حيفا: مخطط عقاري يطمس معالم مسجد الجرينة و كنيسة دير الكرميليت

التخطيط المستقبلي في حيفا يجب أن يشمل أهدافا اجتماعية واقتصادية وثقافية عادلة، تحافظ على مركزية المعالم الفلسطينية والأوقاف العربية ومصالح السكان العرب الفلسطينيين المختلفة

حيفا: مخطط عقاري يطمس معالم مسجد الجرينة و كنيسة دير الكرميليت

تستمر بلدية حيفا بسياستها الممنهجة بإقصاء المواطنين العرب داخل المدينة، وإخفاء معالمهم الثقافية، الحضارية والدينية عبر العديد من المخططات التي تهدف بداية إلى طمس معالم المدينة العربية والإسلامية، فتحاول جاهدة الإستمرار بالتخطيط والبناء في الأماكن التاريخية، والتصرف بالأوقاف وأملاك اللاجئين التي إستحوذت عليها المؤسسة الإسرائيلية من خلال قانون قامت بتشريعه في العام ١٩٥٢، يخوّلها التصرف بأملاك اللاجئين والمتوفين تحت بند "أملاك الغائبين"!

هذه المرة تنطلق شركة خاصة، وبرعاية البلدية ومباركتها لإقامة مشروع سكني ومركز تجاري يضم بداخله عدة ملاهي ليلية وقاعات عرض في المنطقة الواقعة ما بين مسجد "الجرينة" و كنيسة "دير الكرميليت".

مخطّط جديد يهدف إلى طمس معالم المنطقة، وإخفاء المعالم الدينية برفع بنيان كبير وضخم يخفي مسجداً وكنيسة.

المحامي خالد دغش، عضو لجنة متولي وقف الاستقلال في حيفا: "يحتاج تحرير الأوقاف للكثير من العمل القانوني والخرائط والبحث المستمر"

وقال  المحامي خالد دغش، عضو لجنة متولي وقف الإستقلال في مدينة حيفا، والمترافع في قضية الإعتراض على إقامة المركز التجاري، لمراسل "عرب ٤٨" "إن فلسطين بأغلبيتها أملاك وقف، قبل النكبة كان هنالك ما يُسمّى (المجلس الإسلامي الأعلى)، والذي كان يشرف ويدير كافة أموال الوقف في حيفا وغيرها، وكان يرأسه أمين الحسيني، بعد استشهاد أمين الحسيني تم تفكيك المجلس الإسلامي الأعلى واعتبار كل ما يملكه المجلس من أموال وقف أموال غائبين، يديرها مجلس أمناء يقوم بتعيينه رئيس الدولة".

وتابع: "هنالك العديد من الأملاك التي لم يستطع مجلس الأمناء السيطرة عليها، بسبب تواجد مالكيها والقائمين عليها في البلاد كـ "وقف الإستقلال"، وتشكّل في هذا الوقف ما يسمى (لجنة متولين)، وهي اللجنة التي تديره وتتولّى شؤون الوقف الذي لم تستطع السلطة السيطرة عليه، وتحويله للجنة الأمناء". 

وتابع دغش بخصوص مسجد الجرينة، وقال: "إن مسجد الجرينة بقي لسنوات عديدة في عداد أملاك الغائبين بسبب عدم البحث عن الأوراق ورفع اليد عنه ولجان أولياء قديمة لم تقم بالعمل المناسب لإعادة المسجد لوقف الإستقلال، يحتاج تحرير الأوقاف للكثير من العمل القانوني والخرائط والبحث المستمر، وتحرير الأوقاف هو تحرير لما قامت الدولة بمصادرته من أموال الأوقاف الإسلامية والتي تشكل الكثير من الأراضي والمساكن التي خصّصها الوقف في حينه لخدمة الجمهور والمحتاجين".

وعن الحملة التي تشنها البلدية وشركات خاصة على المسجد والكنيسة، قال دغش: "إن طول هذا المبنى وضخامته يشكّل هجوما واضحا وصريحا على المعالم الدينية للمدينة، فيما وحسب التخطيط الذي رأيناه، سيتم إحداث تغيير في مدخل الكنيسة وهدم درج وحائط لتغيير جهة الدخول إلى الكنيسة تحت إدعاء تجميل وترميم الكنيسة، ولكن في الحقيقة أن هذا التغيير يصب في مصلحة المركز الذي ينوون إقامته في المنطقة".

"المس بالمشاعر الدينية والأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في المنطقة"

وتابع دغش: "تبقى مشكلة أكبر، وهي المس بالمشاعر الدينية والأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين في المنطقة، فسيشمل هذا المركز ملهى ليليا وهذا ما يتعارض كلياً مع مشاعر المصليين وقدسية المكان، إقامة ملهى ليلي بجانب أماكن مقدسة يتوافد عليها المصلون هو أمر في غاية الخطورة وغير مقبول بالإضافة إلى أزمة الموقف وحركة السير التي ستضيق أكثر على المصلين في حال تمت إقامة المركز الضخم بجانب المسجد والكنيسة".

وعندما سألنا دغش عن رد المتحدّث بإسم الشركة، قال لـ "عرب ٤٨" إن "المتحدّث باسم الشركة الخاصة قال عندما طرح موضوع الأماكن المقدسة أن نية الشركة في التعايش مع المسجد والكنيسة، وإحياء جو التعايش في المنطقة، بينما يتعارض كل ما تطرح الشركة مع ثقافة المكان وحضارته وقدسيته، فكيف لملهى ليلي أن يتعايش مع مسجد، هذا غير مقبول".

وشدّد دغش بالقول: "من خلال مراجعتنا للخرائط، رأينا أن المركز يقام على ثلاث قسائم أرض تعود ملكيتها للاجئين، تحت بند أملاك غائبين وهذه تعد قسائم لا تستطيع الشركة استعمالها، إلّا أنه وعند اعتراضنا على هذا الموضوع قال المتحدث باسم الشركة (أحضروا لنا أصحاب الأرض وسنرى ما سنفعل)، مما يعني استغلال أملاك اللاجئين وعدم وجودهم في البلاد".

واختتم المحامي دغش حديثه لـ "عرب ٤٨" بالقول: "من المتوقع أن تقدم الشركة تخطيطاً بديلاً للمطروح حالياً، وفي حال قدّموه سنعترض مرة أخرى".

إمام مسجد الجرينة، الشيخ رشاد أبو الهيجا: " جزء من هذا المشروع والمخطّط هو لإقامة فندق بجانب المسجد، وتخوّفنا الأساسي والكبير هو منع صوت الأذان"

بدوره قال إمام مسجد الجرينة، الشيخ رشاد أبو الهيجا، لـ"عرب ٤٨" إن "جزء من هذا المشروع والمخطّط هو لإقامة فندق بجانب المسجد، وتخوّفنا الأساسي والكبير هو منع صوت الأذان، فنحن نعاني اليوم من المراكز الحكومية المحيطة بالمسجد، والتي طالب العديد من المسؤولين فيها بإخفاض صوت الأذان، ونتوقع في حال إقامة فندق أن يطلب منّا إسكات صوت الأذان وهذا تخوفنا الأكبر، فالأذان هو إحدى الشعائر الدينية التي لا يمكن إسكاتها".

وأضاف: "التخوّف الآخر من المشروع هو إقامة ملاهي ليلية وأماكن لهو بجانب المسجد، وهذا ما رأيناه وعانينا منه في مسجد الإستقلال، فبعد أن سمحت البلدية بإقامة العديد من الملاهي الليلية بجانب مسجد الإستقلال أصبحنا نعاني من الشباب الثمل الذي يخرج من الملاهي في أوقات الصلاة، بالإضافة إلى الموسيقى والتصرفات غير الأخلاقية من قبل الشباب الذي يمضي وقته في الملاهي، وتشويشه على جو الإيمان في الأماكن المقدسة، إقامة ملهى ليلي بجانب المسجد هو أمر في غاية الخطورة، ونحن لا نستغرب أن يقوم القائمين باستغلال باحات المسجد".

وعن رمزية المكان، يقول إمام المسجد: "إن مسجد الجرينة، المعروف ببرج الساعة، كان المعلم الأهم والطاغي على المنطقة قبل أن تقرّر البلدية والسلطات طمس معالم المدينة بإقامتها لعمارة الصاروخ بجانب المسجد، بالإضافة إلى العديد من البنايات الضخمة التي أخذت تطغي على معلم المدينة الأساسي والأصلي، واليوم هي تخطّط لإقامة مشروع أكبر من شأنه أن يطمس المسجد والكنيسة بين بنايات عملاقة".

مخطّط المدن والناشط السياسي، عروة سويطات: "المركز التاريخي الفلسطيني لمدينة حيفا يتعرّض لهجمة تخطيطية شرسة غير مسبوقة يجب التصدّي لها الآن"

أمّا مخطّط المدن والناشط السياسي، عروة سويطات، فقال لـ"عرب ٤٨": "بدلا من تمكين المنطقة كمركز تاريخي وحضاري يمثل تاريخ المدينة العربي الفلسطيني وتثبيت الأوقاف العربية، سيؤدّي هذا المخطط إلى طمس هذه المعالم وحصرها وتشويه مكانتها ودورها المركزي في المنطقة وضرب حركة السكان العرب الفلسطينيين إليها". 

وأضاف سويطات حول المخطط الذي يهدف إلى طمس معالم المدينة الأساسية ورموزها، قائلا: "علينا النظر إلى  السياق الاستراتيجي للمخطط خارج حدوده، على أنه يندرج ضمن سياسة شاملة تعتمدها بلدية حيفا لتطوير المركز التاريخي الفلسطيني كرافعة سياحية واقتصادية في المدينة تخدم التجارة وحركة المال بأهداف سياسة تتجاهل الحضارة الفلسطينية ومصلحة شعبنا، وهو جاء ليخدم مخططات تجارية وسياحية ضخمة على حساب تاريخ وادي الصليب وحي المحطة العريقين، وكلّ هذا في ظل انعدام التطوير والتضييق وإعتبار الأحياء العربية ثقب أسود تقفز عنها سياسات التخطيط، فالمخططات في الأحياء العربية إمّا عالقة وإمّا غير سارية المفعول، أمّا لهدف السياحة والمال فالمخططات تتسارع من كلّ حدب وصوب، الأمر النابع من سياسة إقصاء واضحة للسكان الأصليين من التطوير المستقبلي لمدينتهم".

وأشار سويطات مشدّداً إلى أن "المركز التاريخي الفلسطيني لمدينة حيفا يتعرّض لهجمة تخطيطية شرسة غير مسبوقة يجب التصدّي لها الآن، من خلال عدّة مخططات تهدف إلى استمرار الغبن التاريخي وتحويل المركز التاريخي والمعالم الفلسطينية والأوقاف وآثار دمار النكبة والأحياء المهمّشة إلى مجوهرات اقتصادية وسياحية لصالح رأس المال وبدعم وتواطؤ من بلدية حيفا وشركة  "عميدار" الحكومية التي تدير أملاك اللاجئين الفلسطينيين التي تمّ الاستيلاء عليها منذ النكبة، فالتصدّي لهذه المخططات مسؤولية تاريخية نحو الأجيال القادمة".

وتابع: "على التخطيط المستقبلي في حيفا أن يشمل أهدافا اجتماعية واقتصادية وثقافية عادلة، تحافظ على مركزية المعالم الفلسطينية والأوقاف العربية ومصالح السكان العرب الفلسطينيين المختلفة وتدمجنا في التطوير وتعزّز حقوقنا، لا تقصينا خارجه".

وإختتم سويطات حديثه قائلا: "لا يمكننا السكوت على وضع تاريخنا ومستقبلنا بأياد يهمّها الربح وطمس معالمنا، هم يريدون المال ونحن نريد الهوية، هم يريدون سياحة الفنادق ونحن نريد سياحة جماهيرية بديلة تحترم تاريخ المدينة الفلسطينية وتطور سكانها الأصلييين وتحوّل الأحياء التاريخية العربية، من أحياء مهمّشة إلى مراكز تاريخية وثقافية متطوّرة ومراكز جذب اجتماعي وسكني وسياحي وثقافي في المنطقة دون المسّ في حقوق السكان أو في نبض المكان وهويته".

التعليقات