20 عاما على أوسلو: محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية

خرج الاتفاق إلى حيز التنفيذ في واقع عربي متردٍّ ووضع عربي واهن متضعضع متصدع، فقد جاء بعد احتلال العراق وما مثله في الذاكره الجمعية العربية، وبعد أكثر من عقد على اضطرار مقاتلي الثورة الفلسطينية للخروج من لبنان وفقدانهم موطئ القدم ونقطة التماس الأخيرة مع الأرض المحتلّة، وفي واقع سياسي تهيمن فيه الولايات المتحدة كقطب واحد ووحيد على العالم بأسره وتصوغه وفقا لمصالحها التي تعتبر إسرائيل أحد مركباتها.

20 عاما على أوسلو: محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية

قبل 20 عاما وقّع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات  اتفاقات "أوسلو" مع إسرائيل برعاية  أمريكية، ويعتبر هذا الاتفاق محطة مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية حيث شكّل نقطة تحول تاريخية في دور حركة التحرر الفلسطينية ولا زالت تبعاته مهيمنة على الواقع الفلسطيني.

تضمن الاتفاق اعترافًا إسرائيليًا بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني لكنها لم تعترف بمسؤوليتها عن النكبة والتهجير والقتل والسلب الذي أوقعته على الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يعتبر بديهيا من أجل الخوض في محادثات سلام.

خرج الاتفاق إلى حيز التنفيذ في  واقع عربي متردٍّ  ووضع عربي واهن متضعضع متصدع، فقد جاء بعد احتلال العراق وما مثله في الذاكره الجمعية العربية،  وبعد أكثر من عقد على اضطرار مقاتلي الثورة الفلسطينية للخروج من لبنان وفقدانهم موطئ القدم ونقطة التماس الأخيرة  مع الأرض المحتلّة، وفي واقع سياسي تهيمن فيه الولايات المتحدة كقطب واحد ووحيد على العالم بأسره وتصوغه وفقا لمصالحها التي تعتبر إسرائيل أحد مركباتها.     
                                                  
صنع اتفاق أوسلو سلطة الحكم الذاتي المؤقتة، وسرعان ما تحولت حركة التحرر الوطني  لوكيل أمني للاحتلال،  فاختلط الحابل  بالنابل والتبست المفاهيم والمصطلحات وأصبح الفلسطينيون رهائن لاتفاق  مؤقت طال نحو عقدين ولا أمل يلوح بالأفق باقتراب الفرج.
ينظر المحللون العرب والفلسطينيون إلى اتفاق أوسلو كخديعة وقع  فيها الفلسطينيون في ظروف تاريخية لا تلعب لصالحهم، لكن السؤال لماذا تبقى السلطة الفلسطينية متشبثة بها وتعتبرها الخيار الوحيد  أمامها؟

الخروج من عباءة أوسلو
الكاتب والمحلل السياسي، خليل  شاهين، يرى الخلاص الفلسطيني في الخروج من عباءة أوسلو، ويدعو إلى إعادة بناء منظمة التحرير وإعادة تعريف المشروع الوطني .  وقال شاهين إن أوسلو قسمت الأرض والشعب وعادت بالويلات على الشعب الفلسطيني.

وبالنسبة لفلسطينيي الـ48 يرى شاهين أن إقصاءهم على يد القيادة الفلسطينية التي انخرطت في أوسلو، وسياسة التهميش والتمييز الإسرائيلية، ساهما ودفعا في اتجاه  بروز ونهوض التيار الوطني القومي  في الداخل.

وعن آفاق الخروج من المأزق الفلسطيني، يقول شاهين: "بات واضحا بعد عقدين من الزمان اتضح فيهما عقم الرهان على  "أوسلو" وعلى إمكانية تحويل مشروع سلطة الحكم الذاتي المنقوص إلى "دولة"، وتهميش منظمة التحرير، وتعميق تجزئة الشعب الفلسطيني داخل وطنه وفي الشتات، أن

المخرج هو إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير التي تعد المدخل الأساسي والضروري لإحياء القضية الوطنية وإعادة تعريف المشروع الوطني وإيجاد المؤسسة الجامعة والقيادة الموحدة، بالاستناد إلى برنامج سياسي يجسد القواسم المشتركة والحقوق والأهداف الفلسطينية".

ويضيف شاهين: "ولا يمكن لمثل هذا المشروع الوطني أن يكون جمعيا إلا إذا استند إلى حقيقة كون فلسطين التاريخية هي وطن الفلسطينيين جميعا أينما تواجدوا، وأن الشعب الفلسطيني يمر بمرحلة تحرر وطني يعاني فيها من الاحتلال لكل وطنه التاريخي، ومن تشريد أكثر من نصفه داخل الوطن وخارجه، مع أهمية أخذ الظروف والخصائص الخاصة لكل تجمع فلسطيني بعين الاعتبار، في إطار الهوية الوطنية الواحدة والكيان الواحد والبرنامج المشترك والقيادة الواحدة، وعلى أساس أن التمسك بالحقوق التاريخية والطبيعية لا يتعارض مع وضع برنامج مرحلي قابل للتحقيق، لكنه لا يغلق الباب أمام الخيارات والبدائل المختلفة".

ويؤكد شاهين أن " الاستناد إلى الحقوق التاريخية في ارتباطها بالهوية الوطنية وأرض الوطن، والتي تجمع الشعب الفلسطيني كأساس لمشروع وطني جمعي يعيد إحياء القضية الفلسطينية، لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار حتى على المدى القصير أن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة لا يمكن أن ينجحا بمعزل عن إحياء القضية الفلسطينية وإعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني، بحيث لا يقتصر على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وإنما يتضمن إنهاء الاحتلال والعودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني والدفاع عن الحقوق الفردية والوطنية للشعب الفلسطيني في الداخل (أراضي 48) والشتات، وفتح الباب أمام البدائل والخيارات الأخرى، خصوصًا مع الانسداد المتزايد لإمكانية قيام دولة فلسطينية والتوصل إلى حل؛ ما يجعل من الضرورة القصوى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث تضم الجميع عبر صيغ تمثيلية ديمقراطية تراعي خصوصية وظروف مختلف التجمعات الفلسطينية، وتكون قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية".

ويمضي شاهين قائلا: " إن مثل هذا المسار في إعادة بناء مكونات الحركة الوطنية في سياق إعادة تعريف وبناء المشروع الوطني، تتطلب إشراك مختلف مكونات الشعب الفلسطيني في إدارة الشأن والمصير الوطني انطلاقا من التوافق على إستراتيجية شاملة وموحدة للكفاح الوطني، تتيح منح استقلالية واسعة لكل المكونات الرئيسية، وتنمية وسائل الترابط والتفاعل السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين هذه المكونات، في مواجهة محاولات اختزال فلسطين كجغرافيا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكتاريخ بإهمال النضال الوطني الجمعي وتجاهل النكبة. ولا ينبغي لعملية إعادة بناء المنظمة والمشروع الوطني وفق ذلك، أن تغفل في سياق بلورة الإستراتيجية الوطنية الشاملة ضرورة اضطلاع القوى السياسية الفلسطينية في مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني بدورها في تحديد أولويات المهات الرئيسية التي على منظمة التحرير بعد إعادة بنائها القيام بها، على أن تتضمن إن لزم الأمر الاستمرار في اختبار مدى واقعية تحقيق برنامج الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس، ولكن مع الانفتاح على رؤية تطرح الدولة الواحدة على فلسطين التاريخية، وإسناد ودعم مطالب وحقوق كل تجمع فلسطيني، واعتماد التعددية والمدنية، وتمثيل كل التجمعات وتبني تطلعاتها، والاستناد إلى التدابير والقيم الديمقراطية، والاستقلالية عن مراكز القوى الإقليمية والدولية، والاستقلالية المالية، والابتعاد عن الزبائنية والريعية، وضرورة إعادة وضع ميثاق وطني جديد، يأخذ بعين الاعتبار التحولات والمتغيرات الواسعة التي دخلت على الوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي منذ الستينيات من القرن الماضي".

تشويه للمشروع الفلسطيني
من جانبه يرى الباحث الفلسطيني، د. مهند مصطفى، المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة حيفا  أن "أوسلو" ساهم في تشويه المشروع الوطني الفلسطيني، فقد حوّل القضية الفلسطينية من قضية تحرر إلى مسألة استقلال، من قضية عودة إلى مسألة دولة، والاهم من قضية وطن إلى قضية سيادة وسلطة، لا ازعم أن موضوع الدولة والسيادة والاستقلال ليست قضايا مهمة، ولكنها إحدى التعبيرات السياسية عن حل القضية الكولونيالية ويجب أن تكون آخرها، فالقضية الفلسطينية، قضية عودة قبل أن تكون مسألة دولة، وإذا عبّرت الدولة عن المشروع الوطني الفلسطيني فليكن كذلك، ولكنها إذا كانت قاصرة عن تحقيق هذا المشروع في مرحلتها، فيجب العودة إلى مواقع حركة التحرر، تحقيق العدالة للناس هو المبدأ الذي يجب أن يوجه الحركة الوطنية الفلسطينية.

أوسلو همشت منظمة التحرير
وحول تداعيات وانعكاس ذلك على الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها بفصائلها المختلفة أضاف: طبعا، فالحركة الوطنية الفلسطينية التي عبرت عنها منظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها، وكذلك حركات المقاومة الإسلامية التي كانت خارج منظمة التحرير، أصبحت هامشية بسبب مسار أوسلو، ولاحظ التهميش الذي حدث على منظمة التحرير واستبدالها بالسلطة الفلسطينية. أدى ذلك إلى الخروج من مواقع حركة التحرر الوطني، إلى مواقع سلطة تحت الاحتلال، أن مرحلة حركة التحرر الوطني تفرض أنماطا من العمل السياسي ناتجة عن حالة الصراع مع الاستعمار أو الاحتلال، وتكون المقاومة في صلب الفعل السياسي لحركة التحرر، دون أن تشكل غاية لذاتها، بل هي وسيلة وأداة لتحقيق برنامج سياسي تقرره حركة التحرر الوطني للوصول إلى حالة الدولة والاستقلال. بينما تحولت السلطة بعد وقت قصير من أوسلو إلى المؤسسة المركزية، وسلبت مهام منظمة التحرير الفلسطينية دون أن يكون حجم تمثيلها شبيها بحجم المنظمة داخليا وخارجيا، وعانت كل أذرع المنظمة بعد قيام السلطة: المجلس الوطني, المجلس المركزي، واللجنة التنفيذية من تآكل داخلي وتغييب واقعي لدورها.

بقي أن نشير أن ثنائية السلطة-المنظمة، أنتجت لإشكالية في المرجعية السياسية، والأهم في مسألة الشرعية السياسية، حيث أن هذه الثنائية تخلق ازدواجية في سلطتين تشريعيتين؟،الأولى: المجلس الوطني الفلسطيني، وهو هيئة من هيئات المنظمة، وعليه أن يمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ولكنه ليس منتخبا. والثاني: المجلس التشريعي الفلسطيني، وهو برلمان السلطة الوطنية، ويمثل فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ولكنه منتخب تحت الاحتلال. ويبقى التساؤل من أكثرهم تمثيلية وشرعية، جزءا من تأزم النظام السياسي الفلسطيني وحركة التحرر الفلسطينية الذي أنتجه اتفاق أوسلو.

تضاعف أعداد المستوطنين
وأضاف مصطفى: "سأتطرق إلى قضية واحدة فقط، هذا إذا تركنا مضاعفة أعداد المستوطنين والمستوطنات في الضفة الغربية في العقدين الماضيين، تهويد مدينة القدس بشكل خطير جدا، يكفي أن تسافر إلى جامعة القدس المفتوحة لترى حجم المأساة المقدسية. ولكن، سأتطرق إلى واقع فرضه اتفاق أوسلو بشكل مباشر، وهو تقسيم الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى مناطق ثلاث، A، B، و-C، هذا التقسيم أصبح عبئا على الأرض الفلسطينية، فهي لم تعد تقسيمات إدارية وظائفية وتقنية، بل باتت واقعا احتلاليا مزعجا، لاحظ أن اليمين الاستيطاني بات يطالب بضم مناطق C إلى السيادة الإسرائيلية كجزء من رؤيته لحل الصراع، بات ينظر اليمين إلى هذه المناطق التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، ويعيش عليها غالبية استيطانية وأقلية فلسطينية مقطوعة عن باقي المجتمع الفلسطيني، حلم اليمين الإسرائيلي، فالسلطة الفلسطينية في مناطق أ و-ب تمثل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، فهم يسيطرون على أرض تسكنها غالبية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وأصبحت مناطق ج معزولة عن هذه السلطة".

سدت الأفق السياسي
وحول المستقبل والأفق السياسي لإتفاق أوسلو فيما اذا  فتح أفقا سياسيا جديدا لحل الصراع اضاف د. مصطفى وقال: "على العكس تماما، فنهج أوسلو أدى إلى انسداد الأفق السياسي لحل الصراع، فبقاء السلطة هي الحالة المريحة لإسرائيل، فهي حالة لا تؤدي إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية، وفي نفس الوقت لا تقوم بضم السكان الفلسطينيين، فهي تبقى على الأرض وفي نفس الوقت تتخلص من المسؤولية الاحتلالية عن السكان الواقعين تحت الاحتلال، إن بقاء السلطة في هذه الحالة هي مصلحة إسرائيلية، لا تستطيع إسرائيل الانسحاب، وفي نفس الوقت لا تستطيع ضم السكان الفلسطينيين لأنها ستتحول إلى دولة ثنائية القومية، ومعنى ذلك انتهاء إسرائيل كدولة يهودية، وهي لا تستطيع إبقاء الاحتلال دون حل لأن ذلك يبقيها دولة محتلة أو على الأقل تنتج حالة "ابرتهايد" ونظام فصل عنصري ضد المدنيين الفلسطينيين، اتفاق أوسلو شكل مخرجا لإسرائيل مع هذه المعضلة".

حيدت فلسطينيي 48
أما حول انعكاسات اتفاق أوسلو على فلسطينيي الداخل(48) اعتبر أن لذلك تاثيرا كبيرا وأحدث تغييرات كبيرة وقال:  "يمكن القول أن اتفاق أوسلو أحدث تغييرات كبيرة على المجتمع الفلسطيني من حيث بنيته التنظيمية والأيديولوجية وعلى مستوى خطابه السياسي، وعلاقته مع الدولة، وعلاقة الدولة معه، وقد بات واضحا أن اتفاق أوسلو همّش قضايا المجتمع الفلسطيني في الداخل، على الرغم من كونها قضايا نتجت عن القضية الفلسطينية، يمكن اعتبار مرحلة العقدين الأخيرين، مرحلة الهوس الاثني اليهودي، حيث يجري التشديد على هوية الدولة اليهودية وطابعها الإثني، من خلال تكريس هذا الطابع وما يترتب عليه من إجراءات سياسية لم يسبق لها مثيل من قبل.  كما تميز العقدان الأخيران في تجربة الفلسطينيين في إسرائيل في حدة النقاش إلى احتداد الصراع بين الأقلية والأغلبية على شكل وجوهر نظام الحكم في إسرائيل، فقد استحوذ هذا الموضوع الأجندة السياسية لدى الطرفين، وخصوصا لدى الطرف اليهودي كرد فعل على تحولات سياسية وفكرية في معادلة الصراع بين الأقلية والأغلبية، وعلى ضوء تهميش العرب بعد اتفاق أوسلو،  كما أدى أوسلو إلى صعود خطاب الحقوق الجماعية القومية للمجتمع الفلسطيني، وبروز توجهات فكرية وسياسية تهدف إلى إعادة بناء الهيئات التمثيلية على أساس قومي من خلال انتخاب لجنة المتابعة. وحول مكانة الفلسطينيين في الداخل، فقد تم الفصل إلى درجة فك الارتباط بين هذه المكانة وبين حل المسألة الوطنية، فقد أدرك الفلسطينيون في إسرائيل أن حل القضية الفلسطينية من خلال إقامة دولة فلسطينية على أساس أوسلو، لن يحسن من مكانتهم المدنية والسياسية في الدولة اليهودية، بل أن هذه المكانة تتعلق في الدرجة الأولى بتغيير طابع الدولة الإثني، وإقامة مبنى سياسي جديد، ومن هنا برزت فكرة "دولة المواطنين" ممزوجة مع الحقوق القومية، دون أن ترى تناقضا بينهما. وهنالك من يرفع مشروع إقامة دولة ثنائية القومية داخل الخط الأخضر أو في فلسطين الانتدابية، وقسم آخر يعتقد بأهمية بناء ومأسسة المجتمع الفلسطيني. وقسم رابع لا يزال يتمسك بخطاب مساواة، وان كان متقدما عن خطاب المساواة "البدائي" القديم".

من جانبه ينظر د. مسعود اغبارية، أستاذ العلوم السياسية في كلية بيت بيرل، إلى الظروف التاريخية التي أنتجت أوسلو فيقول: "قبل توقيع الاتفاقية مباشرة حدثت انجازات للقضية الفلسطينية عالميا بسبب الانتفاضة الفلسطينية الأولى حيث سطّر الفلسطيني الذي حمل الحجر انجازات فائقة في العالم وفرض احترامه على كثير من المستويات.  ارتفعت مكانة القيادة السياسية الفلسطينية المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة بسبب خروج القيادة في الخارج من بيروت في ايلول 1982 وتوزيعها في مناطق كثيرة وبسبب وقوف القيادة في الخارج في حرب الخليج الأولى الى جانب صدام حسين. فحين تم عقد مؤتمر مدريد عام 1991 لم تدع قيادة الخارج، ودعيت قيادات فلسطينية من الضفة والقطاع ضمن إطار الوفد الأردني. كانت منظمة التحرير في عزلة سياسية وكانت تنتظر قيادتها فرصة لكسر الطوق.  في نفس الوقت تزامن وجود قيادة في اسرائيل عرفت كيف تحاول انتهاز الفرص وكسب توقيع ياسر عرفات، صاحب الشرعية الثورية، بالإعتراف بشرعية وجود مشروعهم".

وعن تأثير "أوسلو" على القضية الفلسطينية، يخالف د. إغبارية الرأي السائد ويقول: " "في حقيقة الأمر لم تؤثر اتفاقية أوسلو على القضية الفلسطينية كثيرًا من حيث إهدار الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني كما يدعي البعض. لم تزد الاتفاقية على اعتراف "دي فاكتو" متبادل بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، أي اعتراف بالوجود،  وليس اعترافًا "دي يوري" أي اعتراف بحق الوجود.  حاولت اسرائيل الحصول على الاعتراف "دي يوري" في قمة كامب ديفيد في تموز 2000 غير أن ياسر عرفات رفض التوقيع واستشهد وهو رافض هذا". 

ويضيف اغبارية: "من جهة ثانية علينا أن ننظر الى مثل هذا الاتفاق على أنه تم توقيعه من الجانبين وبه معضلتان وكأن كل جانب وقعه لاعتبارات تكتيكية محضة: وقعته حكومة اسرائيل للحصول على مشروعية مشروعها الاستيطاني في فلسطين ولم تلتزم به وفق تحديداته الزمنية، ووقعه الفلسطينيون لكسر طوق العزلة الدولية التي فرضت عليهم ولم يوافق عليه كثير من التنظيمات الفاعلة على الساحة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية".

ويرى اغبارية أن لاتفاقية أوسلو إيجابيات، ويقول:  "اتفاق اوسلو نص على اعتراف متبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية حين كان هناك حاجة ماسة للمنظمة من توسيع الاعترافات الدولية بها بعد التلاقي والاعترافات مع الولايات المتحدة عام 1988. وفتحت مجالات كثيرة للنضال أمام الفلسطينيين ولم يعد يقتصر النضال على الكفاح المسلح فقط. من بين أبرزه المجالات الجديدة حين هناك حرص للمحافظة على البوصلة، العصيان المدني  والمقاطعة الاقتصادية والنضال السلمي. ساعدت على عودة عشرات آلاف الفلسطينيين من المهجر, حيث كانوا يعانون من مآسي يومية. كما  خلقت اتفاقية أوسلو وخاصة الانتخابات التي أجريت على أساسها تعددية حقيقية فلسطينية ومن الذكاء أن يستفيد منها المفاوض الفلسطيني كورقة مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي. كما أدخلت الفلسطينيين من الأبواب في النضال الدبلوماسي عالميا ليحصلوا على دولة مراقب في الأمم المتحدة، مما منحهم مكانة قانونية لم يتمتعوا بها من قبل من أبرزها إمكانية التوجه للقضاء الجنائي العالمي وخاصة أمام محكمة الجنايات الدولية. وأقرت الاتفاقية إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة التي نجحت في زيادة مأسسة المجتمع الفلسطيني بإقامة المؤسسات المدنية والأمنية العامة الذي لعب دورا في زيادة تمكين الشعب الفلسطيني. لكنها في المقابل أدخلت الفلسطينيين في متاهات تبعية للاحتلال كما تمخض عن اتفاقية باريس عام 1994 ولكن السلطة بدأت بالمطالبة لإلغاء اتفاقية باريس نفسها. ويضيف د. اغبارية: " الاتفاقية قسمت المناطق المحتلة عام 1967 الى 3 مناطق حكم في الضفة ووفقها انسحاب إسرائيل من ست مدن عربية رئيسية و 400 قرية بداية عام 1996 مما منح حرية البناء واستثمارات ضخمة لكثير من الفلسطينيين في العالم أجمع".

ويختلف إغبارية مع الرأي السائد القائل بأن اتفاقات أوسلو حدّت من وسائل النضال للفلسطينيين، ويقول: " لم تمنع اتفاقيات أوسلو لجوء الفلسطينيين الى الكفاح المسلح كما يدعي البعض. فهبة النفق في 25 ايلول 1996 وبعدها انتفاضة الأقصى في اكتوبر 2000 خير مثال على استعداد الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية تحدي الاحتلال والتصدي له عسكريا حين يكون الأمر مناسبا".


لا أفق ولا نور في نهاية النفق
من جانبه يرى البروفيسور مصطفى كبها،  الباحث في الشأن التاريخي والإعلام ورئيس قسم التاريخ والفلسفة في الجامعة المفتوحة، أنه بعد عشرين عامًا على أوسلو،لا يوجد أفق ولا نور في نهاية النفق. ويقول أ.كبها: "بعد عشرين عامًا على اتفاقات أوسلو أثبتت أن الحلول الفضفاضة لم تف ولم تعط النتائج المرجوة عشية انتهاء الإنتفاضة الأولى ألا وهي الذهاب باتجاه إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الكاملة السيادة".

وأضاف أ.كبها قائلا: " إذا أخذنا هذين الهدفين كمعيار للفحص، رأينا أن هذه التفاهمات أخفقت فالاحتلال ما زال قائمًا والاستيطان مستمر ويتوسّع ،والكيان الفسطيني خال من معاني السيادة التي يرجوها كل شعب، وقد ساءت الأمور أكثر على الأرض حيث ازدادت المستوطنات وأعدادها وازدادت الحواجز والطرق الإلتفافية التي قطّعت أوصال الضفة الغربية إلى قطع مفككة، كذلك  ازدادت وضعية القدس الشرقية سوءًا، فالحساب العام هو زيادة تعقيد القضية الفلسطينية وانعدام النور والأمل في نهاية النفق."

ويضيف أ.كبها " نحن نقول إن المفاوضات هي أمر متفاوت من حيث القضايا والقدرات ومساحة المناورة ، بالتأكيد تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية ليست جدية في البحث عن حل، أما بالنسبة للمفاوض الفلسطيني فهو ليس في وضعية تسمح له بتحقيق إنجازات بسبب عدم امتلاكه مساحة مناورة تمكنه من ذلك، وذلك في ظل ما يجري في العالم العربي، وانحياز الوسيط الأمريكي وانعدام أي قوة دولية أو عربية يمكن للفلسطينيين أن يعتمدوا عليها، بمعنى أن آمال نجاح هذه المفاوضات ضعيفة جدًا والأفق  بالنسبة للفلسطينيين ضيق للغاية".

وعلى سؤال ما هي البدائل أمام السلطة الفلسطينية قال" ليس هناك الكثير من البدائل ، السلطة مضطرة لاختيار بديل أسوأ أو أقل سوءًا، وكما قلت الظروف العربية والدولية والرأي العام السائد في إسرائيل لا يسمح في الوقت الراهن بإمكانية حصول منجزات على الأرض بالنسبة للمفاوض الفلسطيني".

وكيف يرى أوسلو الآن من منظار تاريخي قال أ. كبها" تاريخيًا كانت أوسلو مفرقا تاريخيًا مفصليًا جدا، ولكن لم يفلح الفلسطينيون بتجاوزه، كالسيارة التي تعطلت في وسط مفترق هام ولا تستطيع أن تتقدم أو أن تتأخر بينما قدراتها آخذه بالتآكل".

____________________________________________________________________________


اتفاقية أوسلو

اتفاقية أو معاهدة أوسلو، هو اتفاق تسوية للقضية الفلسطينية وقعته إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في مدينة واشنطن الأمريكية في 13 سبتمبر 1993، وسمي الاتفاق نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية التي تمت فيها المحادثات السرّية التي تمت في عام 1991 أفرزت هذا الاتفاق في ما عرف بمؤتمر مدريد.

تعتبر اتفاقية أوسلو، التي تم توقيعها في 13 سبتمبر/ أيلول 1993، أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ممثلة بوزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز،ومنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلة بأمين سر اللجنة التنفيذية محمود عباس.

ورغم أن التفاوض بشأن الاتفاقية تم في أوسلو، إلا أن التوقيع تم في واشنطن، بحضور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون.

وتنص الاتفاقية على إقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية (أصبحت تعرف فيما بعد بالسلطة الوطنية الفلسطينية)، ومجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة، لفترة انتقالية لإتمامها في أقرب وقت ممكن، بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية.
ونصت الإتفاقية، على أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين. ولحفظ الأمن في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، نصت الاتفاقية على "إنشاء قوة شرطة فلسطينية قوية، من أجل ضمان النظام العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، بينما تستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية".

اتفاقات أوسلو: الأمل الموهوم
قبل عشرين عاماً وأثناء المصافحة التاريخية بين إسحق رابين وياسر عرفات في حديقة البيت الأبيض انتعشت لدى الكثيرين الآمال بسلام لم يبن على أساسات صحيحة، لكن سرعان ما تبددت هذه الآمال حين اصطمت بالواقع المتمثل بالصلف الإسرائيلي والتعنت وخططها التوسعية وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني.

فالعملية التي انطلقت مع توقيع إعلان المبادئ في 13 أيلول (سبتمبر) 1993 بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية، وكلاهما متوفى، لم تحقق نتائج مرجوة لا سيما بسبب استمرار الاستيطان الإسرائيلي.

وبعد مرور عقدين على توقيع اتفاق أوسلو، تغير الوضع على الأرض كثيراً مع التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين وبناء الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية.

وفي الوقت الحاضر يعتبر أكثر من ثلثي الإسرائيليين والفلسطينيين (68 و69 في المئة) أن الفرص ضعيفة أو معدومة في قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل في خلال خمس سنوات وفق استطلاع أجري في حزيران (يونيو). وأقر الوزير الإسرائيلي السابق يوسي بيلين وهو من مهندسي تلك الاتفاقات، بأن «واقع أن نجد أنفسنا بعد 20 عاماً على توقيع اتفاقات أوسلو أمام حجج واهية بدلاً من بنية منجزة أمر مخيب للآمال»، محذراً «من خطر تفكيك السلطة الفلسطينية في حال فشلت كل المحاولات للتوصل إلى تسوية في الأشهر المقبلة». لكنه أكد في مقالة نشرتها صحيفة هآرتس «أن الاعتراف المتبادل القائم بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بقي على حاله». وأضاف «أن إسرائيل والفلسطينيين ينسقون اليوم العمليات في جميع الميادين، بخاصة في مجال الأمن، إنه التغيير المهم الذي حملته اتفاقات أوسلو». إلا أن الحصيلة التي يعطيها الفلسطينيون قاتمة أكثر.

وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي «منذ إعلان المبادئ حققنا عودة القيادة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية وعودة حوالى 300 ألف عائلة وبناء مؤسسات فلسطينية خاصة وبناء نظام فلسطيني إداري خاص». لكنها استطردت «خسرنا الكثير سواء على صعيد الأرض أو الموارد والقدرات الفلسطينية الخاصة، وقامت إسرائيل بفرض بنية تحتية معينة وتم تحويلنا إلى معازل منفصلة بحيث باتت المستوطنات كأنها الأساس والوجود الفلسطيني هو الجديد». وأردفت عشراوي «بات الأمر يهدد بالقضاء على فكرة حل الدولتين».

وقال المحلل السياسي حسن عبدو من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منذ 2007، إن الشعب الفلسطيني «لن يجني أي نتائج إيجابية من اتفاق أوسلو» مشيراً إلى أن الاتفاق مسؤول عن «الأزمة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية».

وبحسب عبدو فإن أوسلو «كاتفاق مرحلي ولد عنه سلطة بالتعاقد مع الاحتلال نظر إليها الشعب الفلسطيني بصفتها مرحلة انتقالية للوصول إلى الدولة»، مؤكداً أن «الاحتلال عمل على تهديد هذه المرحلة الانتقالية ولم يصل أوسلو إلى محطته النهائية كما يتصور الفلسطينيون».

واعتبر المحلل هاني المصري، ومقره في الضفة الغربية أنه «بعد عشرين عاماً على اتفاق أوسلو من الواضح أن هذه المفاوضات لم تحقق شيئاً، فالاحتلال تعمق والاستيطان توسع. والأسوأ من هذا كله هو أن الجانب الفلسطيني عاد للمفاوضات بالطريقة نفسها وبالأسلوب نفسه»، في إشارة إلى استئناف المحادثات في آب (أغسطس) تحت رعاية الولايات المتحدة.

ويدعو يوسي بيلين إلى انخراط أكبر لـ «طرف ثالث (الأميركيين والأوروبيين)» ورأى أنه «عندما يعتبر قادة الطرفين أن الوضع القائم غير مقبول، فإن طرفاً ثالثاً يصبح أمراً ضرورياً لإعادتهما إلى الواقع».

ويطالب المفاوض الفلسطيني نبيل شعث هو أيضاً بتغيير جذري في الأسلوب مع إشادته باتفاق أوسلو. وقال في هذا السياق «عندما انطلق (اتفاق) أوسلو كانت هناك فرصة جيدة للنجاح مع وجود فريقين قويين للسلام، الفلسطيني والإسرائيلي، وزعيمين مصممين على النجاح». وأضاف «أن مشكلة أوسلو الأساسية هي أنه لم يطبق أو أنه (طبق) بطريقة انتقائية». وأمام «اختلال القوى الذي يجعل الاتفاقات غير قابلة للتحقيق»، يطالب شعث بـ «تدخل دولي مع التزام في مراقبة احترام الاتفاقات واتخاذ تدابير في حال انتهاك أي طرف».

ولم يعد الفلسطينيون يريدون السماع باتفاقات على مراحل مثل أوسلو. وأكد شعث «لا إرجاع أي شيء إلى المستقبل، لا اتفاقاً مرحلياً بعد الآن. لقد تعلمنا أمثولتنا».

وفرض الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني على المفاوضات الحالية نوعاً من التعتيم الإعلامي. ولكن المصري يرى أن ذلك يعود إلى «الخجل من هذه المفاوضات لقناعة الطرفين بأن مفاوضات أوسلو لم تحقق شيئاً».

ووفق المصري، فإن عودة المفاوض الفلسطيني «كانت أسبابه بالأساس ضعف الوضع الفلسطيني والانقسام السياسي، إضافة إلى ما يجري في الوطن العربي من حالة ضعف عامة».

أما المحلل السياسي عدنان أبو عامر وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة فقال «لا شك في أن اتفاق أوسلو كان مرحلة اضطرارية بين الجانبين ولم يكن بملء رغبة إسرائيل أو منظمة التحرير»، مشيراً إلى أن الجانبين «لم يحققا ما أراداه حيث لم يحصل الإسرائيليون على أمن كامل في غزة والضفة الغربية، ولم تستعد السلطة الفلسطينية أراضي عام 67 التي وعدت بها».

وتابع «يمكن القول إن اتفاق أوسلو الذي كان في حينه مرحلة اضطرارية استعجالية، لم يؤسس لاتفاق سياسي حقيقي بل أعاد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عام 1967».

وعن المفاوضات التي انطلقت أخيراً قال أبو عامر إنها «محاولة لإرضاء الراعي (الأميركي)».

"فصل المقال، أ.ف.ب"
 

التعليقات