جرحى هبة القدس والأقصى: أم محمد: عشت والدة شهيد مدة 40 يوما..

"كان المشهد عبارة عن ساحة حرب حقيقية حيث أطلق الرصاص الحي وقنابل الدخان في كل الاتجاهات بشكل عشوائي.. وفجأة شعرت بألم حاد في أسفل البطن فسقطت ولم أصح إلا بعد 20 يوما"..

جرحى هبة القدس والأقصى: أم محمد: عشت والدة شهيد مدة 40 يوما..
انتفاضة القدس والأقصى تطوي عامها التاسع بحصيلة 7515 شهيدا ومئة ألف جريح. وإذا كانت هذه الأرقام قد تم إحصاؤها بمن فيهم الشهداء الـ13 من عرب الداخل، إلا أن إحصاء الجرحى لعرب الداخل الذين يقدرون بالمئات قد تعذر على المؤسسات، وذلك يعود حسب تلك المؤسسات إلى أن الكثير من جرحى عرب الداخل قد تلقى العلاج في عيادات طبية خاصة دون الكشف عن التفاصيل الشخصية للمصاب الأمر الذي أبقى أسماء العشرات مجهولة.

..وإذا كان بعضنا قد حفظ أسماء وخصال الشهداء الـ13 عن ظهر قلب، وتعرف على آمالهم وأحلامهم التي تشبه أحلام أبنائنا، فإن أحلام الأحياء من الجرحى بقيت مجهولة، وأعدادهم مجهولة. وربما بعضها بقي طريقها مسدود وبلا أفق.. وقد يكون في ذلك حكايات وتفاصيل تعيدنا إلى حجم الجريمة ومشهدها الدموي، ولتسليط الضوء على جوانبها كان هذا اللقاء مع عائلة الجريح الشاب محمد قدح في بلدته كفرمندا..

آمال وتطلعات ورصاصة..

محمد قدح، وقبل تسع سنوات وتحديدا في الفاتح من تشرين أول/ أكتوبر عام 2000، ابن الثامنة عشرة ربيعا، أنهى دراسته الثانوية والتحق بتحديات آماله وأحلامه بالمعهد العالي في مدينة الناصرة، معتبرا أن سلاحه الوحيد في هذه البلاد هو العلم، لكن لم يكن يتخيل في أسوأ المنامات أن أحلامه ستتوقف عند حدود رصاصة غادرة أصابته في الجانب الأيسر من البطن لتمزق أحشاءه و تستقر في جسده حتى اليوم.

ومكث قدح 40 يوما في المستشفى قضى منهم 20 يوما في غيبوبة تامة وأجريت له خلالها عدة عمليات جراحية معقدة، لكن قدح المقل بكلامه وبرزانته يستعيد صورا من ذلك الشريط من مساء الأول من تشرين ويستعرض:
"كنت في ذلك اليوم بزيارة لصديقي في بيت سعيد قدح في الحي الغربي من البلدة والقريب من الشارع الرئيسي، وخلال ذلك وفي ساعات المساء شاهدنا من نافذة المنزل قوات كبيرة من الشرطة وحرس الحدود والوحدات الخاصة تلاحق الشباب والصبية دون تمييز.

كان المشهد عبارة عن ساحة حرب حقيقية حيث أطلق الرصاص الحي وقنابل الدخان والغاز المسيل للدموع في كل الاتجاهات بشكل عشوائي. وفي تلك الأثناء ونحن ننظر من النافذة في الطابق الثاني وأمام المشهد المرعب ورغم شعورنا بالأمان داخل المنزل، إلا أنني وفجأة شعرت بألم حاد في أسفل البطن وسقطت على الأرض ولم أصح الا بعد 20 يوما في المستشفى، حيث أجريت لي عدة عمليات جراحية معقدة، والحمد لله شفيت رغم أن الرصاصة لا تزال مستقرة في البطن حتى اليوم، علما أنهم خلال ذلك اعتبروني أكثر من مرة بأنني شهيد".

تداعيات وعتب

ربما يشعر بمرارة وعتب ويكبت شيئا منها، ويوجه أسئلة خجولة ويتفقد القيادات السياسية والمسؤولين والمؤسسات التي على ما يبدو غابت بالكامل عن ملف الجرحى، وكأنه أصيب في شجار أو "طوشة عمومية" رغم أنه عند وقوع هذه الأخيرة تكون على الاغلب حاضرة بعض الوجاهات السياسية. ويقول:

"أنت أول من يزورنا منذ السنة الأولى للحدث(باستثناء الشيخ رائد صلاح وصحيفة الحركة)، ولدينا عتب كبير على المسؤولين خصوصا أنني أصبت نتيجة عدوان همجي على مواطنين عزل وأبرياء، ومسؤولة عنه دولة، ولم أصب في شجار عمومي،و رغم أنني أعاني الفراغ والملل لكن وبفضل الله والأهل والأصدقاء تجاوزت محنتي الصحية والنفسية، لكن لازال لدي طموح جامح بان التحق بالتعليم الجامعي، وآمل أن يأتي اليوم الذي سأكون فيه جاهزا صحيا وماديا لأشق طريقي العلمية وتحدياتي المهنية أسوة بأبناء جيلي".

أم محمد: كنت والدة شهيد لمدة 40 يوما..

ربما هي الأقرب لأمهات الشهداء، وهي التي عاشت الدقيقة دهرا، وأربعين يوما فوق رأسه توسل الشفاء لفلذة كبدها وقد أعياه الخبر المكرر باستشهاده. وتقول أم محمد: وهبه الله حياة ثانية. أنا لم أفقد الأمل بشفائه عندما فقط الناس الأمل. وكان لدي قناعة وإيمان بأنه سيشفى.. كانت كل دقيقة وعلى مدار 40 يوما، تمر علينا وكأنها دهر خصوصا وأنه تردد الخبر مرات ومرات بأن محمد استشهد. وقد عشت تلك الأيام كأم شهيد، وفي هذه الذكرى أعيش ألم أهالي الشهداء واشعر معهم بفقدان أعزائهم وأحبائهم.


مكانة الشهداء محفوظة لكن هناك جرحى مجهولين


حسين قدح، أبو محمد، المربي المتقاعد يؤكد على مكانة الشهداء ويؤكد احترامه وإجلاله لمكانتهم، ويقول:
نجلهم ولن ننساهم، لكن هناك أيضا العشرات بل المئات من الجرحى، وكثيرون منهم مجهولون، وبعضهم يعاني عاهات وإعاقات جسدية ونفسية. هناك تقصير واضح تجاههم، والمطلوب الاهتمام وفتح هذا الملف والتعامل معه بما يستحق، فهناك من الجرحى من فقد القدرة على المعيشة ويعاني الفراغ والوحدة، وحتى إذا أراد الالتحاق بدورات تعليمية أو مهنية فهو غير قادر ماديا. وأملي أن تتدارك قياداتنا السياسية الأمر، وأن لا ينسوا أولئك، فهم جزء من شعب ولم يصابوا في حدث عابر، بل تم الاعتداء عليهم اعتداء دولة على مواطنين عزل وأبرياء دون أن يقترفوا أي ذنب.

وفي أعقاب إقرار لجنة اور "بأنه كان هناك مبالغة في استخدام القوة"، تقدم أبو محمد بدعوة قضائية للتعويض ويقول هذا الملف لا زال عالقا في المحكمة المركزية في حيفا، وكان هناك محاولات حثيثة للتنصل من مسؤوليتهم، لكن الوثائق والدلائل الدامغة التي قدمناها للمحكمة حول تفاصيل الإصابة، قد حشرهم في الزاوية. وآمل أن تكون القضية في مراحلها الأخيرة.

التعليقات