عمالة الأطفال تتحول إلى ظاهرة.. واستغلالهم يزداد شراسة في العطلة الصيفية

"هديل طفلة من إحدى قرى البطوف من عائلة مستورة في الصف التاسع تعرضت لإصابة عمل بالسقوط عن سلم"..

عمالة الأطفال تتحول إلى ظاهرة.. واستغلالهم يزداد شراسة في العطلة الصيفية
عمالة الأطفال والاستغلال الفاحش لهم لم تعد مقتصرة على دول العالم الثالث، بل تعدت ذلك، وخصوصا في العطلة الصيفية، حيث بدأت تتحول إلى ظاهرة مؤلمة تنكب المئات بل الآلاف من الأطفال في البلاد فيما يسمى" بدولة الرفاه" وانتهاك ابسط الحقوق الإنسانية في الحماية والأمان الجسدي والنفسي لهم على حد سواء، لاسيما أطفال العائلات المستورة منها، حيث تزداد الظاهرة قسوة في ظل ضعف الرقابة القانونية وتردي الأوضاع المعيشية، وفي بعضها الفقر المدقع الذي يدفع بالأطفال والأهالي إلى قبول احد الأمرين وفي شروط مجحفة لتوفير الاحتياجات الأساسية من مأكل وملبس ومشرب وليس بالضرورة لتسديد إقساط التعليم.

ومع انعدام أبسط حقوق العمل المنظم من حيث التأمينات وتوفير الشروط الإنسانية الذي يتلاءم وبنية الطفل العامل في أعمال مثل الزراعة أو البناء وغيره، وتقاضي أقل من أجور الحد الأدنى يزداد الأمر سوءا وخطورة عندما يصاب طفل أو طفلة عاملة بإصابة أو إعاقة جسدية أثناء العمل.

هديل طفلة من إحدى قرى البطوف من عائلة مستورة في الصف التاسع تعرض جسدها الغض لإصابة عمل بالسقوط عن سلم أثناء عملها لتمويل احتياجاتها الأساسية وتمويل أجرة سفرها في السنة الدراسية القادمة في إحدى مدارس بلدة مجاورة.

تقول هديل: إنني أتعاطف مع والدي الذي أحب كمعيل وحيد لنا، وأنا أدرك ما يقع على كاهله من أعباء وقهر المعيشة ومصاريف تعليمنا". وتضيف أنها توجهت إلى العمل الصعب الذي لا يتلاءم مع بنيتها الجسدية للتخفيف من أعباء وهموم الوالد.

وعملت هديل في ظروف استغلال فاحش من قبل مشغلين، ولكن وقبل أن تكمل الأسبوع الأول تعرضت لإصابة عمل. علما أنها تتقاضي مقابل 7 ساعات عمل تحت الشمس الحارقة 80 شيكل فقط، بدون دفع رسوم التأمين الوطني وبدون أية حقوق. وبالنتيجة فإنها لا تحصل على أي تعويض في حال تعرضها لإصابة عمل. ومع ذلك فإنها ستعود للعمل بعد تماثلها للشفاء.

أما والد هديل فيؤكد أن نزول الأطفال إلى سوق العمل الأسود وبهذه الشروط هي جريمة بحق الطفولة وحق الإنسانية وعار على الدولة ومؤسساتها. ويقول: "أقبل نزولها للعمل على مضض بل وقلبي يتقطع ليس خجلا فحسب، بل لأن عملها من الأعمال الشاقة ولا يحتمله جسدها النحيل، كما أنها تضعني أمام حقيقة عجزي بأنني غير قادر وحدي لتوفير لعائلتي كل الاحتياجات، لكن على المؤسسات أن تراقب وتتابع الظاهرة لإيجاد حلول لتدني المستوى المعيشي وحالة الفقر في البلاد، كما أتمنى على المشغلين آن يتمتعوا بحد أدني من الرحمة والأخلاق".

وفي حديثه مع مراسل عــ48ـرب، استعرض وهبة بدارنة، مدير جمعية صوت العامل، عينات صارخة مؤشرة على حجم الاستغلال الفاحش الذي يتعرض له الشباب والفتية العاملة.

وقال: "حسب الملفات التي قدمناها للمحاكم فإن الغالبية العظمى من الفتية العاملة تعمل في ظروف من العبودية دون رقابة أو رقيب، وخاصة من يعمل في قاعات الأفراح والكراجات والمطاعم وغيرها، فهؤلاء يتقاضون أجرا يتراوح ما بين 7- 10شيكل لقاء كل ساعة عمل، وذلك في استغلال واضح لحالتهم وحالة الأهل وحاجتهم لتشغيل أبنائهم بأي ثمن.

وأشار في هذا السياق إلى توجه عدد من الفتية الذي يعملون في عدد من مرافق الناصرة إلى جعية صوت العامل، حيث قدموا شكوى حول ظروف عمل تصل حد العبودية. وتنوي الجمعية مقاضاة المشغلين. علما أن الكثيرين لا يتوجهون خوفا من خسارة عملهم.

وفي حديثه عن خطورة الظروف التي يعمل فيها عدد كبير من الطلاب والفتية خلال العطلة الصيفية، أشار بدرانة إلى تعرض أحد الفتيان العمال لإصابة عمل بالغة نتيجة سقوط صندوق زجاجات مشروب عليه بعد أن تم تشغيله بشكل غير منظم في الناصرة. واضطر صاحب العمل الذي أصيب بالهلع إلى نقله إلى المستشفى. وعلم أنه عرض على أهل الفتى المصاب مبلغا من المال لإقناعهم بعدم تقديم شكوى وعدم الإبلاغ بأنه كان يعمل أصلا.

ولفتت المحامية سيما كنانة، مركزة الوحدة القانونية في جمعية صوت العامل، إلى أن هناك العديد من الملفات بهذا الشأن تصل صوت العامل حيث أن المشغلين يستغلون العطلة الصيفية للطلاب. وأضافت أنه خلال العطلة الصيفية يزدحم السوق بطالبي العمل من الأطفال خصوصا في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.

وأكدت المحامية كنانة على أهمية وقوف طالب العمل على المعلومات الأساسية بشأن حقوقه في العمل. وقالت إنه بحسب القانون يحق للعامل توقيع اتفاقية عمل خطية بينه وبين مشغله قبل البدء بالعمل، وهو أمر لا يحصل في الغالب إما بسبب عدم دراية العامل بالأمر، وإما تحت ضغط الحاجة للعمل.

وتضيف أنه غالبا ما يتهرب صاحب العمل من تأمين العامل من إصابات العمل لأنه في حال حدوثها يكلف المشغل مبلغ 9000 شيكل كمشاركة ذاتية في التعويض، وفي ذلك تجاوز قانوني وإنساني يدفع ثمنه العامل المستغل أصلا.

كما أشارت إلى أن القانون يحظر تشغيل من هو تحت سن الـ14 عاما، ويسمح بتشغيل الفتية فوق سن 14 عاما، مع الإشارة إلى أن الفتية من 14 - 16عاما بتشغيلهم لمدة لا تزيد عن 8 ساعات يوميا، وفي أعمال لاستشكل خطرا على حياته أو يعرضه لمخاطر صحية، كما يحق له الحصول على استراحة لمدة 45 دقيقة خلال 6 ساعات من العمل.

وتؤكد كنانة إنها تتلقى العديد من التوجهات من قبل عاملات في محلات الملابس، على سبيل المثال، لا يتقاضين الحد الأدنى من الأجور، علما أن القانون ينص على أن أجرة من هو فوق سن 18 عاما هي 20.7 شيكل لقاء كل ساعة عمل.

وتؤكد كنانة على أهمية معرفة الشبيبة والفتية حقوقهم قبل التوجه للعمل رغم قساوة الظروف، وضرورة حماية الفتية والشبيبة من وحشية الاستغلال.

التعليقات