د. عمر سعيد في انطلاق مشروع تطوير "الأدوية النباتية"

د. سعيد: الطب العربي مهمش ويعتريه التشويه وشأنه بذلك كشأن أحوال المواطن العربي * "الأنطاكي" عملت على تطوير أكثر من 10 أصناف أدوية نباتية..

 د. عمر سعيد في انطلاق مشروع تطوير

د.عمر سعيد هو اسم راسخ القدمين في ميدان الكفاح الوطني، مثقف نوعي وأسير سابق، كما هو اسم لمع في عالم الطب النباتي، ويعكف مع فريق من المختصين نحو تحرير الموروث الطبي العربي الإسلامي من إسار النكوص الذي اعتراه قرونا خلت نحو الانطلاق في تأصيل الحديث وتحديث الأصيل في عالم الطب النباتي. د.سعيد مختص في علم الأدوية والعقاقير، حاصل على لقب دكتور من معهد العلوم التطبيقية"التخنيون" بحيفا، وهو مؤسس شركة الأنطاكي – بيليف وباحث مميز

* كيف تلخص ميزات الطب العربي ماضيا وحاضرا؟

لست أبالغ حينما أؤكد أن موروثنا الطبي العربي الإسلامي هو من أهم واغني ما خلفته المجتمعات المتمدنة عبر الأزمان من حيث اشتماله على جوهر المساهمات الحضارية للثقافات السابقة عليه، وخضوعها جميعاً إلى عملية تدوين ونقد وتطوير وعلمنة غير مسبوقة في التاريخ. ويحضرني في هذا المقام ما ذكره المفكر المرحوم محمد عابد الجابري حينما وصف وجه التميز لدولة المأمون العباسية: "دولة تكاد تتحول لمركز أبحاث وتطوير عملاق"، في إشارة منه إلى حجم العناية الفائقة الذي أولته الدولة لقضايا العلم والتمدن. باعتقادي، إن أنظمة الرقابة الواضحة لجودة العقاقير والمحاسبة القضائية الصارمة التي فرضتها الدولة، وقتها، على العاملين في الحقل الطبي، جنبا إلى مع تطوير الكيمياء بصفته علما، قد أسهم كثيرا في تأمين استمرار تلك الانطلاقة العلمية لقرون متوالية. ذلك كان مبعث اعتزاز في زمن الازدهار، أما في زمن النكوص حتى الاندثار فحدث ولا حرج. محنة الطب العربي الراهنة وتخلفه عن غيره، مشتقة من تعاسة الواقع العربي ورداءة أحوالنا، فكيف يمكننا معالجة الأبعاد الثقافية والتنموية المهدورة جراء الإهمال المعيب لموروثنا الطبي، في بيئات ما زالت تتعامل مع إهدار كرامة الإنسان وسحق تطلعاته وكأنها أمر طبيعي.

الأنطاكي - بيليف هي بالنهاية شركة متخصصة بالمنتجات الطبيعية كسواها من الشركات، فما هو الخاص في ذلك؟

شركة الأنطاكي –بيليف هي أقرب لأن تكون مشروعا ثقافيا وطنيا من كونها شركة ربحية بحت، وذلك لأنها تعتمد رؤية متكاملة تجاه دورها في إحياء الطب العربي، لهذا يمكن أيضا اعتبارها "شركة أيديولوجية"، أي ذات رؤية وعقيدة محددة المعالم تدفعها في الاستثمار الممنهج في الجوانب الثقافية والتعليمية والبيئية، وإشاعة الوعي الشعبي والتخصصي في عملية تحديث وإعلاء شأن طبنا العربي. هي أيضا شركة عربية رائدة في البحث وتطوير المنتجات الطبيعية، وتصدرها للعالم الغربي كمنتج مادي مع محموله الثقافي كشرط لأي تعاقد تجاري.

ألا تشكل هذه الهوية الحضارية عائقا أمام تطورها، وكيف أثر اعتقالك السياسي الأخير على مسيرتكم؟

لا ريب أن خطاب التشويه العنصري الذي يستهدف الأسس الأخلاقية لحضارة أمتنا يلقي بظلاله الثقيلة على حيوية مشروعنا، لكننا لا نستسلم لحسابات الربح والخسارة التسويقية تحت ضغوطات تلك الهجمة المتصهينة العنصرية، حيث نجابهها بمزيد من التأكيد والإشهار لجوهر ثقافتنا المشرق، والإصرار على مزيد من الفعل والانجاز.

أما فيما يتعلق باعتقالي الأخير فهو بالتأكيد أعاق وأضر باندفاع مشروعنا، وهو بنظري أمر ينبغي، على ما يبدو، أن يكون واردا في حساب كل الوطنيين وأصحاب المشاريع المجتمعية الريادية والعمل على تجاوزه السريع حينما يقع، لكن الأثر الأكثر إيلاما والعصي على التجاوز هو حينما تتلقى طعنة غادرة من ناكر للجميل.

في ضوء ما نشهده مؤخرا من إقبال عربي متزايد على استخدام النباتات علاجيا، فهل يمكن لنا القول إن الطب الشعبي قد تجاوز مرحلة الأزمة والإقصاء وبات يحظى بالاعتراف اللائق؟

لا شك أن موضوع " الطب النباتي الشعبي" قد فرض وجوده اللافت على مسار حياتنا اليومية، حتى صار واسع الانتشار ويحظى باهتمام أوساط شعبية وعلمية متزايدة. على الرغم من تأخر الاهتمام المناسب في هذا المجال في مجتمعاتنا العربية المعاصرة، إلا أنه نجح في استعادة جزء من مكانته وهيبته خلال العقدين الأخيرين، وذلك كتعبير عن ازدياد الوعي الصحي والبيئي على نطاق ملحوظ. مجتمعاتنا العربية، ولسخرية الأقدار، أبقت على حضور موروثنا الطبي، ليس بالضرورة من باب الاعتراف بأهميته وإمكانياته الهائلة، وإنما أيضا لكونه الملجأ الأساسي لفقراء الناس في حصولهم على احتياجاتهم الصحية والطبية والتجميلية، في ظل غياب محزن للتأمين الصحي والخدمات العلاجية المناسبة لأبناء المجتمع في معظم البلدان العربية. هذا الواقع المشوه يستدعي التصحيح بحيث يصبح هذا الموروث ليس ملاذاً لفقراء الناس وإنما اتجاهاً صحياً ممأسساً معترفاً بدوره بصفته جزءا من النظام الصحي الرسمي، بعد جعله متجانسا مع المواصفات العالمية للمستحضرات الطبيعية وقاعدة متينة للانطلاق نحو صناعة دوائية عربية منتجة.

لكن المكتبة العربية قد تخالف تقييمك، من حيث كثرة إصداراتها في هذا الصدد؟

المكتبة العربية الحديثة، على فقرها، تتعرض فعلا إلى حملة محمومة، تكاد تشبه الغزوة، من ناحية الإصدارات المتواترة لأدبيات الطب النباتي على أنواعه. وقد يعتقد البعض أن هذه الحالة تغني بالضرورة الجوانب المعرفية والإجرائية لمجال الطب النباتي، أو أنها، في أسوأ الأحوال، لا تلحق ضرراً أو تشويهاً لهذا الحقل الهام. بتقديري المتواضع، وبالنظر لاعتباطية غالبية تلك الإصدارات من ناحية دقتها العلمية ودرجة مغالاتها وتهورها أحيانا في طرح القضايا الصحية، فان من شأن تلك الاستهانة أن تقوض الأسس المنهجية العلمية لهذا المجال الذي يشهد نمواً متسارعاً عالمياً، وبات يخضع بدوره إلى اشتراطات قوانين التنافس الاقتصادي بعد أن التفتت إليه كبرى شركات الأدوية العالمية بشغف ونهم، وزاوجت ما بين العلم والأصالة. من هنا، فان أكثر ما يمكن أن تعكسه حالة الفوضى العارمة تلك، هو التدليل على أن هذا النطاق بات يحظى باهتمام متزايد من قبل كافة الأوساط المجتمعية العربية، وأن هناك استعداداً خصباً للتفاعل الإيجابي مع ما كان يعتبر، ليس منذ زمن بعيد، موضوعاً تراثياً متخلفاً عن روح عصرنا الراهن وخالياً من عناصر الإفادة والانطلاق.

بالأكيد هنالك ضرورة ملحة لإعادة ترتيب وضبط مجال الطب النباتي في مستوياته المختلفة، على أن تتصدر مؤسساتنا العلمية هذه المهمة عبر عملية تنسيق ومراجعه لما هو قائم، ومن ثم تحديد أساليب وآليات حمايته وتطويره.

ما هي الحلقة الأصعب في هذا الحقل؟

إحدى أهم المشاكل التي يعاني منها الطب النباتي أنه مجال "منفلش" ولا يخضع للمراقبة المهنية المناسبة، حيث تسوده فوضى عارمة وخطيرة كما أشرت سابقا، لهذا تسلل إلى مفاصل هذا العالم الجميل بعض المدعين الذين لا يملكون الحد الأدنى من المعرفة العلمية، ولا علاقة لهم حتى بقواعد المعالجة الشعبية الأصيلة، فجعلوا منه فرصة للارتزاق والاغتناء السريع، مما ألحق به ضررا كبيرا وأبعده عن المشهد الطبي المساند، وزاد من خوائه خاصة لدى الفئات المتعلمة. إن الارتقاء بمتطلبات الخوض في هذا المجال، من خلال منظومة كاملة من التقييدات على العاملين بهذا الحقل، وخاصة في ما يتعلق بالتأهيل العلمي وأخلاقياته من شأنه أن يكون حاجزا أمام تسلق أولئك المتطفلين.

كثيرا ما ذكرت مصطلح " المواد الفعالة دوائيا"، ما المقصود بذلك؟

الغالبية العظمى للمركبات الدوائية المستخلصة من النبات تنتمي إلى عائلة المركبات الثانوية، أي تلك المركبات التي لا يمثل وجودها شرطاً لاستمرار حياة النبتة كما هو الحال في المركبات الأساسية (البروتينات، الكربوهيدرات والدهنيات). ذهب الباحثون المتخصصون إلى أن وجود تلك المركبات ينطوي على أهمية دفاعية للنبتة ذاتها أمام الأمراض ومسبباتها، فضلا عن استعمالها هجوميا لتأمين أفضلية في ساحة التنافس والبقاء. هذا الاعتقاد يلقى دعما أكيدا من حقيقة أن بعضا من هذه المواد قادر على قتل أو تعطيل تطور حياة الجراثيم والفطريات والفيروسات والحشرات الضارة والديدان وحتى تحليل ومن ثم تحييد أذى المواد السامة. المركبات الثانوية التي يستخدمها الإنسان كدواء تحقق فعلها العلاجي بتأثيرها على انقسام الخلايا، وعمليات استنساخ المواد الوراثية (DNA، RNA)، نفاذية الأغشية الخلوية، تأثيرها على الإنزيمات والمستقبلات والقنوات الأيونية، وعمليات الاستقلاب الغذائي...ألخ.

بعض المتحفظين على هذا التفسير يعززون شكوكهم من كون حضور تلك المركبات الثانوية متغيرا وفقا للظروف المناخية والبيئية (باستثناء قوة الإضاءة)، فارتفاع درجة الحرارة يرفع من تركيزها، بينما تعديل وتيرة ريها بالماء يؤدي بدوره لتغيير تراكيزها وكذلك هي بعلاقة طردية مع كمية التسميد.

أما في سياق موضوعنا، فإن هذه الحقيقة تصعب علينا إنتاج أدوية من خلاصاتها ذات مستوى ثابت من المواد الفعالة، لهذا فإننا نلجأ إلى استخدام علامة كيميائية فارقة تؤمن لنا ثباتا في معدلات المواد الفعالة في الدواء النباتي.

عرف أنكم سجلتم سابقة علمية لافتة بحيث أنه لأول مرة في البلاد تمكنت شركة الأنطاكي من اجتياز شروط لجنة التحكيم التابعة للعالم الرئيسي في وزارة التجارة والصناعة، وأن تحظى بالدعم لتطوير دواءين من أصل نباتي، ماذا عن ذلك؟

هذا صحيح. الدخول إلى عالم الدواء النباتي يعتبر مرحلة نوعية وهامة في حياة أي شركة تطوير وأبحاث، خاصة وأن استيفاء الشروط والمعايير المطلوبة هي مسألة صعبة للغاية، وتستلزم مجهودا علميا متميزا يتماشى مع أعلى المواصفات الدوائية المرعية. من هنا فليس من السهل لأي مركز أبحاث أو شركة أن تتجاوز هذه المرحلة، ولهذا لم تتقدم أي شركة في البلاد لتسجيل دواء نباتي حتى الآن بما فيها كبريات الشركات، حيث اكتفى الجميع بتسجيل المستحضرات الطبيعية والعشبية كمكملات غذائية وكريمات تجميلية أو وظيفية.

من هنا، فنحن نكون أول من تجاوز هذا الحاجز المعرفي، وانتقل إلى رحاب الدواء النباتي، حيث يعني ذلك أنه في حالة نجاحنا في استكمال كافة الأشواط المتبقية فإن هذين الدواءين سيصبحان أدوية عالمية ويمكن لكل طبيب أن يصفها لمرضاه في كل أنحاء العالم.

قد يكون مفهوم "الدواء النباتي" غير معروف لدى الغالبية، لذا يمكننا اختصاره بأنه دواء من أصل نباتي، لكنه يخضع لكافة أنظمة ومعايير الدواء الكيماوي. فالدواء النباتي هو نطاق جديد تم ابتداعه من قبل FDA منذ حوالي عشر سنوات، وتنطبق عليه كافة الشروط والمستلزمات المتبعة في ترخيص الأدوية الكيماوية باستثناء أن المادة الفعالة ليست جزيئا وحيدا، وإنما مجموعة من المواد المتساندة والتي تعمل بشكل متجانس لإحداث أثر "فرمكولوجي" دوائي. وهي بهذا المعنى تستوجب دراسات حول السمية ودرجة الأمان، وضبط مجموعة المواد الفعالة بحيث يتم التحقق من وجودها بالمستوى المطلوب بكافة المراحل، وإثبات فعاليتها العلاجية وإخضاعها لتجارب سريرية على الإنسان، وذلك بعد أن يتم تصنيعها وفقا لشروط تصنيع المواد الدوائية الكيماوية.

وقد عملت شركة الأنطاكي على تطوير أكثر من عشرة أصناف دوائية نباتية مؤهلة للدخول لهذا العالم، لكنها قررت البدء بهذين المستحضرين لما يرافق ذلك من تكلفة عالية وجهد مضن. يذكر أنه حتى الآن ليس هناك دواء شاف لمرض الباسور أو الحصوة، لهذا فان هذين المستحضرين يصنفان بأنهما أدوية (يتيمة) مما يشير إلى الحاجة الماسة في سوق الصيدلة والدواء لأدوية مشابهة ولذلك وقع اختيارهما كبداية.
 

التعليقات