قراءات أولية في الحرب على غزة وتداعياتها على عرب الداخل

"إذ نقول قدرات المقاومة الفلسطينية، فإننا نقصد على وجه التحديد تلك التي جعلت "تنظيماً مسلحاً يأتي في الدرجة الأخيرة بين أعداء إسرائيل من حيث القوة، يتحدّى أقوى دولة في الشرق الأوسط طوال أيام عدة من دون أن يستسلم"

قراءات أولية في الحرب على غزة  وتداعياتها على عرب الداخل

الشرطة حاولت قمع مظاهرة ضد الحرب في حيفا بتاريخ 18/07/2014

قبل أن تضع الحرب العدوانية على قطاع غزة أوزارها بدأت تتبدى ملامح نتائجها وتداعياتها المتزايدة على مجمل الوضع السياسي للدولة العبرية، وتكرس الآفاق المسدودة للحل السياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتكسر المسلمات حول مفهوم الأمن والردع على المستويين المنظور والإستراتيجي، كما أن تفاعلات هذا العدوان طرحت العديد من الاسئلة الصعبة و علامات الاستفهام حول مصير علاقات عرب الداخل بالدولة العبرية، ومستقبل نشاطهم السياسي وحقوقهم.

حول ذلك استقصى موقع عــ48ـرب بعض الآراء والقراءات الأولية.

الكاتب والباحث أنطـوان شلحـت- من المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار:

في حديثه لعرب 48 قال: يمكن القول منذ الآن إن أحد محاور التعاطي مع الحرب الإسرائيلية العدوانية الحالية على غزة (بعد أن تضع أوزارها نهائياً) سيتمثّل بالإقرار بهزيمة مؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية جراء الإخفاق في استشراف قدرات المقاومة الفلسطينية. وتتباهى إسرائيل بأن مؤساستها الاستخباراتية تعكس فرادة عقل نخبها، وبالتالي فإن فشلها يشفّ عن ختل هذا العقل.

وأضاف أنه "إذ نقول قدرات المقاومة الفلسطينية، فإننا نقصد على وجه التحديد تلك التي جعلت "تنظيماً مسلحاً يأتي في الدرجة الأخيرة بين أعداء إسرائيل من حيث القوة، يتحدّى أقوى دولة في الشرق الأوسط طوال أيام عدة من دون أن يستسلم"، كما قال اللواء احتياط يعقوب عميدرور، مستشار الأمن القومي السابق لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع دخول الحرب أسبوعها الثالث.

وأضاف شلحت أنه يضيق المجال لاستعراض القرائن على هذا الإخفاق، لكن أهمها يتعلق بالفشل في قراءة سلوك حركة "حماس" والناجم عن تقديـر معظم أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عشية الحرب بأن هذه الحركة تمرّ بمرحلة صعبة جدا،ً وتعاني من ضعف سياسي وعسكري.

ووفقاً لهذا التقدير نفسه، فإن الحرب الأهلية في سورية أجبرت الحركة على قطع علاقاتها مع حليفين مهمين: سورية وحزب الله، كما تسببت هذه الحرب بانقطاع علاقاتها بصورة كاملة مع أهم دولة داعمة لها، إيران، التي شكلت مصدراً أساسياً لدعم الحركة بالمال والسلاح. وبموجبه أيضاً، فإن "حماس" اعتمدت على العلاقات الوثيقة التي بنتها مع اللاعبين الجدد الذين برزوا في أعقاب الثورات في العالم العربي: الحركات الإسلامية. وخُيّل للحركة أن بناء علاقات وثيقة مع مصر تحت حكم "الإخوان المسلمين"، ومع قطر الغنية التي تملك نفوذاً، ومع تركيا في ظل حكم أردوغان، سيعوّضها عن خسارتها حلفاءها التقليديين، لكن الأمور ما لبثت أن "انقلبت رأساً على عقب" بحسب ما استنتجت إسرائيل.

وتابع شلحت لدى متابعة ما نُشر إلى الآن في المحور المتعلق بالاستخبارات لا مفر من ملاحظة أن النقد كان صارماً للغاية، لا سيما في ضوء واقع أن مؤسسة الاستخبارات نفسها ارتكبت في الأعوام الأخيرة إخفاقات كثيرة في مجال استشراف الكثير من التطورات في الشرق الأوسط.

وأضاف "ثمـة مسألة أخرى سبق أن أشرنا إليها، وهي أن هذه الحرب بدأت بعد عملية خطف المستوطنين الثلاثة في منطقة الخليل، والتي سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو إلى اتهام "حماس" بالمسؤولية عنها رغم أنه لم يثبت حتى الآن وجود علاقة واضحة بين هذه الحركة والخاطفين، وذلك لغاية ممارسة ضغوط على "حماس" وقيادتها، وتخريب المصالحة بينها وبين حركة "فتح"، وتقويض ما لهذه المصالحة من رصيد في العالم ولدى الأسرة الدولية. وقد أكدنا في حينه أن نتنياهو استل "خطة أدراج" ترمي إلى إبادة الوجود السياسي لحركة "حماس" إلى جانب تدمير البنى التحتية للمقاومة.

وأنهى حديثه بأنه يمكن القول الآن إن توقيت استلال هذه الخطة يرتبط بتقديرات الاستخبارات السالفة. ومجرّد بروز اعترافات إسرائيلية الآن بأنه لا يمكن القضاء على المقاومة يشكل برهاناً على فشل هذه الحرب في العمق.

عبد الفتاح: تفاعل عرب الداخل رغم القصور لكنها دالة لوعي وطني لا رجعة فيها

قال أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، عوض عبد الفتاح، في قراءته الأولى لتفاعل عرب الداخل في ظل العدوان الاسرائيلي على غزة إن التفاعل الذي جرى في الداخل منذ شهور طويلة يشهد اليوم تجددا مع ما يجري في الضفة والقطاع، وطبعا هذا التفاعل كان دائما يجري ويحصل عندما كان يتعرض الشعب الفلسطيني في الداخل أو الخارج لمذابح أو اندلاع انتفاضة، ويتميز هذا التفاعل بالترابط بين أوضاع عرب الداخل والفلسطينيين بشكل عام.

وأضاف عبد الفتاح أن الاعتداءات الوحشية ضد الشعب الفلسطيني هذه المرة قرّبت وعمّقت الصلة مع القضية الفلسطينية بحيث عكس هذا التفاعل أمام الحدث الكبير في الهجوم الإرهابي على غزة و ما سبقه من هجمة على الضفة الغربية، وهو أن الفلسطينيين في الداخل أصبحوا أكثر ارتباطا بالقضية الفلسطينية، والأمر الثاني أنها كشفت أيضا حدود المساهمه لعرب الداخل في النضال الفلسطيني، وهذا ينبع من أمرين: أولا بسبب خصوصية واقعهم وارتباطهم بالاقتصاد الإسرائيلي وما يترتب عن ذلك من محاذير وقيود؛ والأمر الثاني أنها كشفت أيضا عن ضعف المؤسسات القطريه التمثيليه لعرب الداخل.

وتابع عبد الفتاح "نستطيع القول إن كل ما حصل الآن، وما يشمل من تحريض دموي على عرب الداخل وعمليات قمع وملاحقات سياسية وانفلات الشارع الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، كل ذلك يؤكد على الحاجة الملحة لتنظيم العرب في الداخل وتقوية مؤسساتهم وتطوير نهج الاعتماد على الذات والبحث عن وسائل وآليات جديدة لمواجهة التغول الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني  عرب الداخل. ويمكن القول إن التفاعل الذي جرى لم يكن كافيا، لكنه كان هاما جدا ويمكن البناء عليه والعمل على تطويره إذ أنه حتى الآن لم يتم استنفاذ كل الطاقات الحقيقية الكامنة لدى شعبنا، وبالتالي فإن دالة تصاعد الوعي الوطني لدى عرب الداخل لا رجعه فيها.

أمل جمّال: تداعيات خطيرة على عرب الداخل..

المحاضر ومدير مركز "إعلام" بروفسور أمل جمال في حديثه مع موقع عرب 48 أكد بدوره على متغيرات حادة قد تحدثها نتائج الحرب على عرب الداخل.

وقال: "بدون شك هذه الحرب هي امتحان صعب لفلسطينيي الداخل، أولا بوصفها حربا على إخواننا في غزة وشدة قساوتها على كل أبناء الشعب الفلسطيني، بشراسة منقطعة النظير في محاولة لتركيع ولقمع أية إمكانية للنضال ضد الاحتلال، وفي ذلك رسالة مبطنة للضفة الغربية في محاولة لإقفال أي باب لإمكانية تطور مستقبلي لرفع سقف المطالب الفلسطينية، والقول إن أي قوة مقاومة خارجية لن تغير من سياسات إسرائيل، وكذلك رسالة أخرى لعرب الداخل مفادها القول إما الانصياع لإرادة المؤسسة وقبول الوضعية المهمشة في الدولة اليهودية وإما أنتم أعداء.

وأسهب جمّال في هذا السياق بالقول "إن الحرب أغلقت الكثير من الآفاق السياسية وأبقت الخيار إما بين الانصياع والقبول بالشوفينية وعنصرية إسرائيل وإما أنتم أعداء، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجمهور اليهودي وضع حدودا واضحة مع عرب الداخل، وبرز ذلك من خلال المقاطعة التجارية ومجمل التعامل مع العرب، الأمر الذي من شأنه أن يعمق الشرخ والدعوات للمقاطعة من مسؤولين في الحكومة أيضا، علما أن المواطن اليهودي منصاع ومنساق خلف المؤسسة السياسية وخطابها ومؤسستها العسكرية والأمنية، وبرز ذلك من خلال إشارات عدة، وترجمت في الموقف من احتجاجات ومظاهرات عرب الداخل بحيث فهمها المواطنون اليهود كأنها عداوة بحيث تتبلور حالة من الاستقطاب الواضح وتعامل الجمهور اليهودي من باب إما الصديق أو العدو، ولا حالة بينية بينهما، وأن عملية الفرز كانت واضحة في التصنيف بين الصديق وبين العدو، وبالنتيجة فقد اعتبروا العرب أعداء".

وتابع جمال "كذلك كان الإعلام العبري، باستثناء صحيفة هآرتس، فكان متجندا كاملا ومحرضأ. وكذلك كانت الشرطة جزءا من المنظومة الأمنية التي حاولت فرض حالة ردع عنيفة من خلال القمع والضرب والاعتقال، وكذلك الطرد من العمل والتهديدات لعمال وموظفين عرب من أماكن عملهم. كل هذا يأتي في سياق محاولة التركيع وإفراغ أي حراك من مضمون للتاثير السياسي، وبذلك أرادوا القول أيضا إن المؤسسة العسكرية والأمنية تقول "أنا السيد على المحيط، ومن لا يقر ويلتزم بذلك فهو مباح للقمع والمحاصرة الاقتصادية والمعيشية". وقد تعاملت الشرطة مع عرب الداخل من هذا الباب.

واعتبر أيضا أن المؤسسة حاولت جر عرب الداخل للخروج عن قواعد اللعبة لضربهم وتوصيل الرسالة: "إما أن تنصاعوا وإما القمع والحصار".

وحول المستقبل، قال جمّال إنه لا يبشر بخير، وإن آفاق الممارسة السياسية آخذة بالانسداد، وبالتالي على الجمهور العربي أن يستعد ويبحث عن بدائل لممارسات سياسية خارج الإطار الرسمي، حيث لا أمل في إحداث أي تغيير من داخل المؤسسة، وهذا تطور خطير للغاية وبات الأمر واضحا، وعلى عرب الداخل تطوير أدوات التأثير.

التعليقات