كيف نقرأ الجديد في منظومية العنف المجتمعي..وهل نحن مؤهلون لمحاربته؟

لازال العنف المجتمعي والجريمة في البلدات العربية يشكلان مشهدًا يوميا نازفا، مصحوبا بالوجع والمرارة والرعب، وبموجات من الإستنكار والتنديد، ومترافق مع سيل من التشخيص والتوصيف المبتورين،واحيانا بأعمال احتجاجية مشتتة يليها جريمة أخرى، أخرها كانت جريمة قتل الفتى محروس زبيدات 18عاما في حيفا ومنى محاجنة 29 عاما في أم الفحم، وكرمان الضميري من النقب،حيث يعتقد بعض المتابعين لهذا الملف الحارق أن غالبية القوى والمؤسسات المجتمعية هي غائبة عن الفعل الحقيقي بل بغالبيتها غير مؤهلة لمحاربة هذه الآفة القاتلة،حيث يبدو أن لا أفق قريب لوقف هذا العبث والكابوس المرعب ..

كيف نقرأ الجديد في منظومية العنف المجتمعي..وهل نحن مؤهلون لمحاربته؟

لازال العنف المجتمعي والجريمة في البلدات العربية يشكلان مشهدًا يوميا نازفا، مصحوبا بالوجع والمرارة والرعب، وبموجات من الإستنكار والتنديد، ومترافق مع سيل  من التشخيص والتوصيف المبتورين،واحيانا بأعمال احتجاجية مشتتة يليها جريمة أخرى، أخرها كانت جريمة قتل الفتى محروس زبيدات 18عاما في حيفا ومنى محاجنة 29 عاما في أم الفحم، وكرمان الصميري من النقب،حيث يعتقد بعض المتابعين لهذا الملف الحارق أن غالبية القوى والمؤسسات المجتمعية هي غائبة عن الفعل الحقيقي بل بغالبيتها غير مؤهلة لمحاربة هذه الآفة القاتلة،حيث يبدو أن لا أفق قريب لوقف هذا العبث والكابوس المرعب.

المحاضر والباحث النفسي  مروان دويري يستعرض ويؤكد أن العنف  كان موجودا في الماضي وأحيانا كان أشد وطأة ويعتبر ان العديد من أشكاله قد تراجعت اليوم لكن مع ذلك يعتبر أن هناك جديدًا في الأمر ويقول: الجديد في ساحة العنف ليس كميا فحسب بل نوعيا في الأساس.

و يمكن القول بشيء من التعميم بأن الحالة اليوم هي حالة انفلات بحيث انخفض فيها عنف السلطة الاجتماعية والتربوية وارتفع فيها عنف الفئات المحبطة والضائعة، خاصة عنف الشباب، الشباب اليوم يرفض ويتصدى بشكل ما لتعنيف الوالدين والمعلمين، كذلك المرأة اليوم على استعداد أكثر لحماية نفسها مستعينة بالقانون وبمؤسسات دعم المرأة، الأمر الثاني الذي يميز العنف اليوم هو أنه عنف منزاح  أو "طائش" يخطئ الهدف ويكون نوعا من "التفشيش" ضد "كبش فداء" ليس له حتما علاقة بمصدر الإحباط الحقيقي. واضاف: في بحث أجريته وزملاء لي قبل عدة سنوات تبين أن قسما من عنف المعلمين ضد طلابهم ليس له مبرر في سلوك الطلاب بل يتعلق بإحباط المعلمين في حياتهم المهنية أو الشخصية . وفي إطار العائلة يمكن أن نلاحظ أن الأب المحبط اقتصاديا واجتماعيا "يتفشش" بزوجته وأولاده، والمرأة المحبطة من زوجها "تتفشش" في أولادها وبناتها، والشباب المحبطون من والديهم أو معلميهم "يتفششون" بشباب أضعف منهم وهكذا. الجديد إذن هو تآكل السلطة التقليدية وظهور حالة الانفلات من جهة، وانتشار العنف "المنزاح" من جهة أخرى.  

وحول اهمية وجود مرجعيات ودورها في تحديد منظومات قيمية وسلوكية ضابطة وعن غياب المرجعيات التقليدية منها والحديثة قال:  مجتمعنا اليوم يتخبط بين مرجعيات مختلفة تكون متضاربة أحيانا. هناك المرجعية التقليدية التي سار عليها أبناء شعبنا في العقود الماضية والتي حصل فيها كما قلنا تصدع كبير. وهناك المرجعية الدينية، الإسلامية بالذات التي انتشرت مع انتشار الإسلام السياسي، وهنالك المرجعية الإسرائيلية التي بحكم كوننا مواطنين نتأثر بمناخها الثقافي والقيمي، وهنالك المرجعية الفردانية الليبرالية الآتية من الغرب من خلال وسائل الإعلام والإتصال المختلفة. تفرض كل مرجعية قيما ومحرمات تمنع فيها بعض أنواع العنف وتشرع أنواعا أخرى. فالمرجعية التقليدية فرضت احترام الصغار للكبار وفي نفس الوقت شرعت عنف الكبار ضد الصغار وعنف الرجل ضد المرأة. المرجعية الدينية تدعو إلى احترام الكبار والصغار للدين ورموزه وتدعو تارة إلى التسامح وتارة أخرى تدعو وتشجع بشكل مباشر أو غير مباشر إلى التعصب وممارسة العنف ضد الفئات الدينية الأخرى. وتابع برفسور دويري المرجعيات الإسرائيلية والليبرالية تشجب العنف ضد الأطفال وضد المرأة لكنها في نفس الوقت تروّج لمنطق القوة وتمارس الغطرسة وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني وشعوب أخرى. نحن نعيش حالة إحباط اجتماعي وسياسي ونتخبط بين مرجعيات متضاربة ينتقي كل طرف منا ما يناسبه من كل مرجعية في ظرف ما، ويتراجع عما انتقاه ويتبنى مرجعيات أخرى في ظرف آخر، كل وفق المصلحة دون التزام أخلاقي بمبدأ أو مرجعية.

حالة العنف ليست منفصلة عن الحالة السياسية والإقتصادية والإجتماعية أيضا

استمرار التمييز القومي والفقر، يجعل حياة العربي في هذه الدولة مشحونة بالإحباط والغضب مما يشكل أرضا خصبة للعنف والانحراف. ومن جهة أخرى نحن نتأثر بقيم القوة والغطرسة وانتهاك حقوق الغير السائدة في إسرائيل  وبالتالي نتشرب هذه القيم في مواجهتنا مع المجتمع الإسرائيلي وأيضا في مجتمعنا. جهود الدولة وميزانياتها موجهة لاستمرار الاحتلال والاستيطان على حساب الرفاة الاجتماعي. الشرطة تتقاعس في مكافحة العنف والمخدرات وهنالك فئات مستفيدة من حالة الانفلات مثل تجار المخدرات وعصابات منظمة تحقق أرباحا من خلال "البلطجية" وجباية رسوم "الخاوة".

بروفيسور دويري: محاربة العنف لا تحتمل النفاق

بروفيسور دويري يضع علامات استفهام و يشير الى صدقية القيادات والمؤسسات السياسية والمجتمعية  ومدى جديتها في محاربة العنف وقال: جميع فئات شعبنا وقياداته تدعي أنها تناهض العنف وجميعها مستعدة للمشاركة في مسيرات ومؤتمرات ضد العنف، ومع هذا فالعنف مستمر. إذن هنالك من ينافق أو أن كل طرف يعارض عنفا معينا ويؤيد عنفا آخر. هنالك من يستنكر عنف الشباب لكنه يشرع عنف السلطة التقليدية، وهنالك من يستنكر كل أنواع العنف ويدعو إلى تبني آليات ليبرالية حوارية معتمدة على قيم حقوق الإنسان. وأردف دويري الفرز بين فئات شعبنا يظهر إزاء عنف محدد: الحركات النسائية مثلا تعارض بصدق العنف ضد المرأة وضد الأطفال لكن هل فعلا تعارض القيادات السياسية من سياسيين ورؤساء مجالس، والقيادات التربوية من مديرين ومعلمين، هذا النوع من العنف؟

جميع القيادات السياسية تعارض عنف الشرطة ضد المواطنين العرب لكن هل هي ملتزمة بتحاشي العنف في معارك الانتخابات المحلية؟ كذلك مديرو المدارس والمعلمون والآباء ينددون ببعض أنواع العنف ويشرعون أنواعا أخرى.

ويتابع دويري طالما أن هناك صراعات اجتماعية وسياسية فلا بد من استمرار بعض أشكال العنف لذلك لن يكون مجديا أن نتوقع تصفية جميع أشكال العنف، بل إن ما يمكن عمله هو تحويل طاقات الإحباط والغضب في مجتمعنا نحو مسارات بناءة ومجدية.

كما أشرت سابقا فإن تراجع السلطة التقليدية يجب ألا يوصلنا إلى حالة انفلات وضياع بين مرجعيات مختلفة بل يجب أن يأتي بسلطة جديدة ومرجعية جديدة. من هنا فمكافحة العنف لا بد أن تمر عبر نضال سياسي واجتماعي من أجل بناء مجتمع عادل، مما يتطلب تحشيد مجتمعنا بانتماءاته الحزبية والطائفية والحمائلية ضد سياسة التمييز والاحتلال والاستيطان من جهة، ومن أجل مواطنة كاملة في دولة رفاه لجميع المواطنين دون تمييز، مما يلقي بمسؤولية كبيرة على قيادات مجتمعنا السياسية والاجتماعية.

وحول دور القيادات والمسؤولين قال برفسور دويري يقع على القيادات السياسية والإجتماعية والدينية  دور تثقيفي أيضا بحكم كونها قدوة يتأثر المواطنين من سلوكها ومن تصريحاتها.

لا يكفي لهذه القيادات أن تشارك في مؤتمرات ومسيرات ضد العنف بل عليها إعطاء النموذج الشخصي للتعقل والتسامح والحوار والتعددية واحترام الغير.

أما أن تسمح هذه القيادات لنفسها أن تنتهج العداء والعنف ضد خصمها السياسي خاصة في الانتخابات المحلية أو أن تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في الاشتباكات الحمائلية أو الطائفية فهو بمثابة تشجيع الشباب لانتهاج مثل هذه الأساليب فيما بينها وعندها لا يجدي أي تصريح أو مؤتمر أو مظاهرة ينظموها ضد العنف.  

على القيادات السياسية ورؤساء المجالس المحلية وضع قضايا الرفاه والخدمات النفسية والتربوية ونوادي الشباب والرياضة والفنون على رأس سلم أولوياتهم من أجل بناء الإنسان. على المجالس المحلية توجيه الأخصائيين النفسيين والمستشارين والعاملين الاجتماعيين لوضع خطط تدخل في المدارس ومع الأهل من أجل توجيههم في كيفية التعامل مع الطلاب وكيفية مواجهة مشاكلهم بطرق غير عنيفة وبطرق تتيح لهم تطورا نفسيا واجتماعيا سليمًا. 

وحول دور البيت والمدرسة يحذر دويري من أنماط التربية السلطوية  بل يدعو الى تعزيز لغة وثقافة الحوار ويقول:لا يجب أن ننتظر تحقيق دولة الرفاه لجميع مواطنيها بل هنالك الكثير مما يمكن عمله اليوم في البيت والمدرسة. ليس من الضروري وليس من الممكن العودة إلى أنماط التنشئة السلطوية والعنيفة كما كان في الماضي، وليس من الضروري أن يكون الإنفلات هو البديل لسلطة الوالدين ولسلطة المعلمين التقليديتين، بل إن البديل هو انتهاج أساليب الحوار لتحديد قواعد التعامل الجديد ولصياغة اتفاقات بين الوالدين والأبناء وبين المعلمين والطلاب. لا يمكن للوالدين أو للمعلمين انتهاج العنف والتحقير كأنماط تنشئة وفي نفس الوقت يتوقعون من أبنائهم أو طلابهم تحاشي مثل هذه الأنماط. عليهم أن يدركوا بأنهم قدوة يحتذى بها وبالتالي يؤثرون من خلال سلوكهم أكثر مما يؤثرون من خلال عظاتهم الكلامية. هناك العديد من الكتب اليوم التي توجه الأهل في كيفية التعامل مع مشاكل أولادهم فهل يكرس الوالدون وقتا لقراءة مثل هذه الكتب وتعلم طرق المواجهة الصحيحة لمشاكل الأبناء؟ المدارس العربية مدعوة لتطبيق برامج لتعليم الطلاب طرق فهم الذات والآخر وطرق مواجهة الإحباطات وحل الصراعات بشكل غير عنيف، ومدعوة للبدء بعملية صياغة دستور لها يحدد الحقوق والواجبات ويحدد طرق التعامل مع كل مأزق أو صراع. صياغة الدستور هي ليست نصًا يكتبه مدير المدرسة أو لجنة معلمين بل هي سيرورة تربوية يشارك فيها الطلاب والمعلمون والأهل في حلقات نقاش ولجان فرعية واستفتاءات على مدار سنة أو أكثر. حين وصول هذه السيرورة إلى دستور يعطي إجابات للقضايا التي يواجهها الطلاب من جهة والمعلمون من جهة أخرى، حينها يبدأ الطلاب والمعلمون بتقنية إحباطاتهم في قنوات ديمقراطية حضارية بناءة بدلا من إطلاقها بطرق عنيفة وهدامة. هذه مهمة لا تحتمل التأجيل.

وخلص برفسور دويري وقال أن مواجهة العنف لا يمكن إلا أن تمر من خلال معركة سياسية من أجل "دولة رفاه لجميع المواطنين" التي تحول طاقات الإحباط نحو مسارات بناءة. ومن جهة أخرى لا بد لمجتمعنا أن يتبنى قيم التعددية التي تحترم الآخر المختلف وانتهاج الحوار لمناقشة المرجعيات المختلفة التقليدية والدينية والليبرالية بدون تخوين أو تكفير. تقع مسؤولية خاصة على القيادات السياسية والاجتماعية ليس فقط في تقنية الإحباط في قنوات نضال بناء بل لإعطاء المثل والنموذج الشخصي في الحوار واحترام الغير وسعة الصدر. مسؤولية الأهل والمعلمين لا تحتمل التأجيل. عليهم تحمل مسؤولية تعليم الأبناء والطلاب أنماط تفكير ومواجهة غير عنيفة لحالات الإحباط أو لحل الصراعات وهذا أمر ممكن ويتطلب تجند مراكز الخدمات النفسية والمستشارين التربويين ومكاتب الرفاه من أجل مرافقة المدارس والأهل في هذه المهمة.   

نداء نصار: فهم خاطئ للظاهرة يؤدي الى اشتقاق سبل معالجة ليست ناجعة على المدى البعيد

الناشطة نداء نصار تعتبر أن الظاهرة تحتاج إلى فهم أعمق وأشمل مما هو سائد من أجل تنجيع العلاج وايجاد الآليات والأدوات المناسبة وتقول: بالدرجة الأولى يتطلب فهم أعمق لطابع الظاهرة على  مكامنها المختلفة.

بحيث يقتصر الفهم السائد للظاهرة برأيي على تحليل والتعاطي مع الجانب السلوكي العنيف البارز والواضح للعيان والذي يصل في العديد من الأحيان في حالاته القصوى الى حد القتل والجريمة.  كما وينحصر فهم " الظاهرة "  على وتيرة عالية من انتشار ممارسة عنيفة في هذه الحالة دون الخوض جدياً في حيثيات الأرضية الاجتماعية التي تمكن وتتيح مثل هذه الممارسات العنيفة التي أخذت شكل " ظاهرة ".واضافت أن انحصار فهم الظاهرة على الإفراز السلوكي فحسب, هو من وجهة نظري ليس فهما خاطئا للظاهرة فقط يؤدي الى اشتقاق سبل معالجة ليست ناجعة على المدى البعيد, وإنما نوع من تكريس للأسس التي تودي الى هذه السلوكيات،  وذلك من خلال حصر مفهوم الظاهرة على السلوكيات الممارسة خلالها ضمن محور " الجاني " -  " الضحية " ليكون دور المجتمع على أفراده مؤسساته وقياداته ضمن هذه المعادلة التدخل كل ضمن صلاحياته وإمكانياته لتغيير سلوك الجاني ولنصرة الضحية المتضررة دون أن يزج المجتمع نفسه فعلياً في معترك هذا المحور والمعادلة، وأن يكون طرفاً أولا فيها وليس ثالثاً أو رابعا، أي أن يأخذ المجتمع على أفراده ومؤسساته دور المشاهد المتحرك في أفضل الأحيان  من خلال التعامل مع الظاهرة على أنها حالة من الشذوذ الدائر على هامش المجتمع والواجب تسويته وتغييره.

في الوقت الذي نطلب من الطالب المدرسيّ أن يعزف عن السلوك العنيف نفرض عليه حالة من التنافسية العنيفة ضمن إطار المدرسة في الوقت الذي نطالب فيه الشاب أيضاً العزوف عن الممارسة العنيفة نطالبه بالامتثال لتصرفات وأدوار مجتمعية  ذكورية.

وتابعت نصار أن فهما بديلا للظاهرة يؤدي بالتالي الى اشتقاق طرق تعاطي بديلة أكثر جذرية وتأثير على المدى البعيد وذلك من دون الإنتقاص من شأن وأهمية التدخل السلوكي الملح على المدى القريب، إن اقترن بوعي وبرؤيا بعيدة المدى أكثر جذرية وشمولية. يقتضي هذا الفهم في هذه الحالة الخوض في منظومة القيم التي تؤسس لمثل هذه الممارسات وهي منظومة قائمة على صياغة التعريفات والأطر التي يدور السلو ك البشري في فضائها وفي هذا السياق تحديداً تذكر القيم المحيطة بمفهوم القوة في المجتمع مفهوم النجاح والفشل الخير والشر. ومن هذا الباب لا يرتكز السلوك العنيف برأيي وأن تأثر من عوامل اجتماعية وسياسية خانقة ومحفزة الى ارضية قيمية ترى مفهوم القوة بالشكل التشاركي المتساوي, وإنما السلطوي العنيف, لا يرتكز السلوك العنيف ايضاً إلى منظومة قيمية تتيح مساحة حرة لإدارة الذات وإنما أخرى تخلق الفرز التنافسيّ الحاد والعنيف بين ما هو مقبول ومرفوض خيِر وشرير ليكون دور الفرد في هذه الحالة الامتثال والانصياع الى هذه التعريفات والتقسيمات المجتمعية الحادة التي تفقده مرارا حيز الاختيار.وأردفت أن ادعائي هو أن التدخل للحد من ظاهرة العنف لا يمكنه أن يعتمد ازدواجية في المعايير القيمية ففي الوقت الذي نطلب من الطالب المدرسيّ أن يعزف عن السلوك العنيف نفرض عليه حالة من التنافسية العنيفة ضمن إطار المدرسة في الوقت الذي نطالب فيه الشاب أيضاً العزوف عن الممارسة العنيفة نطالبه بالإمتثال لتصرفات وأدوار مجتمعية  ذكورية نمطية تطالبه بالتزام منهجية معينة من السلوك البشري وفي الوقت الذي نطالب فيه المرأة العزوف عن التصرف العنيف نرجئ البت في قضايا العنف ضدها مثلاً الى تدخدلات جهوية سلطوية أخرى.

وإذا كانت الجريمة هي اعتداء على العقد الإجتماعي القائم على القيم وتوازن المصالح والذي يبنى على أساسه التضامن والوحدة الإجتماعية.  يكون دورنا في تشبيك هذا النسيج على الأسس التي أوردتها سابقاً وهنا يكون الضمان والسد ليس فقط أمام محاولة الدولة العينية لبث العنف والجريمة في المجتمع, وإنما أيضا سد أمام محاولاتها العديدة لخلق فائض قضايا تشغل فيها المجتمع العربي وتنهكه في استدراكها.

وأضافت من هنا يكون ادعائي أن التدخل الحقيقي للحد من ظاهرة العنف من شأنه أن يعمل على تفكيك كل مفاهيم القوة القائمة على السلطوية ومن شأنه أن يرى بكافة هذه المفاهيم التقسيمات والأدوار السلطوية على أنها ممارسات عنيفة تؤدي بطبيعة الحال الى الإفراز السلوكي الواضح للعيان، الذي بتنا نحاربه ونناهضه دون الخوض في الجذور القيمية التي تأسس له. ومن هنا يكون دور الأنشطة التربوية والإجتماعية والسياسية برأيي ايجاد بديل قيميّ والعمل على زعزعة الفوارق الإجتماعية وإعادة ترتيب من هو القوي والضعيف ما هو الخير والشر، بشكل يقصي التعريفات السلطوية ويجعل من مفهوم القوة مفهومًا مقترنا بالعاطفة ضبط النفس الوعي الذاتي للألم والضعف ايضاً. وفي هذه الحالة لا يكون فيها المجتمع على أنشطته ومؤسساته طرفاً متدخلاً أو صامتاً وانما شريك ومقترف. وفي هذه الحالة ايضاً لا يكون العنف البنيويّ شفافاً حتى يعبر عنه من خلال الممارسات الفعلية المباشرة العنيفة.

وتابعت" حاولت التركيز في فهم الظاهرة على العوامل المجتمعية الداخلية دون الخوض في دور الدولة أو الشرطة وفي الضغوطات الإجتماعية والسياسية الممارسة علينا كمجتمع رغم فهمي لتأثير العوامل الأخيرة ووعيي للجدلية القائمة بين العامليّن وهو فرز مصطنع أساسا. ولكن من المهم ذكره ضمن هذا الباب أن دور الدولة أو الشرطة في هذه الحالة هو ليس فقط العمل لمكافحة العنف وهو دور تتقاعس عنه بشكل متعمد ومنهجيّ وإنما أيضاً دور محفز ومتيح للعنف وللجريمة. بتقديري لا يقتصر دور الدولة المتوخى في الوضع الطبيعيّ على مكافحة العنف وعلى الردع عموماً والتدخل في حالات الضرورة القصوى في مجمل القضايا،  وهو مفهوم قائم لدى البعض. وإنما يكون دورها في بث الأسس القيمية القائمة على حقوق الإنسان والحرية والمساواة في الدول التي تدعي الديمقراطية والنهج التقدميّ وفي حالتنا يجدر التساؤل لماذا لا يلتجأ " مواطن " في دولة قامت على النكبة وتقترف أبشع الجرائم  وتستهتر بكافة الأعراف دون عقاب الى الاستهتار في القوانين والأعراف المجتمعية؟!  وبما أننا لا نستقي منظومتنا القيمية من المؤسسة التي تعمل منهجيا لتقويض نسيجنا الإجتماعي والوطني على محتواه،واذا كانت الجريمة هي اعتداء على العقد الإجتماعي القائم على القيم وتوازن المصالح والذي يبنى على أساسه التضامن والوحدة الإجتماعية.  يكون دورنا في تشبيك هذا النسيج على الأسس التي أوردتها سابقاً وهنا يكون الضمان والسد ليس فقط أمام محاولة الدولة العينية لبث العنف والجريمة في المجتمع, وإنما أيضا هو سد أمام محاولاتها العديدة لخلق فائض قضايا تشغل فيها المجتمع العربي وتنهكه في استدراكها. ليكون العنف في هذه الحالة ملفا آخر تريد منه الدولة الحد من نهضتنا المجتمعية وتفكيك نسيجنا الاجتماعي كجماعة قومية.
 

التعليقات