بروفيسور أبو بكر لـ"عرب 48": مناهضة العنف تحتاج لبرنامج مهني متكامل

يتأثر العنف كذلك بالأوضاع المالية للأسرة، فكلما زاد الفقر يزداد العنف بسبب تكرار الإحباطات والشعور بعدم الكفاءة والإحترام الذاتي والإستغلال من قبل الآخرين

بروفيسور أبو بكر لـ

في أعقاب تفشي ظواهر العنف والجريمة وانشغال المجتمع العربي الفلسطيني ومؤسساته في البلاد بالبحث عن سبل مهنية وجدية لكبح جماح هذه الظواهر الخطيرة والمؤسفة، باتت الأوضاع في مجتمعنا تستوجب حلولا شافية، ترسخ في أعماقنا ثقافة التسامح وتجذر فينا أواصر المحبة والتعاضد والألفة.

"عرب 48" أجرى هذا الحوار مع بروفيسور خولة أبو بكر، حول هذه الظاهرة وسبل مواجهتها بصورة مهنية وشمولية.

-هل برأيك أن ملف العنف والجريمة الذي ينكب المجتمع العربي في البلاد أشبع بالتوصيف والتشخيص بأسبابه الخارجية والداخلية؟

قلة من الناس تولد مع نزعة مرضية للعنف. يتم تشخيص هذه الفئة في مرحلة مبكرة جدا من حياة الفرد، وخاصة في روضة الأطفال حيث يبرز التعامل العنيف في البيئة الإجتماعية. أما معظم مظاهر العنف فهي مكتسبة. العنف ظاهرة مركّبة لا يمكن إختزالها بنقطة واحدة وبرنامج تدخل مقلّص. للعنف عادة ثلاثة أقطاب مشاركة: أولا العنيف، ثانيا ضحية العنف، وثالثا الشاهدين للعنيف وللضحية.

يتأثر العنف بمضامين التربية الأولى في الأسرة ومنها غياب إحتواء خيبة أمل الطفل وتوجيهه لبناء علاقات سليمة خارج دائرة العنف، مثلا: "إلي ضربك اضربه". كما ويتأثر بمركزية البطريرك (الأبوي) ومحو إمكانية نقاش عنفه تجاه أفراد الأسرة، مثلا "هذا أبوك، بدك تطيعه ولو على قطع راسك".

يزداد العنف في المجتمعات ذات الحدود الصارمة بين الجنسين، والتي تفرّق جغرافيا بينهما والتي تميّز جنسا (جندر) عن الآخر. طوّرت الثقافة العربية مفاهيم سيطرة وقمع وتهذيب ومعاقبة الذكور للإناث ضمن موافقة معلنة أو ضمنية والتي تعود لجهاز المجتمع المحيط ومؤسساته.

حتى هنا قدمت الأسباب الفردية، الأسرية والثقافية للتبني السلوك العنيف في المجتمع. الأسباب الأخرى تعود للعلاقة مع المؤسسات الإقتصادية والسياسية والتعليمية، والتي تعود لجهاز الدولة.

يتأثر العنف كذلك بالأوضاع المالية للأسرة، فكلما زاد الفقر يزداد العنف بسبب تكرار الإحباطات والشعور بعدم الكفاءة والإحترام الذاتي والإستغلال من قبل الآخرين. وبما أن معظم البلدات العربية تقع من حيث مستوى الدخل، تحت خط الفقر، فنتوقع أن ثقافة التعامل بداخل هذه المجتمعات تتأثر من ثقافة الفقر.

العسكرة زادت العنف بالمجتمع الاسرائيلي..

ولفتت بروفيسور أبو بكر إلى أن الدراسات تشير إلى إرتفاع نسبة العنف الأسري في المجتمع اليهودي منذ إندلاع  الإنتفاضة الأولى وذلك بسبب  شرعنة إستخدام الجنود للعنف ضد المدنيين، ثم سحب هذا السلوك في حياتهم الأسرية والمجتمعية. منذ تلك الفترة زادت نسبة العنف في المجتمع الإسرائيلي - الفلسطيني واليهودي. رافق هذه الفترة أيضا تغيير في مبنى المجتمع الإسرائيلي بعد هجرة مليون روسي أدّوا إلى تغيير في مبنى الثقافة، الإقتصاد، الطابع السياسي وثقافة إنحراف الشبيبة في المجتمع الإسرائيلي. تغلغلت هذه التأثيرات للمجتمع الفلسطيني تدريجيا، خاصة في البلدات التي يسكن حولها مواطنون روس. تساهم الشبكات الإجتماعية في السنوات الأخيرة في تغيير مفهوم الرقابة الإجتماعية والضمير الإجتماعي والعرف الإجتماعي وتسمح للفئات العنيفة والفئات المكبوتة بالتعبير عن ذاتها بواسطة أنواع متنوعة من العنف منها الكلامي والنفسي والجنسي والمجتمعي. غيرّت هذه الشبكات مفهوم السلطة الوالدية والمدرسية في المجتمع الفلسطيني بتسارع لا يسيطر عليه المجتمع.

تغيّر ميزان التعامل المؤسساتي السياسي مع الفلسطينيين مواطني إسرائيل بعد حرب الخليج وزادت أوجه العنف ضدهم وبانت هذه المرحلة في أوجها في مواجهات أكتوبر 2000. منذ تلك الفترة، هنالك بعض المحاولات المؤسساتية لطرح إقتراحات لتغيير الوضع وتسكير الفجوة ولكن تنجح موجات سياسية يمينية طاغية في إفشال هذه المحاولات مرة تلو الأخرى.

-هل عنف الدولة والحروب منذ العام 1948 قد يكون سبب أساسي في تحديد سلوك الأفراد والعنف المجتمعي؟

يعيش المجتمع الفلسطيني في البلاد تحت تأثير صدمات الحروب المتكررة منذ عام 1948 وحتى اليوم. لقد تم تشريد 85% من السكان الأصليين، وثلث من تبقى تم إقتلاعه من بيته وتحويله للاجئ في مكان آخر بالوطن. أما الثلثين الباقيين فلقد تم فرض تغيير مبنى بلداتهم الطبيعي بواسطة توطينها بلاجئين مصدومين إحتاجوا لعقود حتى يشعروا بالتأقلم والإندماج.  معظم من بقي عانى من فقدان الأحباء والأسرة والأرض والأملاك والمكانة والذل.

فرضت القوانين العسكرية والتي فرضت على مدار 19 عاما على جميع الفلسطينيين سكان البلاد كبت هذه المشاعر ورفضت جميع أساليب تعبيرهم عن ذاتهم، سواء بواسطة المظاهرات، النشاط السياسي السلمي أو النشاط الأدبي، حيث إعتبر كل أسلوب تعبير من هذه معاديا للدولة.

عانى الفلسطينيون سكان البلاد من أثر 11 حربا وإنتفاضتين، شنت ضد العالم العربي أو ضد إخوانهم الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. تراكمت آثار الحروب النفسية خلال الأعوام وتبدو آثارها على فئات المجتمع كغضب، تهيّج سريع، شعور بفقدان الأهلية والقوة والقدرة، الحزن، الفقدان والحداد والحاجة للإنتقام.

لا تقف ردود فعل صدمة الحرب أو كرب ما بعد الصدمة ضد إسرائيل كمؤسسة حاكمة، ولكن تتسرب للحياة الشخصية والعائلية والمجتمعية وعلاقات العمل ونراها كعنف متنام في كل منحى من حياتنا اليومية.

-هل أشكال مناهضة العنف الاحتجاجية والتربوية والقانونية المتبعة اليوم هي وسائل كافية للتصدي لظاهرة بهذا الحجم؟

للأسف إن التعامل مع المشكلة هو موسمي، سياسي، يتأثر من أجندات حزبية موجهة ولا يتعامل مع المشكلة كمنظومة تحتاج لبرنامج منظومي متكامل طويل الأمد لحلها.

التعليقات