سلوكنا في إنتخابات السلطات المحلية (الحلقة الثالثة والأخيرة)/عوض عبد الفتاح

ضرورة خوض المعركة برؤية مجتمعية شاملة

سلوكنا في إنتخابات السلطات المحلية (الحلقة الثالثة والأخيرة)/عوض عبد الفتاح

يتصور العديد من المثقفين الذين يعدون أنفسهم في خانة المتنورين المناهضين لأشكال التعصب المختلفة، الطائفية والعائلية، والحاملين لفكرة المجتمع العصري القائم على الديمقراطية والمساواة بين جميع أفراده، وعلى الشخصية الفردية المستقلة والقادرة على أخذ قرارها بنفسها، يتصور هؤلاء أن خطابهم مفهوم على غالبية المتعلمين. فتجدهم يدبجون المقالات أو البيانات التي تطلق النار بلا هوادة على العائلية وعلى السلوكيات التي تفرزها، خاصة أثناء خوض انتخابات السلطات المحلية، وقليلون جداً من هؤلاء الذين ينتبهون إلى ضرورة شرح ديناميات تطور مجتمعنا، بطريقة علمية وموضوعية ويتجنبون الوقوع في فخّ الخطاب التبشيري والتنويري المجرد. لا نقلل من أهمية وضرورة الخطاب التنويري بقيمه وأفكاره وضرورة حضوره في كل معركة إنتخابية أو سياسية أو شعبية. وكما هو معروف فإن أرقى النظريات وأسمى الديانات حين نزلت إلى الأرض، لامست الواقع وسايرته من أجل تغييره لا من أجل تكريسه. فالتفاعل بين النصّ (سواء نصّ مقدّس نابع من الوحي أو وضعي من صنع الإنسان) والواقع ينطوي على إستحضار المنفعة والمصلحة سواء بالنسبة للفرد أو الجماعة. ومن يقود عملية التفاعل هو الإنسان القائد، أو النخبة الطلائعية المنتظر منها تحقيق الإجتهاد في مجال التطبيق.


وتعود أهمية إستحضار مسار تطور مجتمعنا، والقراءات الجدية التي عالجت هذا المسار إلى ضرورة صقل البعد المعرفي وعلاقته الجدلية مع الواقع، أي علاقة التأثر والتأثير بين الفكرة والموضوع – أو بين حامل الفكرة والمهام الملقاة على عاتقه. هذا بحدّ ذاته، برأيي يخفف من حالة الإحباط والذهول الذي يصاب به المرء وهو يتأمل حالنا، ويحفزه إلى تناول عملية التغيير بواقعية من خلال تفهم ديناميات المجتمع المنوي تغييره وبالإستعانة بما أنتجته الحضارة الحديثة من نظريات وأدوات تحليل. باختصار، يؤمل أن يرتبط الإنخراط في إنتخابات السلطات المحلية بعملية تثقيفية وتربوية ضد السلوكيات والممارسات الإجتماعية المضرّة التي تطغى على هذه الإنتخابات، ومن أجل المساهمة في توجيه الفرد في إختيار القوائم والأشخاص وفقاً لكفاءاتهم وبرامجهم. كما يُرتجى أن يساهم، تدريجياً، التأكيد الدائم على الخطاب النهضوي في إستعادة العديد من المرتبكين لتماسكهم القيمي وتوازنهم الإجتماعي والسياسي.


 


ضرورة تعزيز الحزب السياسي


 


لا يجوز أن تكون ظاهرة تراجع الحماس الشعبي الظاهر لانتخابات السلطات المحلية سبباً للفتور عند التيار القومي الديمقراطي وأصدقائه. إن الواقع المتردي الذي تشهده الساحة العربية في الداخل، النابع اساساً من الحصار السلطوي المتزايد ضد المواطن العربي وزرع الشعور بالعجز عن التغيير إلا عبر الخضوع لقوانين لعبة المؤسسة الإسرائيلية، ينبغي أن يشكل حافزاً قوياً للدخول في معركة انتخابات السلطات المحلية بكل قوة. ويراكم التيار القومي الديمقراطي تجربته في هذه الإنتخابات ويطورها باستمرار. وقد أوجد المعادلة العقلانية الأخلاقية لها لتكون مستنداً لقواعده ولكوادره ومرجعاً أثناء ممارستهم لها – صياغة البرامج، تشكيل القوائم، إقامة التحالفات، مخاطبة الجمهور، وكيفية إدارة المعركة الإنتخابية.


يؤكد التيار القومي الديمقراطي على أهمية الحزب السياسي ومحوريته في العمل السياسي والنهوض بالمجتمع. الحزب هو تنظيم حديث، خيار الإنتماء له هو فردي وليس عائلياً أو طائفياً وتقوم مبادؤه على برنامج وطني ومحلي وعلى قيم كونية – إنسانية وعلى قدرة تنظيمية وتجميعية، تتقدم أو تتراجع وفقاً لقدرات قيادات الحزب وظروف أخرى خارجة عن إرادة هذه القيادات. وقد لحقت بأحزاب محلية قائمة تشوهات جدية إذ انضم العديد من الناس إلى أحزاب سياسية بدوافع عائلية أو طائفية. وهناك أحزاب متحالفة مع عائلات منذ عشرات السنين.. وهذا من أسباب تشوه هذه الأحزاب. مع ذلك تبقى الأحزاب أفضل من القوائم العائلية ويفضل أن تـُخاض الإنتخابات المحلية على أساس حزبي وليس على أساس تحالف قطبين عائليين كبيرين.


ليست الحركة الوطنية معادية للعائلات الكبيرة أو الصغيرة، وهي لا ترى انتماء مرشح لعائلة كبيرة عيباً، ولكن تسييس العائلة هو العيب، وتفضيل مصالح العائلة على مصالح مجموع المواطنين من معيقات تطور الحياة السياسية السليمة.


تناهض الحركة الوطنية السلوكيات الناجمة عن التعصب العائلي بسبب دور هذا التعصب في تغييب عنصر الكفاءة والقدرات الإدارية والرؤية الشاملة في الحسابات الإنتخابية.


إن من واجب الحركة الوطنية أن لا تقف متفرجة إزاء هذه المعركة، بل أن تنخرط فيها، وتُلقي بثقلها في أي موقع تراه مناسباً، وان تكون حساباتها مدروسة، ودورها محكومًا بالمعايير التي حددها التجمع منذ انطلاقته... ومستفيداً من تجربته وتجارب الآخرين.


تسييس المعركة شرط أساسي لانسجام الحركة الوطنية مع توجهاتها ومفهومها للتغيير. خطابها يركز على القدرة الإدارية للمرشحين، وعلى التأكيد على أهمية الحزب السياسي ودوره في التغيير والنضال وتحويل المعركة الإنتخابية إلى عملية إستنهاض المجتمع، وخاصة الشرائح والفئات القادرة على  القيام بدور عملي، إستنهاض عقلها وضميرها وتحريك إرادتها. تشدد الحركة الوطنية على أن يكون لها تمثيل وصوت في السلطة المحلية، فوجود ممثل أو ممثلين فيها يوثق علاقتهم بهموم الناس التي يطلعون عليها من خلال إجتماعات الإدارة، وبمقدورهم أن يؤثروا عبر الإعتراض، وعرض الإقتراحات وإسماع النقد.


يتعيّن على التيار الوطني الديمقراطي أن يقدم رؤيته بوضوح – أن تكون شاملة وواضحة ومتماسكة – رؤيته الشاملة لمجتمع القرية بكل الميادين بالإرتباط مع القضية الوطنية العامة. وتشمل هذه الرؤية: الإدارة وتنظيم السلطة المحلية بحيث تكون قائمة على قاعدة مهنية وعصرية وعلى ربط نضالها مع نضال العرب ضد مجمل سياسة التمييز والإقصاء والحصار.


 


ومن القضايا الأساسية:


- مناطق النفوذ وقضية السكن


تطوير آليات تنظيمية وشعبية للعمل من أجل توسيع مناطق النفوذ والدفاع عن الأرض وإقامة البيوت والأحياء السكنية القادرة على إستيعاب الأزواج الشابة. وهذا بالضرورة يحتاج إلى ترسيخ فكرة اللجان الشعبية.


-التعليم – هذا الميدان الحيوي هو عصب المجتمع العصري، وتهيئة الكوادر المهنية والمتعلمة لتطوير المجتمع، يتطلب إعادة بناء دوائر المعارف والتعليم في السلطات المحلية. يتولى هذه الدائرة في الغالب أناس تقليديون (وإن كانوا متعلمين) يفتقرون إلى القدرة والمعرفة العميقة بمتطلبات النهوض بالعملية التعليمية. ايضاً يحتاج النهوض بهذا الميدان إلى إعطاء أهمية خاصة بلجان أولياء الأمور ذات الصلة بأهالي الطلاب وبالناس عموماً وما تسمح به هذه الصلة من شرعية لإعلان النضال الشعبي من أجل عملية التغيير – التي تتأثر بسياسة التمييز العنصري وسياسة التجهيل من جهة وبسياسة سوء الإدارة المحلية من جانب آخر.


 


الثقافة والحياة الثقافية


 


لا بدّ من جعل هذا الميدان من أولويات المهام المطروحة أمام التيار القومي الديمقراطي.. ذلك أن الحياة الثقافية – خاصة في القرى الصغيرة والقرى الكبيرة المسماة قانونياً مدنًا – تعاني هبوطاً وتشوهاً حاداً. يتجلى ذلك في غياب المنتديات الثقافية، وتعطيل دور المكاتب العامة، وكثرة النشاطات المسماة ثقافية بدون مضامين وغايات، وغياب الندوات الثقافية والسياسية وغياب الإهتمام بالمسرح والفن رغم التطور الملحوظ الذي حصل على هذا الميدان الثقافي في عدد من الأماكن. لقد أصبحت الحياة في غالبية البلدات العربية خاوية وتعاني من ركود ثقافي وفكري يهدد روح الإنسان ويهبط بمستوى الحياة الثقافية والإجتماعية مما يعيق نهضة المجتمع.


 


الشباب وبناء الإنسان


 


كل ما ذكر يدخل في مشروع بناء الإنسان ونهضة المجتمع، ولكن الإعتناء بالأجيال الشابة هو تهيئة المجتمع المستقبلي وتواصله. ويحظى هذا القطاع باهتمام خاص في الدول المتقدمة.


وبالنسبة لسلطاتنا المحلية فإن هذا القطاع يجري التعامل معه بإهمال وبسطحية. إن معظم النشاطات المخصصة لهذا القطاع تتركز في الرياضة على أنواعها المختلفة والترفيهية أما ما يتعلق ببناء قيادة شابة، فإن ما يجري في الغالب ضمن مشاريع ما يسمى “بالمداتسيم” غير جدي، لأن هذه البرامج هزيلة في مضامينها وتوجهاتها. وتفتقر إلى المنهجية والتواصل والنظرة الإستراتيجية والتربية الوطنية الصلبة.


وعليه فإنه على التيار القومي أن يواصل تطوير نظرة ذات رؤية مجتمعية شاملة تتعامل مع الشباب وبنائه كهدف وغاية من الغايات الكبرى للمجتمع والإنسانية. تهدف الحركة الوطنية إلى بناء الهوية الوطنية وتعزيز انتمائها وبناء الشخصية المستقلة الناقدة والقادرة على التفكير الحر. هذا ما يقوم به إتحاد الشباب الوطني الديمقراطي، ودائرة الحركة الطلابية التجمعية في الجامعات.


 

التعليقات