أبناء البطوف: سوق السهل بات تقليدا سنويا واستعادة للحياة الفلاحية والتشبث بالأرض

"إهمال أراضي البطوف سيوفر فرصة لمصادرتها والاستيلاء عليها، إضافة إلى حاجة الناس لإعادة صياغة هذه العلاقة مع الأرض بحنين الماضي ومرارة الحاضر وحياة الاستهلاك"..

أبناء البطوف: سوق السهل بات تقليدا سنويا واستعادة للحياة الفلاحية والتشبث بالأرض

للسنة الرابعة على التوالي يفتتح أبناء البطوف، وخاصة أهالي عرابة، سوق التسوق الشعبي الذي يطلق عليه "سوق السهل" والذي تعرض فيه منتجات سهل البطوف الزراعية. وبات "سوق السهل" تقليدا سنويا يمثل العودة إلى السهل والعمل الزراعي في البطوف، لأسباب عدة تضاف إلى العامل الاقتصادي، لعل أهمها حمايته من الإهمال المتواصل الذي قد يقود إلى البيع أو إلى المصادرة، بما يبدو وكأنه حالة حنين لإحياء العلاقة مع الأرض.

يمتد سهل البطوف على مساحة 40-45 ألف دونما من الأراضي الخصبة، وتعود هذه الأراضي إلى بلدات سخنين وعرابة وعيلبون وكفر مندا والعزير وكفر مندا، و تعاني الأراضي الزراعية في سهل البطوف من مشكلة عدم توفر مياه الري صيفا، رغم شق ما يسمى بـ"مشروع المياه القطري" وسط أراضيها منذ ستينيات القرن الماضي، وكذلك الغرق شتاء من الأمطار الذي يجعلها غير صالحة للزراعة، بحيث أن ما يربحه المزارع في الصيف يخسره بالشتاء.

في السنوات الأخيرة اعتاد الفلاحين على إعادة نمط الإنتاج الزراعي البدائي، وبهذا يعتبر الكثير من المزارعين أن الأرض قد لا تشكل اليوم مصدرا معيشيا، بل قد يكون مسعى لاستعادة هذا الشكل من العلاقة مع الأرض وهو إعادة إنتاج النمط القروي للحياة الاجتماعية والحفاظ على الأرض.

ويعاني سهل البطوف من إهمال مقصود، ومن تهديدات عديدة، وكانت هناك مساعي لشركات يهودية تابعة لما يسمى بـ"الوكالة اليهودية" لشراء الأراضي من أصحابها العرب.

ويعتبر البعض أن العامل الأساسي لصيانة الأرض في سهل البطوف هو تنظيم أصحاب الأراضي في موقف موحد ورأي موحد للحفاظ على هذه الأراضي التي تعتبر المنفس الإستراتيجي الوحيد ل 80 ألف مواطن.

ورغم كل ذلك، يواصل أصحاب الأراضي تعزيز هذه العلاقة بالإمكانيات المتاحة لإحياء الأرض واستعادة شيء من الحياة الاجتماعية والألفة فيما بينهم إلى أن يتم إيجاد مخرج جذري لمشكلاتهم.

مراسل عــ48ـرب تجول في البطوف ووجد عزما على فلاحة الأرض والتمسك بها ولو بخسارة إلى بعد حين.

وكما في كل موسم في مثل هذه الأيام افتتح أبناء البطوف، الأسبوع الماضي وخاصة أهالي عرابة، موسم التسوق الشعبي ببسطات متواضعة ومترامية على جانبي الشارع من منتوجات هذا السهل العريق في مشهد قلّ مثيله هذه الأيام، ويلجأ الكثيرون إلى المكان للخلود والراحة والتسوق بما أنتجت أيادي وعرق الفلاحين .

علي نصار أكد أن هناك تداركا بدأ منذ سنوات لدى أصحاب الأرض باعتبار أن إهمالها سيوفر فرصة لمصادرتها والاستيلاء عليها، إضافة إلى حاجة الناس لإعادة صياغة هذه العلاقة مع الأرض بحنين الماضي ومرارة الحاضر وحياة الاستهلاك.

وأضاف أن أبناء البطّوف اعتادوا في السنوات الأخيرة على الخلود والتمتع بجمالية المكان في محاولة لإنتاج روح علاقة فلاحية قروية تتميز بالإنتاج المحلي من خضروات على أنواعها الى جانب بعض الفواكه، حيث يمكن معاينة مشهد متجدد لنساء يبتكرن طرقا عديدة للأكلات الشعبية السريعة من شطائر اللبنة والزعتر البلدي بالخبز العربي الطازج المنتشرة على جانبي الشارع، وكذلك بسطاتهم المتواضعة لبيع منتوجاتهم البسيطة، بحيث استطاعوا مع الأيام تحويل المدخل الشمالي لسهل البطوف إلى سوق شعبي يتردد عليه المئات يوميا من البلدات المجاورة، إلى جانب تحول المكان بجماليته إلى مرتع للأطفال ولقاء الأصدقاء والعائلات، وهذا مشهد وعلاقة اجتماعية باتت مفقودة  في القرية وليس فقط بالمدينة.

وأكد محمد جربوني، من عرابة البطوف، على أن هذا الاقتصاد البسيط ليس بهدف تحقيق أرباح بقدر ما أصبح يهم الكثيرين منا على تعزيز العلاقة مع ما تبقى من أرض لدى الأبناء، خاصة الشباب منهم. ورغم محاولات السلطة نزع هذه القيمة الروحية والمادية للأرض في البطوف ومحاولة الدوائر الحكومية تبخيس قيمتها المادية وإبعاد الناس عنها، افتتح المزارعون وأهالي سهل البطوف مشروعهم ضمن التسويق الشعبي الذي تعارف عليه "سوق السهل" وذلك للسنة الرابعة على التوالي، بهدف جذب المتسوق المحلي للأهداف المعنوية والاجتماعية والاقتصادية التي من شأنها أن "تدب الحياة ويجعلنا نواصل علاقتنا وتمسكنا بالارض، والحث على شراء منتجات سهل البطّوف الطبيعيّة من خضراوات وفواكه، بالإضافة الى نقل رسالة تحمل التأكيد على أنّ الفلاحين متمسّكون بأرضهم والزراعة فيها".

هذا وأكد عدد كبير من الفلاحين أن هذا السوق ليس بهدف الربح فحسب، بل أصبح تقليدا سنويا يبادر إليه المزارعون وأبناؤهم لتشجيع أبناء المنطقة والقرى المجاورة لسهل البطوف على ارتياد المكان، والتمتع بجمالية السهل لتعزيز االعلاقة مع الأرض، والحفاظ على هذه الأجواء التي أصبحت اليوم نادرة، والتي ننتظرها بكل موسم.

واعتبروا أن هذا المشهد بات تقليدا سنويا حاضراً في عدة "عزب" في السهل ، ويتركز على جانبي الشارع في المدخل الشمالي للسهل من جهة عرابة، وتحديدا في منطقة "القنين"، ويتحدثون عن الحنين للعلاقة المفقودة وحاجة الكثيرين منهم العودة إلى أيام زمان، واستعادة ذكريات الألفة والمحبة في جلسات يتناول فيها أطراف الحديث وأخبار بعضهم بعضاً الى جانب إحياء روح التعاون والتسامح.
 

التعليقات