكيلومترات الى قرية عرعرة حيث تدرس هناك في احدى المدراس.

وتقول نهى: "انتقلنا انا وزوجي لحريش قبل 3 سنوات للتوفير. في حيفا كنا ندفع 450 دولار شهريا بدل ايجار الشقة، هنا في حريش ندفع 100 دولار شهريا مقابل شقة مساحتها 85 مترا مربعا"، وتضيف: "حريش بالنسبة لنا هي محطة مؤقتة حتى نتدبر امورنا الاقتصادية".

وحتى هذه اللحظة لا تدري نهى بقاعي اين سيدرس ابنها الصغير سامي السنة الدراسية القادمة وتتساءل: "توجهت الى عرعرة لتسجيل ابني في الحضانة حسب الاتفاق بين مجلسي عرعرة وكتسير - حريش فرفضوا تسجيله بسبب خلافات سابقة مع بعض الاهالي، وفي حريش ايضا رفضوا تسجيله، اين هي مسؤولية السلطة المحلية في رعاية الاطفال العرب، هل وجودنا هنا لا يروق لهم؟. فمن حق الحضانة في عرعرة ان ترفض تسجيل اطفالنا، لكن من واجب السلطة المحلية هنا ان تفكر في مستقبل اولادنا وتهتم بهم... لماذا على ابنتي أن تسافر صباح كل يوم عشرات الكيلومترات لتصل الى المدرسة فيما الاخرون يدرسون في بلدتهم، وحريش هي بلدتنا".

وينضم الى نهى بقاعي احد الجيران وهو دودو الباز، الذي هاجر مع عائلته من القفقاز الى اسرائيل مطلع التسعينيات ليستوطن في حريش، ويتساءل هو الاخر لماذا ترفض السلطة المحلية ان يتعلم اطفال حريش عربا ويهود معاً: "لا توجد أي حجة في ان لا يتعلم ابناؤنا معاً، هنا نعيش سوية ونحافظ على بعضنا البعض، وعندما اكون مشغولا اطلب من نهى ان تصطحب ابنتي الى الحضانة، فإذا كان لإبنتي الحق في ان تتعلم هنا فلماذا لا يحق لسامي وصوفي"؟
يبدو ان الخلل الاكبر في خطة "النجوم السبع" هو ان واضعي المخطط تغاضوا عن إمكانية إنتقال مواطنين عرب صودرت اراضيهم بسبب المخطط الى هذه البلدات.

ففي بلدة كتسير المجاورة ، يعيش قرابة 200 مواطن عربي في شقق مستأجرة، لكنهم محرومون من التملك رغم قرار المحكمة العليا الذي اجاز ذلك بعد ان التمس اليها عادل قعدان من مدينة باقة الغربية في اعقاب رفض السلطة المحلية بيعه قطعة ارض.

تنبع العلاقة الطيبة التي تربط سكان حريش العرب واليهود من شعورهم انهم ضحايا. فالمخطط كان إسكان 30 الف مهاجر في حريش، وتوفير كافة احتياجات الاتصال والمواصلات وربطهم بمنطقة المركز بواسطة شارع عابر اسرائيل. لكن الواقع مغاير وبائس، فلا تزال عشرات القسائم التي كان من المخطط تشييد عمارات فوقها خالية رغم توصيل الكهرباء اليها وتعبيد الشوارع من حولها.

سماهر عجاج، من مواليد قرية عرعرة انتقلت للعيش مع زوجها وطفليها في حريش منذ 4 سنوات، قالت:" لا توجد هنا حانوت بقالة واحد كما يجب، ولشراء مستلزماتنا نضطر للذهاب الى عرعرة او كفر قرع، لكننا اضطررنا الى الانتقال الى حريش لأن زوجي لا يملك قطعة ارض للبناء، ووجدنا انه بإمكاننا استئجار شقة هنا بسعر زهيد جداً، ونحن سعداء جدا هنا في حريش لأن لا بديل لنا رغم الشعور بإن الدولة اهملتنا لأسباب ما".

توفيق محسن هو الآخر يؤكد ان الحكومة فشلت في مخططها لتهويد المثلث:" الدولة فشلت في تهويد المثلث وفي تحويل حريش بلدة يهودية فقط، واصبح هذا المشروع العقاري فاشلا بالنسبة لها، لأن العرب انتقلوا للعيش في حريش، في حين ان الدولة خططت لحريش ان تكون بلدة لليهود فقط ولضباط الجيش في ما بعد الخدمة الالزامية. في العام 1995 كانت استوعبت اسرائيل الاف المهاجرين الروس، وكان عليها تسكينهم باسرع وقت، فوجدت ان حريش جاهزة فجلبتهم اليها. في نهاية السنة غادر جميع ضباط الجيش الذين كان من المفترض ان يسكنوا هنا بسبب المستوى الاجتماعي، عرب وقفقازيين، والدولة من ناحيتها جلبت الروس والقفقاز وقالت لهم وداعاً... لم ترغب الدولة بان تستوعب حريش عربا لأنها ضمن مخطط النجوم السبع لتهويد وادي عارة، لكنها تقبلتهم على مضض بعد ان فشلت كل مشاريعها لجلب سكان جدد لحريش".

قبل عشر سنوات خططت وزارة البناء والاسكان لإقامة مدينة يهودية كبيرة في منطقة وادي عارة اضافة لحريش، مدينة عيرون. وحسب المخطط، تنشأ بداية مجمعات سكنية صغيرة لتتوحد جميعها في مرحلة متقدمة تحت بلدية واحدة. اضافة لذلك خططت ايضا لاقامة مدينة اخرى على تلال وادي عارة، عيرون 3، لكنها حتى الآن لم تنجح في تحقيق ذلك لأسباب عدة، اهمها كما يقول توفيق محسن: " لإقامة مدينة يهودية كبيرة في محيط عربي مثل وادي عارة بحيث يجب اقناع السكان اليهود بالانتقال الى المنطقة لكنها فشلت في ذلك، فمرة اقترحت توطين المستوطنين الذين اخلتهم من شمال الضفة الغربية، ومرة فكرت في تحويل حريش الى بلدة لليهود الحريديم، واسحاق رابين فكر في حالة الانسحاب من الجولان توطين السكان الذين سيتم اخلاؤهم... لكن لم يفكروا حتى الان في تطوير حريش مع سكانها العرب".

ازاء هذا الواقع يبدو ان سكان حريش من حيث لا يدرون اصبحوا شوكة في حلق من خطط لتهويد وادي عارة، رغم ان نعي المخطط حاليا هو من السذاجة، لأن الحكومات المتعاقبة فضلت حتى الآن الاستثمار في المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.


"فصل المقال"

التعليقات