وتظل آلاء نجمة تتلألأ في عيون محبيها!

"ألوم الشرطة، هي التي ساهمت بوجود المافيا التي تعمل تحت إمرتها! ويبدو أنها تمولها، ولا بُد أن يأتي يومٍ تُقطع يد الجاني أو رأسه، فنحنُ العرب عُرف عنا التسامح والترابط الأسر والعلاقات الاجتماعية الجيدة، متى بدأت هذه الجرأة بالقتل؟! حتى تحول الإنسان كالباعوض، كالصراصير"، أين دورُ الشرطة؟!

وتظل آلاء نجمة تتلألأ في عيون محبيها!

 

سنة كاملة مرّت على غياب آلاء، تاركة ورائها عائلة ثاكلة، أبويْن لا يزالان يبكيان فراقها، لا تزال الصدمة أكبر من أن تعيد الحياة إلى ما قبل رحيلها، العيد ما عاد عيدا، والفرحة صارت أملا بالأخوة الذين تركتهم ورائها، وبحفيد صغيرْ لعله يغيّر بعضا من الجو الكئيب الذي يحيوْنه.

آلاء، كما كل الصبايا الجميلات، كانت لافتة للنظر بشكلها واهتمامها بنفسها، وتكمل هذه الأناقة، بروح طيبة وأحلام كبيرة لا تتسع لها على ما يبدو الحياة، حلم ظلّ يرافقها منذ طفولتها أن تصبح طبيبة، حزمت حقائبها وسافرت في العام 2010 إلى مولدوفا لتدرس طب الأسنان، مرّت السنة الأولى سريعا، عادت آلاء بلهفة واشتياق لحضن أمها "مروة" التي ربّت أربعة أبناء، تعلّقت هي أيضا بأحلام آلاء، وصارت أكثر منها رغبة أن تنهي دراستها وتعود إلى العائلة دكتورة كبيرة.

كل شيء كان جميلا في الحياة، فرح يختبئ خلفه موت حطّم العائلة، ذات يوم في العشرين من كانون ثاني عام 2011، أصابت رصاصة غادرة قلب آلاء، فسقطت وانهار معها حلم كبير سكن مكانه الشوق والحسرة والجراح التي لا تندملْ.

 بأي حق أدفن ابنتي الحلوة؟

 وفي زاوية من البيت اختار والدها أن يجلس على مقعد اعتادت المرحوم آلاء أن تكون قبالته، وتحدثه عن مشوار حياتها "الطويل" والمليء بالنجاحات... "تغيرت حياتنا 360 درجة، هي تجربة مريرة أتعبتنا، تجربة تحتاج منا إلى الصبر والجلد".

 يقول والدها، وائل "عشت معها الحلم يوما بيوم، منذ كانت صغيرة مسؤولة عن مجلة الحائط، تكتب الحكم والنصائح والطرائف، إلى بداية تحقيق الحلم في مشروع الطب، أحببت معها أنها ستخدم وطنها ومجتمعها، وفي لحظة وبدون تفكير ولا يعنيني الواقع الذي كان يحياه، قتل شخص غادر أحلامنا جميعا، كل الحياة الحلوة التي عشناها 19 عاما حطمتها رصاصة لا تسوى شيكلا، ولا أعرف على أي أساس ولماذا وبأي حق، دفن أحلام الوالد والابنة الحلوة وجميع أسرتها، آلاء، كانت ستغير شيئا لو بسيطا في صالح مجتمعها".

 ويضيف: "هي قلة وعي وانفلات في المجتمع، تبدّل فيه الترابط الأسري والاجتماعي فتفككت العائلة، واحترب الأخوة في البيت الواحد، وكادت تمّحي الكرامة وصلة الرحم والاحترام بين البشر، وكأننا نفعل ما يريده الاحتلال تماما، أن نتفكك وأن يتدهور حالنا وأن نقتل بعضنا بعضا، فننشغل عن حقوقنا وحياتنا الحرة بالاقتتال والدماء المسكوبة على الجراح، متناسين مقولة "العفو عن المقدرة".

 "كيف أنساها وكل زاوية تذكرني بها؟!"

 رفع صوته الهادئ، وقال بنبرة حزينة: "الأسى ما بنتسى، بحاول أتناسى"، لكن كل شيء يذكرني بآلاء، حين أمر يوميا من حيفا إلى مكان عملي في الطيرة، أشم رائحة الموتى في القبور، تناديني بصوتها العذب "أبي..ييييييي"، أهمس في نفسي، "أراك عند عودتي"، وفي طريقي للبيت، أعرّج على قبرها، أقف قبالتها، أسمع صوتها، تسقط دمعة محبوسة غصبا عني، أقاومها كي لا تشعر أنني ضعيف، فتصدّق أنها لم تعد بيننا... تظل ذكراها في البيت، كيف أنساها وكل زاوية تذكرني بها؟! أهرب أحيانا من كرسي اعتادت أن تجلس عليه؟! فأجلس على آخر جلستْ عليه أيضا، تمنيت أن تكون معي في مثل هذه الأيام، أيام الأعياد، لكنْ بغيابها لا فرح في البيت أصلا... لا زلت أتحدث معها يوميا، أنسى أحيانا أنها تحت التراب، لكن الحمد لله، كل شيء يهونْ من أجل عيونها!"

 

 "آلاء حبيبتي!"

 وعلى كرسي قبالته، جلسة مروة، والدة آلاء، لا تستطيع حبس دموعها المنسابة طوال الوقت، منذ رحيلها قبل عام، تقول بحرقة والدموع لا زالت غزيرة: "اللي صار حطم الحلم، كنت احلم تصير دكتورة، ذكريات حلوة، آلاء حبيبتي، كانت مميزة بالبيت، كانت حنونة مطيعة، بتحز بقلبي كانت ترد عليْ، حتى لو رفضت طلبها، كانت تسمع كلامي، لما قالتلي بدي اتعلم كيّفت ووافقت".

 "حلم السنة الأولى بسرعة مرّ، وأقبل الشهر الأخير، كنت بانتظارها بلهفة، لتأتي بسرعة إلى حضني اشتياقا، مكثت بقربي بضع أيام، قبل أن تقارفني".

 تضيف والدتها: "الحياة صعبة ومرّة بدونها، حتى أنني أوهم نفسي، وأصدّقها أنها لم تمت، آلاء "مش ميتة"، آلاء تعيش بفرح لتفتح الباب الآن وتحتضني بقوة".

 "بعدها..كأنّ لا حياة"

 تقول مروة: "تغيرت حياتي بعدها، لم أكن هكذا أبدا، البيت يملأه الفرح، الضحك، اليوم أخرج للعمل، أعود، كأنّ لا حياة، لكنني أبدو قوية أمام أشقائها لكيْ لا يكتئبوا أكثر، انكسرت، أشعر أنّني أعيش في غابة عنف، صعبة... قبل موتها عندما كنت أسمع أنّ فتاة قتلت، أقول في نفسي "الله يساعد أهلها"، لكنّ عندما دخلت المصيبة بيتنا، صرت أعرف كم يتوجع الأهل وكيف أنهم لا ينسوْن أبدا".

"الله يعين كل أم وكل أب ع المصيبة، صعبة جدا، لم أكن أتصورها".

 "أي ذنب فعلت؟!"

 تتوقف عن الكلام ثم تواصل وكأنها تحدّث نفسها: "قبل فترة كنت أجلس في البيت لوحدي، شممت رائحتها مشيت إليها، بحثتْ فلم أجدها".

 وعن شعورها بالظلم تقول مروة: "أشعر بظلم كبير تجاهي وتجاه ابنتي آلاء، ماذا فعلت لتلقى حتفها؟! أي ذنب فعلته؟!"

 "اليوم، أخاف على أبنائي كثيرا، لم أعد أشعر بالأمان، أحيانا أقول "يا ربي أموت لأرتاح، لعلي ألتقي بآلاء في السماء"، لم أشبعْ منها، من رؤيتها، إنها لم تزلْ 19 سنة ونصف، وحين أنام أتمنى أن يكون موتها كذبة وكابوس أصابني وسيذهب عندما أصحو..".

 وعن آلاء قالت: "آلاء كانت جميلة، بتجنن، إذا ما خرجت مع صديقاتها، واتصلت بي فوجدتني لوحدي تعدني أن تعود بسرعة كي لا أبقى وحيدة، إن عرفت أني منزعجة لا تتركني، لا تحب أن تراني حزينة، "الله يرضى عليها"، كانت فعلا مميزة، عندي أربعة أخوة، لكنها تختلف عنهم بحنوْها، هذا ما أفقدني صوابي".

 الشرطة قتلت ابنتي!

 "ألوم الشرطة، هي التي ساهمت بوجود المافيا التي تعمل تحت إمرتها! ويبدو أنها تمولها، ولا بد أن يأتي يوم تقطع يد الجاني أو رأسه، فنحن العرب عرف عنا التسامح والترابط الأسر والعلاقات الاجتماعية الجيدة، متى بدأت هذه الجرأة بالقتل؟! حتى تحول الإنسان كالباعوض، كالصراصير"، أين دور الشرطة؟!

 وداع الملاك

 وآخر ما تذكرته والدة آلاء: "يوم ودعتها، كانت جميلة في مماتها كما في حياتها، كانت عيونها مفتوحة، وأحسست أنها تبتسم لي، فمها باسم، ملاك نائم، فكيف بعدها أفرحْ، كانت ستكون سعادتي بعودتها إلى بيتها طبيبة ناجحة، كيف أفرحْ أخبروني؟!! حسبي الله ونعم الوكيل".

التعليقات