حقيقة إغلاق ملف المشايخ العرب الدروز

"النيابة ومن خلفها المستوى السياسي، كانوا قد قرروا إنهاء القضية لأنهم أدركوا تداعياته الخطيرة والسلبية سياسيًا، وقرروا إنهاءه عبر معتمديهم في أوساط الطائفة المعروفية""..

حقيقة إغلاق ملف المشايخ العرب الدروز

اختلفت وجهات النظر في تقييم الاتفاق الذي توصل إليه 16 من المشايخ العرب الدروز مع النيابة العامة الإسرائيلية بإسقاط التهم ضدهم بزيارة "دولة عدو" مقابل تعهدهم باحترام قانون "حظر زيارة دول معادية".

إعادة مفاتيح التواصل إلى البواب الإسرائيلي

وجهة نظر تقيميية أولى رأت في الاتفاق تراجعا من طرف المشايخ أمام المؤسسة الإسرائيلية خصوصًا لتعهدهم بأن أي زيارة لمقدساتهم وأقربائهم في سوريا أو لبنان يجب أن تكون بموافقة المؤسسة الإسرائيلية. وهو الأمر المناقض لمشروع زيارات التواصل، التي كانت تهدف إلى تحدي المؤسسة الحاكمة وخرق قواعد اللعبة التي رسمتها في تنظيم العلاقات بين العرب في الداخل ووطنهم العربي. فالهدف كان تحدي المؤسسة ورفض التواصل مع الوطن العربي عبر البوابة الإسرائيلية، وأن العرب، كل العرب بمن فيهم الدروز، ليسوا جسر سلام ولا وسطاء بين أمتهم وشعوبهم العربية وبين إسرائيل. وبالتالي، فإن قبول المشايخ الأجلاء بهذا الاتفاق يعني أنهم أعادوا مفاتيح التواصل إلى البواب الإسرائيلي.

وجهة النظر الثانية، يقول مصدر مطلع على تفاصيل القضية لـ"عرب ٤٨" إن المشايخ الدروز قبلوا بالاتفاق بعدما تم اختطاف قضيتهم من أطراف سياسية وروحية في الطائفة المعروفية، حاولت المتاجرة بملفهم واستغلاله سياسيًا داخل الطائفة. ويشدد المصدر على أن هذه الأطراف، بعضها معدود على أحزاب اليمين الإسرائيلي المتطرف، وشت بالمشايخ لدى المؤسسة الإسرائيلية، ووجهت رسائل مكتوبة وموقعة تحذر من هذه الزيارات على اعتبار أنها تحد لإسرائيل. ويضيف المصدر، أن هذه الأطراف هي أطراف سياسية استغلت أطراف روحية في مراسلاتها للتحريض لدى المؤسسة الحاكمة، من خلال التحريض بأن الدكتور عزمي بشارة والتجمع الوطني الديمقراطي يستغلان هذه الزيارات لأهداف قومية وأن على المؤسسة التحرك لقطع هذه الزيارات إلى سوريا ولبنان.

هذه الأطراف المحرضة، يقول المصدر، هي ذاتها التي تدعي أنها عملت طيلة الفترة السابقة لدى المؤسسة الحاكمة لإغلاق ملف المشايخ، وتتباهى بأنها لعبت دور الوسيط بين قيادتها الروحية والمؤسسة الحاكمة.

وجهة النظر الثالثة، التي يقول المصدر إنها أقرب إلى الحقيقة، ترى أن قضية المشايخ الدروز ومحاكمتهم لأول مرة منذ قيام إسرائيل، تسببت بحالة غضب شديد في أوساط الطائفة المعروفية، التي اعتبرت هذه المحاكمة ملاحقة للمشايخ لزيارة روحية شرعية، وأن المستوى السياسي الإسرائيلي، باسم فصل السلطات وتطبيق القانون، لا يقيم شأناً للمشايخ المعروفيين ويقدمهم للمحاكمة دون رادع.

هذا الغضب، بالإضافة إلى إدراك المؤسسة أن ملف المشايخ تم تضخيمه لأسباب سياسية لضرب الحراك الوطني داخل الطائفة المعروفية، لن يفضي إلى أي شيء إيجابي. فعلام سيحاكم المشايخ؟ زيارة بلد معاد؟ لقد أصبحت هذه التهمة بالية، إذ إن عدة صحافيين إسرائيليين زاروا سوريا ولبنان وإيران ولم يتم استجوابهم أو التحقيق معهم. مئات المواطنين اليهود زاروا ويزورون العراق، وتحديداً كردستان العراق، بحجة التواصل مع الجذور. أحد من هؤلاء لم يقدم للمحاكمة. أي أن المؤسسة تدرك أن "الملف خسران"، حسب المصدر، وأن المحاكمة تحقق أهدافًا مغايرة كلياً لهدفها الأصلي وهو ضرب الحراك الوطني داخل الطائفة المعروفية. إذ إنه في حالت إدانة المشايخ، كان من المخطط تدويل القضية واعتبارها ملاحقة رجال دين لنشاطهم الروحي الشرعي على خلفية سياسية.

إزاء هذا الواقع، الغضب الشعبي المتفاقم وضعف الملف قضائيًا، يقول المصدر، رأت المؤسسة الإسرائيلية أنها وصلت إلى نقطة عليها أن تقرر فيها، إما المواجهة وإما التراجع. المواجهة تعني الخسارة في النهاية، وتحويل القضية إلى قضية قومية ووطنية من الدرجة الأولى، وهو ما يناقض السعي الإسرائيلي الدؤوب للاستفراد بالعرب الدروز وتصويرهم على أنهم قومية منفصلة عن العرب، ويصب في صالح "الأصوات القومية" والحركة الوطنية في الداخل التي تبنت المشايخ الدروز منذ اليوم الأول ورتبت لهم الزيارات. والتراجع، يعني خسارة المعركة لصالح الحركة الوطنية أيضًا، التي كسرت قواعد اللعبة وتحدت المؤسسة. في كلتي الحالتين خسارة.

فضلت المؤسسة التراجع وإنهاء الملف مع أقل ما يمكن من الأضرار، لذا قررت تحويل هذه الخسارة إلى إنجاز لرجالاتها في أوساط الطائفة المعروفية، خشيةً تحويله إلى إنجاز لمشروع التواصل القومي، وقررت إهدائه إلى أطراف لها وزنها في الطائفة المعروفية عارضت زيارات التواصل من الباب القومي.

هذه الأطراف، حسب المصادر، صنعت دراما بأن هناك مفاوضات ومد وجزر مع النيابة العامة، وفي الحقيقة، تقول المصادر، إنّ النيابة ومن خلفها المستوى السياسي، كانوا قد قرروا إنهاء الملف لأنهم أدركوا تداعياته الخطيرة والسلبية سياسيًا، وقرروا إنهاءه عبر معتمديهم في أوساط الطائفة المعروفية.

وهكذا تم استغلال قضية المشايخ الدروز، وهم رجال دين ليس لهم في السياسة أي شأن ولا في المساومة أو المقايضة، واضطروا لقبول التسوية بعد تهويلات لقضيتهم.

التعليقات