ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 17 )د.مصطفى كبها

-

ثورة 1936 -1939 والذاكرة الشعبية الفلسطينية (الحلقة 17 )د.مصطفى كبها
بعد أن كنا قد تطرقنا في الحلقة السابقة إلى التقسيم المنطقي لفصائل الثورة، سنتعرض في هذه الحلقة إلى التنظيمات العليا التي أدارت عمل هذه الفصائل وحددت، إلى حد ما، مسار العمل الثوري. ولكن علينا أن نؤكد، منذ البداية، أن العديد من الفصائل عملت بشكل مستقل، وبعضها من شق عصا الطاعة على لجنة الجهاد وخالف أوامرها، خاصة فيما يتعلق بقضية التصفيات الجسدية التي ذهب ضحيتها، في هذه المرحلة، بعض الأبرياء.

وقد انعكست هذه الممارسات، فيما بعد، سلبياً على الثورة وكانت من أقوى الأسباب لقيام الثورة المضادة أو ما عرف ب"فصائل السلام " التي تعاونت مع البريطانيين، في المراحل الأخيرة من الثورة، على قمعها. علماً من أن كثيراً من منفذي أعمال التصفيات كانوا من المندسين في صفوف الثورة ولعل أشهرهم، في هذا المجال كان اليهودي من أصل يمني سالم دهاري والذي عرف في أوساط الثوار بإسم الحاج" محمد مسلم الحجازي " والذي رافق القائدين يوسف أبو درة وعارف عبد الرازق وكان عرّاباً للإعدامات في منطقيتهما. وفي الروايات الشفوية عن الثورة في هذه المناطق ، نجد مرويات تشبه الأساطير عن هذه الشخصية.

وفي مقابلة أجريناها مع ابنته التي كانت تعيش في نهاية التسعينيات في منطقة المركز روت لنا أن أباها جاء من اليمن، هو ومجموعة من الصبية، عشية الحرب العالمية الأولى وهو طفل في الرابعة من عمره وبسبب ظروف الحرب اضطر الأطفال ومرافقوهم إلى البقاء في مصر طيلة فترة الحرب وهناك تعرف على عائلة عربية من أصل تولت تربيته وتعليمه قواعد الدين الاسلامي واللهجة الحجازية. وقد هاجر إلى البلاد في منتصف العشرينيات وانضم إلى صفوف الهاجاناة عاملاً في القسم العربي وعند اندلاع الثورة انضم لها، كما يبدو كمستعرب، حسب هويته الحجازية. علماً بأن أياً من المصادر العبرية التي تحدثت عن موضوع المستعربين لم يذكره بين المستعربين. أما يهوشع بورات، في كتابه عن تطور الحركة الوطنية الفلسطينية ، فقد ذكره مرة واحدة باسمه العربي وبشكل عابر .
رغماً عن بعض التجاوزات التي ذكرتها أعلاه، إلا أن لجنة الجهاد بالتعاون مع القيادة السياسية العليا، ممثلة بالمفتي، وبعض قادة المناطق الكبار نجحت بفرض نظام غلب عليه الإنضباط سيطر من خلاله على سير الأمور العامة في المجتمع الفلسطيني، وقد كان أهم تجليات هذا النظام هو إقامة جهاز قضائي للثورة طرح نفسه بديلاً للنظام القضائي لحكومة الإنتداب وطالب الناس بالتوجه له في كافة قضاياهم وشكاواهم. وقد نجح هذا النظام ، إلى حد بعيد ، من الحد من التوجه للمحاكم البريطانية والتعامل نع الجهاز القضائي للثورة.

كانت المحكمة الأولى للثورة قد أقيمت من قبل فوزي القاوقجي فور قدومه إلى فلسطين في آب 1936. وقد تشكلت هذه المحكمة من كل من: محمد الأشمر (سوريا)، فخري عبد الهادي ( فلسطيني )، عبد الرحيم الحاج محمد (فلسطيني ) ومنير الريس (سوري). لم تنظر هذه المحكمة في الكثير من القضايا المتعلقة بالانحراف عن الخط الوطني وذلك لأن المجتمع الفلسطيني في تلك الفترة كان في أوج وحدته وتضامنه وإجماعه على الاستمرار في الثورة وسياسة العصيان وذلك كوسيلة ضغط على بريطانيا من أجل تحقيق أمانيه الوطنية. وقد انحصرت القضايا المقدمة للمحكمة في بعض المخالفات التي أرتكبها بعض الثوار. وقد انتهت مهام هذه المحكمة بمغادرة القاوقجي البلاد في تشرين الأول 1936.

فيما يلي نموذج لحكم أصدرته محكمة الثورة التي شكلها القاوقجي وقد ناقشت حادثة سرقة حصلت في الخامس من أيلول 1936:

" محكمة الثورة في سوريا الجنوبية (فلسطين )
بعد سماع إفادة المتهم ديب الكايد ورفيقه حامد وشهادة يوسف أحمد طقاطق، وتلاوة مطالعة النيابة ، تبين أن المتهم ديب الكايد، المذكور ، قد أقدم على سرقة بندقية أحد المجاهدين المدعو فليح وهرب بها حتى قبض عليه متلبساً بالجريمة. لذلك قررت المحكمة بالجماع، ووفقاً لطلب النيابة العامة، الحكم عليه بالجلد مائة جلدة في مكان علني، وعلى مشهد من الناس ونسف منزله بعد إخلائه من السكان، حكماً وجاهياً مبرماً بعد مصادقة القيادة العليا عليه ". ( نشرة الجبهة ، العدد الأول أيلول 1936 ).

وقد قام المتهم بتقديم استرحام للمحكمة ألغت بموجبه أمر الهدم وأبقت على عقاب الجلد.

في المرحلة الثانية للثورة ، بدأ قادة الفصائل بانشاء محاكم على شاكلة المحكمة الأولى ولكن مع صلاحيات اوسع بكثير تخولها الخوض في كافة المجالات وأصعدة الحياة بشكل يلغي حاجة الجمهور الفلسطيني بالتوجه للقضاء البريطاني.

كان السباق لإقامة محكمة كهذه هو القائد عبد الرحيم الحاج محمد ، عندما أعلن عن إقامة محكمة عليا للثورة برئاسة عبد القادر اليوسف عبد الهادي ( قاضي عثماني متقاعد ) وعضوية كل من عبد الفتاح سمارة (ذنابة ) وضياء عبده (نابلس ) .

وقد جاء في منشور أصدره عبد الرحيم الحاج محمد في هذا الخصوص بأن المحكمة أنشئت " نظراً لكثرة الدعاوى المقامة لدى محكمة الثورة العربية بما فيه المصلحة العامة وبما جاء به الكتاب المقدس والسنة النبوية ، سيراً على نهج السلف الصالح " . ( المنشور محفوظ في ارشيف وزارة المستعمرات البريطانية ملف رقم 2983 -733 C.O .

بعد ذلك قام باقي قادة الفصائل بإنشاء محاكم فرعية التي شملت أحكامها جميع أرجاء البلاد في الجليل وحيفا ومنطقة الساحل والمرج والقدس والخليل وغزة . وقد روعي في معايير اختيار القضاة توفر صفات الاستقامة ونقاوة الأكف والنزاهة ومن أهم الأشخاص الذين عرفوا في هذا المجال:

1. عبد القادر اليوسف عبد الهادي (عرابة ، جنين ) قاضي أعلى .
2. ضياء عبده (نابلس ) عضو المحكمة العليا .
3. أحمد المزرعاوي ( المزرعة الشرقية ، رام الله ) قاضي في محكمة فرعية .
4. عبد الفتاح سمارة ( ذنابة ، طولكرم ) عضو في محكمة عليا .
5. عارف إبراهيم (كفر راعي ، جنين ) قاضي في محكمة فرعية .
6. محمد ذياب (سيلة الظهر ، جنين ) عضو في محكمة فرعية .
7. بشير الإبراهيم ( زيتا ، طولكرم ) قاضي في محكمة فرعية .
8 . صالح الطه (صفورية ، الناصرة ) قاضي في محكمة فرعية .
9 . شكيب القطب (نابلس ) قاضي في محكمة فرعية .
10 . محمد الغزلان الصفوري (صفورية ، الناصرة ) .
11 . موسى بطال (طيرة الكرمل ، حيفا )
12 . حامد الخطيب ( أصله من نحف عاش في كوكب أبو الهيجاء واستقر أخيراً في كفر مندا ) قاضي في محكمة فرعية .
13. عبد الحميد إبراهيم (كفر الديك ) . قاضي في محكمة الثورة .
14 .عبد الحليم الجينسافوطي ( جينسافوط ، رام الله ) . عضو ممكمة في يافا .
15 . خليل أبو لبن (يافا ) قاضي في محكمة فرعية .
16 . محمد أحمد مسعود (أ/ الشوف ، حيفا ) قاضي في محكمة فرعية .
17 . فياض حسن طميش محاجنة ( اللجون وأم الفحم ، جنين ) قاضي في محكمة فرعية .
18 . علي السعدي ( من عرب السعدية عمل في المنسة ، حيفا ) .


هذه قائمة جزئية بقضاة وأعضاء المحاكم التي أنشأتها الثورة . وعن عملها سنفصل في الحلقة القادمة ......

التعليقات