بين ثرى يافا وأثرياء روتشيلد

بينما تتواصل الاحتجاجات الاجتماعية التي يطالب فيها الطبقة الوسطى الإسرائيلية بتحسين ظروف معيشتها وكبح جماح الغلاء الفاحش، للأسبوع الرابع على التوالي، وتستقطب الجماهير الواسعة، لا تزال خيمة الاحتجاج في حديقة العجمي (الغزازوة) في مركز يافا، والتي بادر إلى نصبها، منذ أسبوعين، عدد من محرومي السكن في يافا الذين

بين ثرى يافا وأثرياء روتشيلد

جمانة سالم - خاص بـ فصل المقال

بينما تتواصل الاحتجاجات الاجتماعية التي يطالب فيها الطبقة الوسطى الإسرائيلية بتحسين ظروف معيشتها وكبح جماح الغلاء الفاحش، للأسبوع الرابع على التوالي، وتستقطب الجماهير الواسعة، لا تزال خيمة الاحتجاج في حديقة العجمي (الغزازوة) في مركز يافا، والتي بادر إلى نصبها، منذ أسبوعين، عدد من محرومي السكن في يافا الذين طردوا من منازلهم تنتظر جمهور المتضامنين الواسع ليضاف إلى مئات المحتجين المتجمعين فيها كلّ مساء بعد الإفطار الرمضاني.
خيمة يافا، التي أقيمت بالتعاون مع اللجنة الشعبية للأرض والمسكن في يافا „دارنا” و”الرابطة لرعاية شؤون عرب يافا” وحركة „الشبيبة اليافية” وحركة „ترابط” التي تهتم بشؤون السكن، نشطاء النضال في الشيخ جراح وحركة „ صداقة– رعوت”، تعكس أزمة اجتماعية حقيقية وخطيرة تعكس أزمة المدينة الفلسطينية التاريخية التي تخضع منذ نكبتها إلى مخطط „تطوير” يحاصر أهلها ويهجّرهم ببطء من مدينتهم.
لم يضع الجمهور العربي في يافا واللد والرملة حتى الآن كلّ ثقله الجماهيري في التواجد والاعتصام في هذه الخيام ودعم مطالبها، التي تربّع على رأسها مطلب تجميد جميع أوامر إخلاء البيوت ووقف أوامر الهدم ل 497 بيتًا لأهالي يافا. في المقابل قرّر العديد من الناشطين اليساريين الانضمام لخيمة الاعتصام في يافا بحيث أدركوا وفهموا أن خيمة يافا لا تشبه الخيام في جادة روتشيلد، وأنّ مشاركتهم هذه إلى جانب الفلسطينيين ممن يمكثون في الخيمة لا بيوت لهم، يتطلب منهم فهم هوية الآخر وتاريخه قبل عام 48، لأن النضال في النهاية هو نضال سياسي رغم كلّ محاولات نزع السياسة.
بين خيمتين
حين قرّر عدد من الشباب والشابات اليهود نصب خيام احتجاجية في جادة روتشيلد، احتجاجًا على الضائقة السكنية، اختاروا حيا غير عادي في تل أبيب، فروتشيلد هو قلب ومركز المدينة، حي يضجّ بالحياة والبيوت الجميلة، بالمقاهي والبنوك المسارح والسينما، كلها قريبة وممركزة هناك. سكان الخيام يصرون على أنّهم يملكون الحق في السكن فيه بأجور تتوافق مع الوضع الاجتماعي المتوسط الحال، بالمقابل يطالب الشباب في يافا ببيت يأويه في مدينته.
المتظاهرون في روتشيلد يطالبون بتحسين الوضع الاقتصادي لأبناء الطبقات المتوسطة بينما في يافا المتظاهرين هم من أبناء الطبقات الاجتماعية المسحوقة، تعاني من مشاكل سكنية ومشاكل في التعليم والسموم والإجرام، أغلب عائلاتها العربية تعيش تحت خط الفقر، وبلدية تل أبيب تعرف جيدًا كيف تضيق عليهم الحيز العام لتمنعهم من ممارسة الحياة الطبيعية.
الوضع الاقتصادي لشباب روتشيلد يتفوق كثيرا عن الوضع الاقتصادي للشاب المعتصم في خيمة يافا. لا يمكن التظاهر لأجل العدالة الاجتماعية دون رؤية هذه الفروق، والفجوة ما بين الاثنين هي كبيرة جدًا، وشتان ما ثرى يافا العربية وثريا البرجوازية الإشكنازية.
«بيئومينا» وهجرة اليافيين
مؤخرًا، خُصّصت منطقة السوق في يافا لبناء وحدات وشقق سكنية لكنها أعطيت لشركة „بئيمونا” للمتدينين القوميين اليهود، وأعربت “بيئومونا” بشكل صريح عن عدم موافقتها على إسكان العرب هناك، فهذا يتناقض مع إيديولوجيتهم العنصرية. عدم وجود آفاق لحلّ أزمة السكن في يافا سرّع من حركة هجرة الشباب منها إلى اللد والرملة، والحال هناك، كما تعلمون، ليس بأفضل.
لليافاوي لا يوجد فرص في السكن أينما شاء، بعكس الشباب في روتشيلد يمكنهم العيش في أي مدينة قد يختارونها، سواء كانت نتانيا أو الخضيرة أو العفولة والخ.. شباب يافا الذين نشؤا في الحي العربي ليس بإمكانهم ملاءمة ظروف سكناهم مع أية مدينة يهودية ذلك لأن تلك المدن لم تخصص لاستقبال العرب، ولا مجال فيها لحياة اجتماعية عربية عادية.
«روتشيلد» لا يمثلنا
يقول المعتصمون في يافا: نعرف جيدًا أنّ نضال في جادة روتشيلد لا يمثلنا، لذلك فإنّ خيمة يافا تحاول أنّ تلبي مطالب العربي ليعيش في بلده. ونضالنا كفلسطينيين هو أوسع بكثير من ما يطالب به المتظاهرين في روتشيلد. حيث يطالب العرب ببناء مستقبل لأبنائهم، وذلك يتطلب تطوير خرائط هيكلية تلائم مدننا وقرانا، والسماح في البناء على أرضنا بدل مواصلة توجيه التهم نحونا بأننا مجرمون وخارقون للقوانين، من أحق منا بالعدالة الاجتماعية، نحن الذين سلبت منا بيوتنا وارضنا عام 1948 وما بعده؟
يافا: سلعة في سوق العقارات الإسرائيلي
بعد نكبة العام 48 وتهجير السواد الأعظم من اليافيين، ضمّت تل أبيب يافا إليها وأضحت عروس البحر العربية حيًا في المدينة العبرية، وسارعت البلدية في خنق العائلات العربية الباقية فيها من خلال شركات الإسكان الشعبي „حلاميش” و”عميدار” .
معظم البيوت المطلة على شاطئ العجمي، في يافا تم بيعها ليهود كنديين وفرنسيين، ساعد في ذلك
خطة تطوير يافا حيث جلبت العديد من الشبان الإسرائيليين نحو المدينة بالأخص بعد أن تم فتح الكلية الأكاديمية وتطوير سوق العتق وفتح البارات الفخمة، مما أدى إلى نشوء حياة صاخبة رفعت أسعار البيوت وحرمت المحليين العاديين من شراء قطعة ارض للبناء أو حتى شراء بيت بمساحة 70 متر.
1948 بداية لمسلسل تهجير لم ينته بعد
حين تم الترحيل عام 1948 حصر من بقي من أهالي يافا في حي العجمي بـ”جيتو” مصنوع من الأسلاك الشائكة، عندها تم الاستيلاء على البيوت والقصور العربية الفخمة، وقد أقرت الكنيست في حينه أن من ترك أرضه من تاريخ 1947/11/29 حتى 1948/5/16 يكون قد فقد ملكيته على جميع أملاكه، وقتها كان العرب في الـ”جيتو” واعتبروا بأنهم غائبين هكذا وبموجب القانون السابق سلبت منهم أرضهم ومساكنهم وصار ذلك ملكا لـ”عميدار” ودائرة أراضي إسرائيل- المنهال.
ليس فقط في يافا ففي اللد والرملة نقل العرب في شاحنات وتم نفيهم إلى مدن عدة مما أدى إلى نشوء ترانسفير.
الفلاحون الذين قطنوا في القرى المجاورة للد نقلوا إلى قرية دهمش. فمثلا عائلة أبو لبن عاشت خسارة فادحة حين اقتلعت من أرضها في قرية زكريا المهجرة، وواخذت جميع أراضيهم بحيث كانوا ملاكين كانت دولة إسرائيل مستعدة لنقلهم إلى دهمش مقابل ترجيع 15% مما كانوا يملكونه وكانت تلك بمثابة ارض زراعية لم يسمح القانون عندها إلا ببناء بيوت تتسع حتى100 مثر فقط لا أكثر .
استمر العرب في البناء لان الحيز كان ضيقًا، عندها اتهمتهم الدولة العبرية بأنهم قاموا بالتعدي على أراضيها وخرق القانون فسارعت بإصدار أوامر الهدم لنحو 70 بيت من قرية دهمش. العرب قاموا بالبناء في ذلك الوقت بموجب قانون يدعى بR6 الذي سنّته الحكومة عندما نقلت أهالي الريف في المركز غلى اللد والرملة بعد استيلائها على الأراضي وسمحت للفلاح بأن يبني بيتًا ريفيًا له على أرضه الخاصة لا يتعدى ال 100 متر.
فيما بعد حكومة اسرائيل قررت التنازل عن هذا القانون لكي يتوقف العرب عن البناء والتوسع، هكذا وبهذه الطريقة صارت البيوت غير مرخصة وقامت السلطات الإسرائيلية بإصدار وابل من أوامر الهدم ويستمر هذا المشهد حتى اليوم.
الفلاحون الفلسطينيون في المركز استمروا في البناء لأنهم رأوا في المقابل أن بيوت اليهود لم تهدم حين بنوا على أراضي زراعية في منطقة „شفاييم” اليوم، وحين عارض الفلاحون هذا أقرت حكومة إسرائيل عندها بسن قانون جديد ينص على السماح للعبريين بالبناء بموجب مشروع أباء وأبناء تابع للكيرن كييمت وأراضي إسرائيل يهدف إلى تشجيع الاستيطان العبري في هذه المناطق.
النضال هو الحلّ
التمييز في السياسة واضح بلا شك، والأمر مستمر في الكنيست، لا يوجد اليوم ممثّل عربي في جميع اللجان القطرية من أجل التخطيط والبناء فيما يتعلق بقرانا ومدننا العربية، وقد نجح المتظاهرون في روتشيلد مؤخرًا بالضغط على الحكومة من أجل الإسراع في إيجاد حلول لغلاء معيشتهم وسكنهم فأقرّت الحكومة بتميزات خاصة تعطى لمن يخدم فترة طويلة في الجيش وهم الأحق من غيرهم الذين لا يخدمون!
العرب في يافا واللد والرملة مدركون لذلك ورغم هذا فهم غير مشاركين في أي نضال، فاليأس والإحباط ما زالا يكبلان قلوبهم وأجسادهم، هذه من تداعيات النكبة وهو أمر رئيسي في السياسة الإسرائيلية منذ عام 1948، لذلك فان اقل ما يمكن فعله هو النضال، لأنه لا أحق منا بالعدالة الاجتماعية نحن أصحاب الحق وأصحاب البيت والأرض واجب علينا فهم وإدراك تاريخنا لأجل الحفاظ على مستقبلنا، نضال الأرض والمسكن وحده يجعلنا صامدين أمام سياسة الحكومة.
أما في روتشيلد فيتصاعد النضال من أجل تخفيف معدل الأجور فيما يتعلق بالسكن والغذاء والتربية والمطالبة بدولة رفاه وعدالة اجتماعية.

 

التعليقات