حنين زعبي في قلب العاصفة

تمثل زعبي الأقلية الباقية في وطنها بعد الاقتلاع والتهجير، ولا زالت النكبة ماثلة في ذهنها وتسهم في بلورة رؤيتها السياسية، غير أن الأمر بات يزعج من يتنكرون للنكبة ويسوقون روايات ملفقة تشوه التاريخ والذاكرة والمكان، وفي ظل تفاقم حالة الإنكار، والإمعان في التنكر لحقوقنا، وفي ظل تراجع النقد الذاتي رغم قلته، بات من يجاهرهم بحقيقتهم هو «المجرم» لا من ارتكب الجريمة.

حنين زعبي في قلب العاصفة

وجدت حنين زعبي نفسها في قلب عاصفة عاتية من التحريض، ولم تكتف وسائل الإعلام والمحافل السياسية الإسرائيلية بالهجوم على موقفها وخطابها السياسي بل تعدى ذلك إلى حد محاولة تجريدها من إنسانيتها، بل و"شيطنتها".

لا تمهلها الهجمات وقتا لالتقاط أنفاسها، لكنها رغم ذلك ماضية في طريقها لا تعير انتباها للسهام التي تطلق عليها من كل صوب بقدر ما تتلمس مكان الجرح وتواصل.

 
 
دخلت زعبي المعترك السياسي قبل سنوات، بعد أن تدرجت في السلم القيادي الحزبي بشكل طبيعي، ووجدت نفسها بعد مشاركتها في أسطول الحرية تخوض تجربة أكثر ثقلا مما توقعت، فحينما تصبح الإشارة للجريمة- جريمة (لا الجريمة نفسها)، فهذا دليل على أن التعصب يسيطر على السلوك- لا العقل السليم، وفي واقع من هذا النوع  تصبح المهمة أكثر صعوبة وأكثر ثقلا على النفس.
 
 تمثل زعبي الأقلية الباقية في وطنها بعد الاقتلاع والتهجير، ولا زالت النكبة ماثلة في ذهنها وتسهم في بلورة رؤيتها السياسية، غير أن الأمر بات يزعج من  يتنكرون للنكبة ويسوقون روايات ملفقة تشوه التاريخ والذاكرة والمكان، وفي ظل تفاقم حالة الإنكار، والإمعان في التنكر لحقوقنا، وفي ظل تراجع النقد الذاتي رغم قلته، بات من يجاهرهم بحقيقتهم هو «المجرم» لا من ارتكب الجريمة.
 
 وفي ظل حملة التحريض المحمومة، وقبل أيام من مظاهرة اليمين الفاشي المزمعة، أجرى موقع «عــ48ـرب»، حوارا مع النائبة زعبي، تحدثت فيه عن موجة التحريض التي تتعرض لها، عن مواقفها وهواجسها، وعن التدهور الحاصل في المجتمع الإسرائيلي  الذي وصفته بأن «عنصريته  انتقلت من مرحلتها الهادئة إلى مرحلتها الصاخبة».
 
  رغم أن التحريض هو بالأساس ضد الموقف الوطني، غير أن حنين زعبي وجدت نفسها في قلب العاصفة،  هل توقعت في بداية طريقك السياسي أن تصل الأمور إلى هذا الحد؟

لم أتوقع شيئا محددا. تستطيع أن تقول أنه لم يكن لدي سيناريو يخرج عن سياق ما نعرفه من تعامل المؤسسة معنا، كحزب يضع مفردات النضال اليومي ضمن سؤال الهوية والانتماء، وعلاقتنا مع المشروع الصهيوني. حتى عندما أبحرت "مرمرة" تعاملت مع الموضوع، كسلوك سياسي طبيعي في حالتنا، سينال انتقاد المؤسسة الإسرائيلية، لكن ليس لحد الهجوم والتحريض الهمجي الذي شهدناه. وأصلا، الهجمة الإسرائيلية هي نتاج الجريمة الإسرائيلية مع "مرمرة" وهي ليست نتاج تحدي "مرمرة" بحد ذاته، بمعنى أن الهجمة هذه ما كانت لتصل لهذا الحد، لولا القرار الإسرائيلي بالهجوم على السفينة وقتل تسعة نشطاء أتراك، وأبعاد ذلك إسرائيليا، وأبعاد الجريمة الإسرائيلية دوليا. 
 
من جهة أخرى، هذه العاصفة، لم تأت لترد على "مرمرة" تحديدا، وكل التطورات منذ " أسطول الحرية" هي رد فعل إسرائيلي يتجاوز الأسطول ويتجاوز الحصار على غزة، ليشمل مجمل مشروع التجمع الممثل بـ"دولة المواطنين".
 
وبما أن المؤسسة الإسرائيلية لم تستطع أن "ترد" علينا سياسيا، فادعاءاتنا وسلوكنا السياسي لا يتناقض مع حدود النضال السياسي الشرعي، بل بالعكس هو ينبثق من شرعية سياسية وأخلاقية وإنسانية، فإنها اختارت أن "ترد" علينا بالتحريض، وعلي بالتحريض السياسي والشخصي (كامرأة). لقد أبرز الكنيست الإسرائيلي مشهدا بائسا لمن يدعون الديمقراطية والليبرالية ومساواة المرأة، فحتى بالنسبة للأخيرة، تبين أن الإستعلاء والعنصرية يحددان مفهوم "المرأة". فنحن نقول حقوق المرأة مشتقة من حقوقها كإنسان، وأنه يوجد للفرد كيانية خارج انتمائه القومي أو الديني أو العرقي، وهناك بالضبط تكمن إنسانيته. لكن المرأة في البرلمان الإسرائيلي ليست إنسانا، بهذا المفهوم، بل هي فقط كائن ينتمي "لعنصر" أو قومية معينة، ولا يوجد لها إنسانية أو فردية خارج ذلك.  
 
  من خلال السنوات القليلة التي عملت حنين في الكنيست، ما الذي تغير عليها شخصيا، وماذا اكتسبت، وما الذي تغير على نظرتها للمجتمع الإسرائيلي وقواه السياسية؟

لا أعرف حقيقة ماذا تغير علي، أنت تحتاج لمراقب خارجي لكي يرصد ذلك، فنحن لا نعيش دائما التغييرات التي نمر بها، بل نحن نرافق أنفسنا، ونعيش اللحظات بمطلقها. النسبية هي صفة للعقل، وليس للإحساس، وعندما يريد العقل أن يعقل ماذا تغير، قد لا يعرف. مع ذلك أستطيع أن أقول، أن التجربة السياسية والتماس مع جو عنصري وتحريضي، تعلمك أن تكون أكثر انضباطا لمشاعرك، وترغمك أن تعبر عن مواقفك برصانة، لأنك ترى كم السفاهة اللامحدود الذي يحيطك. وتتعلم أيضا ألا يحدد الآخرون لك أوقات المواجهة، وأن تعرف متى تستطيع القافلة أن تسير والكلاب تنبح، ومتى على القافلة أن تقف لتتصدي، لأنهم يعترضون الطريق، وليس فقط ينبحون.      
      
لكن عملية ترشيد الأعصاب هذه، تأتي على حساب أعصابك التي تشعر أنها قد تتلف من الداخل، وعملية ضبط الأعصاب، تصبح لديك نهج، وتمتد أيضا في حيزك الشخصي.  
 
 على نظرتي للمجتمع الإسرائيلي، هو ما تغير على نظرتنا جميعا، أو بكلمات أدق هو التدهور الحاصل في المجتمع الإسرائيلي نفسه، الذي انتقلت عنصريته من مرحلتها الهادئة إلى مرحلتها الصاخبة. لكن علينا أن نقول أننا نحن أيضا صرنا أكثر وضوحا، هنالك عملية "مصارحة" تجري بيننا الآن، مكاشفة لم يسبق لها أن كانت بها الوضوح وبهذه القوة، نحن نحدد لهم بالضبط ما لم نفرط فيه، وما نستحقه، وما لا نساوم عليه، وهم يوضحون لنا أيضا ما يريدونه، وما لا يقبلون أقل منه. 
 
لقد انتقل كلانا، من مرحلة المواربة وفحص الآخر واسترضاء الآخر، لمرحلة وضع الأوراق على الطاولة. المقموع يسترضي لأنه لم يستجمع كامل قوته بعد، والقامع يسترضي لأنه "راض" عن موازين القوة وأفرازاتها. 
 
لكن علينا مع ذلك أن نعي أن ذلك حدث بالتوازي أكثر منه بالسببية، مما يعني أن انحدار العنصرية إلى الدرك الأسفل، ليس مجرد رد فعل على مشروعنا الوطني، بل هو نتيجة أيضا، وربما بالأساس، إلى ديناميكيات حدثت داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه، الحاجة للتأكيد على يهودية الدولة وتعزيز "قيم قومية"-الصهيونية، هي حاجة للتماسك الداخلي في المجتمع الإسرائيلي نفسه، وتلك حاجة تطرح نفسها بقوة الآن في المجتمع الإسرائيلي، نتيجة لمؤشرات تشير إلى ازدياد الفردانية وارتدادات العولمة في المجتمع الإسرائيلي، وازدياد الفجوات الاقتصادية، والتوتر العلماني- الديني، عوامل كلها تؤدي من وجهة النظر الإسرائيلية إلى ابتعاد المجتمع الإسرائيلي عن متطلبات "الأمن القومي"، أو "الحصانة القومية" والذي إحدى أهم مركباته "قوة الجبهة الداخلية" وتماسكها و"استعدادها للتضحية".        
 
  كانت مرمرة نقطة البدء. الرسالة الإنسانية والسياسية وصلت، لكن الخطوة فتحت على حنين زعبي  نيران التحريض والعداء السافر، وتواصلت إلى يومنا هذا بشكل تصاعدي ووصلت إلى حد التحريض الدموي.  كيف تشعرين على المستوى الشخصي إزاء ذلك؟

شخصيا، أنا لا أشعر بالخوف، بل أكثر بعدم الراحة، وبدخول "الصراع" إلى كافة تفاصيل حياتي. فلا أستطيع التحرك في الأماكن العامة، المختلطة أو اليهودية، دون أن أكون بمرافقة آخرين. وعندما أفعل ذلك، وأفعله كثيرا، أتجنب النظر إلى وجوه من يحيطني، إلا إذا سمعت بعض العبارات فإنني أتلفت، وأقصد أن أرد بنظرة مستخفة. 
 
من جهة أخرى، لم يتناول مجتمعي "البدائي" بعينهم العنصرية، موضوعة زواجي وعزوبيتي، بالوقاحة والكثافة التي تناول بها المجتمع الإسرائيلي هذا الموضوع. لم يسبق لأحد ممن حولي، سواء أفراد عائلتي الصغيرة أو الممتدة، أو الجيران أو الرفاق، أو أي ممن في محيطي، أبدا أن تناول أمر "عزوبيتي" بنصف كلمة، وليس الآن فقط، بل منذ عشر سنوات على الأقل. لقد احترم مجتمعي وبشكل كامل، خياري في هذا الموضوع، والآن يأتي من يتبجحون بالليبرالية ليتناولوا هذا الموضوع من على صفحات المواقع ووسائل الإعلام، بالتعقيبات والتصريحات والنظريات الكاملة.       
مرمرة لم تكشف العنصرية الإسرائيلية للعالم فقط، بل كشفت الأبشع، التقاء العنصرية بالشوفينية، فأنتجت رد فعل في أدنى درجات السلم الأخلاقي والبؤس الإنساني.  
 
    كلمة أخيرة في يوم المرأة؟

كامرأة أريد أن أحيي النساء طبعا . . .  لكنني أيضا أريد أن أحيي الرجل، ذاك الذي يناضل معنا في الواجهة، وذاك الذي يناضل معنا بشكل أكثر صمتا، لكنه موجود وبقوة. أقول له أننا نعتبره شريكا كاملا في نضالنا. 
وتحياتي لشعبي، الذي أشعر أينما كنت، أنه يعطيني كامل الدعم، وكامل الاحترام.      

التعليقات