عرابة البطوف: رحيل الحاجة ندى نعامنة رمز الأرض في ذكرى يوم الأرض..

"لاسيما بعدما تبللت ملابسها شرفا بدم الشهيد خير ياسين الذي هوى على كتفها لتدوس برجلها رأس الجندي المعتدي بعد أن تصدت له وضربته بالرفش"كريك"..

عرابة البطوف: رحيل الحاجة ندى نعامنة رمز الأرض في ذكرى يوم الأرض..

شيعت جماهير غفيرة يوم أمس، الجمعة، في عرابة البطوف جثمان طيبة الذكر الحاجة ندى نعامنة "أم مصطفى" الطاهر عن عمر يناهز 84 عاما إلى مثواه الأخير، حيث استذكر الكثير من المشيعين والكثيرين ممن عرفوا المرحومة بمواقفها البطولية وكرمز بقي شاهدا على البطولة والشهادة مع حكاياتها مع يوم الأرض الأول.

ورحلت الحاجة أم مصطفى في الذكرى الأعز على قلبها، لكن حكايتها مع الأرض والبطولة كرمز للأم الفلسطينية المكافحة ستبقى حية في ذهن ووجدان الأجيال، ومثالا للصمود والبقاء وصفحة مشرقة ومشرفة في تاريخ الفلسطينيين في الداخل.

صحيفة "فصل المقال" كانت قد أجرت مع المرحومة هذا اللقاء قبل وفاتها:

أم مصطفى شاهدة على الشهادة..
ندى نعامنة أم مصطفى (84 عاما) استثنائية برقتها وعزمها معا، رقة أسرة وملامح وجهها السموح وبسمتها الطفولية تكاد لا تفارق محياها، سردت ما تيسر لها من شريط الذكريات بالفخر والمرارة معا، ذاكرة لم تصب بالشرخ رغم الشقاء وتجاعيد السنين المحفورة أوسمة على وجنتيها وحكايتها مع الأرض وإرادة الصمود، الأرض التي دافعت عنها بشجاعة قلّ نظيرها.

الحاجة أم مصطفى شاهدة على الشهادة وعلى الجرح والصمود، إرادة انتصرت على الخوف والقمع أكثر، التصقت وتشبثت بأرض العائلة في المل "منطقة رقم 9" حتى الرمق الأخير وتحدت تنكيل العساكر والمحاكم، ولم تهزها الجلسات العشرون في محاكم التيئيس، وتقول: لم ننصع للأوامر العسكرية التي منعتنا دخول أرض المل "رغم أن والد زوجي قد استشهد في هذه الأرض جراء انفجار قذيفة قديمة من مخلفات الجيش، كانت هذه الأرض المصدر الوحيد للقمة أطفالي ومعيشتهم، وعندما كان يتطلب دخول الأرض استصدار ترخيص من الشرطة في منطقة سخنين لم نكن نفعل.

تتوقف أم مصطفى وتستذكر اعتداء شرطي "عربي" عليها في مركز الشرطة عندما استدعيت للاستجواب بسبب دخول أرضها بدون تصريح، وتقول: أثناء وجودي للاستجواب في مركز الشرطة، ويبدو أن نبرتي الواثقة استفزت شرطيا "عربيا" سيئ الصيت والسمعة فقام بدفعي من رأسي بقوة، وعندها لم أجد أمامي إلا خلع حذائي وضربه فيه، وعندما لم أجد فردة الحذاء التي طارت على وجهه عدت للبيت بفردة واحدة.

وتتابع في حدث مماثل كان في إحدى جلسات المحاكم في مدينة عكا التي بلغت عشرين جلسة حيث حاول أحد موظفي المحكمة إهانتي فقمت بالانقضاض عليه وإمساكه وشده من شعره بقوة وإلقائه على الأرض، إلا أن المتواجدين تدخلوا لتخليصه، ماذا أقول لك يا ابني؟ معاناتنا استمرت سنوات طويلة لكن ملاحقة الشرطة وتغريم المحاكم لم يمنعنا عن الاستمرار بفلاحة الأرض حتى عشية يوم الأرض".

أم مصطفى: الشهيد سقط على كتفي..
كانت الحاجة أم مصطفى تسكن في أزقة حي الجلمة بالبلدة القديمة في عرابة، المفعم بذكريات الطفولة والشباب وحكايات الصمود والمواجهة، في ذات البيت القديم الذي داهمته قوات الجيش في يوم الأرض 30 آذار من العام 1976حيث تصدت لهم مع زوجها المرحوم حسن نعامنة بعدما تعرضا لاعتداء الجنود، وتصدت لهم بأدوات بدائية مما توفر لزنديها دفاعا عن النفس، ورغم إصابة الاثنين بأعقاب البنادق وهي محقونة بالغضب والاستبسال لاسيما بعدما تبللت ملابسها شرفا بدم الشهيد خير ياسين الذي هوى على كتفها لتدوس برجلها رأس الجندي المعتدي بعد أن تصدت له وضربته بالرفش"كريك".

وعن ذلك تقول: "في مساء يوم الأرض سمعنا عن مواجهات في منطقة "البركة" بين الشباب والجنود سمعنا صوت الرصاص الحي، عندها هرعنا لمنطقة المواجهات على الشارع الرئيسي في البلدة، وكنت في تلك الأثناء مع الشباب المستحكمين بينهم خلف السور، وكان الحال شبيها بساحة حرب، وقد استخدم الجنود الرصاص الحي والمصفحات لمواجهة الشباب الغاضب، وفي هذه الأثناء سقط الشهيد خير ياسين على كتفي مبللا بدمائه بعدما رفع رأسه من فوق السور ليرمي الجنود بالحجارة، فإصيب برصاصة قاتلة أصابته في الصدر واخترقت الظهر بعدها نقلناه أنا والشبان إلى السيارة التي نقلته الى بيت أهله وثم إلى المستشفى.

وتابعت أم مصطفى عدت بعدها إلى بيتي وقلبي يتقطع، وجهزت دلو مليئا بالحجارة ورفشا "كريك" وأثناء وجودي في باحة البيت وبيدي فنجان شاي فاجأني أحد الجنود بشتيمة، التفتّ للخلف وشاهدته وهو يحاول دخول البيت وبيده عصا قصيرة ويقترب مني ويحاول أن يضربني فقمت على الفور برد الشتيمة، وضربته بالمجرفة بقوة وبعد أن سقط على الأرض قمت بالدوس على رأسه ليلتحق بي زوجي بعصا إلا أن أحد الجنود قام بتوجيه ضربة قوية لزوجي بعقب البندقية على عينه مما استدعى نقله للعلاج في المستشفى، لكن رغم ذلك واصلت إلقاء الحجارة على الجنود وأنا اردد "الموت ولا المذلة"، كما قمنا مع الشبان بإغلاق شارع حي الجلمة والتصدي لهم بالحجارة، مما اضطر الجنود للتراجع. ولا زلت اذكر جارنا يوسف الشلش عندما هرع للدفاع عني وهو يلقي الحجارة على الجنود ويصرخ للناس ويناشد "النجدة لأم مصطفى".
 

التعليقات