التعليم العالي لدى المجتمع العربي: فرصة لاجتياز "الدونيّة" أم تثبيت لها؟!

يرى الكثيرون من الساسة والباحثين العرب أن التعليم العالي بات المورد والمنفذ الرئيسي وربما الوحيد للمجتمع العربي في الداخل أمام ما يواجهه من تحديات على المستويات المتعددة، وأمام اغلاق جميع أبواب التطوّر أمامه- اقتصاديا، ثقافيا وسياسيا، بفعل السياسات الإسرائيليّة، وما زال الكثير من الباحثين يرون "بالثورة التعليمية" للعرب في سنوات السبعينات واحدة من الروافد الأساسيّة للتطور التنظيمي الذي شهده المشهد والحراك السياسي العربي في حينه.

التعليم العالي لدى المجتمع العربي: فرصة لاجتياز

صورة توضيحية

يرى الكثيرون من الساسة والباحثين العرب أن التعليم العالي بات  المورد  والمنفذ الرئيسي وربما الوحيد للمجتمع العربي في الداخل أمام ما يواجهه من تحديات على المستويات المتعددة، وأمام اغلاق جميع أبواب التطوّر أمامه- اقتصاديا، ثقافيا وسياسيا، بفعل السياسات الإسرائيليّة، وما زال الكثير من الباحثين يرون "بالثورة التعليمية" للعرب في سنوات السبعينات واحدة من الروافد الأساسيّة للتطور التنظيمي الذي شهده المشهد والحراك السياسي العربي في حينه.

تشير الأبحاث الى أهميّة التعليم العالي كرافعة أساسيّة لتطور المجتمعات المستضعفة على المستويات العدة، وترى أن السيطرة على العمليّة التعليمية وجهاز التعليم يأتي للحد من هذا التطور وتثبيتا للمكانة "الدونيّة" لهذه المجتمعات، وقد ساهمت دراسات "بوردييه" حول أنماط السيطرة الإجتماعية من خلال التعليم كثيرا في ذلك، وتأتي سياسات المؤسسة الصهيونية تجاه التعليم في المجتمع العربي، مثالا حيا وواقعيا مؤكدا ومدعما لهذا التوجه.

في هذا السياق، وللوقوف عند واقع التعليم والتعليم العالي تحديدا، يستعرض هذا التقرير آخر المعطيات المتعلقة بالتعليم العالي تحديدا وأهم محدودياته لدى المجتمع العربي في الداخل، استنادا الى تقرير أصدرته لجنة التخطيط والتمويل- التابعة لمجلس التعليم العالي  حول "مناليّة التعليم العالي للمجتمع العربي" والتحديات المتعلقة به. يستعرض التقرير، المعطيات الأخيرة والمحتلنة  حول واقع التعليم العالي لدى المجتمع العربي، المعيقات الأساسيّة التي تحول دون انخراط الطلاب العرب في مؤسسات التعليم العالي في البلاد بالشكل المطلوب والموازي لنسبته من مجمل السكّان.

واقع التعليم وعلاقته بالتشغيل: آخر المعطيات ومدلولاتها ( 44% من العاملات العربيّات يعملن في مجال التربيّة والتعليم, فقط 1% من الطلاب العرب الذين درسوا موضوع "الهايتك" يعملون فيه ونصفهم يعملون في التعليم).

كما أسلفنا الذكر، ثمة علاقة تبادلية وأحيانا سببية بين تطوير التعليم والتطور الاقتصادي، فقراءة الواقع التعليميّ المتعثّر للمجتمع العربي تحمل مدلولات كبيرة على الواقع الاقتصادي المُرافق بعملية إفقار ممنهجة من قبل المؤسسة.

يشير التقرير، آنف الذكر، إلى أن نسبة النساء العربيات العاملات تصل الى 27% فقط مقابل 77% لدى النساء اليهوديّات (بعد ان كانت 10% في سنوات التسعينات)، ويعود الإرتفاع الضئيل في نسبة التشغيل، فيما يعود، الى الارتفاع في نسبة انخراط النساء العربيات في التعليم العالي، بالرغم من ذلك فإن 44% من النساء العربيّات العاملات يعملن في مجال التربية والتعليم مقارنة بالعاملين العرب في مجالات مهنية التي تصل الى 53%، مما يحمل مدلولات اجتماعيّة أخرى لا تقف عند التعليم بحد ذاته.

حول الفروق بين العاملين أصحاب الشهادات الجامعية في المجتمع العربي واليهودي، يشير التقرير،  الى أن فقط 18% من العرب العاملين ذوي خلفية أكاديمية مقابل 33% من اليهود. بينما يُظهر التقرير أن 34% من العاملين العرب هم خريجو ثانويّة مقابل 35% من العاملات العرب هم خريجو تعليم عال، مما يؤكد أن التعلم العالي عامل مؤثر في تشغيل النساء أكثر منه لدى شريحة الرجال العرب.

أحد أبرز المعطيات التي يشير اليها التقرير أن فقط 1% من الطلاب الذين درسوا موضوع "الهايتك" يعملون في المجال الملائم، و50% منهم يعملون في التربيّة والتعليم.

العرب والتعليم العالي: 12.1% من الطلاب فقط هم عرب
التحديات التي يواجهها الطالب العربي لا تقف عند التمييز في الميزانيات وأسلوب التدريس كما هو في جهاز التعليم ما قبل الجامعي، ففي المرحلة الجامعية تدخل أبعادا إضافية سنوردها لاحقا.

يشير التقرير الى أن نسبة الطلاب العرب المتقدمين للجامعات تصل الى 13.2% فقط من بين مجمل الطلاب المتقدمين، 18.5% في الجامعات، 8.9% في الكليات. وتصل نسبة المقبولين الى 10.7% من مجمل الطلاب  المقبولين، كما أن نسبة الطلاب الذين يُرفض طلبهم للتعليم للّقب الأول يصل الى 30% لدى العرب مقابل 17% لدى اليهود، وترتفع في اللقب الثاني 40.6% مقابل 20.9% لدى الطلاب اليهود.

مع ذلك ثمة ارتفاع في نسبة الطلاب العرب المنخرطين في مؤسسات التعليم العالي مقارنة بالسنوات السابقة،  فتصل النسبة اليوم الى 12.1% مقارنة مع 7.6% في 2007-2006، ولكن تنخفض نسبة الطلاب العرب من مجمل الطلاب للألقاب المتقدمة، فتصل الى 8.2% في اللقب الثاني و 4.4% في اللقب الثالث.

مجالات التخصص وتمديد التعليم
بالرغم من الإرتفاع الذي يظهره التقرير في نسبة العرب المنخرطين في مؤسسات التعليم العالي، ثمة ظواهر تميّز الطالب العربي في الجامعة أكثر من غيره، فالتسرّب من التعليم، تغيير مجالات التخصص والمؤسسات التعليمية وتجميد أو تمديد التعليم، هي سلوكيّات تعليمية يتبعها الطالب العربي أكثر من غيره، فيظهر من التقرير أن 15.5% من بين الطلاب العرب في الجامعة لم يُكملوا تعليمهم للسنة الثانية في نفس الموضوع مقارنة ب 11% لدى اليهود، كما أن فقط 12.3% من طلاب الهندسة العرب ينهون تعليمهم بالوقت المحدّد لذلك مقارنة ب 53.4% لدى الطلاب اليهود، و53.9% من الطلاب العرب عامة ينهون دراستهم في الوقت المعّد لذلك، مقابل 84% لدى الطلاب اليهود.

تنحصر مجالات التخصص لدى الطلاب العرب مع انحسار فرص العمل، فتشير الأبحاث، ومنها التقرير، أن الطالب العربي يختار تخصصه استنادا الى فرص العمل المستقبلية للتخصص، لذا فتعد المجالات الطبية: كالطب العام ومواضيع المساعدة الطبية كالصيدلة، التمريض وغيرها من أكثر المواضيع طلبا لدى الطالب العربي إضافة لمجال التدريس. فنسبة الطلاب العرب في هذه المواضيع تفوق نسبتهم العامة السكانية، إذ تصل إلى 42% من مجمل الطلاب في موضوع الصيدلة، 36% التمريض و22% من مجمل طلاب الطب.

2%- 3% فقط من الطاقم الأكاديمي هم عرب!!
يُعد انخراط الطلاب العرب في طاقم الجامعة الأكاديمي والمهني على السواء من أكثر النسب انخفاضا في القطاع العام عامة، فتتراوح  نسبة الباحثين العرب ضمن الطاقم الأكاديمي بين 2% الى 3% فقط، وتنخفض الى 1.5% فقط ضمن الطاقم المهني للجامعات، ومن المهم في مكان الإشارة الى أن نصف المنخرطين العرب في الطاقم الأكاديمي للجامعات تم بواسطة منحة خاصة "منحة معوف"، مما يشكل إشارة واضحة وصارخة لمدى الإجحاف والتمييز اللاحق في هذا المجال.

النساء في الأكاديمية: 37% من النساء يتخصصن في التربية والتدريس
يشير التقرير الى فروق شاسعة بين النساء العربيات واليهوديات في التعليم العالي، اذ تصل نسبة النساء الحاصلات على شهادة جامعيّة الى 12% مقابل 33% من النساء اليهوديات، بالرغم من الارتفاع الملحوظ في نسبة الطالبات العرب، فأكثر من نصف الطلاب العرب هم نساء، منذ نهاية التسعينات،  بعد أن كان 10% في سنوات السبعين ليصل الى 67% في السنة الماضية.

الا أن هذه النسبة لم تنعكس بالشكل المطلوب في سوق العمل، نظرا للتضييق والقمع الإجتماعي الذي تتعرض له هذه الشريحة، والتي تضطرهن فيما تضطر، حصر مجالات تعليمهن وتخصصهن، فأكثر من ثلث الطالبات العربيات (37%) يخترن مجال التدريس والتربية في تعليمهن الجامعي.

العقبات الأساسية أمام انخراط الطلاب العرب
يضطر الطالب العربي الى التعامل مع تحديات تفوق زميله اليهودي في الجامعة، كما ويضطر لمواجهة عقبات أشد تجعل مهمة اتمام مسيرته التعليمية بنجاح مهمة تتطلب جهدا أكبر من سواه. يمكن تقسيم اهم العقبات الرئيسية الى مستووين بنيوي وثقافي، في المستوى البنيوي يبرز امتحان البسيكومتري كأهم العقبات إضافة للصعوبات الإقتصادية، السكنيّة والمالية الفيزيائية (السفر والمواصلات).

امتحان السيكومتري
كما أسلفنا اعلاه فإن الفروق الواضحة في تحصيل الطالب العربي مقارنة بالطالب اليهودي في امتحان السيكومتري (150 نقطة)، تشكل عقبة رئيسية في انخراط المجتمع العربي في التعليم العالي، فالكثير من الأبحاث تشير الى الامتحان السيكومتري كامتحان مميز ضد الطالب العربي (والشرقي اجمالا)، فهو منحاز ثقافيا واقتصادياً للحضارة الغربية أكثر من الشرقية. كما أن التكلفة الباهظة لدورات التحضير له لا تستطيع معظم العائلات العربية توفيرها لأبنائها وبناتها .لذا الكثير من الطلاب العرب يختار مسبقا عدم التوجه او التقدم للامتحان، ويختار التعليم في الخارج منفذا لعقبة السيكومتري.

الصعوبات الاقتصادية
الخلفية الإقتصادية للطالب العربي تشكل عائقا أمام انخراطه في التعليم العالي أكثر من الطالب اليهودي، نظرا للفروق الإقتصادية بين المجتمعين. فإعالة العائلة ومساعدتها في التزاماتها يشكل دافعا أساسيا لدى الطالب العربي لتجميد التعليم ومساعدة عائلته.

كما يشير التقرير الى أن دعم العائلة للطالب هو أحد المصادر الأساسية لتمويل القسط التعليمي، ناهيك عن افتقار الطالب العربي لعروض المنح مقارنة بالطالب اليهودي، فمعظم المنح تشترط تأدية الخدمة العسكرية أو المدنية التي ترفضها الغالبية الساحقة من المجتمع العربي.

المنالية الفيزيائية- المادية
يشير التقرير إلى فروق شاسعة بين وتيرة المواصلات والسفريات في البلدات اليهودية مقارنة بالبلدات العربية، فالسفر يشكل عاملا أساسيا في الإنخراط بالتعليم والعمل- خاصة لدى شريحة الفتيات العربيات.

تشير التقارير الى وجود 5 سفريات بالمعدل لكل بلدة عربية مقارنة بعشرات السفريات في المجتمع اليهودي، كما أن معظم الطلاب العرب يضطرون لاستخدام أكثر من خط سفر واحد للوصول للجامعة، مما يثقل عليهم ماديا بصورة أكبر، هذا العائق يزداد تركيبا لدى شريحة الطلاب من القرى غير المعترف بها في النقب، حيث تنعدم فيها خدمة المواصلات العامة.

أما على المستوى الثقافي-الإجتماعي فتبرز الفروق المعرفيّة-التدريسية والتأقلم لأسلوب التعليم الجامعي كأحد المعيقات الأساسية أمام الطالب العربي، إضافة لعائق اللغة، التوجيه الدراسي والتأقلم الإجتماعي الثقافي.

يشير التقرير الى جهاز التربية والتعليم لدى المجتمع العربي والقصورات التي أسلفنا ذكرها أعلاه، كالعامل الأساسي والمركزي في الحد من تطور ونجاح الطالب العربي في الجامعات الإسرائيلية، اذ تنعدم في جهاز التعليم التوجيه الدراسي الذي يساعد الطالب على التأقلم السريع مع الحياة الأكاديمية الجديدة، فبرامج التواصل مع الجامعات تتوفر في المدارس اليهودية منذ المرحلة الثانوية. كما أن أسلوب التدريس يعتمد على التلقين ودراسة\حفظ المواد بهدف استخراجها في الامتحان، الأمر الذي يختلف كليا في أسلوب التدريس الأكاديمي، المعتمد على منطق التحليل والبحث.

كما أن عامل اللغة عائق ثقافي أساسي لدى الطالب العربي، فجميع المواد، التعليمات ، الإرشادات والمحاضرات، تعتمد اللغة العبرية كلغة أساسية، وبالرغم من التقرير يشير الى قرار ينص بوضوح على ضرورة ترجمة المواقع الالكترونية للجامعات للغة العربيّة، وبالرغم من رصد الميزانية المطلوبة لذلك، الا أن أي من الجامعات الإسرائيلية لم تنفذ القرار، باستثناء جامعة بئر السبع التي خصصت صفحة واحدة فقط في العربيّة.

إن الصعوبة في التأقلم لدى الطالب العربي في الجامعات الإسرائيلية لا تنحصر في الجانب المهني بل ثمة بعد سياسي حضاري يشكل مركزا في هذه المعادلة، فالجامعة الإسرائيلية هي المكان الأول الذي يخرج، خلاله، الطالب من البيت "الحميميّ" الذي كان يشكل بالنسبة له أمنا وحماية، وبدخوله الجامعة ينكشف، عن قرب، على معنى التمييز، كما يظهر من التقرير، فالطالب العربي يتعامل مع كونه "أقلية" مهمشة، ممارسةً لا ذهنيا فقط.

يجعل هذا الواقع، الذي يعرضه التقرير، امكانية اختيار الطالب العربي مغادرة البلاد بهدف التعليم خارجها، منفذا بات منتشرا لدى قطاعات كبيرة من المجتمع العربي، وقد تطرق التقرير الى هذه الظاهرة، مشيرا الى عدم توفر معلومات دقيقة حول انتشار الظاهرة، لكن في استطلاع "لمدى الكرمل" عام 2004 أظهر أن 15% من الخريجين العرب هم خريجون لجامعات خارج البلاد، كما أن معطيات السلطة الفلسطينية تشير لوجود ما يقارب 1300 طالب عربي من الداخل في جامعاتها، كما وتشير المعطيات الى وجود 5400 طالب عربي من الداخل في الأردن عام 2008، 31% منهن طالبات.

مكتب النائب د. جمال زحالقة يبادر لطرح الموضوع في لجنة المعارف
في هذا السياق بادر النائب د. جمال زحالقة- رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي البرلمانيّة، لطرح الموضوع والتقرير أمام الهيئة العامة للكنيست التي أقرت تحويله للجنة المعارف البرلمانيّة، وستبحث اللجنة الأمر يوم الثلاثاء القادم بحضور ممثلين عن وزارة المعارف ومجلس التعليم العالي، أكادميين عرب وممثلين عن الطلاب.

وأكد زحالقة أن العامل الأهم والحاسم في تطوير التعليم العالي وفرصه للمجتمع العربي، يكمن بتطوير جهاز التعليم العربي في المدارس العربيّة بما يمكنّها من تأهيل الطلاب العرب للمرحلة الجامعيّة، وأضاف"سمعنا الكثير من الوعود ننتظر عملا جديا لتطوير التعليم العالي في مجتمعنا، بما في ذلك إقامة جامعة عربية وعصرية وعالية المستوى".

من جانبه يتابع مكتب النائب زحالقة ملف التعليم عامة والتعليم العالي على وجه الخصوص، وما يتصل به من عقبات أمام الطالب العربي قي قضايا السكن المواصلات والفجوات الثقافية اللغوية.
 

التعليقات