لانا في عكا.. لأنّ عكا لنا

عن الحُب تقول لانا: "لا يحق لهذه الدولة أن تتدخل بي وبِمن أحب ومَن أريد أن أحب، إنها حريتي الشخصية، تتجاوز قوانيهم وعنصريتهم وفاشيتهم، لا أحد يمكنه أن يختار لي مَن أحب ومَن أتزوج”.

لانا في عكا.. لأنّ عكا لنا

- تصوير: حبيب سمعان -

قصة لانا خطيب التي يهدّد قانون المواطنة بحرمانها من حقها بالعيش مع زوجها الذي أصرّت على زواجه بعد حبٍ من أول نظرة، وابنها وابنتها اللذان جاءاها بعد عناء شديد، تريد أن تبقى في مدينة عكا، فقرّرت أن ترفع صوتها وتشارك في كشف الظلم والعنصرية

 

 

حُبٌ بعد الاجتياح
إنّها من قصص الحب من أول نظرة، كانت لانا يوم التقيا أول مرة تعمل في مكتب صحة جنين، سكرتيرة للجنة الطبية لشؤون الأسرى والشهداء والجرحى بعد الاجتياح، وكان تيسير يبحث عن معلوماتٍ دقيقة وإحصائيات مِن أجل رسالة الدكتوراة التي يعدّها حول "اللاجئين في المخيمات”. كأنّ قدرًا أوقفه عند بابها طويلا، فأحبها. أجّل تيسير الدكتوراة مِن أجلِ عيونِ لانا، وبدأ بحلم المستقبل المشترك، وحينَ حاولت الأم ثني لانا عن هذا المشروع تخوفًا مِن مسألة الهوية قالت لانا يومها: "أنا اخترتُ مَن أحبه"، فوافقت رغم معرفتها أنّ البيت لا يحلو بدونِ وجود لانا.
 
تزوجا في كانون الثاني من العام 2005، لم تكن لانا تتوقَع حجم الصعوبات التي نغّصت عليها أجمل أيام حياتها منذ البداية، فقد تألمّت لأنها أمضت شهر "العسل" في جنين، أما تصاريح الإقامة لستة أشهر أو سنة والتي حصلت عليها بعد جهود سمحت لها بالإقامة والتنفُس والأكل والشرب في عكا لكن دون حقوقٍ، دون أن يكون من حقها قيادة سيارة، دون أن يُسمح لها بالعمل.
 
بين الحياة والموت، ولا علاج!
رغم سعادة لانا بزواجها من تيسير، الذي أحبها وأحبته، لكنها لم تشعُر يومًا بالهدوءِ والراحة، فهي في سفرٍ دائم، مِن فلسطين وإلى فلسطين، لكن الظرف الأقسى بالنسبة لها، كان عندما أجهضت مرتّين، وفي مرحلةٍ كهذه تكون المرأة بين الحياةِ والموت، وليس مِن حقها أن تتلقى علاجًا رغم صعوبة حالها، وكانت تتلقى حُقن خاصة ليصل الأوكسجين إلى الجنين، عندما وُلد عدنان (4 سنوات ونصف) ويُسرا (3 سنوات ونصف)، وكانت التكلفة باهظة. إنها واحدة مِن تجارب لانا ومعاناتها الشخصية، حين يُنظر إليها كجسمٍ غريب ليس لَهُ الحقُ في الحياة.
 
عدنان يخشى غياب أمه!
بعد أن كبُر عدنان ويُسرا، وأصبحا يذهبان إلى مدارسهما، صارت لانا تشعرُ بالوحدةِ والحاجةِ إلى تحقيق الذات، ستُ سنواتٍ أمضتها لانا بتربية الأبناء كانت كافية، لتشعُر بعدها أنها تحتاج إلى العمل، وفي كل مكانٍ تحاول أن تصله لتعمل بشهادتها في "إدارة الأعمال"، كانت تُقابَل بالرفض، ولامرأة متعلمة ومثقفة لا يُمكن أن ترضى أن تظل سجينةً في بيتها، صارت عصبية، وتخشى أن يؤثر ذلك على نفسية أبنائها، وحينَ أقرّ قانون المواطنة، وتكاثفت وسائل الإعلام على البيت، شعرت لانا أنّ شيئًا مخيفًا سيجتاحُ المنزل، خاصةً أنّ إقامتها ستنتهي بعد أسبوعين، كان ذلك في شهر كانون ثاني، الماضي، لكنها ارتاحت قليلاً عندما حصلت على تجديد تصريح إقامة، صارَ عدنان يُقبل والدته عشرات المرّات في اليوم، وكأنه يخشى غياب لانا.
 
لن أترك عكا مهما حصل!
"ايُ دولةٍ هذه تنفّذ فاشيتها ببرودة أعصاب، أيُ حكومةٍ هذه تقبل بقانونٍ يقوم بتقطيع أوصال البشر..أنا قررتُ أن أناضل، ألا أسكت، منذ اليوم قمتُ بكسر حاجز الصمت والخوف، فحتى لو أعادوني إلى جنين، فإنني لن أخرج إلا بالقوة، وإن نجحوا سأعود مرّة أخرى.. أنا اليوم ابنةُ عكا، حيثُ يسكنُ زوجي سأسكنْ وهو الذي قالَ "أنا كسَمَك البحر لا أخرجُ من عكا"، و"أنا كذلك"، تضيف لانا "منذ اليوم سأتطوع في الجمعيات، لنصرة قضيتنا وسأشرح بالتفاصيل خطورة هذا القانون العنصري، لن أجعل الفراغ في حياتي يقوقعني، بل سأخرج مِن بيتي، وأشارك العائلات حتى نستطيع فعلاً أن نؤثِر”.
 
- تصوير: حبيب سمعان -

وتشعرُ لانا بنوعٍ مِن العزاء والمُشاركة عندما يتصل بزوجها أحد أصدقائه، وهو محاضرٌ كبير في جامعة حيفا، ليقول له: "أنا أخجل من يهوديتي، وبيتي مفتوحٌ لاستقبال لانا وأطفالها”.
 
لا يضيعُ حقٌ ورائه مُطالِب!
تؤكّد لانا أنها لن تخرجُ خاسرة أبدًا، فالنضال مهما استمرَ سينتهي بالانفراج، خاصة أنّ هناك جهاتٍ كثيرة داعمة، فهناك رسائل مباشرة مع جهاتٍ محلية ويهودية وأجنبية، وقد وصلت مطالب العائلات التي تواجه قانون المواطنة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كيمون، و"لن يتوقف النضال عند هذا الحد، فالمسيرات ستتواصل،  والصراخات ستعلو لتصل إلى الآذان الصمّاء، حيثُ لا يضيع حقٌ ورائه مُطالِب”.
 
ما بين الحُبِ والتضحية!
عن الحُب تقول لانا: "لا يحق لهذه الدولة أن تتدخل بي وبِمن أحب ومَن أريد أن أحب، إنها حريتي الشخصية، تتجاوز قوانيهم وعنصريتهم وفاشيتهم، لا أحد يمكنه أن يختار لي مَن أحب ومَن أتزوج”.
 
"يؤلمني حين أرى زوجي منشغلاً عن رسالة الدكتورة، بمتابعة القانون الجائر "لم الشمل"، كنتُ أتمنى أن أخفف عنه بإيجاد عملٍ، يُتيح لَه مواصلة دراسته، لكنْ للأسف لا أستطيع”.
 
"لكنني لم أندم يومًا أنني تزوجتُ تيسير، بل على العكس، أكون في غاية السعادة عندما أسمع أنّ معارفي وأقاربي "من شطري الخط الأخضر" قرروا الارتباط، كاسرين جدار الفصل والحواجز، فأنا أكيدة أنّ الحواجز والجدار سينهار كما انهارَ سور برلين”.
 
الإصرار
"لم أندم يومًا، رغمَ أنني بصورةٍ دائمة أواجه العنصرية، كلما سافرتُ إلى جنين يستقبلونني بأساليبهم الهمجية وحين عودتي إلى عكا، ألمس نفس الأساليب المقزّزة، فكيف لي ألا أزيد إصرارًا على الصمود وأنا أفتّش كلما عبرت الحاجز، ويفحص الجنود بصمات يدي عند الحاجز، ويستغرق التفتيش ساعة أو ساعات، وهل نترك لهم هذه البلاد؟!، كي يسرحوا ويمرحوا”.
 
"سأبقى في عكا، لأن عكا لنا" تصرّ لانا "سأبقى مع زوجي وأولادي رغم كل محاولات فصلنا”.

التعليقات