حنين زعبي: عدوّة الأمّة!

منذ أن قالت في مقابلة إذاعيّة إن مختطفي المستوطنين الثلاثة ليسوا إرهابيّين، والنائبة حنين زعبي تتلقى سهام التحريض المنفلت، على غرار "أزمة مرمرة" ● زعبي ترى أنّ الحاجة لشيطان تقف من وراء ذلك، ولا ترى أنّ تصريحاتها تختلف عن خطابات التجمع في الكنيست ● حوار مع امرأة قُوطعت للمرة الأولى وهي في الصف الأول!

حنين زعبي: عدوّة الأمّة!

منذ أن قالت في مقابلة إذاعيّة إن مختطفي المستوطنين الثلاثة ليسوا إرهابيّين، والنائبة حنين زعبي تتلقى سهام التحريض المنفلت، على غرار "أزمة مرمرة" ● زعبي ترى أنّ الحاجة لشيطان تقف من وراء ذلك، ولا ترى أنّ تصريحاتها تختلف عن خطابات التجمع في الكنيست ● حوار مع امرأة قُوطعت للمرة الأولى وهي في الصف الأول!  ● حاورها: علاء حليحل -  خاص عــ48ـرب

* إلى جانب الوحدة، هناك عامل قوّة كبير: حزبي. أنت تنسى حزبًا كاملاً وباسل وجمال معي 24 ساعة. لديّ حضن نفسيّ وهو الحزب، وتقدير الناس. التقدير مهم، التقدير قوة..

* قياسًا بعملنا وتصريحاتنا في الكنيست، فإنّ الدراما التي أعطيت لهذه التصريحات كانت زائدة. هذه الضجّة ليست تناسبيّة مع الأمور الأخرى كأن يقف جمال في الكنيست ويقول إننا سنغلق الشوارع في "برافر"، وندعو لعصيان مدنيّ

* حتى في الجمعيّات النسوية توجد المنافسة الحزبيّة والشراسة وضيق الأفق، ممّا يخرجهنّ من كلّ القيم النسوية... وهذا موجود عند الجمعيات اليهودية والعربية

* صدر قرار واضح في المكتب السياسيّ للتجمع في 2003: تركيز جهودنا على الشباب. وهذا ظهر واضحًا في "برافر" الآن، مع أنني لا أدّعي أنّ ما حدث في "برافر" بفضل التجمع وحده

* صعوبة تمرير القوانين ليست أصعب عليّ من أيّ عضو كنيست عربي آخر. الفرق الذي تراه بيني وبين عضو كنيست عربي من خارج التجمع أنّ الأجوبة على رسائله قد تكون أكثر لطافة فقط


"أوّل مقاطعة جرت ضدّي وأنا في الصف الأول"، تقول النائبة حنين زعبي من التجمع الوطني الديمقراطيّ، وهي تجلس في بيتها في الناصرة، تبتسم ببعض الحرج. "وقتها نقلوني من مدرسة في الحارة الشرقيّة إلى مدرسة في حارة الروم (في مدينة الناصرة- ع.ح.). كنتُ شاطرة وأمي قرّرت نقلي إلى مدرسة أفضل من الأولى. في اليوم التالي قال لي (ج.) ابن صفي: نحن اتفقنا كلنا على مقاطعتك. أنت غريبة، لماذا أتيت إلى مدرستنا؟.. أتذكّر أنّ ردة فعلي كانت أنني حتى شهر ستة سأغيّر ذلك، وتوعّدتُ (م.) و(هـ.) اللتيْن كانتا البارزتيْن في الصفّ وقادتا المقاطعة. كان أولاد الصف يقاطعونني في الفرص... لا يلعبون معي لأنني "آوتسايدر". وبعد شهريْن بدأ أولاد وبنات الصف ينتقلون إلى صفي ورفقتي".

في الصباح ذاته الذي أجريت فيه اللقاء مع زعبي (أمس الجمعة) ظهرت كتابات "دمغة الثمن" على حائط مدرسة في بئر السبع، احتوت على جملة "حنين زعبي نازيّة". تجلّيات مستمرّة من الأسبوع الأخيرة للهجوم المنفلت وغير المسبوق على شخصية سياسية في إسرائيل، يغّذيه الإعلام المجنّد والسياسيّون الانتهازيّون والرأي العام الصهيونيّ المتصلّب. مقطع فيديو تظهر فيه النائبة زعبي في مقهى في كفر قرع وهي تتعرّض لمناكفات كلاميّة من بعض الجُلاس في المقهى، وهي تجيبهم ولا تغادر المقهى كما يدّعي الإعلام العبريّ. خطابات وتصريحات منفلتة؛ لقاءات صحفيّة متشنّجة لا تريد الإصغاء لها حقًا، بل المشاركة في قرع الطبول والرقص على الدمّ.

بدأ كلّ ذلك إثر اللقاء الصحافيّ الذي أجراه راديو تل أبيب مع زعبي يوم 17 حزيران الجاري، وقالت فيه: "لنسأل سؤالا ساذجًا: هل من الغريب أن يقوم أشخاص تحت الاحتلال ويعيشون حياة غير سويّة، يعيشون في واقع تقوم فيه إسرائيل يوميًا بخطف الأسرى... إنهم ليسوا إرهابيّين، أنا لا أوافقك، إنهم أشخاص لا يرون أيّ منفذ بتغيير واقعهم ويضطرون للجوء لهذه الوسائل. وإلى أن تصحو إسرائيل قليلاً، وإلى أن يصحو مواطنو إسرائيل والمجتمع قليلا، وتشعر بمعاناة الآخر". طبعًا اُقتطعت جملة "ليسوا إرهابيّين" من سياقها ومن سياق المقابلة وتحوّلت إلى رأسي الحربة في الهجوم المتجدّد على زعبي.

- هل شعرت بالخوف هذه الأيام؟.. بالوحدة ربما؟.. شعوري أنك تحاولين أن تكوني امرأة حديديّة دائمًا؟

"لا، لا أحاول. ولكن إلى جانب الوحدة وربما الضعف، هناك عامل قوّة كبير: حزبي. أنت تنسى حزبًا كاملاً وباسل (غطاس) وجمال (زحالقة) معي 24 ساعة. جمال أثناء "مرمرة" كان كالمستشار وكنتُ مشروعه؛ بالمشاورة وحتى في أوقات الغضب، كنت أتوجّه إلى جمال. لديّ حضن نفسيّ وهو الحزب، وتقدير الناس. التقدير مهم، التقدير قوة.. أنتم لا ترون التقدير في الحارة والبلد.. عامل موقف السيارات وصاحب الدكانة والبقالة، وفي صالون الشعر، ومجرّد أن أمشي في الشارع. أمس كنت في أخذ خاطر وكأنّ الناس يريدون ترك أخذ الخاطر والتسليم عليّ والتحدّث معي. أنتم لا تعيشون هذا، أنتم تعيشون الشاشات... الشاشات سيئة وشاشاتنا سيئة أيضًا. جزء من "واجهة الصُحارة" في مجتمعنا وبعض القيادات السياسيّة خانعة وأنانية أكثر بكثير من الشارع العاديّ. أنا لست امرأة حديديّة بالمرة، ولكن هناك احتضان الحزب والكتلة.. أشبه بالأب. جمال يقول لي: ما قلته صحيح حتى لو كنت أغيّر بأسلوبك أو كنت أصيغه بطريقة أخرى، لكنه صحيح وهذا موقفنا.. إسرائيل مجرمة حرب".

- لنتحدّث عن أسلوبك. أحيانًا تكونين فظة أو مباشرة أكثر من اللازم. هل توافقين؟

"ممكن. ولكن أحيانًا الناس تظنّ أنّ هناك أسلوبًا آخر لنفس المضمون بالضبط.. وحين يتحدث الناس أحيانًا عن أسلوب آخر فإنهم يقصدون مضمونًا آخر. لا يوجد أسلوب آخر لـ "هم ليسوا إرهابيّين". كيف سأقولها؟ إذا كان الأسلوب الآخر يعني أن أركّز على إنّ إسرائيل مجرمة حرب والنضال الفلسطينيّ العام هو نضال عادل، فهذا ليس المضمون نفسه".

- إليكِ بديل: الإرهاب أمر يتعلق بالأخلاق وبنظرة الجانب المعنيّ، بالنسبة لكم هم إرهابيّون وبالنسبة لنا ليسوا إرهابيّين؟

"وماذا لو رغبت بالقول إنهم ليسوا إرهابيين بنظركم أنتم أيضًا؟ وماذا إذا كان هدفي أن أصدم؟ وماذا لو أنّ المجتمع الإسرائيليّ لا يتغيّر بالإقناع بل بالصدمات؟ وماذا لو كان ادعائي أنّ الأسلوب اللطيف هو جزء من المشكلة؟ ماذا لو كان ادعائي –وهذا ما أعيشه في الكنيست- أنّ الأمور لا تصل لأنها ليست فظة وحادّة ومباشرة؟.. جزء من مشكلتنا أسلوبنا وليس مضموننا.. نخاف أن نصدم المجتمع الإسرائيليّ. مشكلتي أن يمرّ عليهم كل شيء بشكل طبيعيّ. لماذا يجب أن يحمل خطابي عليهم وقعًا طبيعيًّا وليس مستفزًّا؟ لنفرض أنك تقول إنّ فلانا يتحدّث بطريقة أفضل منّي. هذا قد يكون ملائمًا في الواقع القائم. ولكن ما الأفضل: أن يتحدّث الكل مثل فلان أم أن يتحدث الجميع مثلي؟ أنا أطرح نموذجًا مختلفًا كي يُعمّم ويصبح سائدًا".

- وردود الفعل هستيريّة...؟

"قياسًا بعملنا وتصريحاتنا في الكنيست، فإنّ الدراما التي أعطيت لهذه التصريحات كانت زائدة. لم يفاجئني الأمر، لكنّ هذه الضجّة ليست تناسبيّة مع الأمور الأخرى. مثلا: عندما يقف جمال في الكنيست ويقول إننا سنغلق الشوارع في "برافر"، وندعو لعصيان مدنيّ".

- ووقتها أيضًا حصل التجمع على حصته من التحريض؟

"نعم، ولكن من دون الشيطنة. الشحنة السياسيّة لتصريحي ليست أكبر من الشحنة التي تحملها جملة جمال عن "برافر". كلّ الفرق هو البعد الشخصيّ".
عندما تتحدّث زعبي عن "البُعد الشخصي" فإنها تتحدّث عن عشرات الأوصاف التي نُعتت بها في المنصّات الإعلاميّة الإسرائيليّة ومنصة الكنيست والشبكات الاجتماعيّة. "أنتِ خائنة"؛ "أنتِ إرهابيّة، ونتمنى أن يختطفوك"؛ صفحات مختلفة في "فيسبوك" بعناوين لا تترك مجالا للشكّ: "حنين زعبي انصرفي من دولتي"؛ "طرد حنين زعبي من البلد"؛ "طرد حنين زعبي من الكنيست". في الأسبوع الماضي أجرت المراسلة السياسيّة للقناة الثانية، رينا متسليّاح، لقاءً عاصفًا مع زعبي، تميّز بالهجوم الحادّ وغير المهنيّ. منذ سنوات يطغى الإحساس بأنّ الهجوم على زعبي يأتي أيضًا من استسهال التهجّم عليها كونها امرأة. قياديّة امرأة تتعرّض للعنف الكلاميّ الخطير والتحريض الجسديّ والذكوريّ عليها كونها عزباء، من دون أن تتخذ الحركات النسويّة الفاعلة (اليهوديّة والعربيّة) دورًا حاسمًا وموقفًا صلبًا. والأمر لا ينحصر في الردود الفاترة أو الخجولة، بل في تصعيد الهجوم عليها من "الحضن الوطنيّ" أيضًا.

حضيض نسويّ

- أشخّص نزعات ذكورية فحولية و"إيجو" شخصي للزعامات العربيّة ضدّك؟

"أنا أعطي وزنًا أكبر للأجندات الحزبيّة والجمعيّات الحزبيّة وغيرها. هذا ما يجعل دوف حنين يصدر بيانًا بأنّ قانون تمثيل النساء له، مع أنه ليس من المبادرين للقانون الذي سرقته مني "يش عتيد" وطرحته بعدي. توجد شراسة ذكوريّة. أنا أرى أنها منافسة حزبيّة مدعّمة بنفسيّة ذكوريّة".

- ألا تشعرين بالإهانة؟

"لا... أنا أشعر بكوني تهديدًا لهم".

- أحد النواب العرب قال لك مرة: كُلي هوا! أنت تتعرّضين لهجوم من المؤسّسة الإسرائيليّة والإعلام الإسرائيليّ ومن المفترض أنهم من بيتك الدافئ، بمن فيهم بعض الجمعيات النسوية العربية؟

"حتى في الجمعيّات النسوية توجد المنافسة الحزبيّة والشراسة وضيق الأفق، ممّا يخرجهنّ من كلّ القيم النسوية... وهذا موجود عند الجمعيات اليهودية والعربية".

- ألست بحاجة للتضامن من القيادات العربيّة الأخرى؟

"التضامن الأساسيّ هو الشارع، الذي من المفترض أن يجري حسابات الربح والخسارة أكثر من القيادات والنخب، لكنه متضامن من ناحية الدفء، برغم البراغماتية المفترضة لغوصه في الهموم اليوميّة. وهذا بحاجة لدراسة. فالشارع لا يُغلّب الأجندات ويسمح لنفسه بإبراز التناقض، ولا يرى تضارب مصالح مع حنين زعبي. هذا التناقض هو الاحتضان والاحترام وقولهم لي: نفكر مثلك وهيك لازم، وفي نفس الوقت توجد "ولكن.. ماذا سيكون ردّ فعل إسرائيل؟" الشارع بفطريّته يكشف بوضوح التناقض وعدم قدرته على حلّ التناقض. هذه حالة توتر".

- أمثلة...

"كلّ الاحترام... نحن معك... تحكين ما في قلوبنا... وبنفس النفس التساؤلات: ما ردّ فعل إسرائيل؟ هل نقدر عليهم؟.. الشارع يبرز هذا ويبرز التساؤلات والحسابات حتى ولو من مبدأ الضعيف".

- والجمعيّات والحركات النسويّة في الداخل؟

"لقد انتهت التوقعات منها عند "مرمرة". كانت بالنسبة لي مراجعة لكلّ توقعاتي من أشخاص وجمعيّات وهيئات. هناك مديرة جمعية نسويّة كتبت أنني قمت بعملية قرصنة لقانوني أنا! مئير جافني ويسرائيل آيخلر (نائبان من يهدوت هتوراة- ع.ح.) قالا لهم في الكنيست: لقد سرقتم قانون حنين زعبي، وهي تكتب في صفحتها: نائبة برلمان بحركات قرصنة... لا توجد حدود لانعدام الاستقامة في عدّة محطات مثّلت سقوطًا ذريعًا. حين اُنتخبت للكنيست، ماذا كان دعمهم واعترافهم للتجمع؟ صفر! بالعكس؛ روّجوا لخطاب أنهم لا يريدون بالتحصين بل بالكفاءات. كانوا ضدّ قانوني ولمّا طرحته عليزا لافي دعموا القانون. لا يوجد سقف هنا.. يوجد حضيض. أنا أعي حرجهنّ والضائقة التي يعشنَ فيها.. أنت تغضب حين تنشأ فجوة بين توقعاتك وبين ما يحدث، وأنا ليست لديّ توقعات ولذلك لست غاضبة منهنّ. لقد خُنّ القيم بكلّ المفاهيم والقيم الانسانيّة والنسويّة. حتى الحركة الإسلامية دعمت انتخابي ونشرت "صوت الحق والحرية" مقالات دعم في 2009. الحقد لديهنّ فظيع".

- ومن يدعمك في حياتك الاجتماعية من حولك باستثناء الحزب؟

"أصدقائي وأهلي وأقربائي."

- لا خلافات معهم؟ تصريحات قلتِها، أمور فعلتِها؟

"تعرف؟.. الجواب يتعلق بالجيل.. عندي نقاش مع الأكبر مني سنًّا".

نحن الشباب!

زعبي تقول إنها ترى نفسها في الجيل الفلسطينيّ الشاب، وتقول إنّ هذا لم يأتِ صدفة: "صدر قرار واضح في المكتب السياسيّ للتجمع في 2003: تركيز جهودنا على الشباب. وهذا ظهر واضحًا في "برافر" الآن، مع أنني لا أدّعي أنّ ما حدث في "برافر" بفضل التجمع وحده". زعبي تقول إنها تسعى للتأثير على الجيل الشاب بشكل خاص، وهي ترى إسهامها السياسيّ في قدرتها على فعل ذلك: "السؤال هنا هو: هل أستطيع التأثير؟ وبالأساس لدى جيل معيّن... جيل الشباب. ما مدى تأثيري على وعي جيل جديد. القوة التي أشعر بها من خلال الفيسبوك والشباب الذين أراهم في الشارع بشكل واضح، يقولون: نحن نريد أن نكون مثلك. هذه الجملة بالنسبة لي هي النموذج لمجتمع غير خائف وخانع، ويرى أنه باستطاعتنا مواجهة المجتمع الآخر وأن نحشره نحن في الزاوية، وليس العكس. يجب قلب الأدوار. هنا أرى قوتي: تأثيري السياسيّ على وعي جيل الشباب".

- كيف؟

"أفكر بمهام اليوم، وكيف نستطيع كسر دائرة الوضع القائم في واقعنا. الأشياء لا تعطي أثرها ليس لأنها لا تُعمل، بل لأنها لا تُعمل بما يكفي. نحن لا نستطيع أن نتجنّب أو نهرب من أنّ دورنا يكمن في أن نغيّر. وأول تغيير هو تغيير الوعي العام، إذ يمكن له أن يكون معوّقًا أو آلية لتغيير الواقع. عندما يكون الوعي العام حاضرًا عن طريق ردّ فيه إجماع شعبي ووطنيّ واسع، عندها لا حاجة للتعامل مع مسألة الوعي. في المفاصل التي تشعر بحاجة لكسر خطاب معيّن أو تسمية الأمور بمسمّياتها، تشعر بأنك تتعامل مع وعي الناس وقدرتهم على المواجهة ومع تعريفاتهم الخاصّة بالكسب والخسارة. كيف نستطيع كسر دائرة الحسابات بأن نكون مقبولين على إسرائيل خوفًا من الخسارة، كيف نستطيع كسر معادلة أن نكون مقبولين على الآخر، كي نؤثر عليهم؟".

- إذا كنت أريد التأثير فلماذا لا أسعى كي أكون مقبولا؟ أليس طرح "دولة كلّ مواطنيها" بحاجة لتجنيد كلّ مواطنيها؟ ألا نخسر في الصدام دائمًا، هنا في الداخل، وفق منظومات القوى الموجودة، الاقتصادية والسياسيّة؟

"نحن أضعف، ولكننا لم نجرّب تصعيد الأدوات السياسيّة والاقتصاديّة. قد نكون خاسرين حتى الآن في الصدام لأننا لم نجنّد كلّ طاقاتنا لذلك، لمواجهات شعبيّة، لمقاطعات اقتصاديّة.. العالم لم يتجند حتى الآن كما يجب للمقاطعة الاقتصادية والثقافيّة والأكاديميّة. هذه المقاطعة ليست مؤثرة كما يجب ليس لأنها وسيلة غير ناجحة، بل بسبب آليّتها الحاليّة غير الكافية. أنا أعتقد أنّ المجتمع الإسرائيليّ لا يتغيّر بالقناعة، بل بدفع الثمن".

- أن يتنازل عن امتيازاته؟

"أن يدفع الثمن بمعنى شرعيته الدوليّة.. عصيان مدنيّ وإغلاق شوارع كما فعلنا في "برافر". ألا يسمع الخطاب المقبول عليه؛ بالصدامات والخطاب الصادم، وليس الخطاب اللطيف والمقبول. لقد جرّبنا هذا الخطاب اللطيف. لا أفهم المنطق في الاستمرار في أمر أنتَ جرّبته من قبل. هذا ليس نقاشًا نظريًّا؛ لقد جرّبنا هذا الخطاب المقبول.. جرّبوا أن يصوّتوا لأحزاب صهيونيّة، أن يلائَم خطابنا للسقف الإسرائيليّ. الوحيد الذي لم يلائم سقفه هو حزب "التجمع"، وهو الوحيد الذي صنع الصدمة في المجتمع الإسرائيليّ. وهذا أمر مجرّب. نحن بحاجة لتعبئة أكبر ضدّ الخطاب المساوم".

- شعوري بأنّ الناس تخاف الحدّة. عامّة الناس تريد تربية أولادها وهدأة البال، وحنين زعبي قد تستفزّ هذه الرغبة بالسكينة والطمأنينة. ألا يوجد مكان للدبلوماسيّة؟

"هذا بالضبط هو النجاح الإسرائيليّ، بأن تفرض سقفًا للخطاب يتمحور في الخوف على الموجود.. السكينة والرضا النسبيّيْن. إسرائيل تضعنا كفلسطينيّي الداخل في نقطة مقارنة أوضاعنا بأوضاع العرب عمومًا، من جهة الحريات والرفاهيّة الاقتصاديّة. وبالتالي، ثمة معادلة تقول: لدينا ما نخسره إذا رفعنا السقف. بمعنى: نحن راضون عن وضعنا الرّاهن حتى لو كانت إسرائيل قامعة، فالأفضل غير مضمون: "اللي بتعرفه أحسن من اللي ما بتعرفه". هذه نفسيّة معيقة. هذه المقولات تخلّ بسكينة مقارنة بالوضع القائم، لكنها تسعى لسكينة سقفها أعلى ووعي سقفه أعلى. صحيح أنّ الوضع القائم يرى بهذا الرفع خروجًا عن حالة الاستقرار، لكن يمكن لها أن تنتج سقفًا آخر من التوقعات ومن الاستعداد للنضال، وهذا ما فعله التجمع".

نحف-كرميئيل

- لنأخذ مثلا عاملا من نحف يعمل في مصنع بكرميئيل. بعد يوم عاصف مع حنين زعبي في الإعلام، سيذهب للعمل وسيخشى الحديث عن الموضوع مع مسؤوليه اليهود. هل تفهمينه؟

"طبعًا. أفهمه وهو خائف، ولكن الأهم من خوفه هو الصراع الداخليّ الذي يعبّر عنه هذا العامل: هو يريد هذا الكلام وهذه التصريحات ولكنه يحسب حسابه من ناحية ثانية. يجب ألا نتجاهل الخوف في الشارع، ويكن يجب أيضًا عدم رؤيته وحده. الناس تطمح للقوة وتريد أن يكون هذا الكلام هو المتداول ولذلك دور القيادات أن تقرّر إلى أيّ شق من التناقض سنذهب: كيف سنحلّ التناقض والتوتر؟ أيّ مُركّب سنقوّي على حساب الآخر. عندما أقول إنهم ليسوا إرهابيّين، فهذا ينبع من نفس المنطلق: ليس دوري أن أعطي التوصيفات الدقيقة، بل أن أعطي الوزن لجهة الصورة الغائبة- وأنا غائبة جدًا في الوعي الإسرائيليّ. الضحية هي الغائبة.

"الشارع يريد أن يأخذ القوة كي يصالح بين الحياة اليومية وكبريائه. مشكلتي مع من يؤدلج الخوف.. ويرفض هكذا تصريحات، على عكس الشارع. لو كانت هذه التصريحات متداولة عند القيادات السياسيّة الأخرى لما سبّبت الخوف للإنسان العادي. مثلا، هذا العامل الذي تحدّثتَ عنه كان مستوى خوفه أعلى في منتصف التسعينيات واليوم لم يعد يخاف مّما كان مخيفًا وقتها. التأثير السياسيّ تراكميّ ويجب قياسه عبر السنوات وليس في تحليل النقطة الراهنة فقط. إذا كنتَ قياديًّا فعليك إنتاج هذا التراكم والتغيير... تغيير الوعي ورفع السقف. أنا أظن أننا لا نفهم الشارع، بل نحبّ أن نفهم الشارع الآخر (الإسرائيليّ- ع.ح.). نحن حسّاسون للشارع الإسرائيليّ وندّعي أننا نفهم نفسيّة شارعنا. نحن نخرج من نمط مبنيّ على أجندات ثم نتبنّاه كأنه فهم للشارع. أنا أطالب بحساسيّة وفهم مركّب لشارعنا، كما نفعل مع الشارع الآخر".

- تقصدين كلّ القيادات؟

"أقصد من يعارضون أيّ خطاب يكسر المتداول باسم مصلحة الشارع. من لا يريدون أيّ كسر وكأننا وصلنا إلى الغاية المنشودة. ولكن متى يمكنك الخروج ضدّ هذا النموذج الجديد؟.. عندما تستطيع القول إنّ النموذج القديم قد نجح. دعكَ مني، هم يطرحون النموذج الآخر والقائم، ولكن هل يصل هذا الخطاب إلى الإسرائيليّ؟ هم يدّعون أنّ خطابي لا يصل للشارع الإسرائيليّ، وأنّ حنين لا تعرف كيف تقول لهم إنهم مجرمو حرب- هل تعرفون أنتم ذلك؟ هل أقنعتم إسرائيل بأنها مجرمة حرب؟ بالعكس: التحريض الإسرائيليّ في ازدياد!"

- هل صدر ما قلته في اللقاء مع راديو تل أبيب وفق تخطيط مسبق ومدروس أم أنه نبع من عفوية الكلام أثناء اللقاء؟

"لا، ليس بعفويّة الكلام. هذا النقاش الذي ورد في الحديث الإذاعيّ أنا خضته كثيرًا من قبل. مع أعضاء كنيست وصحافيّين. هذا التصريح الأول على الهواء، ولكن على الناس أن تعرف أننا لا نعيش على الهواء.. ما يجري على الهواء هو 1% فقط من جدالاتنا ونقاشاتنا. هذا قاموسي الذي أتحدّث به مع الجانب الإسرائيليّ. التجمع لم يأتِ كاستفزاز، بل لرفع سقف ومستوى الخطاب الجماهيريّ من أجل الانتقال لوعي آخر- وهذا ما أومن به".

شيطانة واسمها حنين

- بعد كل هذه التراكمات من وقت "مرمرة" وأنت تحظين بردود فعل متشابهة. هل يجب أن تتصرفي بشكل مغاير مع الإعلام، وهل يضرّ ذلك بعملك البرلمانيّ؟

"صعوبة تمرير القوانين ليست أصعب عليّ من أيّ عضو كنيست عربي آخر. نحن وضعنا رديء في هذا السياق، ووضع العنصريّة الفاشيّة الإسرائيليّة وصل لدرجة أنّ الفرق الذي تراه بيني وبين عضو كنيست عربي من خارج التجمع ليس موجودًا ولا يُترجَم بمردود العمل البرلمانيّ. أصبح الفرق أنّ الأجوبة على رسائل عضو آخر قد تكون أكثر لطافة فقط، لا في الردّ نفسه... على مستوى المعاملة يضحكون معه ويسلمون عليه، وأنا لا يضحكون ويتكلمون معي، ولكنهم يُسقطون القوانين له ولي".

- من "مرمرة" لليوم، برزتِ في مستوييْن: مستوى الشيطان ومستوى النجمة.. ماذا تغير في حياتك بعد ذلك؟

"اليوم، بعد هذه الزوبعة، عيّن لي أمن الكنيست حارسًا ولا أخرج من الناصرة بدونه..."

- ولكن هل تشعرين بأنك أقوى اليوم من الناحية الإعلاميّة والجماهيريّة؟ هل ترين أمرًا "إيجابيًّا" فيما حدث؟

"لا أعرف... شهرتي الإعلاميّة موجودة منذ مرمرة وليست جديدة الآن. ولكن هل منحني هذا قدرة استثنائيّة؟ لا أعتقد".

جمال

زعبي تتحدّث عن ضرورة إحداث تغييرات جوهريّة في المجتمع الإسرائيليّ والاعتراف بارتكاب جرائم الحرب وتذويت هذه المسألة. أسألها عن ضرورة وجود شركاء من الطرف الإسرائيليّ لحدوث ذلك، وما إذا كان لدى التجمع برنامج عمل مع المجتمع الإسرائيليّ. "المجتمع الإسرائيليّ لن يتغيّر بديناميكيّات داخليّة بل بضغوط خارجيّة"، تقول، "انتفاضة، هبّة شارع، ضغوطات، مقاطعات، محكمة لاهاي.."

- لو كان هذا اللقاء بالعبريّة ولوسيلة إعلام عبريّة لكان التعامل مع هذه المقولات بأنها دعوة للتمرّد؟

"هل تعرف كم نقول مثل هذا الكلام في الكنيست؟ نحن نتحدّث أكثر بكثير ممّا يظنّ الشارع. هل تعرف أنّ هذه الأقوال هي نظريّة متكرّرة لأعضاء كتلة التجمع؟ مع السياسيّين ومع الصحافيّين؟ من يتابع خطابات التجمع يعرف أنني لم أصعّد أبدًا في تصريحاتي. أمّا بخصوص ضرورة أن تدفع إسرائيل الثمن، ألم يكتب جدعون ليفي في هآرتس مطالبًا أوروبا بتدفيع إسرائيل ثمن الاحتلال ومقاطعتها؟ جمال (زحالقة) قال لهم: قارنوا أنفسكم بما حدث للأمريكيّين في فيتنام والفرنسيّين في الجزائر، أيّ ثمن دفعتم أنتم؟"

- الإعلام العبريّ يربطك دائمًا بعزمي بشارة كالأب الروحيّ السياسيّ، ولكن يبدو أنّ زمالتك مع النائب جمال زحالقة أكثر بروزًا؟

"نعم. أولا باسل عضو كنيست جديد ولذلك طبيعة العمل مكثفة أكثر مع جمال.. جمال مرجعيّة ومرجع وداعم في الأوقات الصعبة، وفي اجتماعات الكتلة هو الماصّ للصدمات والمسؤول عن كيفية رسم إستراتيجيّة لتثبيت هذه المواقف بلغتنا الخاصّة".

"شطبي لا يعني مقاطعة الانتخابات بالضرورة"

لقد أضحت حنين زعبي هدفًا سهلًا للهستيريّة الصهيونيّة وتجليّات الفاشية في إسرائيل. في كلّ أزمة كبيرة يسلطون سهامهم إليها، تمامًا كما تفعل الأنظمة الفاشية في حاجتها إلى شيطان و"بُعبع" دائم. أنتِ الآن "عدوّ الأمّة" المناوب، أقول، فتردّ مبتسمة: "هناك ضرورة لوجود شيطان دائمًا".

- ماذا مع مستقبلك السياسيّ؟ كيف ترينه في ظلّ كلّ هذا؟

"أولاً، نحن مسؤوليتنا فضح العنصريّة الإسرائيليّة، بكلّ ما يتعلق بها وليس بالاحتلال فقط. ولذلك أنا لا أضيّع أيّ مقابلة تُطلب مني من أيّ صحفيّ ومن أيّ دولة. مهمّتي الثنية هزّ المجتمع الإسرائيليّ".

- نفتالي بينت يتحدّث عن انتخابات السنة القادمة. مع تغيير تركيبة المحكمة العليا ومع الأزمة الأخيرة، هناك إمكانية واقعيّة بشطبك شخصيًا من المشاركة في الانتخابات القادمة؟

"أنا لا أفكر بالانتخابات أبدًا. وإذا حصل وشطبوني فإنّ السيناريوهات مفتوحة. يمكن أن يستمرّ التجمع وأن يزيد قوته لأنني أومن بالعمل الحزبي في داخل البرلمان، لأنّ البرلمان يمنحك المنبر كي تتحدّث، ويمنحك الحضور. تصوّر لو أنني أطلقتُ تصريحاتي من خارج الكنيست، فماذا كان سيحدث؟ في "مرمرة" مثلا، من اصطادوا غير عضو الكنيست؟.. ولكن إذا كان هناك إجماع وطنيّ واضح على المقاطعة فعندها سيكون لها منطقها الجماعيّ والإستراتيجيّ الخاصّ. ولكن حاليًّا، ومن دون بدائل إستراتيجيّة على مستوى الاجماع العربيّ، فالبرلمان خيار قائم. ولكن في حال شطبي فلن أقول أوتوماتيكيًّا إنّ التجمع لا يجب أن يتنافس بدوني. هناك منطق للأمور وهذا شأن سياسيّ بحاجة لدراسة عميقة".

التعليقات