أجندات سياسية ثلاثية الملامح: التنميط العنصري والعسكرة والسيطرة إلى جانب نوايا وأفعال ونتائج سيئة

"عندما يحدث شجار فإننا ننتظر الشرطة ساعات ولا تأتي! وعندما تريد شركة جباية دخول القرية، ينضم إليها رجال شرطة من وحدات كثيرة"..

أجندات سياسية ثلاثية الملامح: التنميط العنصري والعسكرة والسيطرة إلى جانب نوايا وأفعال ونتائج سيئة

في نهاية كل عام، يجتمع قادة الشرطة مع ممثلين من المجتمع الفلسطيني، للاحتفال بــ "نجاحاتهم" للعام المنصرم. وفي كل عام يتم اختيار شعار مختلف، في سياق سيناريو من الأقاويل والأوهام حول العنف والجريمة في الداخل الفلسطيني.

ما يًميز السيناريو الأخير حسب لغة "قادة" الشرطة أمرين: الأول، "طرأ تحسين في مستوى تقديم الخدمات الشرطية بشكل عام وللوسط العربي بشكل خاص، مع التنويه على أن استطلاع الرأي الذي أجراه مؤخرا المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أشار إلى ارتفاع مستوى ثقة الجمهور العربي بالشرطة"؛ والثاني، "تسجيل انخفاض ملحوظ في مستوى الجريمة، العنف وعدد القتلى بحوادث الطرق في الوسط العربي". تُسند هذه التغييرات، حسب أقوالهم، لتغييرات تنظيمية تقنية في الشرطة: "أن قرار تقسيم لواء الشمال إلى قسمين الذي اتخذ سابقًا، وفي أعقابه بات لدينا لواء الشمال ولواء الساحل، عاد بالفائدة الجمة على عمل الشرطة، ومكنّا من التواصل بشكل أكبر وأنجع مع الجهات المختلفة، كما سمح لنا بزيادة عدد أفراد الشرطة في المحطات". يؤامن قادة الشرطة بــــ"نحن نسعى إلى أن نتواجد بشكل كبير في الوسط العربي، ونكثف من عملياتنا من أجل سلامة المواطنين، حيث نرى تقبلا وتعاونا كبيرا من جانب المواطنين مع الشرطة والذين أصبحوا يتفهمون بشكل كبير أهمية تواجد الشرطة داخل المدن والقرى العربية" (أقوال من المؤتمر الذي عُقد في "لواء الشمال" بتاريخ 23/12/13).

التساؤل الأساس في هذه المقالة حول مدى حصول هذه التغييرات؟؟ أو أن هذه الأقاويل هي تصورات متجذرة بأيديولوجيات ثابتة.

من الأهمية تحليل العلاقة بين الشرطة و"الأقليات" حسب أبحاث عينية. يؤكد بعض منها أن ما يُميز هذه العلاقة هو التوتر، المُستند على اختلافات ثقافية قيمية بين الفئات المجتمعية. في حين أن التفسير السياسي هو الأكثر قبولاً في وسط كثير من الأبحاث، والتي تربط موجات الاعتقالات والتحقيق ضد الأقليات بمواقف أفراد الشرطة، والتي تنظر لأبناء الأقلية كمصدر تهديد وخوف وكــ "عدو داخلي". فالسياسة التي تنتهجها الشرطة تجاههم تسمى "صفر تسامح"، أي الاعتقال في أي ظرف وسبب وثمن. تتعامل الشرطة، إضافة إلى ذلك، مع "ابن الأقلية" وفق مبدأ "التنميط العنصري"، أي التعامل وفق هويته القومية أو وفق لون بشرته، وليس وفق مميزات الفعل (الفعل الذي يُعتبر انحرافا عن قاعدة قانونية). فـ"التنميط العنصري" يعني أن أفراد الشرطة يستخدمون قوالب جاهزة وثابتة في حال التعامل مع "ابن الأقلية".

حسب نظرية "التنميط العنصري"، يتم تحويل مجموعة مجتمعية إلى مجرد فئة عنيفة أو مجرمة، وهذا يعني وضع من "العسكرة". تتطرق كثير من الأبحاث لهذا المفهوم والذي يشمل خمسة عناصر: معتقدات عنصرية (التي تعتبر الموجهة لتصرفات الشرطة في تعاملها مع الأقلية)، والتجريم، (ويعني تحويل تصرفات عادية من منطلق أفراد الأقلية لتصرفات جنائية، وربط أفراد الأقلية بخرق النظام والقانون)، وعسكرة (فعاليات رادعة وباستخدام الاعتقالات، والتفتيش، والتحقيق العشوائي بمجرد الشك بالفاعل المحتمل المُختلف)، واستخدام الإحصائيات كعامل لتنظيم الثرثرة حول "نجاح" أفعال الشرطة وفق تصورات أفرادها.

تُظهر مجموعة من الأبحاث أهمية نظرية السيطرة، حيث يتم من خلالها النظر للإحصائيات كمقياس لا يعكس الحقيقة الاجتماعية أو الكمية المفترضة للسلوك الإجرامي، وإنما يعكس نوايا المسيطِر. بالتالي، إن الإحصائيات التي تُنتجها الشرطة هي مرآة لتصورات أيديولوجية. في ضوء هذا التحليل، من المفترض النظر لأجهزة الشرطة كسيطرة سياسية من حيث أن تطبيق القانون في وسط أقلية يتخذ طابعاً عسكرياً، حيث تحاول أبحاث تطوير هذا الاتجاه النظري في مجتمعات تعتبر فيها الأقليات عنوانا لسيطرة الأغلبية الحاكمة.

إن النموذج الذي أحاول تطويره في هذه المقالة القصيرة يربط بين ثلاثة مفاهيم: التنميط العنصري، العسكرة والسيطرة السياسية والعلاقة المتبادلة بينها، والتي تفرز نظاماً جديداً مستندا إلى أساس استخباريّ إلى جانب سياسة اللجوء إلى القوة، إلى جانب وجود عقائد قائمة على نوايا، أفعال ونتائج سيئة.

يُساهم هذا النموذج في تعرية الشعارات التي ذُكرت أعلاه. فمن المستحيل الافتراض أن زيادة عدد أفراد الشرطة في الوسط العربي يؤدي إلى الانخفاض في حالات العنف والجريمة في العام 2012 مقارنة بالعام 2011، لآن النتيجة المنطقية يجب أن تكون عكسية: فوجود شرطة أكثر كثافة يؤدي إلى اعتقال عدد أكبر من المتهمين، لأن أفعال الشرطة هي التي تؤدي إلى إنتاج الاحصائيات.

من الأهمية معرفته أن البيانات المُعبَر عنها بشأن التغيير في العلاقة بين العربي والشرطة، وكما عبر عن ذلك ضابط في الشرطة "هنالك تغيير في المفاهيم والتوجهات للشرطة بكل ما يتعلق بالجمهور العربي... وانا اعتقد بأن هذا التغيير ملحوظ ايضا على مستوى الشرطي في الميدان" (يوم دراسي في الكنيست، الذي عقد بتاريخ 12/11/2013) هو توجه بعيد عن الواقع الذي يلمسه العربي في بلدته.

إن أقوال لرؤساء بلديات ومجالس محلية في هذا اليوم الدراسي فضحت هذه التصورات، وكشفت عن الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطيني. قال رئيس لبلدة عربية: "عندما يحدث عنف أو شجارات في القرية فإننا ننتظر الشرطة ساعات ولا تأتي! ولكن عندما تريد شركة جباية من دخول القرية، فينضم اليها رجال شرطة من وحدات كثيرة وهذا يؤدي الى عدم ثقة بالشرطة". وقال آخر: "عندما يهدون بيت أو حظيرة في الصحراء فإنني أرى 200-300 سيارة شرطة، وعندما يكون شجار في القرية فبالكاد يرسلون سيارة واحدة". هذه الأمثلة وأخرى تؤكد النظرية، التي أحاول توصيلها للقارئ، وهي أن عقلية الشرطي (خاصة المخطط وليس المنفذ) لم تتغير، وبقيت قائمة على نظرية أن الآخر "المختلف" هو مصدر تهديد بل عدو.

إن الأقاويل بشأن "الثقة المتطورة بين الأطراف" و"أن الجمهور العربي هو السبب لعدم وجود الثقة" أو حسب ما قيل، في يوم دراسي حول "علاقات المجتمع العربي والشرطة في إسرائيل" (بمبادرة عضو من حزب العمل وآخر من ميرتس بالتعاون مع جمعية مبادرات صندوق ابراهيم، بتاريخ 12/11/2013)، أن "المجتمع العربي متصدع" هي أقاويل زائفة بل أوهام قائمة على نوايا أيديولوجية، يؤدي وجودها حتماً إلى مزيد من حدة التنميط العنصري، العسكرة والسيطرة (الأفعال)، وبالتالي مزيد من إنتاج الإحصائيات الشرطية (النتائج).

إن مفهوم المساءلة هو هام وضروري بين الشرطة وفئات سكانية، من منطلق أن من دور الشرطة الجوهري هو توفير الأمن والأمان للفرد، وبالتالي ترى الشرطة أن من مسؤوليتها هو توفير معلومات لممثلي هذا الفئة حول العنف والجريمة. يحدث هذا الوضع في حال أن العلاقات بن الطرفين قائمة على أساس مهني وموضوعي، بدون تدخل أي اعتبارات غريبة تحكم العلاقات بينهما. ولكن بالتطرق لحال المجتمع الفلسطيني، فالاعتبارات الغريبة هي التي تحكم هذه العلاقات، كون أن طرف واحد يملك السيطرة ويفرضها على الطرف الآخر، من منطلق "يهودية الدولة" التي يؤامنون بها.

إن اللقاءات القائمة بين بعض من ممثلي المجتمع الفلسطيني وقادة الشرطة هي بمثابة "المساءلة الخادعة". أي ترى الشرطة أن من دورها توفير بيانات حول ما يحدث في مجال العنف والجريمة لممثلي "الوسط العربي"، من أجل تنفيذ "أجندة" عقائدية، في حين يتصور هؤلاء الممثلين أنهم ينالون البيانات الحقيقية حول الجريمة والعنف في مجتمعهم، وكلتا الحالتين، حال الشرطة وحال الممثلين، يستندان على أوهام ومعلومات خاطئة المتأثرة بــــ"أجندات ثلاثية الخصائص" لمزودي المعلومات.

الهزلية والسخرية أن مزودي المعلومات يتحدثون عن الانخفاض الملموس في حدة العنف والجريمة، كمؤشر لتنظيم الشرطة في حين أنهم يتجاهلون سياسة التمييز المزمنة والمتفاقمة التي هي أصل المشكلات التي يعاني منها المجتمع العربي. فالوهم هو الإيمان بأن الشرطة من خلال "تنظيمها من جديد" تستطع التعامل مع ظاهرة العنف والجريمة، في حين أن هذه الظاهرة هي واحدة من مجمل الظواهر التي يعاني منها الداخل الفلسطيني، نتيجة سياسات متعمدة أجندتها الثلاثية واضحة الملامح: تنميط وعسكرة وسيطرة إلى جانب نوايا سيئة، وأفعال سيئة ونتائج سيئة.
 

التعليقات