التجمع يعقد الدورة الأولى للمجلس العام بعد المؤتمر السادس

"نحو تجديد الجهد المكثف والمنهجي في الدفع نحو إعادة تنظيم المؤسسات التمثيلية والمهنية العربية، وخلق مرجعية وطنية جامعة لها أسنان وقوة مادية وهيئات تخطيط تستطيع تأطير كل الإنجازات التي حققها الفلسطينيون في إسرائيل على مدار عشرات السنين"..

التجمع يعقد الدورة الأولى للمجلس العام بعد المؤتمر السادس

غصت قاعة المقر المركزي للتجمع الوطني الديمقراطي بالحضور، يوم السبت الماضي، حيث عقدت الدورة الأولى للمجلس العام بعد المؤتمر السادس.

افتتح الجلسة عضو المكتب السياسي ورئيس المجلس العام  السيد محمد ميعاري فرحب بالحضور، وطرح مواضيع البحث المدرجة على جدول الأعمال بعد أن استعرض الوضع السياسي العام موضحا المهام التي قامت الحركة الوطنية من أجلها، وخصوصا في الحفاظ على هويتها القومية العروبية ضمن المحور المعادي للهيمنة الأمريكية الصهيونية وحلفائهما من القوى الرجعية التي ناصبت العداء على الدوام لشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية معلنا انحيازنا للمحور الممانع لسياسة مشروع الهيمنة هذا.

واستعرض المهام الكثيرة الملقاة على كاهل الحزب في الداخل الفلسطيني لمواجهة المشروع الصهيوني الذي يستهدف الأرض والمسكن والهوية العربية الفلسطينية. وأوضح ميعاري أن أعمال المجلس العام ستقسم إلى محورين: أولهما تنظيمي لمدة أربع ساعات بما فيه نقاش المواضيع التي طرحت، وثانيهما سياسي لمدة ثلاث ساعات ونصف، تنتهي بتلخيص النقاشات والاقتراحات والبيان الختامي الصادر عن المجلس العام.

تولى عضو المكتب السياسي المحامي رياض جمال إدارة الجلسة التنظيمية، وكانت المداخلة الأولى لرئيس الكتلة البرلمانية  النائب جمال زحالقة الذي قدم تحليلا حول الساحة الإسرائيلية في ظل حكومة يمينية متطرفة تضع على جدول أعمالها اليومي التشريعات العنصرية المكثفة لخنق كل ما هو عربي في الدولة من حيث مصادرة الأرض وهدم المسكن وخنق مسطحات القرى والمدن العربية وسياسة الإفقار الممنهجة التي تقود إلى البطالة والفقر والعنف الذي يهدد مجتمعنا العربي بشكل مقلق للغاية.

كما استعرض زحالقه وضع السلطات المحلية العربية التي تعاني من حالة تمييز عنصري من قبل المؤسسة الحاكمة من ناحية، ومن عدم مسؤولية بعض القيمين على هذا الملف من رؤساء السلطات المحلية العربية وتغيبهم عن جلسات هامة أكثر من مرة مما أهدر ما يزيد عن نصف مليارد شيكل سنويا، واعدا بفتح هذا الملف وفضح كامل تفاصيله أمام الجمهور قريبا.

ومن ثم استعرض شكل الائتلاف الحكومي الذي يشهد صعوبة في ايجاد اتفاق بين مركباته لإقرار الميزانية السنوية ما من شأنه أن يؤدي إلى تقديم موعد الانتخابات إلى الربيع القادم، مشيرا إلى أنه "علينا أن ننطلق من هذه الفرضية كحزب، ونحضّر أنفسنا تنظيميا وجماهيريا لمثل هذا السيناريو المتوقع، والممكن جدا".

وأضاف: "في كل الأحوال ستكون انتخابات الكنيست قبل انتخابات السلطات المحلية، وعليه يجب وضع كامل طاقاتنا استعدادا للمعركة الأولى والأهم لمستقبل الحزب، والتفرغ فيما بعد لانتخابات السلطات المحلية الهامة جدا هي الأخرى، وعلينا تحقيق الانجازات بما يليق بحزب مركزي كحزبنا في كليهما".

وقدم المحور الثاني للجلسة التنظيمية نائب الأمين العام ورئيس الدائرة التنظيمية مصطفى طه، حيث استعرض اجتماعات الفروع والمناطق الحزبية على مدار الشهر الأخير تحضيرا لجلسة المجلس العام هذه  وطبيعة النقاشات السياسية والتنظيمية، والتي تؤكد "أن حزبنا حزب حي نتفق فيه ونختلف، ولكنه نقاش تحت سقف البيت الواحد يدفعه الغيرة على مصلحة الحركة الوطنية في النهاية".

وعرض طه تقريرا تنظيميا شاملا شخّص فيه وضع الحزب التنظيمي بمكامن قوته وضعفه، بإنجازاته وإخفاقاته ضمن الإمكانيات القليلة المتاحة، والتي "يعوض عنها الطاقات الكبيرة الكامنة في نفوس رفاق ورفيقات حزبنا ودائرة أصدقائه الكثر من حوله، ومع هذا فالطاقة هذه غير مستغلة بالكامل عند البعض وفيما لو استنهضت هذه الطاقات بالكامل لاستطعنا أن نجعل من التجمع الرقم الأصعب في معادلة فلسطينيي الداخل تنظيميا وجماهيريا كما هو الحال في خطابه السياسي، خصوصا وأننا نملك من الإرادة والعزيمة والكوادر والقيادات وصحة المشروع ما يكفي لتحقيق هذا الهدف الذي لا نخفي أننا نطمح لتحقيقه، وسنحققه إن "اقترن الدعاء بقليل من القطران"،كما قال.

ومن ثم فتح باب النقاش الذي امتد على مدى ثلاث ساعات تقريبا، نوقشت خلاله كل التقارير المقدمة. وبعد أن تمت الإجابة على الأسئلة المطروحة سجلت جميع الاقتراحات والملاحظات كي تؤخذ بعين الاعتبار عند صدور البيان الختامي عن جلسة المجلس العام.

وفي تلخيصه للجلسة التنظيمية أكد طه على قضايا عدة أهمها:
1-استمرار التحضيرات لإحياء الذكرى الثانية عشرة لهبة القدس والأقصى على مستوى الفعاليات التي أقرها الحزب، والمشاركة في الفعاليات الصادرة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية.
2-الاستعداد فورا لانتخابات الكنيست القادمة والانطلاق من فرضية أنها ستجري في الربيع القريب حتى لو أشارت التقديرات إلى غير ذلك والتصرف على هذا الأساس، وستعقد اجتماعات لجميع فروع الحزب خصيصا لهذا الموضوع بناء على التصور الذي وضعه المكتب السياسي مؤخرا.
3-تكثيف زيارات قيادات الحزب للقرى والمدن العربية، والمدن المختلطة سواء للمؤسسات الرسمية والشعبية أو الشخصيات الجماهيرية، والعمل على تكثيف زيارات المدارس التي يقوم بها النائبان جمال زحالقة وحنين زعبي لما ثبت من أهمية مثل هذه اللقاءات.
4-العمل على تعزيز تمثيل التجمع بأكثر نسبة ممكنة في لجان أولياء أمور الطلاب محليا وقطريا في الانتخابات القريبة.
5-العمل على استكمال عقد مؤتمرات المناطق الحزبية قبل انعقاد الجلسة القادمة للمجلس العام.

البيان السياسي

كان من الطبيعي أن يتركز البيان السياسي الذي قدمه الأمين العام للتجمع عوض عبد الفتاح على الوطن العربي والقضية الفلسطينية عامة وعرب الداخل بوجه خاص.

ووصف الحالة التي يعيشها الوطن العربي بأنها حالة مخاض لمرحلة جديدة تتميز بيقظة شعوبه وجسارتها في مواجهة الأجهزة القمعية في سعيها للتحرر من الاستبداد والتبعية للاستعمار، لافتا إلى أن مفاهيم أساسية في بنية المجتمع السليم كالديمقراطية والتعددية والمواطنة المتساوية وفصل الدين عن الدولة وتداول السلطة عبر صندوق الاقتراع، تخضع حاليًا للتداول بكثافة على لسان المواطن العادي وليس على ألسنة النخب وبأقلامها فحسب.

واعتبر البيان الحالة السورية أكثر الحالات تعقيدا، إلا أنه أكد على ضرورة إطلاق التغيير الجذري المطلوب الذي يضمن تحقيق المطالب المشروعة للشعب السوري، المتمثلة بالحرية والديمقراطية وكرامة المواطن والعدالة الاجتماعية، وإنهاء الاستبداد والقضاء على الفساد، والحفاظ على وحدة الوطن السوري أرضًا وشعبًا، والحفاظ على دور سوريا الممانع والداعم للمقاومة، وتطوير مكانتها كبلد محوري في الوطن العربي، له دوره القومي المتميز، ورفض التدخل الخارجي بكافة أشكاله.

"برنامج سياسي موحد وإستراتيجية مقاومة"

وفي حديثه عن الوضع الفلسطيني قال عبد الفتاح إن حالة الانسداد الشامل تتعمق، فهناك انسداد على جميع الجبهات تقريبًا، انسداد أفق التسوية، انسداد أفق المقاومة، انسداد أفق حل الأزمة المعيشية.. وانسداد أو تراجع الآمل بحصول مصالحة فلسطينية وتجميد المسار الدولي.

وأضاف أن أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية تتمثل في غياب الإرادة الفلسطينية لخوض معركة دبلوماسية حقيقية في مواجهة التحالف الإسرائيلي-الأمريكي في المحافل الدولية، وفي غياب إستراتيجية فلسطينية موحدة نتيجة الانقسام الآخذ في الترسخ على المستوى الجغرافي وعلى مستوى الحكم. مع أن الإستراتيجية غائبة قبل الانقسام الذي هو نتاج الوضع الفلسطيني المأزوم أصلاً، وفي انسداد أفق المقاومة، ودخول حركة حماس في أزمة داخلية، تتنازعها تيارات عدة أثرت وتؤثر على التقدم في موضوع المصالحة، حيث يعتقد تيار مهيمن بضرورة الانتظار لحين حصول متغيرات عربية لصالح حماس يمكنها من خوض الانتخابات والحصول على نتائج لصالحها. في الوقت ذاته لا يجوز تجاهل شروط الرباعية المطلوبة من حماس، والتي تصعب أيضًا التقدم بالمصالحة.

ويخلص الأمين العام للتجمع إلى أنه ونظرًا لتواصل المأزق، ربما أصبح هناك حاجة لطرح تصورات جديدة، خارج المألوف، للخروج من هذا المأزق ولكن ليس بوسعنا الآن سوى التأكيد على أن لا مخرج من هذا المأزق الا عبر إعادة توحيد الساحة الفلسطينية على برنامج سياسي موحد، وإستراتيجية مقاومة متفق عليها.

وقال إن هذا لا يمكن أن يتم داخل إطار أوسلو، بل من خلال التخلص نهائيا من قيوده، وما فرضه من ارتهان القرار السياسي والإرادة الفلسطينية بإسرائيل والقوى الداعمة لها، وأولها وقف التنسيق الأمني.

وشدد في هذا السياق على إعادة بناء م. ت. ف. لتنظيم كل الفصائل الفلسطينية، وتجديد المشروع الوطني الفلسطيني، بحيث يأخذ في الاعتبار دور وموقع ومصالح كل تجمعات الشعب الفلسطيني، وبلورة إستراتيجية مقاومة / برنامج سياسي وطني، وتصعيد الحملة الدولية ضد إسرائيل وعزلها، ومواصلة تطوير حملة المقاطعة التي تخوضها حركة التضامن العالمية التي تنشط في إطارها وفي صلبها اللجنة الوطنية الفلسطينية.

وأشار إلى مضي إسرائيل بمشروعها الاستيطاني التهويدي في الضفة الغربية والقدس، مستغلة انشغال العالم العربي بثوراته، وعجز القيادة الفلسطينية المريع عن اجتراح حلول للمأزق الراهن، وتواطؤ المجتمع الدولي ونفاقه.

وجاء في البيان أن تراجع نفوذ الإمبراطورية الأمريكية وبروز أقطاب دولية وإقليمية، لأسباب عديدة من أهمها تورطها في العراق وأفغانستان والأزمة الاقتصادية، لم يترك أثره بعد إيجابيا على الصراع مع إسرائيل، خاصة وأن هذه الأقطاب الناشئة لها علاقات وثيقة مع إسرائيل ولا تمارس هي أيضا ضغوطا حقيقية عليها.

"تنظيم عرب الداخل وخلق مرجعية وطنية جامعة"

وفي هذا السياق وفيما يتصل بعرب الداخل، الذين أعيد تصنيفهم منذ الانتفاضة الثانية كخطر إستراتيجي ما يعني أنهم معرضون إلى مزيد من العداء والإقصاء واحتجاز تطورهم في كل المجالات، لفت عبد الفتاح إلى أنه يقع على عاتق الحركة الوطنية في الداخل مسؤولية المشاركة الفاعلة في رسم بدائل، وتحديد كيف يكون دور وموقع عرب الداخل في المشروع الوطني-الديمقراطي المتجدد.

وشدد أمين عام التجمع، في ظل تقلص الفرص أمام تراجع المؤسسة الإسرائيلية عن عدائها المنهجي، في المدى المنظور، وفي ظل ازدياد المؤشرات على انسداد الأفق أمام العرب في الداخل، بكل إفرازات ذلك من سلوكيات عنيفة وعزوف عن العمل السياسي وما إلى ذلك، فإن الحاجة للحديث عن آفاق بديلة للعمل ومواجهة الواقع تزداد إلحاحا، ويقتضي ذلك استثمار نقاط القوة والزج بالطاقات البشرية والقدرات المعرفية والوعي السياسي عبر تجديد الجهد المكثف والمنهجي في الدفع نحو إعادة تنظيم المؤسسات التمثيلية والمهنية العربية. وخلق مرجعية وطنية جامعة لها أسنان وقوة مادية وهيئات تخطيط تستطيع تأطير كل الإنجازات التي حققها الفلسطينيون في إسرائيل على مدار عشرات السنين.

وأشار إلى أن هذه الإنجازات تتمثل في إقامة المؤسسات والجمعيات والأحزاب والحركات، والإنجازات التعليمية وبروز نخب أكاديمية قادرة على التفكير الإبداعي. إضافة إلى ذلك النجاح في إحداث اختراقات جدية في وعي المحافل الدولية بوجود أقلية فلسطينية كبيرة في الداخل تتعرض لاضطهاد شرس في ظل تجاهل أو جهل هذه المحافل لواقعها. وأشار في هذا السياق إلى أنه من هنا يأتي تكثيف التجمع لجهوده في الآونة الأخيرة للدفع بمشروع إعادة بناء لجنة المتابعة على طريق إعادة تنظيم الجماهير العربية في الداخل، من خلال تنظيم انتخابات مباشرة في المستقبل وتأسيس هذه اللجنة على شرعية شعبية وعلى سلطة الناس. وبموازاة ذلك يتوجب الدفع باتجاه تدويل قضية عرب الداخل، وإقامة لجان مختصة تتابع هذه المعركة الدولية.

واعتبر أنه يقع على كاهل التجمع مسؤولية كبيرة في الحفاظ على الوجود الوطني والموقف السياسي المتقدم للحركة الوطنية في مواجهة نهج التسوية الذي هبط في العشرين عامًا الماضية إلى مستوى خطير تجاوز منطلقاته وقواعده الأولى.

وقال عبد الفتاح: "لا نبالغ القول إن التجمع شكل ضميرًا وبوصلة سياسية لأوساط واسعة من شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج.. وتعرض بالنقد الصريح لنهج القيادات الفلسطينية الرسمية دون مواربة. وفي داخل الخط الأخضر كان التجمع صاحب الموقف الأكثر جرأة ووضوحًا وواقعية وفي التصدي للهجمة الإسرائيلية التي انطلقت واستمرت بعد هبة القدس والأقصى ضد عرب الداخل وقواهم السياسية لإعادة إخضاعهم وتراجعهم عن مطلبهم بإلغاء يهودية الدولة وحيادهم في القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وبهذا رسم الحزب المعايير الوطنية الراسخة. وقد نال الحزب وقياداته، ولا زال، القسط الأكبر من حملات التحريض والملاحقة الطويلة والواسعة دون أن يتراجع قيد أنملة عن مواقفه".


ولخص الحديث بالقول "نحن عرب الداخل، سنظل نتحمل المسؤولية عن أنفسنا وحدنا ، لفترة طويلة، لا نعرف طبيعتها ومدتها، والانتظار والقعود كارثة، والتعويل على تحول سريع لصالح قضيتنا كارثة أكبر. فلو انتظرنا وتقاعسنا عن إعادة بناء الحركة الوطنية واستسلمنا لليأس لكان مشروع الأسرلة والتخريب والتشوّه قد ترسّخ بين أبناء شعبنا في الداخل. لقد نهضت الحركة الوطنية الفلسطينية من واقع له خصوصية فريدة، وليس أمامها من خيار إلا أن تحافظ على وحدتها وتصون وجودها وتكون واعية لمهمتها التاريخية التي لا يبدو في الوقت الراهن ولا المتوسط من يستطيع أن ينوب عنا ولا نريد أن ينوب عنا أحد. دورنا وقسطنا من المسؤولية القومية، كجزء من الشعب الفلسطيني وكجزء من الأمة العربية هو في الكفاح اليومي في المواجهة السياسية والأيدلوجية ضد الصهيونية، وفي المواجهة الشعبية للمخططات الإسرائيلية المعادية، وفي العمل اليومي والمثابر بين الأجيال العربية الشابة لرفع مستوى الوعي الوطني وإنقاذها من براثن الأسرلة والضياع والجنوح الاجتماعي الذي ينتشر في ظل غياب المرجعية الوطنية القوية، وفي ظل غياب مشروع تنمية اقتصادي. هذه هي رغبة كل عربي صادق  ومنتمٍ لأمته".


 

التعليقات