في مؤتمر "مدى الكرمل": "فقط حل الدولة الواحدة وثنائية القومية يضمن العدل والمساواة المدنية والقومية للطرفين"..

البروفيسور روحانا: حل الدولتين يعني عدم عودة اللاجئين وهو لا يخلصنا من الصهيونية * د.أمنون راز: كيف ولد حل الدولتين؟ من أين جاءت فكرة توحيد باقة الشرقية مع غزة وليس مع باقة الغربية؟..

في مؤتمر
"حل الدولتين يعني عدم عودة اللاجئين وهو لا يخلصنا من الصهيونية. فالصهيونية هي رزمة واحدة مهما اختلفت تياراتها، وتتضمن العنف، السيطرة، التهجير، الاستعلاء، الغطرسة، الفصل، الإنكار والخوف. وحل الدولتين هو حبل الآمان للصهيونية وجاء ليكرسها. لدينا نحن الفلسطينيين في الداخل القوة الأخلاقية لطرح تصوّر مستقبلي لحل يأحذ بالحسبان العرب واليهود ليس كرد فعل على الصهوينية، لكنه يشكل ضمنيا نفياً لها وللمارساتها. فتاريخياً كانت فلسطين محوراً لالتقاء الحضارات والثقافات والأمم،" هذه بعض أقوال البروفيسور نديم روحانا، المدير العام لمركز مدى الكرمل، التي ألقاها خلال مؤتمر حيفا الذي ناقش حل الدولة الديمقراطية الواحدة.

يذكر أن مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية في حيفا، بالتعاون مع جمعية ابن خلدون للبحث والتطوير قد عقد في بداية الأسبوع (الأحد) مؤتمرا لمناقشة حل الدولة الواحدة في مسرح الميدان في حيفا بمشاركة باحثين فلسطينيين وإسرائيليين.

خُصصت الجلسة الأولى لمناقشة سؤال "لماذا الدولة الواحد" بمشاركة كل من د. أسعد غانم والباحث ميرون بنبنستي. في بداية مداخلته طرح د. غانم العديد من التساؤلات حول التصور المستقبلي للحل وتطرق بإيجاز إلى ولادة فكرة الدولة الواحدة.

وقال د.غانم: "على الأقلية الفلسطينية هنا وفي ظل الأوضاع القائمة أن تفكر جدياً في طرح أفكار وتصورات للخروج من المأزق الحالي، دون إستثناء الشعب الآخر من هذه النقاشات، وليس صدفة أن نعقد مؤتمرنا هذا في حيفا باللغتين العربية والعبرية وبمشاركة باحثين عرب ويهود،".

وقال أيضا إن الحل المبنى على طرح الدولتين في حالة تلاش، وأنه حان الوقت لمناقشة حلول أخرى بما فيها حل الدولة الواحدة، أنه علينا التفكير في مخرج من الأزمة الحالية يحفظ المكانة السياسية للطرفين ويضمن لهما حلاً عادلاً وأخلاقياً.

وتابع: "بعد مائة عام من الصراع ما زلنا أمام مأزق كبير. كفلسطينيين علينا التفكير مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ككل وليس مع جزء واحد منه فقط. فحل الدولتين لا يضمن حلاً لقضية القدس، ولا للاجئين، ولا للفلسطينيين الداخل. علينا التفكير جدياً في الدولة الواحدة المؤسسة على الشراكة والمواطنة – دولة ديمقراطية واحدة لجميع مواطنيها. هذا الحل يضمن وحدة فلسطين التاريخية ويتيح لكل طرف اعتبارها وطنه التاريخي دون الحاجة إلى التقسيم،".

كما أكد على أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه فلسطينيو الداخل. وأشار غانم إلى أن حل الدولتين إنهار بسبب الممارسات الإسرائيلية. ثم قال: "نواجه على الصعيد الفلسطيني حالة إنهيار للحركة الوطنية، والسؤال هو كيف يمكن إنقاذ الوضع؟ وكيف يمكن إعادة جدوى النضال الفلسطيني؟ المدخل الوحيد برأيي هو حل الدولة الواحدة. في سياق طرح حل الدولة الواحدة علينا التفكير في ماهية ونوع النظام، علاقة هذه الدولة مع الشتات الفلسطيني ومع اليهود في العالم، وعلاقتها مع الحركة القومية العربية. ثمة ضرورة لطرح هذه المسائل ومناقشتها من قبل الطرفين".

أما الباحث الإسرائيلي ميرون بنبنسي فقال إن حل الدولتين وحل الدولة الواحدة لا يتناقضان بل هما امتداد لنفس المحور.

وأضاف: "ثمة من يدعي أن حل الدولة الواحدة الذي سيغيّر الوضع القائم قريب جداً، لكن للأسف فهذا لن يحدث. فالوضع الراهن ثابت وقوي. لكن من الناحية العملية فتوجد في هذه البلاد دولة ثنائية القومية، والفصل بين المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي هو فصل اصطناعي. كما أحب أن أؤكد بأن حل الدولة الواحدة ليس طرحا أيديولوجياً، وليست تصوراً لحل، بل توصيفا للوضع القائم،".

وأشار بنبنستي إلى أن وجود السلطة الفلسطينية يخلق الوهم بقرب قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وقال: "السلطة الفلسطينية قائمة بفضل تمويل الدول الأجنبية، وهي تلك الدول التي تدعو إلى إنهاء الاحتلال، لكنها تساهم عملياً في الحفاظ على الوضع القائم وتكريسه".

ومن جهتها استعرضت البروفيسور ليلي فرسخ في الجلسة الثانية تاريخ ولادة فكرة الدولة الواحدة مركزة على جذورها الفلسطينية. فتناولت بداية الفكرة منذ عام 1969 عندما طرحتها حركة "فتح"، وتم تبنيها من قبل المجلس الوطني الفلسطيني عام 1971.

وقالت إن أهمية هذا الطرح تكمن في تحويل القضية الفلسطينية من قضية إنسانية تتلخص بمشكلة اللاجئين إلى قضية شعب وتحويل المطلب الإنساني إلى مطلب سياسي.

وأشارت البروفيسور فرسخ إلى الدور الذي لعبه هذا الطرح في استقلالية القرار الفلسطيني عن القرار العربي. وقالت: "لقد أكدت حرب الأيام الستة محدودية المشروع القومي العربي في تحرير فلسطين. وجاء طرح الدولة الواحدة كانتصار لمنظمة التحرير الفلسطينية عندما تم الاعتراف بها كالممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين. كما لعب هذا الطرح دورا تنظيميا في بناء مؤسسات الدولة قبل قيامها. ثم توقفت عند مقررات المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر الذي تبنى فكرة الصراع المرحلي، وأقر إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين يتم تحريره، محدثاً بذلك تحولاً في فكرة الدولة الواحدة، حيث تم ضمنيا القبول بقرار التقسيم، إلى أن تم التنازل نهائيا عن الفكرة عام 1988 باعتراف م.ت.ف بإسرائيل".

وأضافت أن هذا الوضع استمر حتى جاءت اتفاقيات أوسلو التي همشت فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وحولتها إلى ثمانية بانتوستانات تحكمها الحواجز العسكرية. وفي عام 2001 ومع فشل حل الدولتين عادت فكرة الدولة الواحدة لتظهر من جديد. وبحسبها فقد وصلت القضية الفلسطينية حالياً إلى واقع مأزوم وطريق مسدود، مشددة على ضرورة تطوير فكرة الدولة الواحدة.

بعدها تحدث الباحث دان بابلي من جامعة حيفا، الذي قال إنه وحتى الآن لم يبحث الطرفان بشكل جدي فكرة الحياة المشتركة، وإن أيا من الطرفين لم يطرح حلاً للصراع يقوم على المساواة والحياة المشتركة.

ثم استعرض فكرة الدولة الواحدة في الفكر الصهيوني. وأكد الباحث بابلي استحالة تحقيق فكرة الدولة اليهودية وخاصة في ظل الوضع الديموغرافي، واستحالة الفصل بين الشعبين. كما دعا إلى إقامة طواقم عمل عربية يهودية مشتركة للدفع بفكرة "دولة جميع سكانها" وإقناع الطرفين بأهميتها وجدواها، واقترح أن يمنح كل طرف حق النقض في القضايا المصيرية، والعمل على توزيع عادل للموارد بين الطرفين، وضمان حق العودة للشعبين.

أما الباحث الفلسطيني حازم القواسمي الذي شارك في تلك الجلسة فقد استعرض تجربته الشخصية، وكيف عمل على مدار خمسة عشر عام على تسويق فكرة الدولتين، إلى أن توصل عام 2000 إلى قناعة باستحالة هذا الحل وضرورة تبني حل الدولة الواحدة، مؤكداً على ضرورة وضع الإنسانية في المركز لدى التفكير في حل الصراع. وقال إنه "يجب العمل على إنهاء الاحتلال، ووقف نزيف الدم اليومي، ووقف القتل والهدم، وإزالة الجدار، كي نستطيع التفكير بعقلانية بالحل".

وافتتح الجلسة الثالثة البروفيسور نديم روحانا وقال إنه من الخطأ طرح فكرة الدولة الواحدة كمسألة تكتيكية بهدف الضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين، مؤكداً أنه لا يوجد حل عادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعتمد على التقسيم.

وقال في هذا السياق: "لم يكن قرار التقسيم ليشكل حلاً للقضية الفلسطينية، فهو قرار غير عادل وعنصري اعتمد على اقتطاع جزء من فلسطين ومنحه بشكل استثنائي للحركة الصهيونية. وقد اعتمد هذا القرار على فرضية خاطئة تدعى وجود صراع قومي بين حركتين تمثلان شعبين وأن لكل منها حقوقاً متساوية ومتوازية. سؤال هل الصهيونية هي حركة تحرر قومي لليهود أم لا، هذا ليس من شأني وغير مهم، فالمهم هو الممارسة على أرض الواقع، ومن ناحية الممارسة فإن الحركة الصهيونية هي حركة استيطانية في جوهرها. إسرائيل هي مشروع كولونيالي، وليست في جوهرها صراع قومي".

ثم أشار البروفيسور روحانا إلى أن السؤال المركزي هو "كيف يمكن التوصل إلى حل يحقق العدل للاجئين الفلسطينيين والمساواة بين الشعبين، دون امتيازات لأحد؟ بناء على ذلك يمكننا التفكير في الحلول، لكن من الواضح إن حل الدولتين لا يضمن ذلك".

وتابع: "أنا لا أتوقع من الصهيونية تطوير برامج أو طرح أفكار للعيش المشترك، فالاقتلاع هو الجانب الآخر للعملة الصهيونية. كما أن الأكاديمية الإسرائيلية لعبت عبر مراحلها المختلفة وما زالت دوراً مركزياً في شرعنة الدولة اليهودية وتثبيتها. لكنني أتوقع منا كفلسطينيين تطوير نماذج للعيش المشترك تضمن المساواة للطرفين. وهو الأمر الذي حدث في جنوب أفريقيا".

وفي نهاية محاضرته تطرق البروفيسور روحانا إلى التحديات التي تقف أمام فكرة الدولة الواحدة مثل عدم تقبل الفكرة حتى الآن لدى الفلسطينيين أو لدى الإسرائيليين. وختم حديثه بالقول: "لدينا القوة الأخلاقية لطرح تصوّر يأخذ بالحسبان العرب واليهود ليس كرد فعل على الصيهونية، لكنه يشكل ضمنيا نفياً لها ولممارساتها. فتاريخياً كانت فلسطين محوراً لالتقاء الحضارات والثقافات والأمم".

أما بروفيسور أورن يفتحئيل من جامعة بئر السبع في النقب فأدعى أن رؤية الدولة الواحدة هي رؤية لا سياسية. وقال إن فكرة الدولة الواحدة هي فكرة مثالية وأخلاقية، لكن الأفكار الأخلاقية والمثالية غير كافية في أيامنا، ودعا إلى فكرة الكونفدرالية، معتمدا بذلك على غياب نماذج مشابهة لصراع انتهى بحل الدولة الواحدة.

كما أشار إلى أن المطروح على بساط البحث هو قيام الدولة الفلسطينية، وليس قيام إسرائيل الموجودة فعلا وبقوة. وقال: "هل سنذهب للكنيست ونطالبها بحل نفسها؟ هل سنطلب من الجيش الإسرائيلي حل نفسه؟ كيف يمكن إقناع الإسرائيليين بالتنازل عن دولة إسرائيل؟ صحيح أن الضغط الدولي قد يفعل ذلك، لكن هذا الضغط غير وارد في السياق الإسرائيلي بتاتاً. الحل السياسي هو الكونفدرالية بين دولتين، من خلال بلورة أُطر مشتركة في مجالات الاقتصاد والمواصلات وغيرها".

وقد بنا البروفيسور يفتحئيل طرحه على بعض الفرضيات الأساسية، كما قال، وهي: وجود قوميتين لهما الحق في الوجود؛ القرارات الدولية المتعلقة بالصراع؛ وجود دولة إسرائيل والحاجة إلى إقامة دولة فلسطينية؛ لا توجد في التاريخ الحديث ظاهرة إلغاء أو اضمحلال دول؛ القرار 181 مع تعديل معين سيشكل آلية لضمان العدل النسبي للطرفين.

وكان المتحدث الأخير في هذا المؤتمر د. أمنون راز كركوتسكين من جامعة بئر السبع، وهو أول من دعا إلى ضرورة التفكير بثنائية القومية كهوية وكإطار فكري.

في بداية محاضرته قال: "لا أستطيع التفكير في تصوّر غير الدولة الواحدة. السؤال الذي يجب طرحه هو: كيف ولدت فكرة الدولتين؟ كيف ولدت هذه الفكرة الغريبة مباشرة بعد احتلال 1967؟ من أين جاءت الفكرة أن تتوحد باقة الشرقية مع غزة وليس مع باقة الغربية؟".

وأضاف أن فكرة الدولتين تشكل أداة لضرب الشعب الفلسطيني. وقال: "لولا هذه الفكرة لما كانت مذبحة غزة. كما تشكل فكرة الدولتين نموذجاً لإقصاء الفلسطينيين داخل إسرائيل. لذلك من الضرورة محاربة هذه الفكرة. علينا التمسك بفكرة ثنائية القومية المرتبط بحل الدولة الواحدة. فلا يمكن قبول فكرة ثنائية القومية وبنفس الوقت الدعوة لبناء جدار الفصل. كما تتضمن هذه الفكرة العدل والمساواة المدنية والقومية. لقد قامت الصهيونية على مبدأ إنكار القومية الفلسطينية، بينما تشدد فكرة ثنائية القومية على القومية الفلسطينية".

كما قال البروفيسور كركوتسكين إنه من الضروري لدى الحديث عن الدولة الواحدة وثنائية القومية تعريف حقوق اليهود. "ثنائية القومية هي أيضاً إطار لتفكيك الكولونيالية. من مسؤوليتنا إثارة النقاش والتفكير ووضع التحديات وليس البحث عن نماذج في التاريخ".

التعليقات