سواعد الكمانة تنتزع الإعتراف بها بعد المصادقة على الخارطة الهيكلية

-

سواعد الكمانة تنتزع الإعتراف بها بعد المصادقة على الخارطة الهيكلية
بعد 60 عاما من عدم الاعتراف بهم وبقريتهم، إنتزع أهالي قرية الكمانة الاعتراف النهائي بعد ان صادقت اللجنة القطرية للتخطيط والبناء على الخارطة الهيكلية للقرية، الثلاثاء الماضي، بعد مماطلة استمرت عشر سنوات وأكثر. وتقع هذه القرية النائية على سفح جبل الكمانة الذي يعتبر اعلى جبل في الجليل الاسفل ويقع على الحد الفاصل بين الجليلين الاعلى والاسفل.

تقسم الكمانة الى قسمين شرقية وغربية ويفصل بينهما وادي الكمانة، حيث يعتبر جبل الكمانة مطلاً على الجليل الاسفل، فاذا نظرت منه الى الجهة الشمالية الشرقية يمكنك ان ترى جبل الشيخ في اعالي هضبة الجولان واذا نظرت الى الشمال يمكن ان ترى مدينة صفد في الافق البعيد وكلما اقتربت الى الجهة الشمالية الغربية تجد عدة قرى عربية.

ولهذا السبب، رفضت اسرائيل عند قيامها الاعتراف بالقرية وطالبت لاحقا بترحيل اهلها من عرب السواعد لإستراتجية الموقع من الناحية العسكرية، إلا ان تشبث الأهالي بارضهم المطوّبة منذ العهد العثماني جعلتهم نموذجاً لباقي القرى العربية غير المعترف بها بانتزاع الاعتراف.

يروي عيد سواعد، رئيس اللجنة المحلية للقرية ان «اول من وطئت قدماه قرية الكمانة من ابناء عشيرة السواعد هو علي الشعبان، وقد كان ذلك مع بداية القرن التاسع عشر، ويعيش اليوم في الكمانة ابناء الجيل العاشر من نسله - الشعبانيون ويسكنون في الكمانة الشرقية وحي الجلسة وجاء بعد ذلك قليب والمصالحة ويسكنون في الكمانة الغربية».

ويضيف سواعد: «سكان الكمانة بعد ان كانوا متنقلين يسكنون الخيام والكهوف، بنوا بيوتا ثابتة من الحجر وسكنوا فيها... في سنوات الثلاثين من القرن المنصرم كان هنالك 11 بيتا من الحجر في الكمانة الشرقية وفي الجلسة و5 بيوت في الكمانة الغربية، وعشية النكبة تعرض سكان الكمانه عام 1948 للسلب والنهب من قبل مجموعات مسلحة، حيث نهبت بعض البيوت، وبعض الماشية. ويحكى أنه تم نهب مواشي القرية ومن بين المواشي التي نهبت «الفدان» الخاص بالمختار، والفدان عبارة عن زوج من الثيران كان المختار يستعملهما لحراثة الأرض وزراعة القمح. ولأهمية هذه المواشي تجرأ المختار ولحق بهذه المجموعات المسلحة في ضواحي العشيرة وتوسل اليهم كي يعيدوا له زوج الثيران. ولكن للأسف هذا التوسل لم يجد نفعا».

بعد النكبة، عام 1948، حصل اهالي الكمانة على هويات اسرائيلية من دون الاعتراف بقريتهم، وفي فترة لاحقة اتبعت اسرائيل سياسة جديدة، منذ عام 1962 تحديداً، عندما قامت الحكومة بإغلاق المدرسة من أجل ترحيل سكان الكمانة عن قريتهم، وقد تفاقم الوضع عندما تم سن قانون التنظيم والبناء عام 1965 والذي تجاهلت من خلاله مؤسسات الدولة المختلفة وجود قرية الكمانة وقامت بحرمانها من كل الخدمات الأساسية، ما اضطر سكان القرية الى التنازل عن كثير من خدمات الدولة من أجل البقاء في بلدهم. اما بالنسبة للخدمات الضرورية كالتعليم والصحة فاضطروا للذهاب مسافة 12-13 كيلو مترا ذهابا وايابا يوميا من الكمانة الى القرى المجاورة لتلقي الخدمات التعليمية والصحيّة.

ويعيش اليوم في القرية نحو 1300 نسمة (230 عائلة) ينتمون جميعهم الى عشيرة السواعد التي يبلغ تعدادها حوالي 12 الف نسمة يعيشون في منطقة الجليل. تقسم الكمانة الى عدة أحياء منفصلة عن بعضها البعض.

ويعتاش سكان الكمانه اليوم في غالبيتهم من العمل في البناء وفي مصانع مدينة كرمئيل، والبعض يعمل في مجال التربية والتعليم، فيما بقي جزء كبير من الرجال عاطلا عن العمل ويتقاضى مبلغا شهريا بسيطا كمخصصات بطالة.
يقول عيد سواعد إن مساعي الدولة لترحيل عرب السواعد وصلت اوجها في مطلع السبعينيات: «في العام 1970 اعترفت السلطات بقرية وادي سلامة كقرية لجميع السكان البدو الذين يعيشون في منطقة الشاغور وسخنين ومن ضمنهم سكان الكمانة، لكن سكان الكمانة رفضوا ترك قريتهم، وعارضوا سياسة اقتلاعهم من جذورهم، وكان التمسك بالارض ولا يزال قويا لديهم. وادعت اسرائيل ان المنطقة استراتيجية عسكريا اضافة لكونها معزولة يصعب على الدولة توفير الخدمات الاساسية لها من شبكة مياه إلى شبكة كهرباء، ورغم ذلك رفض أهلنا الانتقال الى وادي سلامة».

تلك المنطقة الاستراتيجية والمعزولة اصبحت بين ليلة وضحاها قابلة للتوطين وغير معزولة. ففي العام 1980 قررت الحكومة الاسرائيلية اقامة مستوطنتين بمحاذاة الكمانة: مستوطنة كمون واختها مخمانيم، التي أوصلت إليهما المياه وعبدت في سبيلهما الشوارع وأنارتهما الحكومة.

عندها، يروي عيد سواعد، «انتهزنا فرصة توصيل هاتين البلدتين بالمياه والكهرباء لايصالها بالقرية، وكما يقول العرب بجريرة الورد يشرب العليق، لكننا لسنا عليقاً، لكن تبين ان الحجج التي منعت الاعتراف بالقرية باتت واهية».

لكن المأساة التي لحقت بالمواطنين العرب في الكمانة ان الدولة اغلقت امام مواشيهم، التي هي مصدر رزقهم الوحيد، الاراضي فاضطروا للاستغناء عنها. ويروي محمد سواعد، انه «رغم التغييرات التي حصلت بعد فتح الشوارع للمستوطنات وتسهيل المعيشة على سكان الكمانة، إلا ان احد اهداف اقامة هذه المستوطنات كان السيطرة على الاراضي ومنع التوسع العربي على جبل الكمانة أو كما يسمونه الاستيطان البدوي، فسيجوا الاراضي واعلنوها منطقة خضراء وكل منطقة الرعي اغلقت، فاضطر اهلنا الى بيع المواشي للمستوطنين الجدد في كمون واصبحنا نشتري منهم حليب الماعز بعدما كنا نحن الذين نبيعهم اياه»!!
يؤكد عيد سواعد ان اصرارهم على انتزاع حقوقهم كان مجديا في نهاية المطاف:« في الثمانينيات من القرن الماضي باشرنا بتنظيم انفسنا وبالضغط على السلطات من اجل انتزاع الاعتراف، لذلك اسسنا جمعيات محلية من اهمها «جمعية الرفاه والازدهار» والتي اخذت على عاتقها ادارة نضال جماهيري من اجل الاعتراف بقرية الكمانة استعملت لذلك نشاطات كثيرة منها: الضغط على المؤسسات الحكومية، اللجان اللوائية والقطرية، عقد جلسات ولقاءات، مراسلات، مظاهرات وغيرها».

ويضيف سواعد: «احد المشاريع الهامة التي عالجتها الجمعية وبشكل مكثف هو الخريطة الهيكلية للقرية حيث انها رافقت عملية التخطيط من بدايتها عام 1992 وحتى اليوم وعملت على شمل كافة أحياء القرية في هذه الخريطة وبفضل الجهود الحثيثة تحقق ضم معظم الاحياء. في سنة 1992 قام وزير الداخلية انذاك اريه درعي باصدار الاوامر بتشكيل لجنة توجيه لمعالجة قضية التخطيط والاعتراف بقرية الكمانة».

في تاريخ 24/12/1995 قررت الحكومة الاعتراف بقرية الكمانة وقرى اخرى في المنطقة هي الحسينيه، الضميدة وراس العين، إلا أن تخطيط القرى الجديدة تجاهل طبيعة ونمط حياة البدو وتم اغراء الناس بظروف الحياة الجديدة وكانت النتيجة ان سكان هذه القرى خسروا أراضيهم من جهة ودخلوا الى قرى جديدة لم تتوفر لهم فيها مصادر المعيشة المناسبة وانتقلوا الى العمل كأجيرين بدلا من تربية المواشي.

اما الخارطة الهيكلية انذاك فقد استثنت حي الجلسة، والحي الغربي من الكمانة الغربية والجزء المحاذي لمستوطنة كمون من الكمانة الشرقية (قرابة العشرين بيتا) وحي شحادة الواقع داخل كمون.

هذه الخارطه شملت 55 في المئة من سكان الكمانة فقط فيما أن حوالي 45 في المئة بقوا خارج حدود هذه الخارطة على الرغم من وجودهم القريب جدا منها.

وبعد الالتماس الى المحكمة العليا بواسطة مركز عدالة القانوني ، أصدرت المحكمة قرارها في العام 2001 الذي يقضي بضم هذين الحيين خلال 18 شهرا. وقررت انه عند اعداد الخارطة الهيكلية يجب التشاور مع السكان وأعادة الموضوع لدراسة مجددة في لجان التخطيط.

بعد اربع سنوات، أي في العام 2005 قرر المجلس القطري للتخطيط والبناء والذي ترأسه مدير عام وزارة الداخلية، اوسكار ابو رزق، ايداع خارطة تصحيحية، وذلك كخطوة اولى لتوسيع مسطح قرية الكمانة ليشمل حي الجلسة والحي الغربي والموافقة على خارطة هيكلية مفصّلة للقرية التي تنتظر تطبيق قرار الأعتراف بها منذ العام 1995 وربط القرية بشبكات البنى التحتية.

وأخيرا وعلى الرغم من اعتراضات بعض سكان مستوطنة كمون، إلا ان اللجنة القطرية للتخطيط والبناء اقرت الخارطة الهيكلية، إذ يقول عيد سواعد ان «اقرار الخارطة هو بمثابة اعتراف نهائي بالقرية بكل احيائها، على الرغم ان اجزاء من هذه الاحياء بقيت خارج الخارطة الهيكلية لكننا سنناضل من اجل ضمها مستقبلاً، لأنه لا يضيع حق وراءه مطالب».


عن صحيفة "فصل المقال"

التعليقات