تقرير المؤسسة العربية حول هدم البيوت في البعنة

المؤسسة العربية عرضت يوم أمس (الاثنين) خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته تقرير مفصل عن عملية هدم المنازل في البعنة وسياسة الشرطة العنصرية تجاه العرب

تقرير المؤسسة العربية حول هدم البيوت في البعنة
كشفت المؤسسة العربية لحقوق الانسان خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته أمس (الاثنين) في الناصرة عن تفاصيل الحملة البوليسية خلال عملية هدم بيوت عربية في البعنة قبل نحو ثلاثة شهور.

ويبين التقرير الذي أعدته المؤسسة العربية عن أحداث البعنة، والذي تضمن وصفا مفصلا عن عمليات الهدم وما رافقها من اعتداءات وحشية من قبل الشرطة على الأهالي ان عملية الهدم المخطط لها بعناية فائقة من قبل مسؤولي الشرطة كانت أكثر من مجرد عملية هدم، وان الشرطة الإسرائيلية ارادت بذلك نقل رسالة لجماهير العربية، وخاصة باعقاب توصيات لجنة أور، مفداها ان الشرطة ما زالت تتعامل مع المواطنين العرب من منطلقات العنصرية والعداء، واعتبار المواطنين العرب "أعداء".

وكانت المؤسسة العربية قد عقدت مؤتمرها الصحفي حول هذه القضية يوم أمس الاثنين، في مقر لجنة المتابعة في الناصرة.

وفي بداية المؤتمر الصحفي تحدث المحامي حسين أبو حسين، عضو الهيئة الادارية للمؤسسة العربية، والذي قدم خلال كلمته مداخلة عن هدم البيوت العربية وتعامل الشرطة مع المواطنين العرب في حالات سابقة. وأكد المحامي أبو حسين ان نتائج التقرير الذي نشرته المؤسسة العربية تؤكد ان الشرطة الإسرائيلية ليس فقط لم تتبنى توصيات لجنة أور وانما عملت وتعمل بالتناقض التام معها.



وقال ان أحداث البعنة، وكما يثبت التقرير، كانت أكبر من عملية هدم للبيوت العربية، حيث شكلت رسالة سياسية من قبل الدول للمواطنين العرب، عبر قوات الشرطة، انها تعتبر المواطنين العرب "أعداء" وتتعامل معهم من هذا المنطلق.



ثم تحدث السيد محمد زيدان، مدير المؤسسة العربية، والذي استعرض خلال المؤتمر الصحفي "تقرير أحداث البعنة"، والذي حمل عنوان "دعهم يختنقون" – إشارة الى ما قاله الضابط المسؤول لاحد مربيات روضة الاطفال التي تعرضت لالقاء القنابل المسيلة للدموع، حين طلبت منه نقل الطلاب من الروضة الى مكان آمن، لكنه رفض ذلك رغم اصابة الاطفال في حالة اختناق بسبب الغاز.



وتناولت كلمة السيد محمد زيدان خمسة محاور رئيسية تناولها التقرير. حيث تناول في القسم الأول تعامل الشرطة مع المواطنين العرب وسياستها العامة في هذا الخصوص، ثم تطرق الى ممارسات واعتداءات الشرطة على أهالي البعنة وعملية هدم البيوت. وفي المحور الثالث تناول تصرفات الشرطة وعنفها ضد الأهالي داخل المنطقة التي أعلنتها ك"منطقة محظورة"، والقاء الغاز المسيل للدموع داخل البيوت والاعتداء على الآباء والأمهات داخل بيوتهم وأمام أعين اطفالهم، مشيرا الى الابعاد النفسية على مثل هذه الاعمال الوحشية على الاطفال.



كما تطرق مدير المؤسسة العربية الى اعتداءات الشرطة على حضانة الأطفال وعدم اكتراث الشرطة في حالات الاختناق التي اصابت الاطفال والمربيات وعدم السماح بنقل الاطفال الى ماكن آمن. ثم تناول مسالة الاعتداء على منتخبي الجمهور من رئيس واعضاء السلطة المحلية في البعنة، وعلى كل من حاول تهدئة الأوضاع.



كما تخلل المؤتمر الصحفي الاستماع الى افادات شهود عيان، حيث تحدثت السيدة ازدهار تيتي التي تعرضت لاعتداءات الشرطة، ثم تحدث السيد أحمد قاسم بكري، عضو البلدية السابق، وروى ما تعرض له من اعتداء من قبل الشرطة.



وفي ختام المؤتمر الصحفي تم القيام بجولة ميدانية الى موقع الأحداث في البعنة حيث تحدث السيد أحمد دباح رئيس مجلس الشاغور مستعرضا قضية الأرض والمسكن. ثم استمع الجمهور الى شرح من قبل مدير المؤسسة العربية حول عملية الهدم وما رافقها من اعتداءات وحشية من قبل الشرطة


______________________________________
مواضيع متصلة:


النائب عزمي بشارة: الحكومة لا تريد حل مسألة البيوت المهددة بالهدم الا بلغة البلدوزر


اجتماع لجنة المتابعة باعقاب هدم البيوت في البعنة






 


تقرير المؤسسة العربية عن هدم البيوت في البعنة "دعوهم يختنقون" قال الشرطي عن أطفال


الروضة في البعنة


 


يعالج هذا التقرير تفاصيل ممارسات الشرطة خلال قيامها بهدم البيوت العربية في قرية البعنة في الجليل الأعلى في 25 شباط, 2004.


ترى المؤسسة العربية لحقوق الإنسان (فيما يلي: "المؤسسة العربية" أو "المؤسسة") أن هدم البيوت تشكل سياسة حكومية موجهه بمجملها تقريباً ضد المواطنين الفلسطينيين في البلاد, الذين حُرموا من الأراضي المخصصة للبناء من جهة, ويواجهون مصاعب وعوائق صارمة وغير عادلة من أجل الحصول على رخص للبناء في الأراضي التي يملكونها من جهة أخرى.


تندد المؤسسة العربية بشدة تلك السياسة الرسمية المنظمة ضد الأقلية الفلسطينية, التي تشكل حوالي 20 بالمائة من مواطني الدولة, والتي تحرمهم حقهم الإنساني الأساسي بمسكن لائق وحقهم بالتمتع بممتلكاتهم الخاصة. وبشكل خاص تستنكر المؤسسة الطريقة التي يتم فيها تنفيذ أوامر الهدم هذه.


لا يهدف هذا التقرير إلى معالجة عدالة مطالب أصحاب البيوت الخمسة في البعنة الذين فقدوا منازلهم, بل إلى توجيه الضوء إلى إستمرار المعاملة العنيفة التي يلاقيها أبناء الأقلية الفلسطينية من قبل أجهزة الأمن الرسمية. ويقع أحد خطوط المواجهة بين الشرطة والأقلية الفلسطينية في قضية تنفيذ أوامر هدم البيوت, حيث يتضح من الشهادات التي يحتويها هذا التقرير أن الشرطة لا زالت تتعامل مع المواطنين الفلسطينيين كأعداء, يمكن التعامل معهم فقط من خلال إستعمال العنف المفرط.


إن ما يجعل الحقائق التي يكشفها هذا التقرير خطيرة جداً هي على ما يبدو عدم تذويت الشرطة لدروس أحداث أكتوبر من العام 2000, عندما قتلت الشرطة بالرصاص الحي 13 مواطناً عربياً خلال التظاهرات التي جرت حينها, حيث إستمعت لجنة أور التي أقيمت للتحقيق فيها, لشهادات ودلائل على إستعمال الشرطة وسائل وقدرة قاتلة في مواجهة مظاهرات لم تهدد سلامتهم. وقد وعدت قيادة الشرطة حينها بتغيير ثقافة عمل الشرطة التي تجذرت فيها رؤية المواطنين الفلسطينيين كأعداء.


وقد عادت هذه المشاكل للواجهة الإعلامية العام الماضي حين أعلنت لجنة أور توصياتها. حيث أكد القاضي أور: "على الشرطة أن تدرك أن الوسط العربي في إسرائيل ليس عدواً ولا يجب التعامل معه بهذا الشكل". كما أشار إلى أن على الشرطة "أن ترفع من مستوى الحوار بين قياداتها وقيادات الجماهير العربية", وأكد على "أهمية ترسيخ الوعي لدى كافة المستويات في الشرطة إلى الحاجة لمعالجة هادئة ومعتدلة في كل ما يتعلق الوسط العربي, بالإضافة إلى الحاجة لإقتلاع النظرة غير الموضوعية ضد الوسط العربي والتي ظهرت واضحة لدى ضباط شرطة مجربين ومحترمين".


وأكد القاضي أور تخوفه من حقيقة "أن ثقافة إستخلاص العبر والإستفادة من أحداث أكتوبر 2000 لم تتجذر عميقاً لدى الشرطة". أن وسائل عمل الشرطة في البعنة وممارساتها تؤكد هذا الأمر؛ بل وتشير حتى إلى عدم وجود مثل هذه الثقافة أبداً. فكل الأخطاء الناجمة عن مبالغة الشرطة بردودها ضد المتظاهرين في أكتوبر 2000, تمت إعادتها في البعنة.


وفق الشهادات التي جمعتها المؤسسة, فقد بقيت الشرطة في القرية حوالي ساعتين ونصف إضافيات بعد إتمام عمليه الهدم, وإستمرت بمهاجمة المواطنين. وهنا يجب التوقف وتفحص الحاجة لبقاء الشرطة بشكل مثير بعد إتمام عملها!!


يبدو أن دعوة القاضي أور إلى تشجيع الحوار بين الشرطة والقيادات العربية لم تُسمع, بل وتم حتى تجاهلها. حيث تعرض وفد من مندوبين من المجلس البلدي, بينهم رئيس البلديه, إلى الرش بالمياه الصفراء التي تُستعمل للسيطرة على المتظاهرين, وذلك عندما حاولوا التوجه لقيادة الشرطة بهدف تخفيف التوتر وتهدئة الأوضاع. وعلى الأقل تعرض إثنان من أعضاء هذا الوفد للضرب المبرح من الشرطة دون أي مبرر يذكر!!


ولم تكن هذه الإعتداءات بسيطة. حيث احتاج صلاح محمد صالح الذباح (عضو في وفد المجلس البلدي) إلى عملية جراحية في رأسه بعد أن تعرض لضربة قوية وجهها له شرطي؛ أما أحمد قاسم بكري (عضو آخر في الوفد) فقد هاجمه أربعة رجال شرطة وقاموا بضربة بالهراوات وأعقاب البنادق وأقدامهم. وقد أكد التقرير الطبي أنه يعاني, نتيجة لذلك, من نزيف داخلي في العين, وكسر في الأنف وكسر في الجهة اليمنى من الوجه, إضافة إلى أنه إحتاج لسبع قطب في حاجبه الأيسر الذي جرح نتيجة الضرب, إضافة إلى وجود كدمات واضحة في عدة أجزاء من جسمه.


من المهم أيضاً ذكره, أن إعلان جزء من القرية "منطقة محظورة" قد أعطى ضباط الشرطة التبرير لإستعمال العنف والقوة ضد كل من تواجد في هذه المنطقة, بغض النظر عن أي إعتبار لسبب وجوده هناك. وتصف لطيفة وعلياء تيتي كيف دخلت الشرطة إلى بيتهم – والذي يقع داخل المنطقة المحظورة ولم تكن له أي علاقة بالهدم – وقاموا بالإعتداء على الرجال والنساء فيه؛ وقد تم الإعتداء العنيف على العائلة أمام أطفال العائلة, من بينهم طفل عمره أسبوعين. وقد أطلقت الشرطة عدة قنابل من الغاز المسيل للدموع إلى البيت دون أي إعتبار لتأثير الغاز, الذي يمكن أن يكون قاتلاً لأطفال صغار في مكان مغلق[1]. وهناك أدلة تشير إلى وقوع حالات هلع شديد لدى الأطفال الذين شهدوا هذا العنف غير المبرر.


تشير الشهادات التي جمعها الباحثون الميدانيون في المؤسسة خلال الأسبوع الذي تلى الهدم إلى أن الشرطة حاصرت حضانة للأطفال وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع في المنطقة, وقد تعرض مجموعة من الأطفال للهلع الشديد ومشاكل بالتنفس, نتيجة للكميات الكبيرة من قنابل الغاز التي أطلقت قرب الحضانة. وحين حاولت فاطمة صالح بكري, مديرة الحضانة, التحدث مع الشرطة لإخبارهم باختناق الأطفال داخل الحضانة, كان جواب أحد الشرطيين لها: "دعهم يختنقون"! وعندما استمرت في محاولاتها لإقناع الشرطة, صوب أحد رجال الشرطة بندقيتة إلى وجهها مباشرة!


وكباقي شهود العيان, قالت فاطمة بكري أنها تعرضت للشتائم والإهانات اللفظية التي وجهتها الشرطة, حيث قال لها أحد رجال الشرطة: "يا مخربون, سوف نهدم لكل كل بيوتكم". أن العنصرية الرسمية للشرطة تجاه المواطنين العرب الفلسطينيين – والتي أشار القاضي أور على وجودها لدى غالبية قيادة الشرطة – لا زالت سائدة إلى اليوم.


 


إن طبيعة العملية, إضافة إلى إعلان "المنطقة المحظورة", تشير بوضوح إلى تخطيط محكم ومسبق ومقر بأعلى المستويات القيادية؛ ويؤكد أن التوجه العدائي للشرطة الإسرائيلية تجاه الأقلية الفلسطينية ليس وليد تصرف فردي أو محض صدفة بل هو نتيجة لسياسة مؤسسة واضحة. والكثير من الشهادات تتطرق إلى الشرطة "كجنود" أو "قوات عسكرية", الأمر الذي يظهر نظرتهم لطريقة تطبيق القانون المحلي عندما يتعلق الأمر بمجتمعهم. فالشرطة التي دخلت القرية هي, دون مبالغة, قوات عسكرية يتم إستدعاءها من قوات حرس الحدود التي تعمل بطرق عسكرية في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.


تشير شهادات أهل البعنة إلى أن تخطيط عملية الهدم لم يكن بهدف هدم البيوت فحسب, بل لزرع الخوف لدى أهل القرية. وتؤمن المؤسسة العربية أن أحداث البعنة تشكل جزءاً من التطورات المقلقة في السياسة الإسرائيلية, التي تبغي التهميش والتجريم الجماعي للأقلية الفلسطينية داخل إسرائيل. أن ازدياد أعمال الهدم والطريقة التي يتم تنفيذها تعزز بصورة واضحة تخوفات المواطن الفلسطيني داخل إسرائيل من النظر إليه كخطر ديمغرافي غير مرغوب به يهدد الصبغة اليهودية للدولة.


على ضوء الأحداث التي جرت في البعنة, فأنه من المؤكد أن توصيات لجنة أور لم تُطبق فحسب, بل تم التعامل بعكسها. إن الأحداث الأخيرة التي نشهدها تذكرنا بالأشهر الأولى التي سبقت أكتوبر 2000 والتي أدت إلى الأحداث الدموية, حيث إستعملت الشرطة حينها العنف المكثف وغير المبرر أثناء تنفيذ أعمال هدم البيوت في الجليل, الأمر الذي أدى إلى زيادة حدة التوتر بين المواطنين العرب والشرطة. ولذلك تطالب المؤسسة العربية بتحقيق فوري وعميق بأحداث البعنة.








[1] تجدر الإشارة إلى أن بعض قنابل الغاز التي جمعتها المؤسسة من موقع الأحداث بنفس اليوم كانت أمريكية الصنع.


 


 


تسلسل الأحداث



هدمت دائرة أراضي إسرائيل يوم الأربعاء الموافق 25 شباط, 2004 خمسة منازل في قرية البعنة في الجليل الأعلى[1], يقع الواحد منها بجانب الآخر على مساحة 10 دونمات تقريباً: المنزل الأول يتبع للسيد يوسف جمال شوباش تيتي؛ ويسكن فيه, هو وزوجته, منذ نصف سنه تقريباً[2]. المنزل الثاني – موجود في نفس المبنى الذي يقع فيه منزل يوسف ومتاخم له – يتبع للسيد عرفات جمال شوباش تيتي؛ وكان, هو وزوجته, على وشك السكن فيه في خلال فتره قصيرة. المنزل الثالث يتبع للسيد زهير محمد شوباش تيتي؛ وهو ما زال في مراحل البناء الأولية. المنزل الرابع يتبع للسيد عادل جميل شوباش تيتي؛ وهو أيضاً ما زال في مراحل البناء الأولية. المنزل الخامس يتبع للسيد إحسان شوباش تيتي؛ وقد صل إلى مراحل البناء ما قبل النهائية.


ويروي يوسف[3], أن هذه الأرض تتبع لأبيه وأعمامه منذ الحكم التركي في البلاد. وأضاف أنه كان تقدم بطلب للحصول على ترخيص للبدء في بناء منزله على الأرض, إلا أن جواب لجنة التخطيط والبناء كان الرفض القاطع. ورغم محاولات عديدة ومتكررة من قبل رئيسي المجلس, السابق والحالي, لإصدار رخصة بناء, لم يكن هنالك أي تقدم يُذكر؛ بل على العكس, فقد رفضت المحكمة المركزية في حيفا – والإستئناف على قرار المحكمة المركزية إلى المحكمة العليا قد رفض أيضاً – طلبه بإصدار رخصه بناء؛ ولذلك, عندما لم تكن أمامه وسيلة أخرى, إضطر إلى بناء منزله بدون الحصول على رخصة بناء.


من الشهادات التي جمعتها المؤسسة من أشخاص تواجدوا في المكان وشاهدوا ما حدث, تتضح الوقائع التالية بخصوص كيفية تنفيذ عملية الهدم:


عملية الهدم بدأت في ساعات الصباح الباكر (7:00), بمساعدة شرطة إسرائيل (لواء الشمال), وإستغرقت حوالي الثماني ساعات. بدأت الشرطة في تركيز قواتها في مدخل قرية البعنة– ديرالأسد, على الشارع الرئيسي الذي يربط عكا بصفد. كانت القوات تتألف من حرس الحدود, الوحدات الخاصة, المعدات الثقيلة, العتاد, الخيول والجرافات. الشرطة أغلقت المنطقة ومنعت الناس الخروج من القرية أو الدخول إليها.


يتضح من الشهادات ومن سير العملية – كما من عدد القوات الهائل, نوع العتاد والسلاح, سير العملية وتنفيذها, كيفية توزيع القوات وتوزيع العمل فيما بينها – أنه تم التحضير والتخطيط لها بشكل مدروس ودقيق. قبل البدء في تنفيذ العملية, لم تُنذر دائرة أراضي إسرائيل أو الشرطة أياً من أصحاب المنازل عن نيتها بتنفيذها[4], كي تفسح أمامهم الفرصة ليحاولوا إيقاف الهدم بالأساليب القانونية المتاحة لهم ولإخراج الأغراض الموجودة به للحؤول دون إلحاق الأضرار بها.


التواجد غير العادي لهذه القوات, وعددها الهائل, أثار الشك لدى أهالي القرية, فأُعلن في الجامع عن تواجدها هذا, وطُلب من أهالي القرية التوجه في الحال إلى موقع المنازل؛ فلبى أهالي القرية النداء وهرعوا إلى المكان.


بعد تركيز القوات في مدخل القرية, بدأت بالتوجه نحو منازل عائله تيتي. أثناء تقدمها, كانت القوات تُطلق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت في كل جهة, الأمر الذي أدى إلى مضايقات للكثير من المواطنين الذين عانوا من ضيق نفس ونوبات هلع؛ ومن كثرة إستعمال هذه القنابل, أصبحت الرؤية صعبه جدا. كانوا أيضاً يرشون, على كل من تواجد في المكان, مياهاً صفراء اللون وبضغط شديد, لإبعادهم عن المكان.


وقد أدى مشهد قوات الشرطة وحرس الحدود المتوجهين إلى منازل عائلة تيتي إلى إثاره مشاعر المواطنين المتجمهرين, والتي تحولت في بعض الأحيان إلى مواجهه مباشره مع قوات الشرطة. على سبيل المثال, فقد تم رمي سياره ضخ المياه بالحجارة.


إستمرت القوات في التوجه نحو موقع منازل عائله تيتي؛ وعندما وصلت إلى الموقع, قامت بإغلاق كل الطرق والشوارع المؤدية إلى موقع المنازل على بعد 100 متر تقريباً, وحظرت الدخول إلى هذه المنطقة (فيما يلي: "المنطقة المحظورة"). بعد ذلك, قامت بطرد كل من تواجد في المنازل المنوي هدمها, ومن ثم بهدم المنازل.


قوات الشرطة قامت أيضاً بقلع أشجار كانت مزروعة في الأرض, وبتدمير أحجار رخام كانت موجودة هناك والتي تقدر قيمتها بما يزيد عن مائة ألف شاقل.


من الشهادات التي جمعتها المؤسسة يتضح, أنه قبل تنفيذ عملية الهدم, أثناءها وما بعدها, إستعملت قوات الشرطة, بدون أن تتعرض لأي خطر يُذكر, العنف الجسدي المفرط تجاه الناس الذين تواجدوا في المنطقة المحظورة, وسببت لهم أضراراً جسدية ونفسية, إحتاج بعضهم على إثرها إلى العلاج الطبي, وبعض هؤلاء الأشخاص ما زالوا يخضعون للعلاج حتى اليوم. بالإضافة إلى ذلك, إستعملت العنف الكلامي تجاههم, إذ كانوا يشتمون ويستعملون الألفاظ البذيئة, الأمر الذي يشير إلى أن الثقافة العنصرية المؤسسة لا زالت سائدة لدى دوائر الشرطة المختلفة. إضافة إلى كل ذلك, إستعملت القوات العنف تجاه الممتلكات وأحدثت فيها أضراراً. وكل ذلك, دون أن يكون أي مبرر لهذه التصرفات والإعتداءات.


بعد تنفيذ عمليه الهدم, لم تترك قوات الشرطة المكان, بل بقيت هناك حوالي ساعتين ونصف إضافيات, وأثناء ذلك إستمرت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وبرش الناس بالمياه الصفراء بضغط شديد. من الشهادات الواردة في هذا التقرير لا يتضح وجود أي سبب كافي لتفسير بقائهم في المنطقة كل ذلك الوقت بعد إتمام عملية الهدم.


يتضح من إحدى الشهادات, أن قوات الشرطة أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت إلى أحد المنازل التي هُدمت, ومن ثم دخلت إليه, وبدون أي إنذار سابق وبدون أن تطلب من المتواجدين في المنزل – من رجال ونساء – الخروج منه, بدأت بالإعتداء عليهم بالضرب المبرح, بواسطة قبضات أياديهم وأرجلهم والهراوات التي بحوزتهم؛ ولم تسلم حتى النساء من هذه الإعتداءات. بعد ذلك, طردتهم من المنزل وأخرجت الأغراض منه, ثم هدمته.


في منزل آخر, الذي يقع داخل المنطقة المحظورة ولا علاقة له بالمنازل التي هُدمت, وبدون أي مبرر, دخلت القوات إليه وإعتدت بوحشية على المتواجدين فيه – من رجال ونساء – بالضرب المبرح؛ وذلك, دون أن يكون لهم أية علاقة بما يجري في الخارج.


في مبنى يبعد 100 متراً تقريباً عن موقع المنازل التي هُدمت, تقع حضانة أطفال تضم 103 أطفال. نتيجة إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بكثرة في المنطقة, تسرب الغاز إلى الحضانة, ونتيجة ذلك تسببت في إفزاع الأطفال وكادت تتسبب بإختناقهم, إحتاج بعضهم إلى علاج طبي جراء الشعور بضيق النفس, غير أن قوات ألشرطة منعت سيارات الإسعاف من القدوم لإسعافهم.


يتضح من الشهادات أيضاً, أن قوات الشرطة ألحقت الأضرار بالسيارات التي كانت تقف بجانب الشارع المؤدي إلى موقع المنازل, مثل تكسير زجاج الشبابيك وحتى "إلقاء" السيارات التي كانت في الطريق إلى الجانب, بدون مطالبة أصحاب هذه السيارات بإبعادها حتى لا تتضرر.


إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع طال أيضاً مبنى المجلس البلدي, المحاذي للمنطقة المحظورة. جراء ذلك, وجراء ممارسات الشرطة تجاه أهالي القرية والأشخاص الذين تواجدوا في المكان, حاول رئيس البلدية, السيد أحمد صالح الذباح, وبعض الشخصيات التي رافقته, التحدث مع الضباط المسؤولين في محاولة منهم لتهدئة الوضع والحد من تدهوره. فكان رد أفراد الشرطة رشهم بالمياه الصفراء والإعتداء عليهم بوحشية وضربهم ضرباً مبرحاً.


في الفصل التالي, تعرض المؤسسة العربية ثماني شهادات جمعها الباحثون الميدانيون فيها, تصف بشكل تفصيلي ممارسات أفراد الشرطة تجاه الأشخاص الذين مكثوا في المكان, قبل تنفيذ عملية هدم المنازل, أثنائها وما بعدها. هذه الشهادات جمعتها المؤسسة خلال الأسبوع الأول بعد تنفيذ عمليه الهدم, وجُمعت من شهود هذه الممارسات ومتضرريها. أن المؤسسة تدرك وجود ضحايا آخرين أثناء الأحداث, ولكن كبر العملية وتعدد الحالات أدى لعدم تمكنها من عرضها جميعاً؛ مع ذلك, الشهادات التي وُردت في هذا التقرير كافية لإعطاء صورة واضحة إزاء تصرف الشرطة وممارساتها.








[1] عن اسباب هدم المنازل, أنظروا: بيان الناطقة بلسان دائرة أراضي اسرائيل من بتاريخ 25 شباط, 2004 في ملحق (أ)



[2] نورة محمد شوباش تيتي, زوجه يوسف, تصف الأوضاع التي عاشتها هي وزوجها قبل بناء المنزل, تقول:


" تزوجت إبن عمي يوسف منذ 15 عاماً. نعيش في غرفة في منزل أهلي، بدون حمامات او مطبخ، نأكل ونستحم ونعمل كل شيء عندهم. لم ألد أطفالاً حتى الآن لأننا لا نريد أن نكون عائلة ونحن نعيش في هذه الظروف، بل نريد أن نعيش في منزل خاص بنا. بدأنا ببناء المنزل بصعوبة، وحتى الآن ما زلنا نسدد دفعات البناء (للمقاولين، والعمال، وأصحاب المصالح الذين اشترينا منهم مواد البناء) مع أن المنزل هُدم. لقد بعثوا لنا عدة إشعارات بهدم المنزل (قبل أن نسكن فيه وبعد أن سكنا). قبل عملية الهدم بيوم, أتى إلينا شرطي من مركز الشرطة في كرمئيل، وطلب ان يتحدث مع زوجي يوسف وقال له أنهم لا يريدون أن يهدموا المنزل ويريدون ان يحافظوا على علاقة جيرة حسنة، لذلك طلب منه أن يذهب الى محام ويمنع هدم المنزل".


بعد هدم المنزل, رجعت نورة ويوسف للسكن في بيت أهلها ثانيةً بنفس الأوضاع التي عاشاها قبل بناء المنزل.



[3] في مكالمة هاتفية بينه وبين أحد الباحثين الميدانيين في المؤسسة من تاريخ 5 آذار, 2004.



[4] على الرغم من إستلام نورا ويوسف عدة إشعارات عن نية دائرة أراضي إسرائيل هدم بيتهم, إلا أنهم لم يستلموا أي إشعار يفيد بتاريخ أو توقيت الهدم, بل على العكس من ذلك فقد تلقوا تطمينات من مركز شرطه كرميئيل بأن الهدم ليس محتما وأنه بالإمكان إيجاد مخرج للموضوع. أنظروا: هامش رقم (3) أعلاه.



 


 


شهادات :



شهادة إبراهيم شوباش تيتي, 77 عاماً, البعنة


في يوم الأربعاء 25 شباط, 2002, إستيقظت على رنين الهاتف, فإذا بإبني شوباش يخبرني أن هنالك قوات شرطة كبيرة متمركزة في مدخل القرية, هو يشك أنها ستتوجه إلى منازل أبناء أخوي لهدمها. إرتديت ثيابي بسرعة وتوجهت نحو المنازل المعده للهدم, ورأيت من هناك قوات الشرطة تدخل القرية, كما ورأيت الغاز المسيل للدموع يتصاعد في الهواء ومضخات ماء تضخ ماء أصفر اللون بضغط شديد.


توجهت بإتجاه القوات, فإلتقينا في منطقة الدوار, وكان أفراد الشرطة ما زالوا يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع. توجهت إلى الضابط المسؤول وقلت له: "سيدي الضابط, نحن لسنا في حرب ولا يوجد أمامكم جيش, هنالك فقط أطفال ونساء. الرجاء تهدئة الوضع وأنا سأهتم بأن أصرف جميع الشبان".


فجأة, رأيت إبني شوباش في سيارة شرطة وبعض أفراد الشرطة ينهالون عليه بالضرب المبرح. سألتهم لماذا تضربونه وماذا فعل كي يستحق ذلك, فأجابني الضابط: "إنصرف". قلت له: "أنا لم أقل أية كلمة سيئة", فأجابني ثانية: "قلت لك إنصرف". عندما إستدرت, قام بضربي بالهراوة على مؤخرة رأسي. بعد ذلك, توجهت إلى منزل أبنائي, فرأيت الجنود ينقلون حاوية المحروقات التابعة لنا إلى الرصيف ويملأون منها الجرافات التي أحضروها لهدم المنازل. بعد ذلك, بدأوا بهدم المنازل.


هدموا أيضا حظيرة حيوانات كانت تحوي بقرة و-3 غنمات. بعد ذلك, بدأوا بتكسير وتخريب وتدمير أحجار الرخام والجرانيت التي نستعملها في عملنا, وتُقدر قيمتها بما يزيد عن مائة ألف شاقل, لتصبح غير قابلة للإستعمال. بالإضافة إلى هذا, قلعوا أشجار – زيتون, خوخ, توت – كانت مزروعة بجانب المنازل.


شهادة أحمد قاسم بكري, 52 عاماً, البعنة


في يوم الأربعاء 25 شباط, 2002, كنت في قرية البعنة, وسمعت أن الشرطة قدمت إلى القرية كي تقوم بتنفيذ عملية هدم منازل تتبع لعائلة تيتي. توجهت إلى مكان المنزل. أوقفت سيارتي بعيداً وتوجهت مشياً على القدمين. وصلت إلى مكان المنزل, فرأيت جرافات تهدم المنازل وتقتلع أشجار الزيتون.


بعد ذلك قررت التوجه إلى بناية المجلس البلدي كي أرى ما يمكن عمله، إذ إنني كنت سابقا عضواً فيه. وصلت بناية المجلس, بعد أن سلكت طرقاً عديدة كي أتفادى الصدام مع الشرطة. عندما وصلت البناية, رأيت أناسا كثيرين متجمهرين داخلها وخارجها. دخلت إلى البناية لأرى رئيس البلدية، إلا أن الناس تهافتوا وتدافعوا بجنون بسبب قنابل الغاز المسيل للدموع التي أُطلقت عليهم من قبل رجال الشرطة في الخارج. لقد كاد الإكتظاظ يخنقهم.


عندما رأيت رئيس البلدية, قلت له: "كيف يسمحون لأنفسهم أن يعتدوا على المجلس مع أنه يُعتبر مؤسسة حكومية, وأن يعتدوا أيضا على الناس. أطلب منك التوجه إلى ضباط الشرطة المسؤولين ومطالبتهم بالتراجع وتهدئة الوضع". رئيس البلدية وافقني الرأي, فخرجنا معاً إلى الخارج, بمرافقة بعض الأشخاص.


بعد ان سرنا أمتاراً عده, واجهتنا سيارة شرطة كبيرة كانت ترش كل من تواجد في المكان بمياه صفراء اللون بضغط شديد. السيارة قامت أيضا برشنا نحن. رئيس البلدية أشار لأفراد الشرطة طالباً منهم أن يتوقفوا عن رش المياه، ففعلوا وتراجعت السيارة إلى الخلف. اقتربنا أكثر من رجال الشرطة وبدأ كل واحد منا بمخاطبة أحد الضباط الموجودين. أنا بدوري طلبت من أحد أفراد الشرطة أن يتراجع هو وزملاؤه إلى الخلف والتوقف عن إطلاق الغاز المسيل للدموع لأنه مؤذٍ, وتعهدت أن نكبح تقدم شبان القرية وأن نرجعهم إلى الخلف ونحافظ على النظام. لكن الشرطي لم يستجب لطلبي, بل دفعني إلى وسط عدد كبير من أفراد الشرطة وقال لهم: "إعتقلوه", فهجم علي أكثر من 4 أفراد منهم وإنهالوا علي بالضرب بالهراوات وأعقاب بندقياتهم وأقدامهم. إنهالوا علي بالضرب في كل أنحاء جسدي دون تمييز. في تلك اللحظة أحسست بالغثيان وكنت قريبًا من فقدان وعيي.


بعد ذلك, قاموا بنقلي في سيارة شرطة إلى صندوق المرضى في القرية, ونقلوني من هناك إلى المستشفى. في المستشفى شُخصّت لي الضربات التالية: ضربة في الرأس من الخلف؛ ضربة في الحاجب الأيسر (قطبت ب-7 قطب)؛ نزيف دم داخلي في العين؛ ضربة أسفل العين اليمينية مباشرة, مع أورام ونزيف؛ ضربة قوية في الوجه من الجهة اليمينية (يوجد هناك شكوك بوجود كسر)؛ كسر في عظمة الأنف؛ ضربات عامة في أنحاء جسدي كافةً, بما في ذلك: الأصابع, اليدين, الرجلين والفخذين؛ ضربات في البطن والظهر, مع كدمات واضحة؛ كسر في الضلع في الجهة اليسرى الخلفية.


شهادة صلاح محمد صالح الذباح, 50 عاماً, دير الأسد


في يوم الأربعاء 25 شباط, 2002, كنت في طريقي إلى كرميئيل. في مدخل قرية البعنة لاحظت تجمهراً كبيراً لقوات شرطة وأشخاصاً من القرية. سألت ماذا يحدث فأُجبت أنها عملية هدم منازل في القرية. عندها قررت, بحكم قرابتي لرئيس البلدية (ابن عمي)، إستيضاح الأمر مع الرئيس وبحث إمكانية ما يمكن عمله. توجهت مشياً على القدمين بإتجاه المجلس, فرأيت أناساً متجمهرين خارج المبنى وداخله. دخلت إلى المبنى وتحدثت, أنا وأشخاص آخرين كانوا موجودين هناك, مع رئيس البلدية, وفي النهاية قررنا الخروج ومحاولة تهدئة الوضع للحد من تدهوره إلى الأسوأ.


خرجنا أنا ورئيس البلدية, وبرفقتنا أحمد قاسم بكري وعمر قاسم وإبراهيم خطيب، وتوجهنا إلى مكان تواجد الشرطة. أفراد الشرطة كانوا يطلقون قنابل الغاز المسيل للدموع في كل الإتجاهات. بعد ان سرنا مسافة عشرة أمتار, قامت سيارة شرطة برشنا بمياه صفراء اللون وبضغط شديد. بالرغم من ذلك, إستمررنا في السير بإتجاه الشرطة.


رئيس البلدية أشار بيديه لأفراد الشرطة، طالباً منهم أن يتوقفوا عن رش المياه وإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع, فإستجابوا لطلبه. تقدمنا نحوهم. بعد أن وصلنا, توجه رئيس البلدية إلى رئيس الوحدة وطلب منه تهدئة الأمور وإيقاف إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع، وعدم الدخول والتوغل في شوارع القرية. لكن الشرطة, بدل تلبية طلبه, تعاملت بالعنف مع الأشخاص الذين تواجدوا في المكان, مثل أحمد بكري وعمر قاسم. نتيجة ذلك, إحتد الوضع وتعكرت الأجواء, فأطلق رجال الشرطة قنبلة غاز مسيلة للدموع، ونتيجة ذلك حاول أحد شبان القرية الهجوم على أحد أفراد الشرطة، لكني منعته وحاولت تهدئته لمنع الإحتكاك وتدهور الأمور.


فجأة, شعرت بضربة قوية على رأسي من الأمام وبضربة أخرى من الخلف, فسقطت على الأرض وإذ بأفراد الشرطة يبدأون بركلي بالأقدام. بعد فترة قصيرة نهضت من على الأرض وحاولت الإبتعاد عن مكان تواجد الشرطة, فسرت بإتجاه مبنى المجلس. أثناء سيري قامت سيارة شرطة برشي بالمياه الصفراء ثانية فوقعت على الأرض مما أدى إلى جرحي في خاصرتي اليسرى. حاولت النهوض ولكن في تلك اللحظة أُغمي علي.


إستيقظت في مركز "حياة" للعلاج المكثف في دير الأسد، حيث عالجوني علاجًا أوليًا، ثم نقلوني في سيارة إسعاف إلى مستشفى نهارية. في المستشفى إتضح أن الإعتداء علي تسبب لي بالأضرار التالية: كسور في الجزء الأمامي من جمجمة الرأس؛ كسور في أضلاع الصدر من جهة اليسار؛ ضربة في خلفية الرأس.


 


إستنتاجات


 


في عملية تم التخطيط لها بأدق التفاصيل, دخلت شرطة إسرائيل يوم 25 شباط, 2004, معززة بقوات هائلة وعتاد كبير, إلى قرية البعنة في الجليل الأعلى, بهدف هدم عدة منازل تتبع لعائله تيتي, بحجة البناء غير المرخص على أراضي الدولة. تنفيذ العملية تم بشكل فجائي وبدون إعطاء إنذار مسبق لأصحاب المنازل, كي تتسنى لهم الفرصة لإيقافها بالأساليب القانونية المتاحة لهم ولإخراج أغراضهم من المنازل حتى لا تدمر.


غير أن العملية تعدت عمليه هدم منازل, وسرعان ما تحولت إلى عملية إعتداء وإرهاب وتخويف وبث الرعب في قلوب أهالي القرية. حيث إستعملت الشرطه قوة كبيرة ضد جميع المواطنين دون تمييز, بما في ذلك إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بالقرب من المنازل والبنايات, بما في ذلك قرب إحدى الحضانات, وممارسة العنف الجسدي ضد كل من تواجد في المنطقة رجالاً ونساء, وحتى ضد مندوبين من المجلس البلدي الذين حاولوا تهدئة الأوضاع. إضافه لإستعمال العنف الكلامي والشتائم النابيه, مما يشير إلى تجذر الثقافة العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين. وتكشف الممارسات العنيفة للشرطة تصميمها وقرارها المسبق لإستعمال العنف في التعامل مع الأقليه الفلسطينيه في إسرائيل.


يتضح من الشهادات التي جمعتها المؤسسة, أن قوات الشرطة تصرفت, قبل هدم المنازل, أثناء هدمها وبعد هدمها, بعنف كبير – جسدياً وكلامياً – وإستخدمت العنف مع أهالي القرية كما مع الذين تواجدوا في المنطقة دون تمييز أو أي مبرر ودون أن تواجه أي خطر يُذكر يبرر تلك التصرفات.


كما يتضح من الشهادات, أن الشرطة إستعملت العنف ضد كل من تواجد داخل المنطقة التي تم إعلانها منطقة محظورة دون إنذار مسبق, حيث هاجمت أصحاب البيوت وكل من تواجد في المنطقة, وحتى أولئك الذين لم يشاركوا بالإحتجاج على الهدم لم يسلموا من الإعتداء. لم يتم تقديم أي دليل على أن الضحايا والجرحى شكلوا أي نوع من التهديد أو الخطر على سلامه وأمن الشرطة, بل على العكس فأن الشهادات تظهر أن الشرطة دخلت وإعتدت بالقوة على المواطنين الذين اختاروا البقاء في بيوتهم أثناء تنفيذ عمليه الهدم.


 كذلك, لم يكن هناك أي مبرر لاستعمال قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت بكثافة وفي داخل منطقة مأهوله بالسكان؛ إذ أن تأثير ذلك بدا واضحاً من الشهادات, حيث سبب ضيق النفس والغثيان لدى كل من إستنشقه. فكم بالحري, عندما يتم إستعمال مثل هذه القنابل بجانب روضه أطفال؟!


إن الإعتداء على شخصيات رسمية, مثل رئيس البلدية, وشخصيات أخرى حاولت تهدئة الوضع والحؤول دون تدهوره, إن دل على شيء فأنه يدل على أن قوات الشرطة دخلت الى القرية بقرار مُسبق لإستعمال العنف تجاه كل من وجد في المكان وتعاملت مع جميع المواطنين على أنهم أعداء وإستعملت العنف والقوة ضدهم, دون أي إهتمام بهويتهم أو بسبب تواجدهم في المنطقه.


إن الشهادات تبرهن بشكل واضح, أن الشرطة لم تستنفذ جميع الوسائل لمنع إستعمال العنف, أي لم تكن هناك محاولة لتجنب الضرب أو الإعتداء, بل إنها التجأت, على الفور, إلى إستعمال الوسائل العنفية وأساليب القمع المختلفة.


المؤسسة العربيه تنظر بخطورة إلى تصرفات قوات الشرطة وممارساتها, وترى أنها مست بالحقوق الأساسية للإنسان, مثل الحق في الحياة, الحق في الكرامة والحق في سلامة الشخصية.


بالإضافة الى هذا, تعتقد المؤسسة, أن تصرفات قوات الشرطة وممارستها تكشف عن توجه خطير في التعامل مع الأقلية الفلسطينية, وتثبت أن الشرطة لم تذوت, بعد, توصيات "لجنه أور", القاضية بتغيير جوهر نظرة وتعامل المؤسسات الرسمية في الدولة, بما في ذلك الشرطة, تجاه الأقلية العربية, على أن أفرادها مواطنون لهم حقوق أساسية ومتساوية.


وقد كشفت لجنة أور أيضاً عن وجود ثقافة عنصرية مؤسسة داخل قوات الشرطة وقالت أن ذلك ساهم أيضاً في أحداث أكتوبر 2000, التي أدت لقتل 13 مواطناً عربياً بأيدي الشرطة. كما أشارت عدة مؤسسات حقوقية دولية في تلك الفترة إلى حقيقة توجه الشرطة للعرب الفلسطينيين داخل إسرائيل "كأعداء" وليس كمواطنين. وتظهر أحداث البعنة أن قيادة الشرطة لم تقم بأي فعل لتغيير هذه النظرة على الرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على ذلك. إضافه لذلك فأن حقيقة التخطيط لهذه العملية من قبل قيادة عليا للشرطة تشير إلى أن تلك الثقافة العنصرية قد تجذرت أيضاً لديها.


لذلك, توصي المؤسسة العربية بفتح تحقيق بخصوص تصرفات الشرطة وممارساتها أثناء تنفيذ عملية الهدم, وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة ومعاقبتهم. كذلك, توصي بتعويض كل من تضرر من جراء هذه الممارسات.


أِضافهً لهذا, فان ألمؤسسة ترى أنه على الجهات المسؤولة إستخلاص العبر من هذا الحدث, وتبني توصيات "لجنة أور" بالكامل وتنفيذها في الحال.


 

التعليقات